كرة الثلج في قانون «جاستا» الأميركي ... إلى أيّ حدٍّ تتضخّم والى أيّ مسارٍ تتّجه

تاريخ الإضافة الأربعاء 5 تشرين الأول 2016 - 6:17 ص    عدد الزيارات 1725    التعليقات 0

        

 

كرة الثلج في قانون «جاستا» الأميركي ... إلى أيّ حدٍّ تتضخّم والى أيّ مسارٍ تتّجه؟
سليمان عبدالمنعم 
الحياة...* أستاذ ورئيس قسم القانون الجنائي في كلية الحقوق - جامعة الإسكندرية
ها قد وافق الكونغرس الأميركي بغرفتيه منذ أيام قليلة، على قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (JASTA)، غير عابئ باعتراض الرئيس.
هذا القانون الذي يجيز مساءلة (دول) عن تعويض الأضرار الناشئة عن أفعال إرهابية ارتكبها (أفراد) يحملون جنسيّتها. أصبحنا إذاً، أمام تشريع نافذ يدشّن تحولاً قانونياً دولياً هائلاً، ولربما يمثّل تاريخاً فاصلاً بين حقبتين. ولأن القوانين لا تنفصل عن سياقها التاريخي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فإن فهم قانون JASTA يتطلّب أمرين، أولهما الإحاطة بالسياق الذي تبلورت في ظلّه أحكام هذا القانون، والأمر الثاني إدراك أن القانون يتجاوز الحالة السعودية ويختزن إمكاناً كامناً وواسعاً للتطبيق مستقبلاً على حالات أخرى لا يستثنى فيها أحدٌ، في ما يشبه كرة الثلج التي تتدحرج فلا نعرف إلى أي حد تتضخم ولا في أي مسار تتجه؟
لم يكن القانون الأميركي JASTA مفاجئاً تماماً ولا جديداً. هو جزءٌ من اتجاه أميركي متصاعد يعكس ظاهرة (أمركة) النظام القانوني العالمي كمرحلة تالية أو بديلة لظاهرة عولمته. هذا الاتجاه تعددت إشاراته سابقاً، وها هي ملامحه تتبلور في الانقلاب على المفاهيم القانونية المتعارف عليها في العالم. تشترك في بلورة هذا الاتجاه الجديد، عناصر وقوى عدة، من يمين سياسي محافظ، ومؤسسات وأجهزة ، وشركات محاماة عملاقة متخصصة في قضايا التعويض العابر للحدود. إحدى هذه الشركات للمحاماة دفعت أربعة ملايين دولار مقابل أتعاب خبراء للتحري وجمع معلومات حول هجمات ١١ أيلول (سبتمبر). هذا الاتجاه الأميركي كان قد ظهر مبكراً في تسعينات القرن الماضي، بتدشين مفاهيم ونظريات بدت جديدة آنذاك، مثل الحروب الاستباقية والتدخل الإنساني. وها هو الاتجاه ذاته يتجلّى اليوم في محاولات رفض الحصانات السيادية للدول أمام القضاء الأميركي، والتمدد العالمي لولاية القضاء الأميركي، وتأسيس دعاوى التعويض العابر للحدود على تشريعات محلية صرفة تقوم على الافتراضات والأدلة المحتملة غير اليقينية.
وتلعب شركات المحاماة الأميركية العملاقة المتخصصة في قضايا التعويض، دوراً مخططاً وذكياً للدفع بالقوانين التي تجيز رفع دعاوى التعويض على دول أجنبية لمصلحة المتضررين من أعمال إرهابية وقعت على أميركيين أو مقيمين في أميركا. في كلمته أمام لجنة الدستور والعدالة المدنية، لم يفت المحامي الأميركي ريتشارد كليلينجر، تذكير الحاضرين بجرائم تصفية المعارضين السياسيين من تشيلي والصين، التي تمت في ما مضى على الأراضي الأميركية بيد أشخاص ذوي صلة بمنظمات وأجهزة تابعة لدول أجنبية، كتنشيط للذاكرة القانونية الباحثة عن أموال وتعويضات. اليوم، يتواصل المسعى ذاته من خلال قانون JASTA الهادف إلى تكريس قواعد عامة تجيز مساءلة الدول وليس الأفراد فقط، للحصول على تعويضات مالية لجبر الأضرار الناشئة عن أعمال إرهابية.
تدور اللعبة القانونية حول بلايين الدولارات السعودية في الولايات المتحدة. ولهذا يمكن فهم مسارعة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الى التهديد بسحب ٧٥٠ بليون دولار قيمة الأرصدة السعودية في أميركا. وبصرف النظر عما أعلنت الخزانة الأميركية من أن المبلغ لا يتجاوز ١١٦ بليون دولار فقط، فالأمر المؤكد أن اللعبة القانونية لشركات المحاماة الأميركية وجماعات المصالح الحكومية وغير الحكومية، تدور في الحد الأدنى حول ما لا يقل عن مئة بليون دولار.
كان لا بد لاكتمال الخلفية السياسية وتهيئة الرأي العام المحلي والدولي، من تقديم حيثيات ومبررات إصدار مثل هذا التشريع. هنا، كُشف الستار فجأة (بعد ١٥عاماً من وقوع الحدث نفسه!) عن أقوال صرّح بها زكريا الموسوي، أحد الأرهابيين المتورطين في هجمات ١١ أيلول، وهو فرنسي من أصل مغربي. وفقاً للرواية الأميركية، أشار «موسوي» لمحاميه الأميركي، الى قيام شخصيات سعودية بدفع أموال استخدمت في تمويل نشاطات إرهابية. القصة لم تكن جديدة تماماً، فقد أثيرت قبل سنوات وتتعلق بتبرعات لجمعيات خيرية أو لأشخاص. أياً كان الأمر في شأن المبالغة والحبكة البوليسية في رواية «موسوي»، فإن اعتبارها دليلاً على تورط سعودي لا يخلو من «خفة قانونية» وعدم اتساق واقعي. فنظام اعتراف المتهم بالجرم مقابل تخفيف العقوبة أو منحه مزايا ما، وهو النظام المطبق في أميركا، قد يسفر أحياناً عن معلومات غير دقيقة تحت وطأة إغراء حصول المتهم على بعض المزايا.
يصعب تصوّر شفافية أو صدقية معلومات متناثرة يتم استدعاؤها فجأة بعد خمسة عشر عاماً من وقوع الحدث! لعلّ أقصى ما يمكن استنتاجه، أن جزءاً من هذه الأموال المتبرع بها تم تدويره أو تبييضه في مسارات أخرى متشابكة ومعقدة حتى وصل جزء منه إلى بعض المتورطين. وهذا ما يجعل من تحميل المسؤولية القانونية للمتبرع أمراً في غاية الصعوبة.
وأثير في معرض السعي الإعلامي المحموم، كلامٌ آخر قيل إنه ذكر ضمن وثيقة الاستخبارات الأميركية التي راجت تسميتها بوثيقة الـ٢٨ صفحة. هنا علينا أن نعرف بدايةً، أن التقارير والوثائق المتعلقة بهجمات ١١ أيلول الإرهابية كثيرة ومتنوعة، ما بين تقارير أعدتها الـCIA وتقارير أخرى عن FBI وتقارير عن الكونغرس وتقارير مشتركة لممثلين من الحزبين الجمهوري والديموقراطي...الخ. هذا طبيعي في دولة مؤسسات فاعلة مثل الولايات المتحدة. وجه الغرابة هنا، أن تقرير CIA الذي يلوكه العالم اليوم، لا يتضمن البتة ما يفيد مسؤولية السعودية (كحكومة أو كأشخاص ) عن هجمات ١١ أيلول، إن لم يكن العكس هو الصحيح. فهذا التقرير يذكر بالحرف الواحد أنه لا يوجد دليل على أن الحكومة السعودية قد دعمت قصداً وعن علم إرهابيي القاعدةno evidence that the Saudi government knowingly and willingly supported al Qu,Ida . تقرير الاستخبارات الأميركية ينفي مرة أخرى، الزعم نفسه بتورط مسؤولين سعوديين في تمويل أسامة بن لادن، إذ نقرأ بالحرف الواحدthe reporting was too sparse to determine with any accuracy such support .
نستطيع القول إذاً، إنه حتى عامين مضيا، ظلت الولايات المتحدة مقتنعةً بعدم جدية أو دقة الأقوال المتناثرة في شأن تورط سعودي ما في تمويل «القاعدة». وخلصت لجنة ١١ أيلول الوطنية في تقريرها الشهير، إلى استبعاد فرضية التورط السعودي. وحتى عام ٢٠٠٩، انتهت جولات قضائية كثيرة أمام المحكمة العليا الأميركية برفض اعتبار السعودية مسؤولةً عن هجمات ١١ أيلول ٢٠٠١، وأيدت هذه المحكمة حكماً لمحكمة استئناف في نيويورك يؤسس انتفاء المسؤولية على فكرة الحصانة السيادية، قائلة إن الفرض الوحيد المقبول لاستبعاد الحصانة السيادية لدولة أجنبية (السعودية) هو أن تكون هذه الدولة مدرجة في قائمة الدول الإرهابية وفقاً للقانون الأميركي، وهو الفرض الذي لا يتوافر في الحالة السعودية.
ثم فجأةً بدأ تحوّل القضاء الأميركي بقبوله مساءلة بعض الحكومات الأجنبية عن تعويض الأضرار الناشئة عن أفعال إرهابية تنسب إليها أو إلى منظمات أو أشخاص تابعين لها. كانت البداية حين أصدر القضاء الأميركي أحكاماً على إيران بتعويض ضحايا بعض الأعمال الإرهابية أو التمهيد للحصول على هذه التعويضات. تعددت هذه الأحكام، سواء في شأن عملية احتجاز رهائن السفارة الأميركية في طهران عقب اندلاع الثورة الإسلامية، يحصل بموجبه كل رهينة أميركي سابق على ما يوازي ٤,٤ مليون دولار، أي بواقع عشرة آلاف دولار عن كل يوم احتجاز، أو في شأن تفجير مقر مشاة البحرية الأميركية في بيروت عام ١٩٨٢، يمهّد لضحايا هذا التفجير ولعائلاتهم الحصول على نحو بليوني دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك الأميركية. يضاف إلى ما سبق، الحكم الذي أصدرته أخيراً محكمة أميركية ضد السودان بتجميد ٣١٤ مليون دولار من الأموال السودانية في أحد البنوك الأميركية كتعويض لضحايا تفجير المدمرة الأميركية كول في ميناء عدن عام ٢٠٠٠.
المتغيّر الجديد والمفاجئ الآن، هو التوجه نحو السعودية لإثارة مسؤوليتها عن هجمات ١١ أيلول الإرهابية، ولو من طريق مطالبتها بالتعويضات المدنية لضحايا هذه التفجيرات وعائلاتهم. بالطبع ، لا شيء يمنع، من حيث المبدأ القانوني، ضحايا هذه الهجمات أو أي أعمال إرهابية أخرى من المقاضاة الشخصية لمنفذي هذه الجرائم أو لأي شخص طبيعي آخر يثبت تواطؤه بفعل ما من أفعال المساهمة الجنائية، بالتحريض أو بالتمويل أو في أي شكل آخر من أشكال المساعدة، إذا توافرت الشروط القانونية اللازمة لذلك. أما عن مسؤولية المنظمات أو الجهات أو الدول، فلا بد من أن تثبت بحقها مسؤولية المتبوع عن أفعال تابعه، وهي نظرية قانونية تتطلب مجموعة من الأركان والشروط والمفترضات، ومن دون ذلك تصبح المقاضاة مخالفة لمبدأ المسؤولية الشخصية.
لم يتضمن القانون الأميركي JASTA معايير منضبطة ودقيقة لإثبات مسؤولية الكيانات والدول عن الأفعال الإرهابية، بما يجعلها متوافقة مع المبادئ القانونية العالمية في النظم التشريعية المعاصرة. فمشروع القانون لم يرتد فقط على الحصانات السيادية، لكنه برفضه هذه الحصانات سيتيح مقاضاة دول أجنبية وفقاً لقانون أميركي على درجة كبيرة من الخصوصية المحلية، بحيث يشترك في المحاكمة محلفون شعبيون بخلاف القضاة المهنيين، والذين يُحتمل تأثرهم بالانطباعات والتعميمات الرائجة في المجتمع الأميركي حول الإسلام والعرب، وقد يصل الأمر إلى إمكان أن تتم هذه المقاضاة أمام محاكم الولايات وليس المحكمة الفيديرالية. وهذه المحاكم قد يتم تنصيب القضاة فيها بالانتخاب من سكان الولاية وليس من طريق التعيين. وسيكون وارداً أن يتم الأخذ بأدلة إثبات ذات قوة احتمالية وليست يقينية في ما يتعلق بالحكم بتعويضات مدنية، إذ يكفي في قضايا التعويض أن يكون احتمال حدوث الواقعة أكبر من احتمال عدم حدوثها.
والأهم والأخطر، إمكان مساءلة كيانات ودول عن أفعال إرهابية ارتكبها أفراد قد لا يرتبطون وظيفياً أو عضوياً أو مهنياً بالدولة التي ينتمون إليها. وهكذا يصبح مطلق انتماء إرهابي إلى دولة معينة أساساً قانونياً لافتراض مسؤولية الدولة. الكونغرس الذي أصر على إقرار القانون يعلم يقيناً بإمكان إصدار دول أخرى قوانين مماثلة قابلة للتطبيق على أميركا نفسها، للمبررات نفسها والمنطق نفسه. فهل يتصور الكونغرس أن الأمر لن يتجاوز التصريحات! وماذا لو حذت دول أوروبية حذو أميركا، ثم حذت دول عربية حذو أوروبا؟ إلى أين ستمضي كرة الثلج؟
لن يكفّ التشريع الأميركي الجديد عن إثارة الجدل والتوجس. لا أحد بالطبع ينكر المشروعية القانونية والأخلاقية لحقوق ضحايا الأعمال الإرهابية وعائلاتهم. لكن حقوق المضارين ووسائل المقاضاة تظلّ محكومة بمبادئ لها أيضاً مشروعيتها القانونية والأخلاقية. على رأس هذه المبادئ، شخصية المسؤولية القانونية التي توجب مساءلة الجاني دون غيره، وفي الحد الأدنى عدم جواز مساءلة الغير عن فعل الجاني ما لم يُنسب الى هذا الغير خطأ ما. وهذا الخطأ لا يسوغ افتراضه بل يجب إقامة الدليل عليه. إلا إذا اعتبر صُنّاع القانون في الكونغرس الأميركي أن محض رابطة الجنسية بين الفرد (ولو كان إرهابياً) وبين الدولة التي ينتمي إليها تصلح أساساً قانونياً لمساءلة الدولة. وأن ثقافة مجتمع بأكمله تتحمل مسؤولية عنف أحد أبنائه الضالين أو إرهابه. لو صحّ هذا، يصبح المقصود إذاً محاكمة جغرافيا الآخرين وتاريخهم وليس مساءلة مجرمين وإرهابيين عن أفعالهم. ربما هنا... في هذا المنحدر، تخطّ كرة الثلج طريقها!
أصداء إيجابية للتعاطي السعودي
الحياة..بشير عبدالفتاح ... كاتب مصري
اتسم الردّ السعودي الرسمي على إقرار الكونغرس الأميركي قانون «العدالة في مواجهة داعمي الإرهاب»، المعروف اختصاراً باسم «جاستا»، بحكمة وهدوء لافتين. فطيلة يوم كامل أعقب تصويت الكونغرس لمصلحة تمرير القانون المثير للجدل مقوضاً بذلك اعتراض الرئيس أوباما، لم تندفع السلطات السعودية إلى الرد بصورة حادة أو تصعيدية، وإن لم تتردد دوائر رسمية وغير رسمية سعودية في الإعراب عن قلقها إزاء ذلك القانون. وحينما أصدرت الخارجية السعودية، بياناً رسمياً عبرت فيه عن موقفها الأولي من القانون الأميركي الصادم، وأكدت أن القانون الخاص بهجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، والذي يُسمح بموجبه لأسر ضحاياها بمقاضاة المملكة وطلب تعويضات منها، يعد «مصدر قلق كبير» لكل الدول، بما فيها الولايات المتحدة، كما يمثل إضعافاً لمبدأ الحصانة السيادية، الذي يعتبر المبدأ الحاكم للعلاقات الدولية منذ مئات السنين، لم تعلن الرياض عن الخطوات أو الآليات المزمع اتخاذها للرد على ذلك القانون المزعج، إلا أنها دعت الكونغرس إلى الرجوع عنه. وبنبرة لا تخلو من ردع مبطن وتهديد غير مباشر، واصلت الرياض إدارتها الحصيفة لأزمة قانون «جاستا»، فعلى رغم أن المملكة حذرت، مسبقاً، من أن تبني الكونغرس لهذا التشريع ستكون له عواقب وخيمة على العلاقات السعودية - الأميركية، كما حذّر وزير خارجيتها عادل الجبير في حزيران (يونيو) الماضي، من أن الولايات المتحدة ستكون الخاسر الأكبر إذا ما تم سن القانون، فيما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الجبير سلم خلال زيارته واشنطن في أذار (مارس) الماضي رسالة رسمية لدوائر أميركية، تؤكد أن المملكة قد تضطر إلى بيع ما قيمته 750 بليون دولار من السندات الأميركية وغيرها من الأصول السعودية لدى الولايات المتحدة، حال إقرار قانون «جاستا»، وجنوح واشنطن إلى الزج باسم الرياض في قضايا تتصل بأحداث 11 سبتمبر 2001 أمام المحاكم الأميركية. لكن الجبير عاد وأكد أن بلاده حذَّرت فقط من مغبة أن يفضي ذلك القانون إلى انهيار ثقة المستثمرين السعوديين في الولايات المتحدة. ويبدو أن عمق العلاقات السعودية - الأميركية، ومحورية المملكة في الإستراتيجية الأميركية حيال الشرق الأوسط، قد فاقما من المردودات السلبية لقانون «جاستا»، سواء على صعيد التفاعلات الداخلية الأميركية أو على مستوى مصالح واشنطن حول العالم. فلم يقتصر الجدل السياسي في شأن جدوى تمرير القانون على مرحلة إعداده والتصويت عليه في المرة الأولى، أو حتى عقب اعتراض الرئيس أوباما عليه وطرحه للتصويت عليه مجدداً، وإنما امتد وتواصل بعد ذلك في ثنايا مناقشة تداعياته المحتملة على الولايات المتحدة وعلاقاتها الخارجية، ليس فقط مع الرياض وإنما مع سائر دول العالم، التي عارضت غالبيتها هذا القانون. فلقد قوبل القانون باستياء واضح من جانب الإدارة الأميركية على لسان الرئيس أوباما ووزير الدفاع آشتون كارتر ورئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية جون برينان، إضافة إلى عشرات من خبراء الأمن القومي الأميركيين، استشعروا الأخطار التي يشكلها هذا القانون على مصالح واشنطن.
وفي حديث إلى قناة «سي إن إن»، أكد أوباما أن القانون قد يؤدي إلى تعرض الولايات المتحدة لموقف صعب تتحمّل خلاله مسؤوليات وتبعات عملياتها وتدخلاتها في مختلف أرجاء العالم، ومن ثم تواجه دعاوى قضائية يرفعها أفراد ضد شركات أو جنود أو مسؤولين أميركيين، على نحو ربما يؤدي إلى تدهور العلاقات مع حلفاء مهمين في حقبة دولية بالغة الحرج والحساسية.
على صعيد آخر، وتوخياً منه لطرح حلول عملية وسياسية للخروج من الأزمة، طالب بيان الخارجية السعودية الكونغرس باتخاذ خطوات من شأنها أن تقلص العواقب الوخيمة والخطيرة التي قد تترتب على سن قانون «جاستا». وبالتوازي، رأى مراقبون أن المواجهة المثلى لتداعيات ذلك القانون يجب أن تتأتى عبر تحرك سعودي نشط يتبني استراتيجية ثلاثية الأبعاد على المستويات السياسية والإعلامية والقانونية، تنطلق من داخل واشنطن وعواصم أوروبية.
ويبدو أن النهج السعودي في التعاطي مع تلك الأزمة، قد بدأ يؤتي ثماره، إذ تلوح إشارات لتراجع الكونغرس عن إعمال القانون وتفعيله بصيغته الحالية. فقد تلقف مشرعون أميركيون من الحزب الجمهوري، دعوة الرياض إلى مراجعة موقف الكونغرس، وأكدوا أن القانون ربما يحتاج إلى إعادة نظر، فيما أبدى نواب آخرون استعداداً للتراجع عن موقفهم الداعم له ومنهم بول ريان، الذي أكد ضرورة إيجاد سبيل لإصلاح ذلك القانون، بالشكل الذي يحفظ حقوق ذوي ضحايا أحداث 11 سبتمبر 2011، كما يضمن في الوقت ذاته عدم ملاحقة أميركيين في الخارج. وفي هذه الأثناء، أقرَّ ميتش ماكونيل، زعيم الغالبية في الكونغرس بأن النواب حينما مرَّروا القانون لم يكونوا يدركون التبعات القانونية المحتملة له. وفي السياق ذاته، ذكر الموقع الإلكتروني لصحيفة «واشنطن بوست»، أن مشرعين أميركيين شرعوا في إعداد العدة لإجراء تعديلات على نصوص القانون في أعقاب الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
 
 
 
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,642,740

عدد الزوار: 6,998,549

المتواجدون الآن: 69