ماذا تريد السعودية في اليمن؟

تاريخ الإضافة السبت 10 أيلول 2016 - 6:54 ص    عدد الزيارات 1299    التعليقات 0

        

 

ماذا تريد السعودية في اليمن؟
 مركز كارنيغي...   نقاش صدى
ما حققته السعودية في اليمن لا يزال غير واضح، وما يُحتمَل أن تحققه في المستقبل لا يزال ملتبساً. يناقش أربعة خبراء أهداف الرياض في اليمن.
بعد أكثر من عام ونصف العام من القتال، جرى في مطلع آب/أغسطس الماضي تأجيل المفاوضات التي تتم برعاية الأمم المتحدة في الكويت من دون التوصل إلى تسوية. فيما يستمر المجتمع الدولي في البحث عن حل، من الضروري تسليط الضوء على الهدف النهائي الذي تسعى إليه السعودية في اليمن، والتأثيرات العملية لحملتها العسكرية. غير أن النظرتين السعودية واليمنية إلى هاتَين المسألتَين غالباً ما تختلفان إلى حد كبير، ولا يزال تفسير الرهانات على مختلف المستويات – المعطيات الجيوسياسية الإقليمية، الاستقرار اليمني، وديناميات الفصائل المختلفة – مثار جدل. يحلّل أربعة خبراء التدخل السعودي في اليمن.
الواقع السياسي في اليمن المنقسم من جديد
    نيل بارتريك
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
نيل بارتريك، محرر ومساهم أساسي في كتاب "السياسة الخارجية السعودية: النزاع والتعاون" Saudi Arabia Foreign Policy: Conflict and Cooperation (IB Tauris, 2016).
فيما تصطدم الرياض بحائط مسدود في حربها ضد الحوثيين، عليها أن تواجه أيضاً الواقع السياسي الصعب الذي يفرضه انقسام اليمن من جديد.
قطعت السعودية عهداً، من خلال الحرب التي تشنّها في اليمن، بإعادة الحوثيين إلى معقلهم شمال محافظة صعدة، وتثبيت حليفها، الرئيس عبد ربه منصور هادي، من جديد في السلطة في صنعاء – هذا مع العلم بأن السعوديين تعاملوا مع علي عبدالله صالح، حليف الحوثيين الحالي، لفترة طويلة وسعوا سابقاً إلى التوصل سلمياً إلى ترتيبات مع الحوثيين حول الأمن الحدودي بعد فشلهم في إلحاق الهزيمة بهم في الحرب البرية في 2009-2010.
ليس مفاجئاً أنه سرعان ما بلغت حرب السعوديين الثانية ضد الحوثيين حائطاً مسدوداً. في أيلول/سبتمبر 2015، عاد هادي إلى البلاد التي كان ظاهرياً حاكمها الشرعي، ولو أنه عاد إلى عدن فقط، لكنه غادرها لاحقاً من جديد. وقد واجه هادي، منذ عودته إلى عدن في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، صعوبة في الاحتفاظ بموطئ قدم هناك، على الرغم من الجهود التي يبذلها بعض الجنود اليمنيين "النظاميين" الذين يُفترَض أنهم موالون له وبعض القوات الخاصة الإماراتية. يعمل الانفصاليون الجنوبيون على تثبيت وجودهم من جديد في عاصمتهم الجنوبية القديمة. بعد عام من القصف الجوي المتواصل إلى حد ما، يبدو أن الأمير محمد بن سلمان الذي يُعتبَر القائد الفعلي للقوات المسلحة السعودية، استنتج أن النزاع عصيّ على التسوية. لم يُبدِ عدد كافٍ من المقاتلين من أبناء العشائر السنّية اليمنية استعدادهم للقتال إلى جانب السعودية، ولم يُرد بن سلمان ارتكاب الخطأ نفسه الذي وقع فيه الأمير خالد قبل خمس سنوات عبر نشر قوات سعودية، كما أن الحكومتَين السودانية والإريترية لن ترسلا عدداً كافياً من المقاتلين لينجزوا المهمة بأنفسهم. نتيجةً لذلك، قررت السعودية أن تتكلم مع الحوثيين من جديد.
في آذار/مارس 2016، زار وفد من الحوثيين جدة لإجراء مباحثات لجس النبض حول الخطوط العريضة لتسوية داخلية في اليمن. كانت قوات الحوثي-صالح في موقع قوة، ولم تكن مهتمة بإلقاء سلاحها وتسليم السلطة من جديد إلى هادي. لا تزال آلية المباحثات الرسمية في الكويت تضم مختلف الأفرقاء اليمنيين الأساسيين ما عدا تنظيم القاعدة، وتعرض أيضاً على الحوثيين خروجاً عن طريق التفاوض من المدن الأساسية التي يسيطرون عليها، بما في ذلك صنعاء. لا يحتاج الحوثيون إلى الإيرانيين، حلفائهم البعيدين، لإقناعهم بأن العودة إلى الوضع السابق ليست فكرة جيدة، ولا تستحق بالتالي عناء الاستسلام من أجلها، فهم يدركون ذلك تماماً.
تقترح الولايات المتحدة الآن حصول كل من الحوثيين وقوات صالح على ثلث المقاعد في حكومة تتخذ من صنعاء مقراً لها، مع حصول أنصار هادي على الثلث المتبقّي – الأمر الذي سيجد السعوديون صعوبة كبيرة في تقبّله. فهل من سبب ليتخلى الحوثيون أو صالح عن السيطرة على السلاح التي أتاحت لهم انتزاع هذا التنازل عنوةً؟ في مختلف الأحوال، ما زال صالح يحتفظ بالسيطرة على جزء كبير من القوات المسلحة. ينتمي صالح إلى المذهب الشيعي الزيدي، شأنه في ذلك شأن الحوثيين، وهو بالتالي جزء من هذه التعدّدية اليمنية، لكن الأهم من ذلك أنه يستخدم الثروات المادية والفكر العشائري كي يبقى داخل اللعبة. لقد جاء التقارب السعودي مع الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح) بعد انطلاقة الحملة الجوية السعودية، متأخراً جداً بالنسبة إلى قيادة الإصلاح التي لم تعد تملك الوقت الكافي لإعادة تجنيد مقاتليها السابقين من أبناء العشائر. لقد وافق علي محسن الأحمر، قائد الجيش سابقاً في عهد صالح، على التعاون مع السعوديين وحقّق بعض المكاسب على حساب الحوثيين، لكن حتى هو لا يستطيع هزم الحوثيين في صنعاء.
أصبح الكيان الذي يتمتع باستقلال ذاتي بحكم الأمر الواقع في جنوب اليمن عرضةً من جديد لتأثير النفوذ السعودي والخليجي، بما في ذلك محافظة حضرموت التي تجمعها روابط قوية بالمملكة، في حين يمتلئ باقي الجنوب بمقاتلي القاعدة الذين بدأت السعودية متأخرةً في إبداء اهتمام بمحاربتهم. غير أن الخطوط العريضة لاتفاق غير رسمي حول الأراضي في اليمن قد وُضِعت. غالب الظن أن الشمال سيبقى إقطاعية صعبة المراس بأيدي الحوثيين وصالح. لقد ساهم السلفيون في الشمال الذين كانوا أصدقاء للسعودية في ما مضى، في دفع الحوثيين نحو التوسع أولاً، وضعضعة الشرطة الحدودية اليمنية-السعودية. لذلك من الأجدى بالسعوديين أن يسعوا إلى تسوية مؤقتة مع الكيان الجديد في شمال اليمن، تماماً كما فعلوا هم، والإماراتيون أيضاً، في الجنوب. واقع الحال هو أن السعوديين كانوا يستمتعون بتأليب جنوب اليمن على شماله من خلال حلفائهم في البلدَين. لكن من شأن القبول رسمياً بالواقع السياسي الذي يفرضه انقسام اليمن من جديد أن يشكّل خسارة صعبة لماء الوجه، ويبدو، للأسف، أن القائد السعودي الفعلي ليس مستعداً بعد لدفع هذا الثمن. يمكننا أن نتوقّع مزيداً من المواجهات الحربية التي ستترافق مع مزيد من النقاشات والمداولات، فالسعوديون لن يقبلوا عملياً بتقاسمٍ للسلطة في اليمن إلا إذا سيطر حلفاؤهم المحليون على الجزء الأكبر من الأسلحة.
السعودية لن تقبل بسيطرة إيرانية على اليمن
    منصور المرزوقي
منصور المرزوقي، باحث في شؤون السياسة السعودية في كلية العلوم السياسية في ليون. يمكنكم متابعته على تويتر: 0albogami@
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
نجح التحالف الذي تقوده السعودية في منع إيران من السيطرة على اليمن سياسياً أو عسكرياً.
تَغْفُلُ معظم التحليلات التي تتناول الأهداف السعودية في اليمن عن جوهر المسألة: شكلت السعودية تحالفاً عربياً للتدخل في اليمن من أجل الحؤول دون وقوع أمر معيّن، وليس لغرض إحداث أمر معين. والهدف هو الحؤول دون تحوّل اليمن إلى عراقٍ آخر، حيث السيادة هي بِيَد طهران، وليست بيد بغداد. يجب أن يؤخَذ هذا العامل في الاعتبار عند تحليل تطوّر الأهداف السعودية في ذلك البلد. والعامل الآخر الذي يجب أخذه في الاعتبار هو أنه على المستوى الاستراتيجي، تُختصَر المسألة السياسية بكلمة واحدة: الخيارات.
يهدف التوسّع الإيراني إلى كسب المزيد من الخيارات – في العراق (حيث شكّلت إيران 56 ميليشيا)، وفي دول مجلس التعاون الخليجي (حيث أنشأت خلية العبدلي في الكويت)، وفي سورية (حيث أرسلت ميليشيات أفغانية وباكستانية وعراقية ولبنانية لمساعدة بشار الأسد)، وفي اليمن (حيث قامت بتسليح ميليشيات الحوثي)، ومؤخراً في مختلف أنحاء العالم العربي عبر الإعلان عن إنشاء "جيش التحرير". تستند هذه التوسّعية إلى ركيزتَين: التعصّب المذهبي الذي تستخدمه إيران أداةً لبناء التحالفات، وضعف الحكومات المركزية الذي يسمح للميليشيات بأن تكون فاعلة. يأمل النظام الإيراني بأن تضمن هذه الخيارات أمنه، وتساهم في تحقيق مصالحه، وتمنحه مقعداً مهماً على الطاولة الإقليمية. لذلك، عند الحديث عن نهاية محتملة للأعمال الحربية في اليمن، من الأسئلة التي تُطرَح في هذا الإطار: هل السعودية مستعدّة للقبول بسيطرة إيرانية على اليمن؟ والجواب هو: ليست مستعدة على الإطلاق.
والنتيجة المثالية التي يتطلع إليها التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن هي انسحاب ميليشيات الحوثي وقوات صالح المدعومة من إيران من مؤسسات الدولة، وإنهاء حصارها للمدن مثل تعز، وتسليم أسلحتها الثقيلة (بما في ذلك الصواريخ البالستية)، والموافقة على تشكيل حكومة وحدة تعكس تركيبتها جميع مكوّنات المجتمع اليمني. لكن من الواضح أن تحقيق هذه النتيجة سيكون صعباً للغاية.
إذاً في ضوء النزعة التوسّعية الإيرانية، والرفض التام لفرض إيران سيطرتها على اليمن، وصعوبة تحقيق النتيجة التي يعتبرها التحالف العربي الأفضل في الملف اليمني، كيف تنظر السعودية إلى تطوّر الأزمة؟ أولاً، ثمة مؤشرات كافية بأن المملكة لن تقبل العودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل آذار/مارس 2015، والمقصود بذلك العودة إلى مشهد سياسي يُسيطر عليه التحالف بين الحوثيين وصالح المدعوم من إيران. ثانياً، تعتبر المملكة العربية السعودية أنه بإمكانها التأثير في اللاعبين الإقليميين والدوليين. فقد تمكّنت السعودية من تغيير الموقف الأميركي من التدخل في اليمن، من اعتراض مطلق إلى دعم محدود، ومتقلب بين مدٍ وجزر. ونجحت المملكة، عبر اعتمادها مقاربة براغماتية، في التوصّل إلى قواسم مشتركة مع روسيا التي منحتها الدعم من أجل الدفع نحو اعتماد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 (الذي ينص على فرض حظر سلاح على الحوثيين) في نيسان/أبريل 2015، وبناءً عليه، استبدلت عملية "عاصفة الحزم" بعملية "إعادة الأمل". ثالثاً، تشكّل الأزمة اليمنية جزءاً من مشهدٍ إقليمي يعاني من فراغ استراتيجي ناجم عن صعود نظام عالمي لاقطبي، والتحوّل الأميركي نحو آسيا. وعلى المستوى الداخلي، أدّى التغيير في طبيعة السلطة وبنيتها إلى بداية الدولة السعودية الرابعة. فلما رأت الرياض أن ثمة تهديداً وجودياً يحدق بها، تقدمت لتكون خط الدفاع الأول عن أمنها، دون الإلتفات لأي اعتبار. نتيجةً لذلك، يبدو أن الاستمرار في بذل الجهود لإعادة تثبيت الحكومة اليمنية الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي، هو الخيار الأكثر ترجيحاً الذي ستتبنّاه المملكة العربية السعودية، مهما كلف ذلك.
لقد حقّقت الرياض العديد من الأهداف الاستراتيجية. فقد حالت دون تحوّل اليمن إلى عراقٍ آخر، مع تحرير ثمانين في المئة من البلاد. وأظهرت قدرتها على الأخذ بزمام المبادرة، وكذلك على وضع حد للدعم الإيراني للميليشيات، في رسالة موجّهة إلى الميليشيات المدعومة من إيران. كما أنها برهنت عن قدرة على التخطيط لعملية عسكرية واسعة النطاق وإدارتها، وهذه رسالة موجّهة إلى إيران نفسها.
دور إقليمي أكثر إثباتاً للوجود
    فهد ناظر
فهد ناظر زميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربي في واشنطن ومحلل سياسي لدى شركة "جيه تي جي إنكوربورايتد" للاستشارات الاستخباراتية. يمكنكم متابعته على تويتر: @fanazer
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
التدخل العسكري غير المعهود الذي لجأت إليه السعودية دفاعاً عن أمنها يوجّه أيضاً رسالة قوية إلى إيران والولايات المتحدة والرأي العام السعودي.
تملك السعودية سجلاً طويلاً ومتفاوتاً من التدخل في النزاعات السياسية في اليمن، والذي يعود إلى مطلع ستينيات القرن الماضي. قبل العام المنصرم، كانت المملكة تميل إما إلى استخدام روابطها الواسعة مع الأفرقاء السياسيين والعشائريين للتوصل إلى تسويات عن طريق التفاوض وإما إلى الاصطفاف إلى جانب طرف معيّن في النزاع، ومساعدته مادياً – وتزويده بالسلاح من حين لآخر – إنما من دون توريط جنودها في القتال. لكن هذا كله تغيّر العام الماضي. فقد اعتبرت المملكة أن ظهور شبح الحرب الأهلية من جديد في اليمن، حيث من شأن مجموعتَين قتاليتين معاديتين للسعودية بالدرجة نفسها – الثوار الحوثيين المدعومين من إيران في الشمال وتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" الإرهابي في الجنوب – أن تحاولا فرض إرادتهما على باقي البلاد، أن يشكّل تهديداً خطيراً لأمنها.
لقد أنفق السعوديون مبالغ طائلة في محاولة احتواء العنف في اليمن عبر بناء سياج أمني متطور على طول حدودهم الجنوبية. لكن فضلاً عن الحوثيين المدعومين من إيران الذين خاضت السعودية صدامات قوية معهم في المنطقة الحدودية في العام 2009، تسبّب تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أيضاً بزعزعة الاستقرار في اليمن. فقد اجتاز التنظيم الإرهابي أيضاً الحدود السعودية في حزيران/يونيو 2014 ونجح في قتل عدد من عناصر الأمن السعوديين. ويُضاف إلى هذه المعطيات المتفجّرة مؤشراتٌ قوية بأن التنظيم الإرهابي الأكثر همجية، المسمّى "الدولة الإسلامية"، أصبح له أيضاً حضور في اليمن، وقد تبنّى العديد من التفجيرات الدموية التي استهدفت مساجد شيعية في صنعاء.
يشكّل قرار شن عملية عسكرية لإعادة الثوار الحوثيين إلى معاقلهم في الشمال وإرغامهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، قطيعة مهمة مع الديبلوماسية الهادئة التي يتميز بها السعوديون خلف الكواليس والتي ساهمت في وضع حد للحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت خمسة عشر عاماً، وفي تهدئة التشنجات التي طرأت بين مصر وقطر مؤخراً.
يبدو أن الهدف من الحملة في اليمن هو توجيه رسائل قوية إلى ثلاث جهات مختلفة. الرسالة الأولى هي تحذيرٌ إلى إيران لوقف انتهاكها لحرمة اليمن الذي تعتبره السعودية تقليدياً بمثابة "فنائها الخلفي"، وكذلك وضع حد لما وصفه المسؤولون السعوديون مراراً وتكراراً بـ"التدخل" الإيراني في الشؤون العربية في شكل عام. وهي أيضاً رسالة إلى حلفاء المملكة، لا سيما الولايات المتحدة، مفادها أن السعودية، وفي حين أنها لا تزال تعتبر الولايات المتحدة شريكة قيّمة، لن تتوانى عن اتخاذ "كل الإجراءات اللازمة" للدفاع عن أمنها القومي، مع الاكتفاء بالحد الأدنى من التشاور عند الاقتضاء، إذا تبيّن أن الولايات المتحدة – والمجتمع الدولي في شكل عام – عاجزة عن التشاور أو غير مستعدة لذلك.
وبالأهمية نفسها، إنها أيضاً رسالة إلى السعوديين في شكل عام، وفحواها أن مليارات الدولارات التي أُنفِقت على القوات العسكرية والأسلحة والتدريب تعود بثمارها. غير أن هذا الاعتماد على الذات ترتّب عنه تعديلٌ مهم يعكس الأزمنة العصيبة التي تمر بها السعودية، وكذلك الجوار الخطير حيث تتواجد: قدّم مئات السعوديين التضحية القصوى خلال الحملة في اليمن، بما في ذلك مقتل بضع مئات المدنيين بسبب إطلاق الحوثيين القذائف عبر الحدود.
يشير البعض إلى أن هذا النمط الجديد في التفكير والسياسة الخارجية الأكثر إثباتاً للوجود هما من بنات أفكار ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، 30 عاماً، أحد أبناء الملك سلمان والذي يتولى أيضاً حقيبة الدفاع. سواءً كان هذا صحيحاً أم لا، لقد فتحت السعودية صفحة جديدة في تاريخها يبدو من خلالها أنها مصممة على أن تُظهر للعالم نظرة السعوديين إلى دورهم المتغيِّر الجديد في المنطقة، إنما أيضاً على دفع المجتمع الدولي نحو تبديل نظرته تماماً إلى المملكة.
التطرف المدعوم من السعودية يؤجّج الغضب اليمني
    ناصر الربيعي
ناصر الربيعي، صحافي ومنتج مقيم في صنعاء. منشئ ورئيس شركة الخدمات الإعلامية "اليمن الآن". يمكنكم متابعته على تويتر: narrabyee@
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
يحمّل اليمنيون السعوديين والأميركيين مسؤولية سقوط ضحايا في صفوف المدنيين واشتداد العنف المتطرف، ويصعّدون حملاتهم الإعلامية والعسكرية.
تريد الحكومة السعودية من الحوثيين تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 2216 عبر تسليم أسلحتهم إلى حكومة عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً، والانسحاب من المدن التي يحتلونها بما في ذلك صنعاء وتعز. لكن ما تريده السعودية فعلاً هو استسلام الحوثيين الكامل، ولا تبدو متخوّفة من وصول الأسلحة التي يتم تسليمها إلى الحكومة اليمنية، إلى أيدي عناصر من تنظيمَي القاعدة والدولة الإسلامية، والذين يُقدّم بعضهم أنفسهم في صورة أعضاء في حكومة هادي المعترف بها دولياً. فقد أدرجت وزارة الخزانة الأميركية ثلاثة أعضاء في حكومة هادي التي تتخذ من الرياض مقراً لها، على قائمة الإرهابيين العالميين: عبد المجيد الزنداني، وعبد الوهاب الحميقاني (الذي مثّل حكومة هادي في المحادثات التي تمّت في جنيف برعاية الأمم المتحدة في العام 2015)، ونايف صالح سليم القيسي (الذي عيّنه هادي محافظ البيضاء في كانون الأول/ديسمبر 2015).
القاعدة والدولة الإسلامية هما الرابحان الأكبر في الحرب اليمنية. أولاً، وعلى الرغم من ظهور تقارير في الأشهر القليلة الماضية تتحدث عن طردهما من عدد من المدن الجنوبية، لا يزال التنظيمان يعملان في عدن والمكلا وزنجبار وجعار ومناطق أخرى – وسوف يواصلان أنشطتهما ما دام اليمن يفتقر إلى حكومة قوية. لقد لقي نحو 70 شخصاً مصرعهم في 29 آب/أغسطس في قلب عدن في تفجير انتحاري نفّذه تنظيم الدولة الإسلامية. كان الانتحاري أحمد سيف (المعروف أيضاً بأبو سفيان العدني) مدرِّساً لمادّة القرآن يعيش في عدن، ما يُظهر مدى تجذّر القاعدة والدولة الإسلامية في النظامَين التربوي والاجتماعي؛ هذا هو الجانب الأشد خطورة في المشكلة. يأخذ القادة في السعودية وقطر وتركيا المال والسلاح ويسلّمونهما إلى "المقاومة" التي غالباً ما تتألف من عناصر من تنظيمَي القاعدة والدولة الإسلامية.
مع اشتداد الفظائع واستفحال الأزمة الإنسانية، يحمّل اليمنيون إدارة أوباما مسؤولية الجزء الأكبر من معاناتهم. انتشرت ملصقات ضخمة في مختلف أنحاء البلاد كُتِب عليها "أميركا تقتل الشعب اليمني"، فاليمنيون على يقين من أن السعوديين لم يكونوا ليتجرأوا على فعل ذلك كله بهم لولا موافقة الولايات المتحدة. بيد أن عدداً كبيراً من الأميركيين يتشارك بكل سرور، عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، الانتقادات التي يوجّهها مواطنون أميركيون إلى الدور الذي تؤدّيه إدارة أوباما في جرائم الحرب السعودية ومبيعات الأسلحة. وقد تداولوا تغريدات للسناتور عن ولاية كونكتيكت، كريس مورفي، تضمّنت انتقادات للحملة السعودية، ووصفوه وآخرين سواه بالأبطال خلال تجمعات حاشدة، ما ساهم قليلاً في تحسين الصورة التي كانت قد روّجت لها حملة "أميركا تقتل الشعب اليمني". حتى إن مشاعر العداء للولايات المتحدة تشتدّ عندما تتسبّب مقاتلات سعودية مدعومة من الأميركيين بقتل عائلات بأسرها داخل منازلها وترتكب مجازر في حفلات زفاف ومدارس ومستشفيات ومصانع ومساجد وأسواق حيث لقي مئات النساء والأطفال مصرعهم.
تتعاظم مخاوف السعوديين – ليس فقط بسبب اشتداد مشاعر الكراهية والعداء للسعودية، وزيادة وتيرة الهجمات في جنوب السعودية، بل أيضاً بسبب الصور ومقاطع الفيديو التي تُنشَر بصورة شبه يومية ويظهر فيها يمنيون مقاتلون حفاة الأقدام يلحقون الهزيمة بالجيش السعودي وأسلحته الأكثر تطوراً. يتداول اليمنيون دعابات كثيرة عن مقاتلين يمنيين يستولون على دبابات "إم1أيه2 أبرامز" أميركية الصنع وآليات قتالية من طراز "برادلي"، متباهين بشجاعة هؤلاء المقاتلين ومستهزئين بالمقاتلين السعوديين. منذ منتصف آب/أغسطس الماضي، تُعرَض هذه المشاهد بصورة شبه يومية، وأحياناً مرّتَين في اليوم، ما دفع بالسعوديين إلى حجب قناة "المسيرة" التلفزيونية التي يديرها الحوثيون وتبثّ من نجران وجازان وعسير في السعودية، أو التشويش عليها في 26 آب/أغسطس. وقد عمدت القناة إلى البث عبر تردّد جديد في غضون أقل من 24 ساعة.
غير أن مصدر القلق الأكبر بالنسبة إلى السعوديين يتمثّل في الصواريخ البالستية التي تضرب أهدافاً حيوية، مثل القواعد العسكرية والمنشآت النفطية. سقط صاروخ بالستي على مصنع للطاقة تابع لشركة "أرامكو" في نجران في 26 آب/أغسطس الماضي، وقد ردّت السعودية بقصف محطات للتيار الكهربائي، ومنشآت نفطية، ومصانع منها مصنع السكر في منطقة راس عيسى في محافظة الحديدة، وأسفرت هذه الهجمات مجتمعةً عن سقوط مئات الضحايا بين قتلى وجرحى. لكن في الثاني من أيلول/سبتمبر الجاري، أطلق الحوثيون صاروخاً بالستياً محلي الصنع من طراز "بركان 1" على مدينة الطائف في السعودية، ما أثار غضب السعوديين. يزيد المدى الذي يبلغه هذا الصاروخ عن 800 كلم (500 ميل)، وزنته تسعة أطنان. لقد سبق أن صرّح السعوديون أنهم دمّروا قدرات اليمنيين البالستية في الأسبوع الأول من الحرب، وبعد ثمانية عشر شهراً، إنهم تحت وقع الصدمة ولا يفقهون كيف تمكّن اليمنيون من نقل صاروخ بهذه الضخامة وإطلاقه على قاعدة عسكرية على بعد مئات الكيلومترات داخل السعودية – لا بل أكثر من ذلك كيف تمكّنوا من تصنيعه وأين.
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,438,168

عدد الزوار: 6,950,581

المتواجدون الآن: 90