الاقتصاد اللبناني والمصادر السبعة للتقدم

تاريخ الإضافة الخميس 15 نيسان 2010 - 6:44 ص    عدد الزيارات 1280    التعليقات 0

        

الاقتصاد اللبناني والمصادر السبعة للتقدم
بقلم الدكتور لويس حبيقة:
لا شك أن الاقتصاد اللبناني يتطور مع الوقت بالرغم من الظروف الصعبة التي نعيش فيها· في محاضرة للرئيس فؤاد السنيورة ألقاها في جامعة لندن LSE في 9\\5\\2006 قال فيها ان الناتج المحلي الاجمالي الفردي اللبناني كان يوازي في سنة 1975 الناتج الفردي البرتغالي والايرلندي· أما اليوم (أي في تاريخه)، فهو يوازي خمس الناتج الفردي البرتغالي وعشر الايرلندي مما يدل على حجم الخسارة التي تكبدها اللبنانيون في العقود الماضية· تدل هذه الفجوة على حجم الفرص الضائعة التي نتحمل نتائجها حتى اليوم· لولا الحرب وما تبعها من حروب متنوعة، لكان مستوى معيشة اللبناني المتوسط بين 5 و 10 أضعاف ما هو عليه اليوم وهذا صعب حتى تخيله، فكيف لو تحقق· هذا بالاضافة الى الدمار والخسائر البشرية والهجرة والديون والقلق على المستقبل وغيرها من العوائق المادية والنفسية· بعد 35 سنة على بدء حرب 1975، كان لمباراة كرة القدم <السياسية> صدى ايجابي كبير الا أنها غير كافية طبعا للعودة الى التقدم الذي نحلم به ليس لاستعادة كل الفرص الضائعة، وانما بعضها أو لاصطياد فرص جديدة بفعالية كما كان الحال قبل 1975· فهل نحن جاهزون لهذه النقلة النوعية في التصرف والاستعداد للتقدم؟

هنالك شروط عصرية للتقدم تنبع من التجارب ومدعومة أصلا من النظريات الاقتصادية المتنوعة· فهل يتمتع الاقتصاد اللبناني بها وما هي فرص التجدد والتنوع كي يتجهز بشكل أفضل؟ هل من الممكن تحقيق هذه التعديلات أو ادخال قوانين جديدة قابلة للتنفيذ في ظل الأوضاع السياسية والادارية الحالية؟ هل مؤسساتنا العامة جاهزة ومرنة بما فيه الكفاية لنقل لبنان الى مرحلة أخرى؟ ما هي الشروط السبعة الضرورية للتقدم الاقتصادي وهل نتمتع بها في لبنان؟ هل يمكن القيام بالاصلاحات التي تسمح بتحقيق هذه الشروط المجربة دولياً؟

أولا: احترام حقوق الملكية الفردية وهذا ما اشتهر به الاقتصاد اللبناني منذ عقود عندما كانت اقتصادات المنطقة تخضع لقوانين التأميم والثورة الزراعية والاصلاحات المتنوعة· احترام الملكية الفردية هي من تراث الواقع اللبناني وتدخل في تربية وعقلية اللبناني منذ قرون، وكانت دافعا أساسيا له للعمل بجد وجهد لتحسين أوضاعه وأوضاع أولاده عبر نظام الوراثة· استفاد لبنان أيضا من انتقال العديد من المتمولين العرب اليه في فترة التأميم في دولهم حيث نقلوا بعض ثروتهم اليه خوفا من سرقتها من بعض الأنظمة السياسية الجائرة آنذاك· الملكية الفردية مصانة في الدستور والعادات والتقاليد والتاريخ ولا يمكن الخوف عليها· أما المطلوب اليوم بالاضافة لما سبق تنفيذ قانون حماية الملكية الفكرية، الذي لا يقل أهمية عن القانون الخاص العريض· هنالك تقاعس من قبل الدولة اللبنانية في تنفيذ واحترام القانون الذي أقر في التسعينات والذي يشكل أحد المداخل الأساسية للبنان الى منظمة التجارة العالمية

· ثانيا: حرية التبادل والعقود وهذا مهم لتوسيع قاعدة الاقتصاد· فالعوائق في وجه التبادل التجاري الداخلي تؤخر التقدم· من هذه العوائق الفساد الاداري العام والقوانين والقواعد القديمة التي تهرِّب المستثمرين وتدفعهم الى دول أخرى· هنالك مؤسسة مهمة تدعى <مؤسسة تشجيع الاستثمارات> IDAL لكنها لا تقوم بالمهمات الكبيرة المطلوبة منها بسبب ضعف الموارد البشرية والتقنية والمادية لديها· المطلوب تفعيل هذه المؤسسة المهمة جدا لمصلحة الاستثمارات والنمو الاقتصادي العام·

ثالثاً: أسواق تنافسية شفافة وفاعلة حيث تتنافس الشركات لارضاء المستهلك الذي يجب أن يكون سيد السوق أو ملكه· فالمنافسة الشديدة الحرة تشجع على التغيير والابداع، لكن هنالك عوائق كبيرة أمامها منها قانون حماية الدولة للوكالات الحصرية الذي يبقي الأسعار مرتفعة ويشكل أحد العوائق الرئيسية أمام دخول لبنان الى منظمة التجارة العالمية· يحتاج لبنان الى قوانين عصرية لحماية المنافسة وقانون جديد لحماية حقوق المستهلك بحيث يحصِّل الأخير حقوقه بسرعة عبر محاكم متخصصة تبت بفعالية بالشكاوى· حصة الاستهلاك من الناتج كبيرة جدا في لبنان، وبالتالي ان المستهلك يحدد فرص وسرعة التطور الاقتصادي المطلوب·

رابعا: أسواق رؤوس مال شفافة وفاعلة، وهذه ناقصة جدا في لبنان لكنها ضرورية لتحقيق النمو والتنمية· نفتخر بفعالية القطاع المصرفي وقوته وتنافسيته وهذا صحيح، الا أن الأسواق المالية هي حتما أهم وأكبر· المطلوب أسواق لتمويل الاستثمارات تسمح باصدار وتبادل أسهم وسندات للشركات التي ترغب بتمويل مشاريعها مباشرة من السوق حيث تكون التكلفة أقل· نحتاج الى تنظيم أفعل لقطاع التأمين حيث يقلق المضمون اليوم على السلامة المالية للعديد من الشركات الضامنة· المطلوب أيضا أسواق مشتقة تسمح للمواطن بتبادل الأدوات المستقبلية مما يشجع على الانتاج وتنويع المخاطر عبر القطاعات والزمن· أما بورصة بيروت، فلم تنمُ كما كان متوقعا وبقيت مرتكزة على تبادل أسهم وأدوات شركات قليلة وكبيرة· يحتوي لبنان على قطاع مصرفي فاعل، لكنه يحتاج الى قطاع مالي متكامل تمويلا للاستثمارات وتأمينا لحاجات الادخار المتنوعة· هنالك مشاريع قوانين لكنها تبقى مسجونة في مكاتب المسؤولين·

خامسا: الاستقرار النقدي وهذا تحقق عبر تثبيت سعر صرف الليرة تجاه الدولار الأميركي مما سمح بالسيطرة على التضخم الذي تفشى في الثمانينات وكانت تكلفة السيطرة عليه عالية جدا· لهذا الاستقرار النقدي فوائد كبيرة الا أن له مساوئ مهمة أيضا تتعلق بربط الواقع الاقتصادي الداخلي بالأميركي· يشكل هذا الربط فوائد كبيرة عندما يتحرك الاقتصادان اللبناني والأميركي بشكل متوازٍ، لكن لا يمكن أن يضمن أحد ذلك· في كل حال، من الصعب الآن الانتقال الى سعر الصرف الحر طالما أن الوضع اللبناني الداخلي متقلب لأسباب متعددة معروفة· يجب انتظار الفرصة المناسبة لعودة الليرة الى الحرية تجاه كل العملات·

سادسا: نسب ضرائبية منخفضة وهذا ما تمتع به الاقتصاد اللبناني تجاه معظم الاقتصادات الحرة وخاصة الغربية· استقطب لبنان العديد من الاستثمارات بفضل ضرائبه المنخفضة وهذا يمكن أن يتغير بسبب عجز الموازنة وتنامي حجم الدين العام وحاجة الدولة لايرادات كبيرة لتمويل المشاريع الاستثمارية· المطلوب اليوم نظام ضرائبي جديد يحقق العدالة بين الطبقات الشعبية ويحصل للدولة ما تريده من ايرادات· من الخطأ استسهال التحصيل الضرائبي أي الاتكال على بعض الرسوم والضرائب، كالضريبة على القيمة المضافة أو على المحروقات، التي تصيب نسبياً أكثر الطبقات الوسطى وما دون· يجب على الحكومة اللبنانية أن تباشر بضبط الإنفاق ووقف الهدر وتحقيق بعض الاصلاحات الادارية قبل مطالبة المواطن اللبناني بدفع المزيد من الرسوم والضرائب· المطلوب اعادة بناء الثقة الضائعة بين المواطن وأجهزة الدولة التي يمولها·

سابعا: تجارة دولية حرة أي انفتاح على الأسواق الخارجية في الاتجاهين وهذا متوافر في لبنان، إلا أن التحدي الأكبر للبنانيين يكمن في تخفيض عجز الميزان التجاري الذي يؤثر سلبا على نتيجة ميزان المدفوعات· تخفيض العجز يعتمد على زيادة انتاج القطاعات خاصة الزراعة والصناعة وتصدير منتجاتها· نحتاج الى سياسات قطاعية مبنية على رؤية عملية للواقع بحيث يرتفع انتاجنا في السلع والخدمات التي لنا فيها ميزات تفاضلية· أما العلاقات الاقتصادية مع سوريا فهي في غاية الأهمية، وما الاتفاقيات الموقعة الا وسيلة لتفعيل العلاقة· فالمشكلة لا تكمن في الاتفاقيات، وانما في التنفيذ الذي أعاقته السياسة والظروف الأمنية الصعبة التي نعيش فيها· يحتاج لبنان اذاً الى ورشة عمل كبيرة وجدية كي ينتقل الى الدرجة التي يطمح اليها اللبنانيون·

أخيرا، ان الفرصة متاحة للبنان كي يعوض بعض ما فاته شرط تحديد الرؤية والمباشرة بالتنفيذ، دائما بالتعاون مع القطاع الخاص الذي كان وما زال ركيزة الاقتصاد اللبناني ومستقبله·

 


 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,801,658

عدد الزوار: 6,966,819

المتواجدون الآن: 63