تأمين مخزون الغد من الغذاء

تاريخ الإضافة الأحد 6 تشرين الثاني 2016 - 6:25 ص    عدد الزيارات 1173    التعليقات 0

        

 

تأمين مخزون الغد من الغذاء
المستقبل..تريسكا حميد ...(متخصصة في قضايا وشؤون الشرق الأوسط)
يشهد العالم اليوم تنامياً في أعداد السكان ونقصاً في الموارد، وفي ظل ارتفاع أسعار الغذاء، بدأنا نلاحظ أن العالم يسير في اتجاه نحو ندرة الغذاء، وأن حماية امدادات الغذاء أصبحت من ضمن الأولويات الأساسية لدى كافة الحكومات في المنطقة.

وفي خضم التنامي المتزايد لعدد السكان حول العالم الذي بلغ 7.4 بلايين نسمة ومن المتوقع أن يصل إلى 9 بلايين نسمة في عام 2050 وفي نهاية المطاف إلى 11 بليون نسمة في عام 2100، ذلك يعني أن العالم سيضطر إلى تأمين الغذاء لمزيد من الناس وذلك في ظل إنحسار رقعة الأراضي الزراعية ونقص مصادر إمدادات المياه. وتشير الإحصائيات أن فرداً من كل تسعة أفراد في الوقت الحالي لا يحصل على الغذاء الكافي للعيش بطريقة صحية ونشطة، وتشير أيضاً أن سوء التغذية يتسبب في وفاة أكثر من ثلاثة ملايين طفل كل عام ويعيق نمو طفل واحد من كل أربعة أطفال.

وانطلاقاً من ذلك، أصبح العالم في أشد الحاجة إلى بنية أساسية لتوفير إمدادات مستدامة من الغذاء بأقل الأضرار البيئية الممكنة. وهذا بدوره يضع الشرق الأوسط، وخصوصاً منطقة الخليج العربي التي تتمتع ببيئة صحراوية، تحت ضغط هائل لضمان الأمن الغذائي لأجيالها القادمة.

بيور هارفست هي شركة إماراتية تأمل في استخدام التكنولوجيا الحديثة لإحداث ثورة في طرق الزراعة المتبعة في المنطقة، حيث تعمل الشركة على إنشاء مزرعة من نوع جديد، أو بالأحرى مصنعاً من نوع جديد كما يفضل مؤسسوها الإشارة إليها، وذلك لزراعة الفواكه والخضروات على مدار العام داخل بيوت زجاجية متطورة.

يعلق محمود عدي، المؤسس المشارك لشركة بيور هارفست على ذلك قائلاً: «أصبح الأمن الغذائي قضية محورية تتطلب من الحكومة التصدي لها. ونتيجةً لذلك، كانت هناك جهود عديدة لإيجاد حلول لتلك المشكلة من قبل أعلى الجهات الحكومية». وشملت هذه الجهود شراء أراضٍ في أوروبا وأفريقيا لزراعة المحاصيل الغذائية للسكان وتأمين الغذاء للماشية.

وأضاف محمود عادي: «إن هذه الخطوة هي بالفعل خطوة هامة ولكنها لا تجد حلاً شاملاً لمشكلة الأمن الغذائي، أما إنتاج الإمدادات الغذاية وتأمينها داخل الدولة، فهذا بلا شك نقطة تحول بارزة في مسألة الأمن الغذائي».

تقوم بيور هارفست ببناء أول بيوت زجاجية ذات تكنولوجيا فائقة التطور وتقنية للتحكم في التغيرات المناخية بالقرب من مدينة العين في الإمارات العربية المتحدة لزراعة المحاصيل عالية الجودة باستخدام تقنيات الزراعة بدون تربة، وذلك لإنتاج المحاصيل وبيعها مباشرة لتجار التجزئة. ولا تعتمد زراعة المحاصيل باستخدام تقنيات بدون تربة على الأرض لزراعة المحاصيل، بل تستخدم ألياف جوز الهند كعنصر مُدًعِم دون الحاجة للجوء إلى استخدام المبيدات والأسمدة. وتتم مراقبة كل نبتة بواسطة مُستشعرات تقوم بدورها بنقل جميع البيانات اللازمة لمعرفة كمية المياة المطلوبة والوقت الأنسب لاستخدامها، مما يثمر عن ترشيد في استهلاك المياة والحد من هدرها.

ويقول سكاي كرتز، المؤسس المُشارك الأخر في شركة بيور هارفست: «تعتبر هذه التقنية أكثر فاعلية بسبع مرات في استهلاك المياه. تستهلك دولة الإمارات العربية المتحدة 72% من المياه الصالحة للشرب في الزراعة، رغم أن القطاع الزراعي لا يساهم سوى بنسبة 2% فقط من إجمالي الناتج المحلي، وهذا يُعد استخداماً غير فعالاً للمصادر».

وبالمقارنة مع مناطق أخرى حول العالم، تستخدم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أعلى نسبة من المياه في الزراعة، والتي تنعكس سلبياً على إجمالي الناتج المحلي. كما تستورد منطقة الشرق الأوسط 50% من احتياجاتها الغذائية، ولكن هذه النسبة ترتفع بشكل كبير لتصل إلى 90% في بعض الدول مثل دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي الوقت الراهن، يتم إنتاج ما يعادل 10-14 كيلوغرام من الغذاء لكل متر مكعب من الأراضي الزراعية في دولة الإمارات العربية المتحدة. وبحسب ما تعتقده شركة بيور هارفست، فإن هذا المعدل يمكن مُضاعفته ليصل إلى ستة أضعاف المُعدل الحالي، رغم أن ذلك يشكل مُخاطرة مكلفة. فهذه العملية تحتاج إلى استخدام كبير للطاقة كما أن تكاليف التأسيس عالية جداً. وقد بدأت دول أوروبا والولايات المتحدة بالفعل في استخدام هذه التقنية، فهي لا تحتاج إلى وفرة في الأراضي الزراعية، بل كل ما تحتاجه هو مصدر دائم للمياه وبنية تحتية جيدة للنقل.

وقد أضاف السيد كرتز: «إن دولة الإمارات العربية المتحدة تمتلك أحدث بنية تحتية لوجستية، وليس هناك سبب يجعلنا غير قادرين على تصدير الأغذية. نعتقد أن المنطقة تتمتع بفرصة كبيرة ونود أن نكون المنصة لتحقيقها. نريد أن نثبت للدولة ورواد الأعمال الآخرين أن هذه التقنية هي اقتصادية ومُستدامة وأنهم يستطيعون أيضاً الاستثمار فيها وتغيير الطرق الزراعية. فهذا من شأنه أن يحدث تغييراً في أسعار الغذاء ويكون له أثر إيجابي كبير على الأمن الغذائي والمائي». ونظراً لتحديد الأمن الغذائي والقضاء على الجوع ضمن أهداف منظمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، فإن التأكد من توفير الغذاء الجيد للعالم في المستقبل يعدُّ من الأولويات التي تتجاوز في أهميتها كافة القطاعات الأخرى. يعلق محمود محي الدين، النائب الأول لرئيس أجندة التنمية المُستدامة 2030 لدى مجموعة البنك الدولي والعلاقات والشراكات لدى الأمم المتحدة على ذلك قائلاً: «هناك أهداف وغايات محددة تتعلق بالغذاء وجودته ضمن أجندة التنمية المُستدامة 2030، وتقوم تلك الأهداف والغايات بربط كافة مشاريع البنية التحتية اللازمة لتوفير الخدمات اللوجستية، والتعليم، والصحة».

يعاني قطاع الأمن الغذائي حالياً نقصاً في التمويل تبلغ قيمته حوالي 1.3 تريليون دولار أميركي، وهو يشمل تمويل البنية التحتية وإمدادات المياة وشبكات الصرف الصحي. ولكن ربما يكمُن التحدي الأكبر لضمان الحفاظ على الأمن الغذائي في التغير المناخي. فالضرر الذي خلفه التغير المناخي بات بالفعل جلياً. وطبقاً للأبحاث الصادرة عن معهد ماكس بلانك للكيمياء في ألمانيا ومعهد قبرص في نيقوسيا، يمكن أن تصل درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط إلى 50 درجة مئوية بحلول نهاية هذا القرن، وهو مناخ يعدُ غير صالح لزراعة العديد من المحاصيل الزراعية وذلك لشدة حرارته. وتقدر نسبة الخسائر في زراعة الحبوب مثل الأرز والقمح والذرة بحوالي 10% لكل درجة مئوية ترتفع عن 30 درجة مئوية وذلك وفقاً لمعهد ورلد واتش. وفي هذا الإطار يقول البروفيسور جوردون كونواي خلال محاضرة ألقاها حول شرودنجر في وقت سابق من هذا العام في إمبريال كوليدج بلندن: «إن الأراضي الصالحة لتأمين الغذاء آخذة في التقلص، ونحن من يتسبب بتدهور حالة الأراضي، وهناك منافسة على المياه والموارد الأخرى، لذلك ما علينا القيام به هو انتاج المزيد بموارد أقل. وهنا يكمن التحدي».

ووفقاً للبروفيسور كونواي، فإن أكبر تحدِ يواجهه العالم اليوم هو تنامي الطبقات الوسطى في جميع أنحاء العالم بالإضافة إلى الإقتصادات الناشئة مثل البرازيل ونيجيريا والصين والهند، والتي تحولت إلى أنظمة غذائية قائمة على الثروة الحيوانية، وبالتالي تستهلك مزيداً من البيض والجبن ولحم الضأن والدجاج. ولكي ينمو كيلوغرام واحد من اللحم، نحتاج إلى ما بين 7-8 كيلوغرام من الحبوب. وتعتبر الزراعة في حد ذاتها مصدراً للغازات المسببة لظاهرة الإحتباس الحراري،حيث تأتي نحو 14% من هذه الغازات من الزراعة وتربية الحيوانات.

تشكل زراعة المحاصيل المُعدلة وراثياً أحد الحلول المقترحة للتصدي لهذا التحدي، وهو ما يعتبر الحل الأمثل لاسيما بين دعاة استخدام المنتجات الطبيعية. ولكن من خلال تكثيف وتعديل المحاصيل الزراعية يمكن لتلك المناطق من العالم ضمان حصولها على كمية الغذاء المناسبة في نظامها الغذائي. وقد اتجه آخرون إلى تطبيق منهجيات جذرية مثل إنتاج اللحوم بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لإشباع شهية العالم الشرهة في تناول الأغذية الحيوانية والمنتجات المشتقة منها، أو استبدال الوجبات الغذائية بأقراص توفر الكمية المناسبة من السعرات الحرارية والمواد الغذائية لتلبية حاجة الجسم.

ويمكن اعتبار التحكم في أعداد السكان نوع من الاستراتيجيات للتصدي لهذه المشكلة، وهو ما يشبه سياسة الصين في تحديد النسل وإرغام السكان على إنجاب طفل واحد، والتي أصبحت الآن سياسة الطفلين. ولكن على المدى الطويل، يمكن أن يؤثر ذلك وبشدة على الإزدهار الإقتصادي للدولة وإنحراف معدلات أعداد الذكور مقارنة بأعداد الإناث لتميل أكثر نحو الذكور، مما يخلق مشكلات اجتماعية. ومهما كان الحل، يجب أن تشمل مشكلة الأمن الغذائي جميع القطاعات. وتابع السيد محي الدين قوله: «ما نسعى إليه هو منهجية تكون أكثر شمولاً وتأخذ بعين الإعتبار الأمور المتعلقة بإنتاج الغذاء مع توفر الدعم الكافي من جانب الطاقة، وتضمن ترشيد المياه والإستثمارات اللازمة للبنية التحتية والخدمات اللوجستية». وبالنسبة للشركات مثل شركة بيور هارفست، الحل هو استخدام تكنولوجيا فائقة التطور والجمع بين الجهود الحكومية والقطاع الخاص لإنتاج مواد غذائية طبيعية وصحية بتكلفة منخفضة للمستهلك من دون الحاجة للتنازل عن تناول الأطعمة عالية الجودة وبغض النظر عن حجم الأسرة.


 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,857,659

عدد الزوار: 7,006,175

المتواجدون الآن: 76