«الحرس الوطني»: مقدمات إقليم سني في العراق... وأخطار على الحدود الكردية

تاريخ الإضافة الإثنين 9 آذار 2015 - 6:49 ص    عدد الزيارات 706    التعليقات 0

        

 

«الحرس الوطني»: مقدمات إقليم سني في العراق... وأخطار على الحدود الكردية
بغداد - علي السراي
فكرة «الحرس الوطني»، كتشكيل عسكري سُنّي، تحولت إلى أحد شروط إخماد التوتر العراقي في مرحلة ما بعد نوري المالكي، وبالضرورة ارتبطت بمناخ مختلف شكلاً مع حيدر العبادي، لكنها، أيضاً، استعارة عن حماية النخب الطائفية من بعضها في بلد يقارب لحظة 2006 أكثر من مرة.
حظيت فكرة رفع التهميش عن السنّة العراقيين بما يكفي من الشغل السياسي لتصبح «أيقونة» مفاوضات إعادة بناء العملية السياسية، من دون أن يمس ذلك جوهر المحاصصة فيها.
والحال، أن «الحرس» فعل سنّي ارتدادي عن حالة غياب الثقة بالمؤسسة العسكرية العراقية، التي كان ينظر إليها في المناطق المضطربة اليوم على أنها «طائفية». ويستند هذا التصور على شكاوى مستمرة من «الاعتقالات، والمداهمات»، وأخيراً ترك مواقع أمنية من دون طلقة نار واحدة لردع تقدم مجموعة «الدولة الإسلامية» المتطرفة. وما بين «الخذلان المجتمعي»، وتعمق «العصبية الطائفية»، صار خيار «جيش سني» للسُنة مخرجاً عاطفياً لمعضلة اجتماعية وسياسية، لكنه سيتطلب صناعة واقع جديد.
جيش «الإقليم»
في ذروة التوتر الذي شهدته حقبة المالكي في العراق، رفعت فرق سنّية سياسية متشددة شعار «الإقليم». لم يكن واضحاً في حينها، وحتى الساعة، في ما إذا كانت القوى السنية قادرة على تحقيق ذلك، لم تقنع حتى جمهورها بآليات إنجاز هذا الشكل من الحكم الذاتي، لكن ما كان واضحاً أن هذا الشعار تمكن من استدراج أدبيات الأحزاب الشيعية الى مقولة «الوحدة» لتجعلها مسطرة لقياس و «صيانة العملية السياسية».
أنزوى المشروع بعض الوقت، لأسباب مختلفة منها إنشغال السياسيين السنة بصراعات بيتهم المشتت، قبل أن تضربهم عاصفة «داعش».
تردد في كواليس القوى الشيعية، بعيد إعلان تسمية حيدر العبادي رئيساً للحكومة، أن اللحظة السياسية التي خرج فيها المالكي من السلطة شكلت خيبة أمل من القدرة الشيعية على إدارة المؤسسات، على الأقل هذا ما كان يعبر عنه على استحياء الأميركيون، وظهر جلياً في تصاعد نشاطهم في ملف الأمن والنفط، وأخيراً التفاهم مع السنة في شكل مباشر، ومن دون وسطاء.
في تلك اللحظة كان الشيعة الذين يصفون أنفسهم بالمعتدلين قد قرروا لعب دور أكثر مرونة لاستعادة دورهم كغالبية سياسية، فالتفوا حول العبادي الذي صار واجهة سياسية لهم.
في نهاية المطاف، كان لا بد من أن تعني المرونة الشيعية، مع القناعات الأميركية الجديدة، إعادة النظر في تشريعات وخطوات إجرائية تتعلق بالملف السنّي.
يقول قيادي كبير في «حزب الدعوة»، مقرب من المالكي، «شعرنا بأن الأمر يشبه إعداد قائمة حساب لكل ما فعلناه أيام المالكي، ليجري نسفه اليوم، قراراً تلو الآخر».
ووضِعَ على الطاولة مجدداً قانون اجتثاث البعث، وصلاحيات الحكومات المحلية، وأضيف لها مشروع قانون «الحرس الوطني» في المحافظات السنية.
كان المشروع، أول الأمر، بالنسبة الى النخب السنّية، مدعاة للتفاؤل، إنهم يريدون جيشاً يتحرك بصلاحيات سنية تمنح للحكومات المحلية في محافظاتهم، حتى ظهرت نســـخة من المشروع وتغير كل شيء، حيث يقول وزير سني حضر جلسة الحكومة التي أقر فيها مشروع الحرس الوطني، «كان الأمر مفاجئاً حين تبين أن مشروع القرار يجعل الحرس الوطني تحت سيطرة العبادي (…) وكأننا لم نفعل شيئاً».
ويرغب السنة بأن تكون حكوماتهم المحلية هي «القائد» الفعلي للحرس الوطني، وهو ما يجد معارضة شديدة من فرق شيعية تضغط على العبادي، من أبرزها القوى السياسية المنخرطة فعلياً في الحرب ضد «داعش»، تحت لواء «الحشد الشعبي».
اجتمع، أخيراً، العبادي مع وفد سنّي ضم شخصيات قبلية من محافظة الأنبار، ولم يجر التفاهم على السلطة التي تقود «الحرس».
الحشد والحرس
يقترح مشروع القانون أن تكون تسمية «الحرس الوطني» تشمل التشكيلات العسكرية الجديدة في جميع المحافظات العراقية، باستثناء إقليم كردستان، ما يعني أنه سيضم مقاتلين من الشيعة والسنة، وبالضرورة أن يكون المقاتلون السنة، وعناصر الحشد الشعبي، الذي يفوق عديدهم الـ100 ألف تقريباً، تحت لواء «الحرس الوطني».
لكن القوى الشيعية ترفض ذلك، بل أنها تعتبر ذلك «استخفافاً بالحشد الشعبي»، كما يقول حسن سالم، عضو كتلة «صادقون»، والقيادي في حركة «عصائب أهل الحق».
يضيف سالم، «مشروع تشكيل الحرس الوطني فكرة أميركية لتقسيم العراق وتشكيل أقاليم على خلفيات طائفية، مؤكداً رفض الفصائل الإسلامية الانخراط ضمن تشكيلات الحرس».
يمكن حصر الاعتراض الشيعي على «الحرس الوطني»، بجملة مواقف:
أولاً: عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة يخوضون معارك في مناطق سنّية ضد مسلحين من تنظيم «داعش»، ومنذ بدء الزخم الشيعي للحرب، استجابة لفتوى «الدفاع» للمرجع الديني علي السيستاني، يتحدث سياسيون شيعة عن أنهم «يقاتلون مكان السنّة، وحين يعترضون على طائفة المقاتلين لماذا لا يقاتلون التنظيم بأنفسهم؟».
ويعتبر الشيعة، في هذا الإطار، مشروع «الحرس الوطني» الثمرة التي يأكلها السُنة بتضحيات شيعية، ومهما كان ذلك فإن هذه النقطة تحظى بتداول واسع ومؤثر في الأوساط الشعبية في الوسط والجنوب.
ثانياً: تخشى القوى الشيعية من ان يكون الحرس الوطني، بتجهيز جيد، بيد قوى متطرفة في المناطق السنية.
ثالثاً: بعض تلك القوى، لا ينظر إلى الحرس الوطني كقوة عسكرية مهمتها محاربة الإرهاب وحماية السكان، بل أنه مشروع لقيام الإقليم السني، وهي تنتمي في ذلك إلى القوى الرافضة للتقسيم.
رابعاً: الشكوك الشيعية تحيط بمن سيكون مؤهلاً لقيادة قطعات الحرس الوطني، خصوصاً مع احتمال عدم خضوعهم لقانون المساءلة والعدالة، وإمكانية عودة ضباط الجيش العراقي السابق. وثمة الكثير من الأحزاب الشيعية ترفض ذلك.
خامساً: ثمة مخاوف لا تقتصر على النخب الشيعية، تتعلق بخضوع مراحل تشكيل الحرس الوطني إلى عمليات فساد مالي وإداري.
في مقابل هذه الشكوك، يعول السنة العراقيون على قانون الحرس الوطني بوصفه نقطة ارتكاز شراكة مختلفة، هي في الحقيقة تمثل نمطاً غير مألوف في حقبة المالكي، يتمثل بقضم بعض سلطات من النخبة الشيعية، وهذا هاجس سني قديم.
مشكلات البيت السنّي
يقترب السنة كثيراً للمرة الأولى منذ عام ٢٠٠٣، من تشكيل جيش في مناطقهم، وبقيادة ميدانية سنية. لكن هذا كلام على الورق، فيما الوقائع تكشف مصاعب تهدد المشروع من داخل البيت السني:
أولاً: تقوم آليات تشكيل الحرس الوطني على فرز عشائري في المجتمع السني العراقي. ومن المنتظر أن يضم الحرس مقاتلين من أبناء العشائر السنية، لكن هذا لا يشمل القبائل التي لم تنخرط في مقاتلة «داعش». ويقول زعماء عشائريون في الأنبار، أن حصة الأسد ستكون للعشائر التي شاركت في القتال ضد التنظيم.
ويؤدي هذا الفرز إلى ظهور قوى قبلية متضررة من التوازن الجديد في القوى المجتمعية في المحافظات السنية.
وبقدر ما سيكون «الحرس الوطني» حلاً لمشكلات أمنية، ومخرجاً لسحب سلطات من الحكومة المركزية، فإنه أيضاً سيفرز معادلة جديدة في المناطق السنية، حيث يوجد فائزون جدد، وخاسرون يدخلون مجدداً إلى دائرة التهميش.
يقول زعيم سنّي من محافظة الأنبار، يقيم في مدينة «أربيل»، إن الحرس الوطني «سيكرم العشائر التي قاتلت الإرهابيين».
ثانياً: ينتظر القائمون على مشروع «الحرس الوطني» تطوع نحو 70 ألف مقاتل بحسب بهاء الأعرجي، نائب رئيس الحكومة العراقية، فيما يتوزع هذا الرقم على المحافظات قياساً على النسب السكانية، ما يعني طفرة غير منطقية في عدد الجنود في مجمل المؤسسات الأمنية العراقية. ففي محافظة الأنبار، على سبيل المثال، هناك
20 الف عنصر في الجيش العراقي، و28 ألف عنصر في جهاز الشرطة، إلى جانب 12 فوج طوارئ، يضم كل منها نحو 800 مقاتل. لو نجحت فرضية «الحرس الوطني» سيكون على القوى السنية حسم الوجود على حدود بطول نحو 1050 كيلومتر في مقابل قوات البيشمركه الكردية، وبعضها مناطق متنازع عليها.
ويقول قادة كرد، إن الحدود بين المناطق المختلفة قومياً لم تعد كما كانت قبل دخول تنظيم «داعش»، في حين تقاتل قوات البيشمركه على عمق يتجاوز خط العرض 32، بعشرات الكيلومترات، ويعتقد قادة قوى كردية إن القتال الذي تخوضه البيشمركه بمثابة «استرداد» للأرض.
لكن هذه الحدود المرسومة بالدماء، يجب أن تحسم لاحقاً، بين البيشمركه وقوات الحرس الوطني، في حال فشل المسار السياسي العراقي في حسم هذا «اللغم» القديم.
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,227,137

عدد الزوار: 6,983,524

المتواجدون الآن: 80