«فتح» هي غيرها اليوم... ومَن انجرف منها وراء صدام انجرف وراء الأسد

تاريخ الإضافة الإثنين 24 شباط 2014 - 6:44 ص    عدد الزيارات 725    التعليقات 0

        

 

«فتح» هي غيرها اليوم... ومَن انجرف منها وراء صدام انجرف وراء الأسد
هاني فحص
قربي من حركة «فتح»، أدى الى حرص مني وترحيب منها، على مشاركتها أوجاع جراحها، بخاصة تلك التي كانت تأتي من جهة الأنظمة العربية، والنظام السوري والعراقي أولاً وثانياً. صحيح ان جراح عمان لم تكن قليلة، ولكنني لمست على كل المستويات الفتحاوية، رغبة في نسيانها، فإذا ما تم تذكرها للتاريخ، سمعت كلاماً يحاول أن يتخلص من حروف الحقد وحركات إعرابه، مع ميل مكنون الى إلقاء مقدار من اللوم على الذات. ولعل السرعة التي عاد بها الود الفلسطيني- الأردني الى الالتئام، بخاصة في محطات التحدي الكبرى، كمحطة ما بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وإخراج منظمة التحرير من بيروت، الى عمق هذه العلاقة، جعلت المرحوم الملك حسين بن طلال، يحرص على صلات صافية مع قيادة فتح بعامة، والمرحوم الشهيد ياسر عرفات خصوصاً، الى حد أن الملك ألحّ على أبي عمار بإجراء عملية جراحية في دماغه، بعد حادث الطائرة المعروف، والصدمة التي تلقاها أبو عمار، في رأسه أثناء اصطدام الطائرة بأرض الصحراء الليبية، وبالحوار والإلحاح ومساعدة أهل الاختصاص من كبار أطباء الأردن وأطباء الملك، اقتنع أبو عمار بإجراء العملية للاطمئنان الى وضعه، أو التعجيل بمعالجة ما يمكن أن يكون متحققاً من أسباب الخطورة على حياته.
ودخل أبو عمار المستشفى سراً، ولكنه لم يكن سراً مطلقاً، ففضلاً عن الفريق الطبي، لازمه الملك حسين في المستشفى، وعندما اطمأن قليلاً، أصبح لأيام، يغادر قليلاً ثم يعود، وفي غيبته المحدودة كان يتصل مرات عدة، مهتماً بكل التفاصيل... أمام هذا الفعل الجميل، ندرك أن هناك سراً ما، هاشمياً أردنياً أو حسينياً، جعل الفلسطيني والأردني، إلا أقل القليل، يتجاوزون أيلول وأكثر آثاره، مع رغبة كل من الطرفين بالإقرار ولو سراً عن مسؤوليته عما حدث.
الجروح الأعمق والأوجع، التي شاركت حركة «فتح» عناءها منها، كان ألمها يأتي من جهة الأنظمة القومية العربية الوحدوية حاملة لواء أو شعار التحرير من البحر الى النهر، وإدانة دعاة السلام من المقاومين الفلسطينيين، وصولاً الى إعلان وصايتها على القضية كأمانة في عنقها. هكذا كان النظام العراقي، الذي لم يتردد أصدقائي من أزلام السلطة أو كوادر حزب البعث، في أن يعبّروا لي عن استيائهم مني على علاقتي بفتح وصداقتي لياسر عرفات «الخائن». ومعروف ان العراق البعثي ساهم في اختراع جبهة التصدي والصمود في مقابل مصر، كفرصة للوصاية على القرار الفلسطيني.
وأذكر أن الشاعر عبد الأمير معلة صاحب رواية (محمد الصقر) سيرة صدام حسين، والمقتول لاحقاً بميثان المخابرات، دعاني الى لقاء في اتحاد الأدباء في بغداد، وبدأت سهرتنا بإخباره إياي عن إنهائه كتابة مسرحية عنوانها «خيمة الكيلو 101»، ومضمونها خيانة ياسر عرفات وعمالته، وقد عرضت المسرحية بعد أشهر من سهرتنا، وأجمع النقاد سراً على رداءتها وبذاءتها، إلا المخابرات وجهّال الحزب الكبار الذين أشبعوها مدحاً على قلة فهمهم. وعقّب عبد الأمير معلة منبهاً إياي الى أنه حدثني هذا الحديث حتى أتنبه الى خطئي الذي ربما كان مجلبة خطر شديد عليّ، إضافة الى أن صداقة عرفات مجلبة عار لا يليق بي. أصابني الخرس، دهشة وخوفاً، ابتلعت ريقي، وعدت صباح اليوم الثاني الى بيروت، وعندما قتل علي ياسين في الكويت وسعيد الحمامي في لندن، وعصام سرطاوي في فيينا، وأبو الفهود وعدد من المناضلين العراقيين في صفوف فتح، سمعت من أوساط فتح أن السلطة العراقية هي القاتلة، أو أن القاتل منسوب اليها ومحمول عليها ومحمي بها ومنها... وبعد احتلال الكويت تم اغتيال القائد أبي أياد (صلاح خلف) لأنه اعترض ودان، واغتيل معه القائد أبو الهول (هايل عبدالحميد) لأنه وافق أياد الرأي في الإدانة.
تراجع عن محاولة اغتيال
ومرة كان عدد من القيادات الفتحاويين يتحدثون في حضوري ويحدثونني عن محاولات الاغتيال التي دبّرها النظام العراقي لياسر عرفات. وكان آخرها شديد الإحكام، حيث استأجر عدد من طلاب المخابرات العراقية منازل لهم في منطقة الرواس من الطريق الجديدة، حول المنزل الرئيس لأبي عمار، وأخذوا يرصدونه لقتله، الى ان اكتشفهم أمن فتح. وفي التحقيق، أقر قائدهم بأنه صرف النظر منذ شهر عن فكرة الاغتيال، لأنها من الصعوبة بحيث لا تفلح فيها إلا عملية انتحارية، وهو ورفاقه لا يريدون أن ينتحروا، أنا أقر وأعترف بأن السياسة سياسة، وأهم ما فيها متغيراتها لا ثوابتها، وأعرف ان النظام الفلاني أو العلاني لم يقصر في مضايقة المقاومة الفلسطينية، أو حركة فتح أو قياداتها أو قائدها المرحوم عرفات، ما يقتضي في العادة السياسية، بمبالغة أو بالاقتصار على اللازم، إعادة بناء علاقة تحالفية مع نظام معاد ومعتد، في لحظة يكون هذا النظام بحاجة الى تنظيف سمعته، أو الى التعاون مع فتح أو غيرها، في مواجهة عداوة مشتركة، كانت مستورة ثم ظهرت، من طرف نظام أو جهة صديقة.
ولكن أن يصل الأمر الى رفع مقام النظام العراقي وصدام حسين في زمن المقابر الجماعية، وبعد احتلال الكويت، الى مصاف النبوة الفلسطينية المقاومة، فهذا لعمري أمر عجيب، ومن المفاخر التي برر البعض فيها إعجابه وإشادته بمآثر صدام حسين النضالية الفلسطينية، إضافة الى إنشائه جيش القدس الخُلَّبي (فيشنك) بعدما أنهى الجيش العراقي، بحيث كانت الفضيحة كالجائحة أثناء الاحتلال الاميركي ومقاومة محمد سعيد الصحاف للقوات الغازية... من هذه المفاخر عدد المنح التي قدّمها النظام الى الطلبة الفلسطينيين، في حين كان طلاب العراق يعانون الابتزاز والاضطهاد اليومي في الوطن، والألم والخوف في المنافي.
عقدت مؤتمرات عدة في البلاد العربية حول حقوق الإنسان ولا مرة ذكرت فيها حقوق الشعب العراقي، كما لا تذكر الآن حقوق الشعب السوري.
من علاقتي المباشرة والصريحة مع القيادات الفتحاوية العليا، لمست ارتياحاً لسقوط النظام العراقي، مع خوف شديد من الآتي شاركناهم فيه، وقد أنجزنا معاً وبالتعاون مع القوى العراقية الصديقة في النضال الفلسطيني لعقود من الزمن، أن نوقف التداعيات السلبية للتغيير في المجال الفلسطيني أو نقلل منها الى حد كبير. بين هذا وذاك، كان من حق أي شخص أن تكون له قناعته بنظام صدام ومحاسنه، ولنا قناعتنا بأن الباطل الصدامي قد سقط، ولكن الحق العراقي لم يصل ولن يصل بسرعة، وستقع على الطريق أخطاء قاتلة، نكاد نعرفها بالتفصيل - وكثير منها وقع وقع فعلاً -، ولكن أن تقام مئات مجالس العزاء للترحم على صدام حسين، ولا شماتة ولا نمنع رحمة الله عن أحد ولا نتبرع بالمغفرة، وقد قـــال لي قائد مناضل متدين جداً ومتصـوف من قيادات فتح إن صدام حسين قد تاب توبة لو فعلها الشيطان لغفر الله له طبعاً مع عدم علمنا بذلك، وعدم علمنا بتساهل ربنا في أمر الدماء والأعراض والأموال والأوطان. وكان يمكن عدم المبالغة في إظهار الحزن على صدام، مراعاة لمشاعر ذوي قتلى العراق من الناس ومن قيادات وكوادر حزب البعث (وهم مئات) والقيادات الوطنية والتقدمية الأخرى والقيادات الاسلامية، السنّية والشيعية وغيرها، فضلاً عن الكويت الشاهدة الحية على الجريمة. وهنا اجتمعت حركة حماس مع حركة فتح، كما لم تجتمعا على شيء آخر حتى الآن. وبعد هذا، كان في إمكان اي قائد فتحاوي على مستوى مركزي ومن موقع ديبلوماسي، أن يشارك مرة بعد أخرى في احتفال بعثي بذكرى مقتل صدام حسين، وأن يقول كلاماً مجاملاً من دون مبالغة أو تفجع وكأن المرثي هو صلاح الدين الأيوبي مقتولاً بعد حطين أو تحرير القدس!
تنسيق عراقي - فلسطيني
أذكر أن أبا نبيل الصديق والرفيق العراقي الأثير لأبي عمار وأبي جهاد وسائر أعضاء القيادة، منهم مادح صدام المركزي، والذي كان معروفاً باسم علي عبدالخالق، وقد تولى في منفاه في بيروت بالتنسيق التفصيلي مع أبي عمار شؤون الفارين العــــراقيين من المناضلين الى لبنان، منـــخرطين نضالياً في حركة فتح أو غيـــرها، او متعاونين الى أبعد مدى. اتصل بي الرجل حانقاً مفجوعاً من كلام صـــديقه وكأن ليس هناك شعب عراقي مدمى، واتصلت بالمستويات الأعلى في فتح فاعترضت بهدوء ووقار وعمق واعتذرت بطريقة لائقة بها وبالأصدقاء العراقيين.
هل هذا السلوك المتكرر بأشكال مختلفة موصول بعقل ابي عمار وقناعاته وطريقة عمله؟ روى لي السيد علي عبدالخالق (أبو نبيل الذي حاولت المخابرات العراقية اغتياله في الفاكهاني قرب مكتب أبي عمار، فأُصيب في حنكه ورقبته اصابات ما زالت آثارها بادية حتى الآن) قال أبو نبيل: في يوم من الأيام استدعاني أبو عمار على عجل، فذهبت اليه، لم يقل لي شيئاً، أخذ بيدي وأصعدني سيارته معه، ووصلنا الى قاعة الجامعة العربية، فخطب أبو عمار في المناسبة المعنية، ثم نادى من على المنبر طالباً مني أن أوافيه الى المنصة، فذهبت، فما كان منه إلا أن عانقني بحرارة وطويلاً وكأني عائد من سفر طويل وبعيد! ثم أخذ يدي بيده ورفعها في الهواء ملوّحاً للصحافة وقنوات التلفزيون. وعندما أصبحنا في السيارة عائدين، سألته عن سر ما فعله، فقال: أنا غداً مسافر الى العراق بدعوة من صدام حسين، فأردت أن أفهمه أن لا سبيل الى المساومة على المناضلين العراقيين من خلال عناقك. هذه هي البراغماتية الفلسطينية التي تطابق المبادئ، أما عكسها فهو الهشاشة التي لا تناسب فلسطين، كما لا يناسبها الجحود، بل تناسبها الحكمة والفطنة في القول والفعل.
القذافي والفلسطينيون
من المسلّمات لدى المتابعين للعموميات والتفاصيل، في تاريخ المقاومة الفلسطينية، ان أنظمة مصنفة في اليمين، عرفت بدعمها للمقاومة ممثلة بحركة فتح بسبب رجحان الاستقلال على التبعية في قرارها، من دون أن تتدخل هذه الدول الداعمة في القرار، وإذا ما اعترضت على شيء أو عتبت على شيء، فإنها لم تكن تعاقب الشعب الفلسطيني، من ضيوفها الى آخر مقاتل حتى لو كان معادياً لها. في حين أن معمر القذافي، كان كل مرة يزعل فيها من أبي عمار الذي لا يجاريه على خرافة من الخرافات، يعمد الى طرد العمال الفلسطينيين وإقفال مكتب المنظمة ومكتب فتح وترحيل المسؤولين، وتشكيل لجان لتنظيم بديل لمنظمة التحرير، الى دوره المعروف في التمويل السخي لأطراف ثانوية وتخريبية في المقاومة، وتغذية الحرب اللبنانية، ولكنه بعد الاجتياح الاسرائيلي واشتداد ضرورة المقاومة عام 1982 لم يصرف فلساً واحداً على المقاومة. وكان قد فعل فعلته مع الإمام موسى الصدر مربكاً بذلك الموقف الفلسطيني لمصلحة تواطؤات ستنكشف لاحقاً، كانت غايتها إفراغ لبنان من العقل القيادي المؤسس والراعي: كمال جنبلاط، كامل الأسعد، عادل عسيران، موسى الصدر، حسن خالد، البطريرك خريش، ريمون اده، صائب سلام، صبحي الصالح... وغيرهم، بالقتل أو التهجير الطويل أو التهميش. ومن أجل أن يتحول لبنان الى حديقة خلفية للنظام السوري بما يقتضي ذلك من صفقات عربية وإقليمية ودولية... مع موسكو وواشنطن والغرب عموماً.
في مقابل الدعم من الخارج لمنظمة التحرير، كان هناك دعم للتقويض من الداخل عبر منظمة الجبهة العربية اللغم العراقي في المقاومة، ومنظمة الصاعقة اللغم السوري غير الوحيد، لأن هناك لغماً بقيادة فلسطينية كان قد زرع مبكراً، وكلف في الستينات، عندما كان حافظ الاسد وزيراً للدفاع وممسكاً بمنظمته الفاتكة، مخابرات القوات الجوية، بحركة اغتيال لقيادات المقاومة بعد إطلاق الرصاصة الأولى في 1/1/1965 ... وفي دمشق بالذات، وسقط قتلى من الطرفين في دمشق، ليعقب ذلك قرار باعتقال كل قيادات فتح، وعندها غادرت السيدة أم جهاد (انتصار الوزير) دمشق الى بيروت لتنحصر القيادة الميدانية فيها حتى خروج القيادة من السجن.
 وفي الأيام الأخيرة، قبل خروج المنظمة من لبنان، اصر أبو عمار على المغادرة الى اي مكان عدا دمشق التي كانت تلح عليه وتنتظره، وقد وصلته معلومات تفصيلية بأنه إذا لبى رغبة دمشق فسيكون قتيلاً أو سجيناً، وجاءت حركة الانشقاق الفتحاوية بقيادة أعداء دمشق التاريخيين من قيادات فتح وأعزائها لاحقاً في وجه حركتهم - ومن ينسَ اعتقال وتعذيب واغتيال القيادات المميزة وأبرزها الشهيد العميد الكفي سعد صايل؟ - لتؤكد ان الأفق البعثي باق كما كان مفتوحاً لاحتضان المقاومة لخنقها من موقع قومي عربي لا يساوم!
هل وقعت فتح أو بعضها أو البسطاء منها من المسكونين بعداء اسرائيل وكره لها ورغبة في العودة والتحرير والدولة الوطنية المستقلة، الى حد تصديق أي متشدق رديء النيات، بالمقاومة والتحرير، حتى تظهر هذه المفارقات باستمرار، وتبدو فتح ومعها كثيرون من المقاومين، كأنها تنسى ثوريتها ووسطيتها وكونها حركة شعب مظلوم موصول بقضايا وهموم ومآسي شعوب عربية مظلومة من حكامها ومحبة لفلسطين وشعبها! وهل هناك قيادات في حركة فتح تضيع بوصلتهم أو هم يضيّعونها، فلا يفرقون بين الصادق والكاذب من الأنظمة والجماعات التي ترفع فلسطين شعاراً على حساب شعوبها؟ وفي النهاية، أليست حرية الشعوب العربية وكرامتها ونهضتها شرطاً لتحرير فلسطين؟
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,146,623

عدد الزوار: 6,980,510

المتواجدون الآن: 68