مع أن وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان لا يترك فرصة سانحة إلا ويشدّد فيها على وجوب تحرّك العالم لإطاحة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وكان آخرها تصريحات أدلى بها في بحر الأسبوع الفائت وأكد عبرها أن الكلام والمناقشات لم تعد مجدية لوضع حدّ لأعمال القتل التي يرتكبها هذا النظام، إلا إن السياسة الإسرائيلية العامة في هذا الشأن لا تبدو متماشية تمامًا مع هذا السلوك.
 

ووفقًا لما أعلنته مصادر مطلعة على خبايا السياسة الإسرائيلية الخارجية لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أخيرًا فإن الموقف الرسمي الذي تتخذه إسرائيل إزاء الأوضاع في سوريا تم تنسيقه مع الولايات المتحدة، ويستند إلى مبدأ الامتناع علنًا عن أي تدخل في شؤون هذا البلد، وذلك كي لا يتم توفير ذريعة للنظام السوري تتيح له إمكان صرف أنظار الرأي العام عن الأحداث الداخلية نحو التدخل الإسرائيلي.
وسبق لصحيفة "هآرتس" أن أشارت إلى وجود خلافات في الرأي داخل الحكومة الإسرائيلية إزاء ما يحدث في سوريا في الآونة الأخيرة، فبينما يعتقد وزير الخارجية وكبار الموظفين في هذه الوزارة أن على إسرائيل أن تشجب بصورة لا لبس فيها أعمال القتل التي يرتكبها نظام الأسد، وأن تتبنى سياسة علنية تدعو إلى إسقاط هذا النظام، فإن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع إيهود باراك، يعارضان اتخاذ موقف كهذا، ويعتقدان أن على إسرائيل أن تحافظ على الغموض في كل ما يتعلق بموقفها في هذا الشأن، وأن اتخاذ أي موقف واضح إزاء ما يحدث في سوريا سيجعل الأسد يدعي أن إسرائيل تقف وراء التمرّد ضده.
 

وعلى ذكر سياسة الغموض، كان الباحث الإسرائيلي يارون إزراحي قد أشار في سياق آخر إلى أن إسرائيل مولعة للغاية بمبدأ الغموض إزاء المواقف التي لا تستلزم الوضوح، سواء لدواع خارجية أو داخلية، وقد بدأت باعتماد هذا المبدأ في ما يتعلق بسياستها النووية، لكنه سرعان ما شاع في جميع المجالات، وبرز على نحو خاص في كل ما يرتبط بموضوع رسم الحدود الجغرافية للدولة. وبرأي هذا الباحث فإن "سياسة الغموض تعني انعدام السياسة".
بيد أنها في واقع إسرائيل ووقائع المشروع الصهيوني عنت حتى الآن برأينا إخضاع السياسة للظروف المتغيرة. والدليل أن مقاربة إسرائيل، في صدد الحدود مثلاً، اعتمدت عادة (في سياق المفاوضات) على سماع ماهية مطالب الطرف الآخر، فإذا أعجبتها توافق عليها، وإذا لم تعجبها لا توافق.