«حماس» والبوصلة التائهة بعد محطة سوريا

تاريخ الإضافة الأربعاء 14 آذار 2012 - 5:21 ص    عدد الزيارات 588    التعليقات 0

        

«حماس» والبوصلة التائهة بعد محطة سوريا
 

بقلم مأمون الحسيني
 

لعل من العبث مواصلة الجري وراء تصريحات قادة حركة «حماس» التي تتأرجح ما بين الإعلان والنفي، والتوضيح، والاستدراك، لتبيَن حقيقة موقف الحركة القاطع والمانع من السلطات السورية، ومعرفة إن كان الطلاق بين الجانبين أصبح بائنا، أم ما زال ثمة إمكانية لوصل ما انقطع من الصلات التي دفعت العديد من المثقفين المتفائلين إلى الإعلان والتصريح والتنظير بأن سليلة «الإخوان المسلمين» في فلسطين تقدم، عبر علاقتها المميزة السابقة بسوريا، نموذجا عمليا على إمكانية الوحدة بين الإسلام السياسي السني والعروبة، ذلك أن عملية مغادرة «حماس» مربع التحالف مع دمشق لم تترجم فقط عبر التصريحات النارية التي جرت على ألسنة العديد من قادة الحركة ضد النظام في سوريا، بمن فيهم إسماعيل هنية وصلاح البردوبل وغيرهما، وإنما كذلك، ووفق مصادر «حماس»، من خلال إغلاق المكاتب التي تملكها الحركة داخل دمشق، وإلغاء كل العقود الخاصة بالمكاتب المستأجرة، وإقرار إقامة رئيس الحركة خالد مشعل والقياديين عزت الرشق وسامي خاطر في العاصمة القطرية الدوحة، وإقامة نائب رئيس المكتب السياسي موسى أبو مرزوق في العاصمة المصرية القاهرة، والقياديين محمد نزال ومحمد نصر في العاصمة الأردنية عمان شرط عدم القيام بأية نشاطات.
وعلى رغم التباين في المواقف حيال حقيقة ومشروعية العناوين التي طرحتها «حماس» لفصل عرى ما كان يعتبره البعض «زواجا كاثوليكيا» مع النظام السياسي في سوريا، سواء ما تعلق منها بالجانب «المبدئي»، من نمط الوقوف إلى جانب «الشعب الساعي نحو الحرية والديمقراطية»، كما جاء على لسان القيادي محمود الزهار، أو «الأخلاقي»، على غرار القول بأن الحركة الإسلامية «لا يمكنها العمل في سورية وهي تشاهد حمّام الدم، وتشعر بغزارة الدماء التي تسيل، ولا تستطيع فعل شيء»، وفق ما نقل عن القيادي صلاح البردويل، إلا أن هناك شبه اتفاق على أن «حماس» التي قررت العودة إلى جذورها الإيديولوجية والتنظيمية، والانضواء تحت راية التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذين تحتل فروعهم المحلية صدارة المشهد السياسي في العديد من الدول العربية، وضعت نقسها أمام رزمة من التحديات المفتوحة على احتمالات شتى، يرى البعض أن أبرزها يكمن في التوجه الجاد نحو وضع الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام فوق كل اعتبار بعد «تحرر» الحركة من الخضوع لاعتبارات الإقامة ومراعاة السياسة السورية، فيما يرى بعض آخر أن الاحتمال الأكثر واقعية هو اضطرار الحركة التي وزعت قياداتها الأساسية بين عواصم العرب، إلى تدوير زوايا برامجها وشعاراتها المتعلقة بالمقاومة المسلحة بما يتناسب وأجندات تلك العواصم وتحالفاتها العربية والدولية.
إلى ذلك، ثمة فيض من الأسئلة والقضايا الإشكالية التي باتت تفرض نفسها على «حماس» التي تنوس تصريحات قادتها ما بين التأكيد على أنها ليست طرفا في أي محور عربي أو إقليمي، وفق ما جاء على لسان القيادي محمود الزهار، وبين الجزم بأن «تحرير فلسطين لن يتم إلا من خلال مصر»، لعل أهمها كيفية ردم الهوة المتعلقة بأولويات الثورات والانتفاضات العربية التي حملت «الإخوان المسلمين» إلى صدارة المشهد، سواء ما تعلق منها بالديمقراطية وحرية التعبير والعدالة الاجتماعية، والتخلص من إرث الأنظمة السابقة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، قبل أن تبرز إلى السطح مسألة المطالبة باعتماد الشريعة الإسلامية في الأنظمة السياسية الوليدة، وبأولويات الفلسطينيين المتمحورة حول إنهاء الانقسام السياسي والجغرافي والمجتمعي الداخلي بأفق ديمقراطي، والتصدي لعمليات التهويد والاستيطان، ودحر الاحتلال، واستعادة ما أمكن من الحقوق الوطنية المشروعة. أي، بكلام آخر، كيف يمكن لـ «حماس» التي لم تعد تخفي مراهنتها على أشقائها من فروع «الإخوان المسلمين» للوصول إلى أهدافها الفئوية والوطنية، المواءمة بين هذه الأولويات في ظل ترجيح عدم المس باتفاقيات كامب ديفيد من قبل أية حكومة مقبلة في مصر؟!
في السياق ذاته، يتواصل تردد الأسئلة التي ترشح من ثنايا الإشكالية المركزية المتصلة بمحورية القضية الفلسطينية، وهل ما زالت تشكل مركز الاستقطاب للعرب وثوراتهم وانتفاضاتهم: أية بدائل لسوريا في توفير المناخ السياسي والأمني لقادة «حماس» وكوادرها التي يلاحق جهاز الموساد الإسرائيلي العديد منهم؟ ثم ماذا عن مسألة تسليح المقاومين الفلسطينيين في قطاع غزة التي يعلم الجميع دور سوريا وإيران، وربما «حزب الله»، فيها، أم أن الحركة الإسلامية قررت الإقلاع عن المقاومة المسلحة، واعتماد «المقاومة الشعبية» وفقا لما جاء في «اتفاق الدوحة» الذي أظهر اعتدالا غير مسبوق من قبل «حماس»؟ وأخيرا، لماذا لم تقم قيادة الحركة بالعودة إلى أرض فلسطين، وتحديدا إلى قطاع غزة، وهي المنطقة الفلسطينية الوحيدة التي تعتبرها «حماس» محررة وتتمتع باستقلالية القرار؟
هذه الأسئلة التي تفرضها مصلحة الشعب الفلسطيني الذي سبق وأن دفع أثمانا باهظة لتسديد فواتير أخطاء الفصائل والأحزاب والساسة الفلسطينيين، خلال مراحل عديدة من تاريخه، ترتبط ارتباطا وثيقا بالخشية من اندفاع «حماس» نحو رفع منسوب المراهنة على التطورات الجارية في أكثر من بلد عربي، على حساب المعادلة الفلسطينية الاستثنائية التي تتطلب نمطا وحدويا إجباريا لا يتناسب وواقع الحال السياسي الذي يدب على أجزاء عديدة من الأرض العربية، وهو ما بدا جليا في مرونة قادة «حماس» الزائدة عن اللزوم في اتفاق المصالحة، والتي فضحت، عبر الموافقة على تولي الرئيس عباس المقبول عربيا ودوليا وإسرائيليا، والمتمسك ببرنامجه السياسي وطريق المفاوضات الثنائية، بما في ذلك شروط اللجنة الرباعية، رئاسة حكومة الوفاق الوطني خلافا للورقة المصرية التي تنص على تشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة، سعي الحركة الإسلامية إلى التكيف مع الواقع الجديد، والأخذ بنظر الاعتبار حاجة الإخوان المسلمين الذين فازوا في الانتخابات في مصر وتونس، والمرشحين للفوز في بلدان أخرى، حتى يثبَتوا أقدامهم بالحكم ويتجاوزوا المرحلة الانتقالية، ناهيك عن الطمع في كسب اعتراف عربي أميركي وأوروبي بحق «حماس» في الحكم، والحصول على الشرعية التي تؤهلها لقيادة الشعب الفلسطيني في مرحلة قادمة.
ولأن التجربة التاريخية للفلسطينيين تفيد بأن قضيتهم ما كان لها أن تضيع في يم المحاور العربية والدولية ، لولا تسليم مفاتيحها في العام 1948، وبعد النكبة، إلى القادة العرب الذين استخدموها في تلميع صورهم، واكتساب مشروعية شعبية وقومية لأنظمتهم، فإن ثمة ضرورة للتحذير من عدم المجازفة في «تجريب المجرَب» وإعادة إنتاج ذات الأخطاء التاريخية، ولو كان ذلك من باب الإخوان المسلمين الذين يرجح أن تكون تجربتهم في الحكم، ولا سيما في المرحلة الانتقالية التي ربما تمتد إلى أمد يصعب تحديده، متخمة بالصعاب والعقبات والإشكاليات والعقد التي من شأنها، في حال حسنت النوايا والظنون، إحالة القضية الفلسطينية مرة أخرى، ومن جديد، إلى ذيل الاهتمامات الجديرة بالنظر في خريطة المشروع الإسلامي الكبير.

*كاتب فلسطيني.

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 157,217,216

عدد الزوار: 7,059,605

المتواجدون الآن: 82