أصول إنشاء صندوق سيادي لـ "الثروة" النفطية اللبنانية

تاريخ الإضافة الخميس 29 تموز 2010 - 7:22 ص    عدد الزيارات 1331    التعليقات 0

        

أصول إنشاء صندوق سيادي لـ "الثروة" النفطية اللبنانية
بقلم سفين برندت

أثار احتمال أن يستفيد لبنان من استغلال الموارد الطبيعية الضخمة الموجودة قبالة الشاطئ في منطقة شرق المتوسط، النقاش حول إنشاء صندوق ثروة سيادي لإدارة الإيرادات التي ستتراكم. وإذا ما اختار لبنان أن يفعل ذلك، فسيحذو حذو عدد متزايد من البلدان التي تخزّن ثرواتها الوطنية في صناديق ثروة سيادية. في السنوات الأخيرة، أنشأت الحكومات في أرجاء العالم مجموعةً من صناديق الثروة السيادية، سواء على خلفية ازدهار الدخل المتحصّل من السلع، والخلل في الميزان التجاري، أو الحاجة إلى تغطية الالتزامات المستقبلية الخاصة بالمعاشات التقاعدية التي تواجه السكان في سنّ الشيخوخة. وقد أصبحت الصناديق السيادية اليوم واحدة من أهم الفئات الاستثمارية في العالم، إذ تتولّى مجتمعة إدارة حوالى 3 تريليونات دولار من الأصول. وأصبح أكبرها أسماء لامعة في عالم التمويل الدولي، مثل هيئة أبوظبي للاستثمار (ADIA)، وهيئة الاستثمار الكويتية (KIA)، وصندوق معاشات التقاعد الحكومي النروجي، ومؤسسة الاستثمار الصينية، ومؤسسة الخليج للاستثمار (GIC) وصندوق "تيماسيك" السنغافوري.
يتيح انتشار صناديق الثروة السيادية للبلدان التي تسعى إلى اقامة صندوق جديد، مثل لبنان، الاستفادة من أفضل الممارسات، وتجنّب بعض العثرات. فمن المفيد بشكل خاص إلقاء نظرة عن كثب على هذه الصناديق السيادية الستة والعشرين التي وضعت في صيف العام 2008 المبادئ والممارسات المقبولة عموماً لصناديق الثروة السيادية (GAPP)، المعروفة أيضاً باسم مبادئ سانتياغو، للاسترشاد بها. هذه الصناديق السيادية الستة والعشرون تلتزم تنفيذ مبادئ سانتياغو، واضعةً بذلك معياراً مقبولاً على نطاق القطاع بأكمله من الناحية النظرية والعملية في ما يتعلّق بالإطار القانوني، والأهداف، والتنسيق مع السياسات الاقتصادية الكلية، والإطار المؤسسي والهيكل الإداري، وإطار إدارة الاستثمار والمخاطر الخاص بصناديق الثروة السيادية.
إن تقويماً مقارَناً لأداء الصناديق السيادية الستة والعشرين الموقِّعة على مبادئ سانتياغو يكشف عن أن هذه الصناديق تتفاوت كثيراً في مايتعلّق بعدد من القضايا. إحدى هذه القضايا هي الشفافية، فالعديد من صناديق الثروة السيادية، ولاسيما في الاقتصادات الناشئة، فشلت في وضع المعايير المناسبة التي من شأنها السماح لناخبيها المحليين بأن يفهموا من أين تأتي ثروة البلاد، وكيف يتمّ التصرّف بها، وأين تذهب. ولايُعطى سوى القليل من المعلومات حول ترتيبات تمويل الصندوق، وممارسات إدارة الاستثمار، وسياسة السحب.
القضية الثانية هي العلاقة بين المالك، أي القيادة السياسية للبلد الذي يشرف على الصندوق، والإدارة التشغيلية للصندوق. ومبادئ سانتياغو تحرص كثيراً على وضع مسافة كبيرة بين المالك والإدارة التشغيلية. ويقتصر دور المالك على تحديد أهداف الصندوق، وتعيين أعضاء الهيئة الإدارية، وممارسة الإشراف على عمليات الصندوق. أما الهيئة الإدارية لصندوق الثروة السيادي فتحدّد الإستراتيجية والسياسات التي ترمي إلى تحقيق أهداف صندوق الثروة السيادي، وهي مسؤولة في نهاية المطاف عن أداء الصندوق. وعلى الإدارة التنفيذية لصندوق الثروة السيادي تنفيذ استراتيجيات الصندوق بطريقة مستقلة وفقاً لمسؤوليات محددة بوضوح. ومعظم صناديق الثروة السيادية التي تغطيها مبادئ سانتياغو ترتبط بوزارة المال باعتبارها السلطة السياسية التي تشرف على الصندوق. وزير المال هو المسؤول في نهاية المطاف أمام الهيئة الممثِّلة للشعب أي البرلمان. وباستثناء حالات قليلة جداً، كما في أذربيجان أو سنغافورة، لايلعب الرئيس أكثر من دور رمزي في الإشراف على الصندوق. فالعمليات التشغيلية تُنَفَّذ بصورة رئيسة من قبل البنك المركزي أو من قبل شركة استثمارية مخصّصة، مملوكة بالكامل من الحكومة. وبدورها، قد تقرّر الإدارة التشغيلية الاستعانة بمصادر خارجية لإدارة الصندوق. على سبيل المثال، أوكل جهاز أبوظبي للاستثمار إلى مديرين من الخارج إدارة مايصل إلى 80 في المئة من أصوله.
القضية الثالثة هي الهدف من صناديق الثروة السيادية. فقد تبنّت معظم الصناديق التي تعتمد على السلع الأساسية مبدأ توسيع فوائد ثروة بلادها من الموارد الطبيعية لتشمل أجيالاً متعدّدة، وذلك عبر تحويل الأصول من الموارد الطبيعية إلى أصول مالية. وتشير سياسات السحب الخاصة بها على نحو أكثر دقة إلى المستفيدين من عائدات الأموال. فصندوق ألبرتا للتراث في كندا، على سبيل المثال، ينفق كل سنة صافي دخله على أولويات ألبرتا، مثل التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية. كما أن عدداً من الصناديق يستخدم موارده لدعم التزاماته المستقبلية الخاصة بالمعاشات التقاعدية، مثل صندوق احتياطي المعاشات التقاعدية في التشيلي، وصندوق الثروة الوطني في روسيا، وصندوق معاشات التقاعد الحكومي في نروج. في المقابل، تسعى صناديق أخرى إلى حماية اقتصاداتها من تقلّبات أسواق السلع العالمية، مثل الصندوق الاحتياطي في روسيا أو صندوق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في التشيلي. بيد أن غيرها من الصناديق، مثل هيئة الاستثمار القطرية، يسعى إلى تنويع اقتصاداته الوطنية بعيداً عن السلع، بالاستحواذ على حصص استراتيجية في الأصول الصناعية الأجنبية التي يعتقد أنها مهمة لتحقيق أهدافه.
هذا ليس سوى عدد قليل من القضايا التي يجد صانعو السياسات في لبنان أنفسهم أمامها عند مناقشتهم إنشاء صندوق ثروة سيادية للبلاد. ومع ذلك فإن الوقت إلى جانبهم، لأن في وسعهم أن يبنوا على الخبرات التي اكتسبتها بلدان أخرى في إيجاد الصيغة الصحيحة لإدارة ثروتها.

للحصول على خريطة تفاعلية مع معلومات إضافية حول صناديق الثروة السيادية، يرجى اتّباع الرابط التالي:
http://carnegie-mec.org/publications/
special/multimedia/index.cfm?fa=swf&lang=en

 


(الدكتور سفين برندت باحث زائر في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت -أرسل هذا النص الى "قضايا النهار")      

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,806,996

عدد الزوار: 6,967,024

المتواجدون الآن: 67