سورية: حمل السلاح صار مهنة مفاعيلها لن تنتهي بانتهاء النزاع

تاريخ الإضافة الإثنين 16 شباط 2015 - 6:08 ص    عدد الزيارات 750    التعليقات 0

        

 

سورية: حمل السلاح صار مهنة مفاعيلها لن تنتهي بانتهاء النزاع
ريف حلب - جلال زين الدين
لعلّ مهنة السلاح من أبرز النتائج الكارثية لامتداد عمر الثورة السورية ولا سيما عقب تدخل الأطراف الخارجية عسكرياً أو سياسياً أو مادياً، فلم تعد الثورة السورية مقتصرة على مقاومة شعبية تنشد الحرية، وتريد التمتع بكرامتها. يقول الناشط أبو غياث الحلبي: «انحرفت الثورة السورية عن مسارها الصحيح في كثير من مفاصلها بسبب القمع الدموي، واستعانة النظام بقوى خارجية ما أجبر الثوار على الاستعانة بالخارج أيضاً، وما هيّأ الأرضية الخصبة لدخول العنصر الأجنبي بعد أن أصبحت سورية هشة».
بعد شهور من التظاهرات السلمية لم يحمل السلاح أحد خارج إطار ما يسمى الدولة السورية إلا عدد قليل من الثوار حماية للتظاهرات السلمية، وردعاً للشبيحة، يقول المدرس أبو وليد وهو نازح من حمص: «حمل السلاح مجموعة صغيرة من الشباب المتحمس الذي لم يتحمل قتل المتظاهرين بدم بارد على يد الأمن والشبيحة، فكان السلاح مقتصراً على حماية التظاهرات ليعود الشباب بعدها لممارسة حياتهم الطبيعية».
ومع تأجج الثورة واتساعها تمّ منح غطاء شرعي وقانوني للشبيحة، إذ تم تشكيل جيش الدفاع الوطني وكتائب البعث، وكان ذلك أول خطوة نحو مهنة السلاح، يقول حسان أبو محمود من مدينة حلب عامل سابق في حزب البعث: «تمّ تزويد كل رفيق بعثي راغب بالدفاع عن النظام ببندقية آلية وعدد من المخازن شريطة أن يستجيب لأي طلب لقمع التظاهرات، وفعلاً تم توزيع كميات كبيرة من الأسلحة» في حين ارتبط الشبيحة بالأجهزة الأمنية، يقول حسان: «تميز الشبيحة عن البعثيين بأنهم أكثر قذارة وإجراماً، فالبعثيون لطفاء طيبون مقارنة مع الشبيحة».
وانخرطت ضمن هذين التشكيلين أعداد كبيرة من السوريين، ولا سيما أنّ فرص العمل بدأت تتقلص وتنحسر، فتطوع عدد لا بأس به من العاطلين في هذا السلك لا سيما بعد تخصيص رواتب لهؤلاء، ونصبت الحواجز التي تحولت لبؤر تسلب وتسرق المواطنين بأسلوب فاضح، يقول السائق مروان: «في طريقنا من منبج إلى حلب نمر على أكثر من عشرة حواجز للشبيحة والأمن، وكل حاجز يأخذ 200 ليرة وبعضها يأخذ 500 أو ألف ليرة، فضلاً عن ابتزاز بعض الركاب» فرأى هؤلاء في حمل السلاح وسيلة للكسب السريع.
وهذه الشريحة في غالبيتها لا تدافع عن النظام بقدر دفاعها عن مصالحها فحملت السلاح لتحقيق الكسب المادي من دون التفكير في مشروعية الكسب.
ومع قصف المدن وكثرة الخراب تحولت تلك المجموعات الصغيرة (التي كانت تدافع عن التظاهرات) لتشكل نواة لما سُمي لاحقاً الجيش الحر، وكان غالبية هؤلاء مؤمناً بالكفاح المسلح سبيلاً لأخذ الحقوق، يقول النقيب المنشق أبو محمد: «قاد العمل المسلح مجموعة من الشباب كان هدفهم تطهير البلاد من ظلم الأسد وتمّ دعمهم بالمال والسلاح، ليركب الموجة لاحقاً المنتفعون الذين طمعوا بالدعم الخارجي» ومع ازدياد وتيرة الإجرام، وتردي الأحوال الاقتصادية انخرط نوع جديد من المسلحين، يقول أبو محمد: «الجيش الحر لا يعطي رواتب لذلك كان معظم عناصره الأوائل مؤمنين بقضية ولكن تسلل عدد من اللصوص الذين اتخذوا الثورة ستاراً لتحقيق أغراضهم الدنيئة». وكان الصنف الأخير وبالاً على الثورة.
وفي مناطق الأقليات كالفوعة وكفريا ونبل والزهراء حمل قسم السلاح لدوافع طائفية، ومع تطور الأحداث، وحصار هذه المدن تعطلت المصالح، ووجد شباب هذه البلدات وما شابهها أنفسهم محاصرين لا يستطيعون الخروج للعمل كالسابق في مناطق الأكثرية، يقول المدرس أبو عمرو من ريف حلب: «من الظلم إطلاق أحكام جماعية، واتهام جميع أبناء الطائفة بالوقوف مع النظام، فلي الكثير من الأصدقاء يعارضون النظام، ولا يرضون بتصرفاته، ولا ذنب لهم أن خلقوا في هذه الطائفة».
ويعتقد البعض أنّ الظروف أجبرتهم على حمل السلاح من دون رغبة منهم، يقول الممرض ناصر من نبل مقيم في مناطق سيطرة النظام في مدينة حلب: «معظم الشباب حمل السلاح لسبـبين. السبب الأول الدفاع عن المدينة، فالشباب يرى أن الدفاع عن المدينة واجب مقدس لا علاقة له بالأسد، والسبب الثاني انقطاع كل سبل الحياة فلم يعد يجد مهنة مناسبة سوى حمل السلاح» وقد ساهمت أخطاء بعض الثوار في دفعهم لحمل السلاح عبر انتهاج سياسة النظام بالقصف العشوائي، والحصار غير المدروس، ووضع الطائفة بسلة واحدة.
ومع إعلان تنظيم «الدولة» قيام دولته في العراق والشام ليتبعه لاحقاً بولادة «الخلافة» اختلط الحابل بالنابل، وزادت الأمور سوءاً، وأمام مغريات التنظيم المالية ووطأة الفقر، وجد قسم آخر في حمل السلاح سبيلاً لعيش حياة كريمة اقتصادياً، يقول المحامي أبو سمير: «معظم من حمل السلاح مع التنظيم مؤخراً كان دافعهم مادياً، فالتنظيم يؤمن بيتاً، ويدفع مهر العروس، ويعطيك راتباً يحقق لك حياة مادية مريحة مستقرة».
لا شكّ في أنّ قسماً في كل فريق حمل السلاح للدفاع عن مبادئ وعقائد الفريق الذي يدافع عنه، لكنّ قسماً آخر اضطرته الظروف لحمل السلاح مع فريق معين من دون آخر لأسباب خارجة عن إرادته. فحمل السلاح عند هؤلاء ليس إلا مهنة يعيش منها كما يعيش الخباز من مهنة الخبز، وكما يعيش النجار من مهنة النجارة، ولكنها مهنة بطعم الموت، وإذا طال أمد النزاع سيزداد الضحايا فلم يعد الطفل السوري يحلم أن يكون طبيباً أو مدرساً أو مهندساً إنما أصبح يحلم بحمل السلاح، ولحمل السلاح نتائج كارثية لن تنجو منها سورية والمنطقة كلها لعشرات السنين.
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,928,772

عدد الزوار: 7,008,897

المتواجدون الآن: 71