لم يعد بإمكان قيادة حركة "حماس" أن تخفي أن التطورات العربية عكست نفسها بشكل صارخ على أوضاعها الداخلية، وأن العامل الإقليمي، لدى الحركة الإسلامية، ذات العلاقات المتشعبة مع الفروع  "الإخوانية" في المنطقة العربية، يلعب الآن، دوراً، في رسم سياسة هذه الحركة، أكثر تأثيراً من العوامل الفلسطينية المحلية، وأن بإمكان الحركة أن تؤجل بعض الخطوات الفلسطينية الملحة، كإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، في انتظار المزيد من الوضوح الإقليمي.
من أهم الآثار الإقليمية مغادرة قيادة الحركة، والعدد الواسع من الصف الأول والثاني لكادرها، العاصمة السورية وإعادة الانتشار في الدوحة، والقاهرة، وعمان، وتونس، والخرطوم، ما أثار حفيظة بعض الصحف السورية غير الحكومية التي رأت في هذا الانتشار انحيازاً سياسياً ضد دمشق، ومدّ جسور التحالف مع العاصمة القطرية. عّبر عن هذا الانحياز بشكل فاقع، رئيس حكومة الحركة إسماعيل هنية في خطبته الشهيرة في القاهرة.
ومع أن عضو المكتب السياسي لـ"حماس" محمود الزهار حاول أن يخفف من وطأة هذا الانحياز برفضه الزج بالحركة في الخلافات الداخلية لأي من الدول العربية، إلا أن نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، موسى أبو مرزوق لم يخفِ أن العلاقة مع إيران ومع سوريا شهدت تراجعاً إلى الوراء بسبب ما سمّاه مواقف "بعض أعضاء قيادة حماس". وإذا كان أبو مرزوق قد انتقى كلماته بدقة ليترك الباب موارباً بين حركته وكل من دمشق وطهران، تحسباً لأية تطورات لاحقة، فإن صلاح البردويل، من غزة، لم يتردد في إعلان موقف من الوضع في سوريا، استعار فيه بعض عباراته من خطاب فرع "الإخوان" في سوريا، وبما يقطع أي أمل باستعادة العلاقة مع دمشق في ظل النظام الحالي.
 

الحالة الإقليمية تقدمت في حسابات "حماس"، على الحالة الفلسطينية، ما يفسر عدم اتفاق المكتب السياسي للحركة على شروط تطبيق اتفاق الدوحة، وضرورة أن تبقى غزة تحت سلطة الحركة، كورقة قوة في الحسابات الإقليمية، وما يفرض أيضاً حرص الحركة على صون "الأجواء التصالحية" مع "فتح"، دون التقدم نحو "استعادة الوحدة"، وثمة فارق كبير بين الحالتين.
في عجقة تصريحات تصدر من أقطاب "حماس"، نلاحظ صمت اثنين من أعضاء قيادتها. رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، الذي يدير الأمر بصمت يتطلبه موقعه القيادي، وأسامة حمدان، الذي قرر أن "ينأى بنفسه" عن هذا الحراك، متأثراً بالتجربة اللبنانية، وباستضافة "حزب الله" له.