سارعت غالبية التحليلات الإسرائيلية التي تناولت موضوع الإضراب عن الطعام الذي أعلنه الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية منذ 17 نيسان الماضي، وانتهى هذا الأسبوع بتلبية جلّ مطالبهم، إلى توكيد أن سبب تجاوب إسرائيل مع هذه المطالب يعود أساساً إلى تخوفها من أن يؤدي الإضراب إلى موت أحد الأسرى المضربين عن الطعام، الأمر الذي من شأنه أن يفجر "موجة عنف" في المناطق المحتلة، وأن يتسبب بإدانة إسرائيل في العالم أجمـع.
وخلص بعضها إلى استنتاج مؤداه أن إسرائيل باتت أكثر حساسية للنقد الذي تتعرّض له في الخارج، وخصوصًا في أوروبا والولايات المتحدة، والذي يهدّد شرعيتها، وأن هذه الحساسية من شأنها أن تجرّدها من "جزء حيوي من إجراءاتها في مجال محاربة الإرهاب"، مثل الاعتقال الإداري من دون توجيه اتهامات أو محاكمة، وإساءة أوضاع السجناء.
وخلال الإضراب ظهرت دعوات تحذّر المسؤولين من "مغبـة" الخضوع لمطالب الأسرى، برزت بينها دعوة صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية التي ألحت على إسرائيل أن تبيّن للعالم أنها ترفض أي محاولة تسعى لأن تفرض عليها التخلي عن جزء من إجراءاتها لمحاربة "الإرهاب"، وأن تمنع بالقوة موت أي أسير من المضربين عن الطعام. غير أن هذه الدعوة وغيرها ذهبت أدراج الرياح.
وتزامن هذا التطوّر مع تحذير وجهه المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية إلى رئيس الحكومة نتنياهو، لفت فيه إلى أن استمرار مصادرة أراض وبيوت يملكها مواطنون فلسطينيون في الضفة الغربية وتسليمها إلى المستوطنين سيؤدي إلى وصول قضية الاستيطان برمتها إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وإلى أنه في حال عدم تطبيق الحكومة للقانون، وخصوصا في ما يتعلق بالسيطرة على عقارات بملكية فلسطينية خاصة، فإن إسرائيل قد تتورط مع هذه المحكمة الدولية، وفي محاكمة مسؤولين فيها بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن هذا التحذير هو الذي جعل نتنياهو ووزير دفاعه باراك يقرران، الشهر الفائت، إخلاء المستوطنين من بيت استولوا عليه في مدينة الخليل.
لعل مجرّد ذلك يعتبر انقلابًا على "قاعدة" كانت الممارسات الإسرائيلية تحتكم إليها على الدوام حتى الآن، وضعها ديفيد بن- غوريون، المؤسس الفعلي لدولة إسرائيل ورئيس أول حكومة فيها، وفحواها "لا يهم ما الذي يفكر الأغيار به، وإنما الأهم هو ما يفعله اليهود".
مع هذا ما زال من السابق لأوانه التكهن ما إذا كانت إسرائيل، عقب ما تقدّم كله، ستغدو أقل عدوانية، وأكثر امتثالاً للإرادة العالمية والشرعية الدولية.