هل تشهد المستوطنات في 2017 مصير بانتوستانات جنوب إفريقيا؟

تاريخ الإضافة الجمعة 6 كانون الثاني 2017 - 6:15 ص    عدد الزيارات 1242    التعليقات 0

        

 

هل تشهد المستوطنات في 2017 مصير بانتوستانات جنوب إفريقيا؟
الحياة..أحمد فؤاد أنور .. * أكاديمي مصري
ينم رد فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين ناتانياهو على قرار مجلس الأمن اعتبار المستوطنات التي تبنيها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، عملاً غير مشروع، عن شعور بالصدمة، وبأن أمنه الشخصي بات على المحك، لجهة ملاحقته من خلال المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب، من بينها بناء المستوطنات. فالقانون الدولي يعتبر بناء المستوطنات جرائم حرب؛ لأنها مرتبطة بنقل سكان. فضلاً عن أن صياغة القرار تطلب من الدول التفرقة بين حدود الـ 48 والأراضي المحتلة؛ ما يفتح الباب أمام عقوبات وإجراءات من كل دولة على حدة أو من خلال منظمات إقليمية. تخبُّط نتانياهو تم التعبير عنه بإعلانه فرض عقوبات على الأمم المتحدة متمثلة في حجب نصيب إسرائيل من موازنات عن منظمات تابعة للمنظمة الدولية؛ متجاهلاً أن المقصود هو الجهاز الرئيس المنوط به الاضطلاع بمهمة حفظ الأمن والسلم الدوليين، وأن مجلس الأمن هو الذي يفرض العقوبات على الجامحين المتجاوزين وليس العكس، وأن قيام إسرائيل مشروط بالتزامها ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. نتانياهو قام في السياق نفسه بتكليف الخارجية الإسرائيلية بتوبيخ السفير المصري و12 سفيراً أيَّدت دولهم قرار مجلس الأمن، وتولى هو شخصياً توبيخ سفير الولايات المتحدة في إسرائيل. وخصت تل أبيب نيوزيلاندا والسنغال بغضبٍ مضاعف. ويعبر عن التخبط؛ هجوم نتانياهو المباشر على الرئيس الأميركي المنتهية ولايته باراك أوباما، ومطالبته أعضاء حكومته في الوقت نفسه بعدم انتقاد الإدارة الأميركية، «لأن القرار لا يمكن اعتباره نهاية المطاف»!.. مصائب نتانياهو تفاقمت بعد أن اتخذت المعارضة الإسرائيلية موقفاً مختلفاً وغير متوقع، حيث حمَّلته مسؤولية نبذ وعزل إسرائيل وهو موقف نادر، إذ كان المتبع هو التضامن عند وقوع الكوارث السياسية والأمنية والعسكرية. المعارضة الإسرائيلية بررت تأييدها القرار بقولها إنه «ينقذ إسرائيل من نفسها... في الواقع هو قرار مناصر لإسرائيل». إذ يرى اليسار أن كلفة الاستيطان الدولية وتأمينه عسكرياً باهظان، وأن المستوطنين هم الذين يحكمون إسرائيل وليس الحكومة، وهذا لا يجوز. مصير جنوب إفريقيا ومستوطناتها (البانتوستانات) يعد في الواقع شبحاً يلاحق نتانياهو، إذ من المنتظر أن يصدر مجلس الأمن قراراً أو لطمة جديدة يوم 15 كانون الثاني (يناير) 2017 قبل تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، في شأن حدود الدولة الفلسطينية. فبعد 61 مرة استخدمت فيها الولايات المتحدة الفيتو ضد رغبات بقية أعضاء مجلس الأمن؛ سار أوباما على درب جورج بوش الابن الذي رفض إنقاذ إسرائيل بالفيتو ثماني مرات، وبيل كلينتون قام بالأمر نفسه ثلاث مرات. وحتى بعد أداء دونالد ترامب القسم وتسلمه مقاليد منصبه رسمياً، فإنه سبق أن عبَّر عن عدم تأييده الاستيطان، ومن ثم فإن طلبه إرجاء التصويت على قرار مجلس الأمن كان في إطار التعبير عن اهتمامه بتهيئة السبل لإنجاح مشروعه الرامي إلى إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية في غضون 6 أشهر، بعد توليه الحكم رسمياً. قرار مجلس الأمن يعري إسرائيل مجدداً بعد أن تعثرت القرارات المماثلة كافة منذ 2008، ويفضح كونها غير متحضرة وغير متمدينة طالما لم تنفذ قرارات الأمم المتحدة، حيث فاقت بهذا الاستفزاز والوقاحة سياسات «الأبارتهيد» في بريتوريا العنصرية. والقرار يتميز بأنه لا يغلق الباب أمام عقوبات ثنائية من الدول؛ طالما أنه ناشدها التفرقة بين حدود إسرائيل وحدود الأراضي المحتلة. يُعجل القرار بتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته إزاء من يرفض قراراته ويوجه إهانات غير مسبوقة للمنظمة ولأعضاء مجلس الأمن بالكامل (وربما يدفع إلى النظر في تحويل التعامل مع جرائم إسرائيل وعنصريتها إلى الفصل السابع الذي يفتح الباب أمام عقوبات قد تصل إلى التدخل العسكري). هنا بات على الجانب الفلسطيني؛ على المستويين الرسمي والشعبي؛ أن يبرز ما تمَّ من إجراءات عنصرية من إسرائيل متمثلة في إصدار فتوى من عشرات الحاخامات تقضي بعدم تأجير أو بيع شقق للفلسطينيين، ثم التضييق على الجمعيات الأهلية بقانون يزيد من مصروفاتها ويتعامل بعداء مع منظمات تكشف الجرائم التي ترتكب ضد الفلسطينيين بتمويل من دول صديقة لإسرائيل. فضلاً عن التضييق على نواب فلسطينيي الـ 48. فبعد حملات تحريض وتشويه تم اعتقال عضو كنيست واتهامه بتهريب هواتف وأغراض لمقاومين في سجون الاحتلال. وتشمل العنصرية أيضاً منع الفلسطينيين من الصلاة في الحرم القدسي، وقانون المؤذن الذي تجرم مسودته حتى الآن استخدام مكبرات الصوت في أذان الفجر. وكانت الطامة الكبرى شرعنة «البؤر الاستيطانية» بالاعتراف بالمستوطنات غير الشرعية، فبعد الاستيلاء على مناطق شاسعة باعتبارها «أملاك غائبين»، وهي في الواقع أوقاف إسلامية ومسيحية للإنفاق على مساجد وكنائس ودور أيتام، وبعد تخصيص مساحات شاسعة كميادين تدريب، تم إقرار الاستيلاء كذلك على أملاك أفراد! فضلاً عن إقرار موازنة 2017 - 2018 في شكل يضطهد فلسطينيي الـ 48 على رغم التزامهم القوانين الإسرائيلية ودفع الضرائب من دون تمتعهم بحقوق. والعنصرية التي يجب إبرازها أيضاً أمام العالم طاولت طبقات من اليهود، حيث يعاني اليهود من أصل إثيوبي من تفرقة تبدأ بإجبارهم على فحوصات الإيدز وعدم التبرع بالدم، وصولاً إلى لجوء الشرطة للعنف تجاههم بلا مبرر، وعدم تمكينهم من الحصول على تعليم جيد. الخلاصة هي أن المستوطنات الصهيونية تستولي على الأرض المحتلة وتعيق حل الدولتين الذي يقره المجتمع الدولي نظراً إلى أنه ينقل سكاناً إلى مناطق محتلة في شكل يجرّمه القانون الدولي ويحوّل المناطق المتبقية للفلسطينيين إلى بانتوستانات على غرار سياسة بريتوريا التي سقطت عام 1994 ومنذ ذلك التاريخ والصهيونية تؤكد تفردها العنصري وكأنها تحيي من جديد قرار الأمم المتحدة الصادر العام 1975 والذي يصمها رسمياً بالعنصرية. قضية الفلسطينـيين الــعــادلة وكفــاحــهم ضـــد المســتوطنات السرطانية نالا في 2016 دعماً يحتاجاهما، وفي 2017 قد يتلقى المشروع الاستيطاني ضربة مزدوجة متمثلة في قرار جديد من مجلس الأمن يحدد خطوط تأسيس الدولة الفلسطينية من جانب واحد على عكس ما تطلبه إسرائيل، فضلاً عن حرية حركة واسعة لإدارة ترامب لن تخرج عن تفكيك ما لا يقل عن ثلث المستوطنات القائمة وتبادل أراضٍ للمساحة المتبقية. برهنت تل أبيب بتحدي العالم أنها تسير على درب جنوب إفريقيا بكل همة، والأكثر فجاجة هو أن تشبثها بتشييد المستوطنات حتى بعد قرار مجلس الأمن يأتي متعارضاً حتى مع قرارات للمحكمة الإسرائيلية العليا التي تتحدث عن «المساواة كمبدأ أساسي في الدولة»، كما تقرّ «حق التعبير عن الرأي»، وتجرّم «بث أقوال عنصرية، أو المس بالمشاعر الدينية، أو التمييز في العمل والتعليم، أو منع الانتفاع من المرافق العامة على خلفيات قومية أو عرقية أو دينية»! لقد حان الوقت لرأب الصدع الفلسطيني - الفلسطيني وتوحيد الصفوف لانتزاع الحقوق؛ لأن إلزام دولة الاحتلال مضمون القرار واللحاق بمصير جنوب إفريقيا العنصرية؛ غير بعيد.
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,659,324

عدد الزوار: 6,998,942

المتواجدون الآن: 67