حلف شيعي روسي يسيطر على المنطقة... الشرق الأوسط ساحة واحدة لنزاعات تهدّد سايكس - بيكو

تندمج النزاعات في سوريا والعراق ولبنان في حرب تمتد من جبال زاغروس الايرانية إلى البحر المتوسط، لتكون ساحة عمليات واحدة من حيث سهولة حركة المقاتلين والسلاح.

لندن: كثفت القوات العراقية دورياتها على الحدود الصحراوية التي تمتد 605 كلم مع سوريا، لكن العراقيين يعترفون بأن هذا الاجراء لم يكن مجديًا. فالقوات العراقية رصدت قبل فترة قافلة من مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام – داعش، وتصدت لها. لكن بعد يومين فقط اكتشفت أن قافلة أكبر مرت من دون علمها.

وقال العميد سعد معن، المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية، إن القوت العراقية تحاول أن تقطع خطوط امداد داعش، "لكنها في الغالب تحاول أن تعرف ما يجري على الجانب الآخر". ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن العميد معن قوله: "ما يجري في سوريا يؤثر علينا ويضر بالشعب العراقي مباشرة، وإذا كان هناك أي مشكلة في سوريا فانها ستجد انعكاسها في العراق".

 ساحة واحدة

يتمركز مسلحون لبنانيون وعراقيون شيعة في بلدات ومدن سورية مختلفة. وتنفذ مجموعات مسلحة سورية عمليات تفجير في الضاحية الجنوبية من بيروت، معقل حزب الله على ما يُفترض. ويتدفق مقاتلون سنة من سوريا إلى العراق حيث يخوضون مواجهات مع القوات الحكومية على اطراف بغداد، في حين أن سنة لبنانيين وفلسطينيين من لبنان يقاتلون في مدينة حمص السورية.

وتغض حكومتا بغداد وبيروت، المدعومتان من طهران، الطرف عن تهريب السلاح وتسلل مقاتلين شيعة إلى سوريا لخوض معارك ضد قوات المعارضة من حلب إلى درعا، مرورًا بدمشق، بل إن الحكومتين تساعدان احيانا في عمليات التهريب والتسلل هذه، بحسب صحيفة فايننشيال تايمز.

ويرى محللون أن هذا كله يتعدى التداعيات الاقليمية للنزاع السوري. فالنزاعات المختلفة في سوريا والعراق ولبنان تندمج بصورة متزايدة في حرب تمتد من جبال زاغروس شمال غرب ايران إلى البحر المتوسط، على ما يقوله الكاتب رامي خوري انها "ساحة عمليات واحدة من حيث سهولة حركة المقاتلين والسلاح".

حرب الثلاثين عامًا

قلة يعتقدون أن خريطة المنطقة مقبلة على اعادة رسمها من جديد. فالصراع الناشئ يمثل انهيارًا خطيرًا للدولة القومية التي أُنشئت بموجب اتفاقية سايكس ـ بيكو بين الامبراطوريتين الفرنسية والبريطانية قبل 90 عامًا.

ويقول بول سالم، من معهد الشرق الأوسط في واشنطن: "هذه المنطقة، الشام، لم تكن لها ذات يوم هويات أو كيانات وطنية قبل سايكس ـ بيكو، والهويات بخلاف الدول تكون عابرة للحدود إذ لدينا شيعة هنا وهناك ولدينا سنة هنا وهناك ولدينا كرد هنا وهناك".

ويشبّه سالم النزاع بطول أمده ونطاقه الجغرافي وسعة التدخل الأجنبي فيه حرب الثلاثين عاما بين البروتستانت والكاثوليك التي دمرت وسط أوروبا في القرن السابع عشر.

 حلف شيعي روسي

النسخة الشرق اوسطية من هذه الحرب تضع حكومات سوريا والعراق ولبنان، التي تسيطر عليها احزاب تنتمي إلى المذهب الشيعي، في مواجهة مقاتلين سنة يتعلمون التكتيكات من بعضهم البعض ويتقاسمون الموارد في ما بينهم. كما أن الحكومات الثلاث تتلقى مستويات متفاوتة من التوجيه من نظام المرشد آية الله علي خامنئي في ايران. وتتولى روسيا تسليح النظام السوري فيما توفر الصين غطاء دبلوماسيًا في مجلس الأمن.

وفي هذا الشأن، قال المتحدث باسم ائتلاف "متحدون" في العراق ظافر العاني لصحيفة فايننشيال تايمز: "انها ساحة واحدة تحت سيطرة خامنئي"، مشيرًا إلى وجود تحالف شيعي ـ روسي.

ويتلقى الطرف الآخر دعمه من لاعبين اقليميين ودوليين اقوياء مثل الدول الخليجية وتركيا والغرب بتدريب مقاتلين من المعارضة السورية وتسليحهم، فضلًا عن الدعم السياسي لقادة الطائفة السنية في لبنان وحلفائهم.

وما يزيد رقعة الشطرنج هذه تعقيدًا تصاعد التطلعات القومية الكردية وتنامي قوة تنظيم القاعدة وداعش بوصفها قوى خارج سيطرة الحكومات المركزية الثلاث في دمشق وبغداد وبيروت. وقال علي الموسوي المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي: "اسوأ ما في الأمر انه ليست هناك بوادر حل في الأفق".

 حدود ودول

ليس للقوى الكبرى مصلحة في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط على النحو الذي أُعيد به رسم خريطة اوروبا بعد سقوط جدار برلين. لكن التركة الأكثر ديمومة وربما الأشد تدميرًا للنزاع الذي تشهده المنطقة قد تكون التفكك التدريجي لفكرة لبنان وسوريا والعراق نفسها بوصفها كيانات وطنية.

فالحدود التي لم يكن يعبرها في السابق إلا مهربون مغامرون تتلاشى بصورة متزايدة مع تنامي قوة الهويات الطائفية والمناطقية.

ويلاحظ الباحث هشام هاشم أن ثماني قبائل سنية تعيش على جانبي الحدود العراقية ـ السورية، كل قبيلة منها تُجَر إلى صراعات المنطقة مع هذا الطرف أو ذاك. وقال هشام: "ان هذه القبائل مختلطة بين سوريا والعراق ولكل منها جد واحد وهي لا تقبل بالحدود التي ترسمها الدول".

ويحاول أكراد العراق ادارة التطورات السياسية في مناطق كردية من سوريا اعلنت الادارة الذاتية فيما يستخدم كرد سوريا شمال العراق محطةً استراتيجية ولوجستية. وينتقل الآن مقاتلون من حزب العمال الكردستاني في تركيا إلى منطقة الحكم الذاتي الكردية في سوريا أو "كردستان الغربية".

 على ضفتي النزاع

يظهر مقاتلون من أطراف دير الزور على نهر الفرات داخل الأراضي السورية في بغداد حيث يتاجرون بمجوهرات وقطع اثرية مسروقة لشراء أسلحة من عائدات هذه التجارة. ويقاتل في سوريا لبنانيون وفلسطينيون سنة تمرسوا بفنون القتال في جنوب لبنان أو شماله.

وقالت عضو مجلس النواب العراقي ميسون الدملوجي انها شاهدت شبابًا يسافرون ليلًا من مطار بغداد إلى بيروت للانتقال من هناك إلى سوريا. ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن الدملوجي قولها: "الحكومة تسمح لعراقيين بالذهاب للقتال في سوريا بذريعة الدفاع عن مقام السيدة زينب، وثمة عراقيون يقاتلون على جانبي الحرب السورية".

وبدأت داعش تقيم دولتها في مناطق من سوريا والعراق، بمحاكم وقوات شرطة وخدمات عامة. ويبدو انها توسع دائرة نفوذها من الانبار إلى بغداد ومحافظة ديالي.

وقال المحرر في جريدة الصباح الجديد العراقية علي سراي: "انهم يهاجمون مناطق حكومية مهمة في بغداد وجامعات وقواعد عسكرية ومراكز تجارية، وهذا يوجه رسالة تقول انهم قادرون على استهداف أي مكان في أي وقت".

آفاق المنطقة

ويرى محللون أن تنامي خطر تنظيم القاعدة وفروعه، بما في ذلك جبهة النصرة وداعش، يمثل أكبر خطر على مستقبل المنطقة. لكن ربما عمل ايضًا على دفع اللاعبين الاقليميين إلى اتفاق على غرار صلح ويستفاليا الذي أنهى حرب الثلاثين عامًا في اوروبا، للعمل معًا من اجل وقف تصعيد النزاع بدلًا من الاصرار على الانتصار فيه.

وشهدت الاسابيع الأخيرة اعلان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل دعوة نظيره الايراني محمد جواد ظريف لزيارة الرياض بناء على رغبة هذا الأخير. وقال الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير الكويت، التي تربطها اواصر قربى بعشائر في شرق سوريا، انه سيزور ايران. واتخذت تركيا والاردن اجراءات مشددة لضبط الحدود ومنع تسلل المقاتلين الجهاديين عبرهما.