«المسألة المصرية» في واقعها وأوهامها

تاريخ الإضافة الأحد 22 حزيران 2014 - 6:34 ص    عدد الزيارات 861    التعليقات 0

        

 

«المسألة المصرية» في واقعها وأوهامها
أسامة الغزولي
تشير السجالات الدائرة اليوم، في مصر وخارجها، حول قانون الانتخابات البرلمانية، الذي أصدره الرئيس المصري السابق عدلي منصور، إلى أن «المسألة المصرية» ربما تكون انتقلت من مرحلة النظر في شرعية النظام الجديد إلى مرحلة النظر في مدى ديموقراطية هذا النظام. المعلق السياسي فهمي هويدي يرى («الشروق» القاهرية في العاشر من الجاري) في القانون مصدر «خوف مستحق على الديموقراطية في مصر»، مؤسساً موقفه على ما ذهب إليه جل من عارضوا القانون من أنه يضيق على الأحزاب السياسية لمصلحة جماعات حددها أستاذ العلوم السياسية مصطفى كامل السيد في الجريدة ذاتها (في التاسع من الشهر الجاري) بأنها «أصحاب الأموال والعصبيات والتنظيمات السياسية واسعة الانتشار». وسبق الاثنين إلى انتقاد القانون ذاته كثيرون، بينهم الخبير الدستوري لدى المعهد الدولي للديموقراطية زياد العلي الذي نقلت عنه «نيويورك تايمز» قوله إن القانون «لن يعزز التعددية السياسية أو توازنات القوة».
لكن الباحث في مجلس الشؤون الخارجية ستيفن كوك، في مقاله الذي نقلته «الحياة» (في الحادي عشر من الشهر الجاري) عن «فورين أفيرز» الأميركية يبدو أوضح تعبيراً عن أزمة يراها في أفق النظام الجديد، وأقدر من هويدي والسيد والعلي على تشخيص بعض أعراضها. يحذر كوك السيسي من السير على طريق من سبقوه، من اسماعيل صدقي باشا حتى الدكتور محمد مرسي، طريق «توسل القوة لفرض الاستقرار» و»السياسة الإقصائية». ونوافقه على أن خطر توسل القوة ماثل، لكن نختلف معه في ما يتصل بالسياسات الإقصائية. ونراه مصيباً في القول بأن السيسي يعول على إنجازات اقتصادية وإدارية ينتشل بها مصر من أزمتها الراهنة، ربما ليبرر بها سلوكاً خشناً من جانب الدولة، في مواجهة كل خروج على النظام العام.
لكن كوك وهويدي وكيركباتريك وكثيرون غيرهم يتجاهلون، في ما يبدو، حقيقة وعي النظام، الممتلك لأجهزة استخبارات تعمل بكامل قوتها، منذ انفجار العنف الأصولي المعولم في مصر (وفي بلدان أخرى) في الفترة من 1992 وحتى 1997 بتحولات الرأي العام. النظام يدرك تحفظات الرأي العام، بعد 2011، على عنف الدولة. ولا نقصد بالرأي العام فقط الأحزاب السياسية التي خذلها النظام عندما لم يصمم قانون الانتخابات البرلمانية على نحو يداري ضعفها البنيوي. نحن نقصد هذه الأحزاب ومعها من أشار إليهم مصطفى كامل السيد بقوله: «أصحاب الأموال والعصبيات والتنظيمات السياسية واسعة الانتشار». ولا نستبعد، بناء على ما نراه في الفضاء السياسي المصري، أن يفسح النظام للأحزاب السياسية في وسائط التعبير المختلفة، وإن أعجزتها المنافسة على مقاعد البرلمان، وأن يسمح للقوى التي أشار إليها السيد: «رجال الأعمال والطبقات المتمولة» (أصحاب الأموال) و«رؤوس العائلات والقبائل والطوائف والقرى والأحياء الشعبية (العصبيات) والعناصر غير المدانة بالعنف من تيارات الإسلام السياسي السلفي وأتباع الطرق الصوفية وقواعد الحزب الوطني (التنظيمات السياسية الواسعة).
وإذا كنا أشرنا إلى تحولات الرأي العام، فماذا نقول في موقف هذا الرأي العام مما أشار إليه ستيفن كوك من «موت ألف مصري وجرح آلاف المتظاهرين وأحكام بإعدام 1212 رجلاً»؟ قد يكون الضعف النسبي في الإقبال على مراكز الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الأخيرة هو رد فعل قطاعات واسعة من الشارع السياسي على هذا العنف الحكومي، وهو رد فعل ساعد على احتوائه نزاهة الانتخابات وشفافيتها وما لقيته نتائجها من قبول محلي ودولي يركن إليه. فهل يعني هذا أن ثمن العنف الحكومي منخفض ويمكن للنظام أن يسلك، وهو مطمئن، طريق أسلافه من قادة النظم السلطوية؟
ما هو مفهوم من خطاب النظام الجديد (الذي لا يعبر عنه إعلامه الانتهازي بقدر ما يعبر عن بقايا القديم في الجديد) ممثلاً بالسيسي ورئيس وزرائه وكثرة من المثقفين والأكاديميين المنحازين إليه، هو أنه يعتبر قيام برلمان يمثل هذه الشرائح كلها كافياً لتجسيد تحولات الرأي العام، وبالتالي سنداً لمحاولته تجاوز التأزم الراهن. وفي هذا كله لا يبدو أن السيسي سيرضى لنفسه بأن ينزلق إلى ممارسات عنفية مناهضة للحداثة، لروح هذا العصر الذي يسميه الأكاديمي المصري جلال أمين «عصر الجماهير».
أقرأ المشهد الافتتاحي لهذه الرئاسة، بالأجواء التي أضفتها تقنيات الإضاءة على الخلفية المتمثلة بالقصر والحدائق الخديوية، وبنوعية الحضور وهيئاتهم وملابسهم، وبما قاله لهم- وللعالم– عبد الفتاح السيسي، باعتباره نصاً حداثياً مناقضاً للنص اللاحداثي الذي تجده في المشهد الأخير للدكتور محمد مرسي كرئيس للجمهورية، في الثاني من تموز (يوليو) 2013. وجوهر خطاب السيسي في هذا المشهد هو وقف تفكيك الدولة والمجتمع لمصلحة مشروع قروسطي. فهل ينجح السيسي في وقف التفكيك؟ في وقف الانهيار؟
غالبية الناس في مصر تتوقع منه ذلك، وقد يكون هذا هو سبب احتمالهم أوجاع المرحلة الانتقالية التي رصد ستيفن كوك، في ما نقلناه عنه من أرقام، الجانب الأكثر مأسوية منها، من غير خوض في صدقية الأرقام أو في صحة قراءته لها. والعالم الخارجي انتقل معه من الجدل حول شرعية نظامه إلى درجة التزامه بالديموقراطية. وهذا كله مشجع، لكنه لا ينفي أن النظام الجديد مقبل على مسلك وعر. فمن الواضح أن الشغب الدموي المتواصل، الذي يجد في خطاب معلن من جانب جماعة الإخوان المسلمين غطاء شرعياً يمنح النظام مبرراً لجرعات من العنف السلطوي التي قد يظن النظام أنه قادر على معايرتها وفق ما يقدم من إنجازات سياسية، عبر تطبيق ماهر ونظيف لاستحقاقات «خريطة الطريق»، وعبر إصلاحات اقتصادية وإدارية.
وهنا يكتسب تحذير كوك من استدعاء الخبرات السلطوية للدولة في عهودها القريبة أهمية بالغة: فمعايرة العنف مقامرة خطيرة. فأجهزة الأمن قد تستدعي خبرتها في قمع العنف الأصولي في التسعينات لتحيي ممارسات لم تعد مقبولة بخاصة أن ما تعرضت له وزارة الداخلية المصرية في السنوات الأخيرة وإن انخرط في توجه عام لتفكيك الدولة الحديثة كان بالقدر ذاته انتقاماً من انتصار الداخلية على الإرهاب الأصولي في التسعينات. لكن المسألة لن تقف عند حد دورة الفنديتا vendetta (طلب الثأر) التي هي خطر جسيم، نظراً لما اشتهر المصريون به من ضعف أمام غواياتها، بل هي مرشحة لاتساع قد يطاول أقساماً متزايدة من السكان.
احتمال غرق النظام في مخاطر «توسل القوة لفرض الاستقرار» وفق صياغة ستيفن كوك، هو الخطر الماثل اليوم، لكن المشتغلين على «المسألة المصرية» يستسلمون لأوهامهم فيصورون الموقف السياسي بغير صورته عندما يتحدثون عن «السياسات الإقصائية» بغرض إعادة الإخوان المسلمين كجماعة إلى دائرة العمل العلني المرخص به، وهذا إن حدث فلن يؤدي إلا إلى انتكاسة خطيرة: حزب «الحرية والعدالة» لم يزل مصرحاً له ولأحزاب أصولية أخرى بالعمل السياسي. أما التمادي في الترخيص للأصولية فهو خطر داهم يروج له المشتغلون على «المسألة المصرية» من مراقبين مصريين وأجانب. فما الذي نقصده بـ «المسألة المصرية»؟ نقصد بذلك توهم إمكانية تقرير الشأن المصري في عواصم خارجية وعبر أنصار في الداخل، أحياناً، كما جرى من مؤتمر لندن في 1840 حتى مؤتمر قناة السويس الثاني في لندن في 1956. مصر جزء من عالمها المعاصر، ولن تخرج من أزمتها إلا بفهمه لحقائقها على نحو صحيح. لكن أوهام المشتغلين على «المسألة المصرية» تحجب كل إمكانية للفهم.
وبالمناسبة ما معنى أن يقرن خليل العناني قوة أصولية لا تاريخية مثل الإخوان المسلمين بظاهرة ديناميكية مثل ظاهرة الثورة، وهو يتحدث («الحياة» في الحادي عشر من الشهر الجاري) عن الإخوان والثوار. هذا أقرب شيء إلى إرداف خلفي oxymoron لن تجده إلا في الأكاديميا البريطانية حيث صورة العالم من إدموند بيرك حتى خليل العناني يسيطر عليها لون يغلب على كل الألوان: لون الكراهية للعلمانية الفرنسية، ولكل تجل لها في أي بلد آخر.
من قال إن غوايات «الفنديتا» مرض لا يصاب به سوى سكان منطقة البحر المتوسط؟
* كاتب مصري
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,716,302

عدد الزوار: 7,001,303

المتواجدون الآن: 75