إلى متى التقهقر؟

تاريخ الإضافة السبت 19 كانون الثاني 2013 - 5:21 ص    عدد الزيارات 774    التعليقات 0

        

 
بقلم مروان اسكندر

إلى متى التقهقر؟

 

منذ تاريخ الاستقلال والقيادة السياسية تعاني التقهقر والتحديات المرتبطة أساسا بمحاباة بعض اللبنانيين لقضايا غير لبنانية.
عام 1948 استقبل لبنان الفلسطينيين المهجرين قسراً من بلدهم، وآمال العودة كانت قوية لكن الزمن ونكسات الحروب العربية الاسرائيلية وسّعت نطاق التهجير وتمددت المخيمات وتحول بعضها مناطق تهديد للبنانيين ولاستقرار لبنان.
وحرب السنوات الـ14 منذ ربيع 1975 فرقت الائتلاف اللبناني الذي كان سائداً. فاللبنانيون تعايشوا بأخوة ومحبة حتى تاريخ انسياقهم اولاً مع التوجهات الناصرية ومن ثم مع المنظمات الفلسطينية.
وسعى اللواء فؤاد شهاب الى اعادة اللحمة بين اللبنانيين وتوثيقها، كما هو اطلق مشاريع تنموية واجتماعية عدة كان من أهمها تأسيس المصرف المركزي، وانشاء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، واطلاق المشروع الاخضر، وانشاء مجلس السياحة، واطلاق هيئات الرقابة، وانجاز منشآت نادي السيارات والمرفأ السياحي في جونية الخ.
وتميزت الفترة الشهابية بالابتعاد عن الخيارات الطائفية والمذهبية في ايلاء المراكز الرئيسية الحساسة الى فريق مميز من الفنيين علمياً واخلاقياً. ويمكن القول ان اجهزة الدولة استعادت دورها المفترض خلال الفترة الشهابية، لكن هذا الدور تفكك في ظل رئاسة شارل حلو للجمهورية وتركيز الانتقادات على اركان المكتب الثاني ونشاطهم في ضبط المخيمات الفلسطينية. وكانت المصيبة الكبرى توقيع اتفاق القاهرة عام 1969، هذا الاتفاق الذي انتقص من السيادة اللبنانية وافسح للقيادة الفلسطينية في طموح السيطرة على لبنان، فكان ياسر عرفات يقول، كيف لا استطيع قيادة دولة فلسطين وأنا مسيطر على لبنان بعد عام 1970 مع تدفق المقاتلين الفلسطينيين عقب تعرضهم لهزيمة ساحقة في الاردن عندما حاولوا تخطي سلطة الملك حسين، فهب الجيش الاردني للدفاع عن العرش.
وتداعيات الحرب اللبنانية ترسخت بداية مع انتخاب الرئيس الياس سركيس وتكبيل توجهاته الاستقلالية بالطموحات السورية. وبعد توجه انور السادات الى اسرائيل وتمهيده لاتفاق سلام وقع في كمب ديفيد، ابتعد الرئيس حافظ الاسد عن دور الحكم بين الفئات اللبنانية واتاح للاجنحة المعارضة للحكم امكان التأثير الاوسع على مجريات الحياة اللبنانية.
وفي خريف 1989، وفر اتفاق الطائف للبنانيين فرصة استعادة الثقة في ما بينهم، واطلق رفيق الحريري حركة اعمارية حققت بين 1993 و1997 انجازات كبيرة على مستوى التجهيز البنيوي، وخصوصاً في مجال انجاز ترميم المدارس، واطلاق مشروع بناء الجامعة اللبنانية والكليات المهنية، والمطار، وطريق المطار الى وسط بيروت، وزيادة طاقة الانتاج الكهربائي في محطتين حديثتين، كما ادخل الى لبنان منذ 1994 وقبل اي بلد عربي آخر خدمات الهاتف الخليوي لتأمين امكان التواصل بين اللبنانيين، وأصر على انجاز شبكة مليون خط ثابت، ولا تزال هذه الشبكة توفر الاتصالات على مستوى أفضل من شبكة الخليوي.
بعد اغتيال الحريري في شباط 2005 وموجة الاستياء والتبرم التي جمعت أكثر من مليوني لبناني ولبنانية في ساحة الحرية، صارت عملية الانسحاب السوري مؤكدة، واعلن عنها في دمشق في تاريخ 8 آذار عندما كان هناك تجمع كثيف في ساحة رياض الصلح قصد منه شكر سوريا على جهودها في لبنان.
شهر آذار 2005 بات شهر الانفصام بين اللبنانيين وحرب 2006 جمعت اللبنانيين في مواجهة اسرائيل، في حين ان نتائجها ابعدتهم عن الاتفاق على منهجية الحكم في ما بعد، واستمر حال الجمود حتى اتفاق الدوحة عام 2008 الذي كرس الفيتو في السلطة التنفيذية أي الحكومة.
حق الفيتو صار بمثابة الحاجز المنيع في وجه تقدم اية مشاريع، سواء انجاز الموازنة أو تخصيص مبالغ لتطوير الخدمات العامة، وأهم هذه خدمات الكهرباء، والهاتف، والمياه، وتحسين مسارب السير وضبط المخالفات، كما اختيار الموظفين الاكفياء لتسيير شؤون الدولة. ان هذا الجمود المستمر قاتل للطموح، ويضيق على فرص العمل للشباب، ويمنع تقليم اجهزة الدولة من الموظفين والمتعاقدين الفائضين عن الحاجة أو غير المنتجين، ولعل المثل الاكثر تعبيراً عن تجميد الاعمال النافعة يتجلى في أوضاع بلدية بيروت ومشاريعها التنموية والبيئية الكثيرة والتي هي مجمدة بسبب تباين المواقف بين المجلس البلدي المنتخب منذ ثلاث سنوات تقريباً والمحافظ بالوكالة الذي يمارس هذا الدور منذ أكثر من ثلاث سنوات وهو صاحب حق التوقيع في تخصيص الاموال لترفيع التجهيز البنيوي وانجاز اية مشاريع مفيدة بيئياً وصحياً.
بلدية بيروت تزيد اموالها المجمدة على 800 مليون دولار، والرسوم البلدية السنوية تتجاوز الموازنة الروتينية للبلدية، والحكومة اقترحت اقرار زيادة نسبة الاستثمار في مناطق في بيروت، ومعلوم ان نصف اللبنانيين هم من سكان بيروت والعاملين فيها أو في ضواحيها.
معلوم ان تجهيزات البنية التحتية في بيروت مهترئة سواء لتوفير الكهرباء أو المياه، أو تسهيل السير وتأمين المواقف والنقل العام، والبلدية تتقاضى رسوم ارصفة ومجارير والارصفة اذا توافرت تضيق بانتقال المواطنين. وحدها منطقة وسط بيروت تبدو كأنها تحوز المواصفات المدنية المطلوبة في عاصمة حديثة.
مشاريع المجلس البلدي متنوعة وكثيرة، لكن السير في أكثرها معلق على موافقة المحافظ، والمحافظ كونه يمارس عمله بالوكالة في حين ان محافظ طرابلس التي تحتاج الى كل وقته وزيادة، لا يستطيع مراجعة المشاريع وتسيير وتيسير الموافقة عليها وهو تالياً يرتهن آمال أهل العاصمة للاوقات التي يستطيع توفيرها لمتابعة مشاريع بيروت.
والسؤال هو، هل الحكومة عاجزة عن تعيين محافظ اصيل لبيروت يستطيع تكريس الجهود لدراسة المشاريع واقرارها بسرعة، وما هو السبب الذي يحول دون ذلك؟
زيادة عامل الاستثمار التي برزت مدخلاً لمعالجة شح الموارد، تستوجب قبل اقرارها أو على الاقل مع اقرارها بدء تنفيذ مشاريع ترفيع تجهيزات البنية الاساسية لبيروت، ولا يمكن القبول باستمرار الوضع على ما هو، تجميع للموارد، مشاريع على الورق، وعدم توافر الوقت لرئيس السلطة التنفيذية لدفع عجلة النمو بالتعجيل في اعمال البنية التحتية. وفي تقديرنا انه لو انفقت البلدية على هذه المشاريع 200 مليون دولار سنة 2013 يرتفع معدل النمو السنوي بنسبة 1,5 في المئة، كما تزداد الرغبة في انجاز استثمارات من القطاع الخاص تضيف نسبة مماثلة الى ارتفاع الدخل القومي. واذا احتسبنا وقع الترخيص لشركات بالتنقيب عن النفط والغاز وحاجات هذه الشركات لتوفير المسكن، والمدرسة، والعنايات الطبية للموظفين الجدد في مجالات الاستكشاف، يمكننا ان نطمح الى تحقيق معدل نمو على مستوى 4 – 5 في المئة عام 2013، وحينئذ نشهد بداية الانعتاق من اللاحركة، والتمنع عن تحسس الحاجات الحقيقية للمواطنين".

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,083,336

عدد الزوار: 6,977,858

المتواجدون الآن: 73