لبنان وإسرائيل: حرب الغاز والنفط (2)

تاريخ الإضافة الأربعاء 7 أيلول 2011 - 6:19 ص    عدد الزيارات 969    التعليقات 0

        

لبنان وإسرائيل: حرب الغاز والنفط (2)
جدير بالذكر أن مجلس الوزراء الإسرائيلي كان قد أقدم على إجراءٍ آحادي الجانب يقضي بترسيم حدود إسرائيل البحرية مع لبنان بالاستناد إلى اتفاق كانت الحكومة الّلبنانية قد وقّعته بالأحرف الأولى مع قبرص في العام 2007، فأضافت إلى حصتها المشكوك فيها أصلاً منطقة بحرية تزيد مساحتها على العشرين كلم طولاً، تحتوي طبعاً على كميات هائلة من النفط والغاز الطبيعي· وتجاهلت إسرائيل كما العادة - احتجاج لبنان وتحذيره لها من الاستيلاء على مياهه البحرية واستغلال موارده باعتبار ذلك يشكّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ولسيادة دولة مستقلة عضو في الأمم المتّحدة· لجأ لبنان إلى قوات الطوارىء الدولية (اليونيفل) الموجودة على أراضيه بهدف المساعدة على ترسيم الخط البحري مع الدولة العبرية، لكن هذه القوات رفضت قائلة إن هذه المهمة ليست من اختصاصها· وإن كانت تراجعت (أي اليونيفل) لاحقاً عن هذا الموقف على لسان قائدها اللواء <البرتو أسارتا> معلنةً استعدادها لتنفيذ مهمة الترسيم فور ما يطلب منها ذلك، دولياً وإقليمياً· وعلى الرغم من أن الحكومة الّلبنانية أعدّت ملفاً خاصاً جديداً سترسله إلى الأمم المتحدة صادق عليه مجلس النواب الّلبناني قبل أيام، يتناول حدود لبنان البحرية، الإقليمية منها والاقتصادية، مستنداً بذلك إلى اتفاقية قانون البحار الصادرة عن الأمم المتحدة في العام 1982، والتي تنصّ على أن البحر الإقليمي للبنان هو 12 ميلاً، أي 20 كلم مربعاً، بدءاً من الشاطىء، ويحق للدولة الساحلية المعنية أن تضيف 12 ميلاً أخرى إذا وُجد من ضمن هذه المساحة من البحر ثروات طبيعية ومصالح أخرى·· على الرغم من ذلك كلّه فإن إسرائيل تدّعي أن ثروة الغاز الكامنة في البحر تجاه منطقة صور - الناقورة، وهي مياه إقليمية لبنانية صرف، هي حق لها طالما ليس هناك أي ترسيم للحدود البرية والبحرية بينها وبين لبنان· وما الخط الأزرق التي رسمته الأمم المتّحدة على طول الحدود البرية بين البلدين المتحاربين، سوى تخطيط أولي لضبط التجاوزات ولتحديد مهام قوات الأمم المتحدة· وأي ناظر للخارطة الجغرافية الّلبنانية يلحظ أن إسرائيل رسمت حدودها المائية في البحر انطلاقاً من خط يبدأ من لسان الجليل البري الفاصل بين لبنان وسوريا، وصولاً إلى نقطة <أبو الأسود> على الساحل الّلبناني، ثم عبر البحر حتى المياه الإقليمية القبرصية·· وعليه فإن ما تلى نقطة <أبو الأسود> إلى آخر الساحل الّلبناني في <الناقورة> أي على الحدود مع فلسطين المحتلة فلا يعتبر ما يقابله في البحر بالمنطق الإسرائيلي، كمياه إقليمية لبنانية، بل كمياه إقليمية إسرائيلية·· إنه منطق القوة وسياسة <عنزة ولو طارت>·

يقول أفيغدور ليبرمان وزير خارجية إسرائيل <إن إسرائيل ستعرض على الأمم المتحدة ترسيم ما تعتبره من جانبها منطقتها الاقتصادية الإقليمية في البحر الأبيض المتوسط، والتي يوجد فيها حقول للغاز يطالب بها لبنان أيضاً·· وسوف لن نسمح لأحد بالاعتداء على حقوقنا·· في البحر كما في البر>·

كما صرّح ناطق إسرائيلي آخر باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو( داني أيالون) بأن ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل يكون من البر أولاً وبعدها من البحر·· <والآن ليس أمامنا وقد قام الّلبنانيون بإرسال خرائطهم سوى ترسيم حدودنا البحرية بأنفسنا>· هل تستطيع إسرائيل حماية آبارها؟

السؤال هنا هل تستطيع إسرائيل أن تحارب الآن حماية لأهداف بحرية يسهل صيدها من بعيد، خصوصاً إذا كان البعد هنا هو في داخل المياه الإقليمية أو الاقتصادية الّلبنانية عينها؟

عن هذا السؤال يجيب الباحث العسكري شريف شعبان مبروك بالقول: <تستطيع إسرائيل بما تتمتع به من قوّة عسكرية أن تمارس سياسة غطرسة القوة، وأن تحتل منابع الغاز، وأن تمنع أي شركة دولية تتعامل مع لبنان من المشاركة في الاستثمار، ولكن إسرائيل تعرف في الوقت عينه أن لبنان المستضعف عسكرياً قادر أيضاً على أن يطلق قذائف على منصات استخراج الغاز، وأن هذه المنصات مهما توافرت لها سبل الحماية والدفاع، تبقى في مرمى ما يملكه الجيش الّلبناني والمقاومة من قذائف صاروخية>·

والحقيقة أن الحكومة الّلبنانية وإن كانت تتحرك بقوة وثقة دولياً على صعيد ملفها النفطي الآن، فلأنها أولاً باتت تستند إلى القوانين والمواثيق المعمول بها دولياً، وثانياً إلى <قانون القوة الرادع> الذي نشأ عن عمل المقاومة الّلبنانية في حرب 2006 ونتائجها والذي فرض نفسه لاحقاً في المعادلة الّلبنانية التي تكرّست في البيان الوزاري الرسمي إبان حكومة الرئيس السابق سعد الحريري، ورئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي·· وباتت هذه المعادلة يُحسب لها الحساب الأكيد من الطرف الإسرائيلي بخاصة أن الّلبنانيين جميعاً وإن كانوا غير متفقين على أمور رئيسية كثيرة، فإنهم يجتمعون على حق لبنان بثروته البحرية كاملة، ومنع إسرائيل من ممارسة أيّ اعتداء عليها أو نهب ذكي وخفي لها·

وبما أن أي اشتباك عسكري بين لبنان وإسرائيل يقع حول آبار الغاز والنفط سيعطّل، أولاً، عمل الشركات العاملة في البحر، أياً كانت هويتها؛ وثانياً سيطيح بكلّ الآمال التي تعولها إسرائيل، قبل لبنان، على الثروة الغازية المكتشفة لتحلّ مشكلات احتياجاتها القصوى لهذه المادة، خصوصاً لجهة استخدامها لإنتاج الكهرباء بدلاً من الفحم الحجري حالياً·· ومن ثم تحولها- أي إسرائيل- إلى دولة رابعة في تصدير الغاز إلى العالم·

ولبنان بطبيعة الحال، لا مصلحة له في حدوث مطلق حرب مع إسرائيل، إذا كانت، بالطبع، حقوقه في مياهه الإقليمية والاقتصادية مؤمنة إلى آخر نقطة نفط، أو آخر ليتر غاز مكعب·

ثم إن حصة لبنان هي الأكبر في حقول النفط والغاز المكتشفة كلها في البحر الأبيض المتوسط، بحسب شركة نوبل إينيرجي الأميركية نفسها، ما يعني أنه الأحرص على عدم حدوث أي حرب مع إسرائيل·· اقتصادية كانت أم غير ذلك·

والذي يعزز بعد أنه لا حرب على الغاز والنفط بين إسرائيل ولبنان، هو تعامل الأميركيين والأوروبيين والعرب جميعاً مع حكومة الرئيس ميقاتي، والاعتراف بها كحكومة لبنانية شرعية· وحتى القوى الداخلية المناوئة لهذه الحكومة، فإن لسان حالها يؤكد أنها سنكون مع هذه الحكومة في دفاعها عن الحقوق النفطية للبنان· ويتوقع الباحث الأميركي والخبير بشؤون النفط نيك روبرتسون أن تنجح المحاصصة الّلبنانية- الإسرائيلية حول الطاقة في المتوسط لأن مصلحة الرأسمال الأميركي أو التروتستات المالية الكبرى تدخل في المعادلة هنا·· وعندما تدخل الشركات الكبرى في المعادلة فهي من يفرض على الإدارة الأميركية وعلى الكونغرس وعلى إسرائيل كلّ ما تريده من سياسات· <نحن بلد تحكمه الشركات الكبرى·· شركات الأسلحة والنفط وسائر الشركات العابرة للقارات>·

حلول·· وفرضيات حلول هكذا إذاً تشكّل الطاقة عنصراً مركزياً من عناصر الصراع بين الدول· ولكلّ صراع ظروفه الموضوعية المحيطة به· وبما أن البراغماتية الأميركية تخترق كلّ شيء، بخاصة إذا كان ذلك يتناغم مع مصالحها وأرباحها المادية، فمن المحتمل هنا أن تنعقد الصفقة الكبرى بين أميركا ممثلة للجاني الإسرائيلي ولبنان على النفط أيضاً، وتمر الأمور بسلام ولا تطلق رصاصة واحدة بين لبنان وإسرائيل على مدى 35 عاماً هي عمر آبار النفط والغاز، خصوصاً المكتشفة منها حديثاً·

ومن سيناريو متفائل إلى سيناريو آخر واقعي أو حذر أيضاً نختم فيه بخصوص مآل الصراع بين لبنان وإسرائيل حول الغاز والنفط، يقدمه الخبير العسكري الّلبناني العميد المتقاعد أمين حطيط وذلك في حواره مع قناة الجزيرة إذ يقول إن النزاع بين لبنان وإسرائيل حول الغاز والنفط مفتوح على احتمالين، فإما أن يأخذ النزاع شكلاً سياسياً ودبلوماسياً وقضائياً وقانونياً، وفي هذا الوضع من المؤكد أن لبنان هو الرابح، بخاصة أن الأمم المتحدة ستستند إلى قانون البحار للحكم في أيّ نزاع·

والاحتمال الثاني هو أن ترفض إسرائيل الإذعان لقانون البحار، ما يفتح المجال أمام ثلاث فرضيات: الأولى أن لا تجد إسرائيل شركات تتعامل معها للتنقيب عن النفط والغاز، والثانية أن تنجح إسرائيل في استقدام شركات للتنقيب، ولكن من دون الدخول في منطقة النزاع بين لبنان وإسرائيل ومراعاة المجال البحري الّلبناني·

أما الفرضية الثالثة، فهي أن تقوم شركات النفط بنصب منصات التنقيب في المنطقة الاقتصادية اللبنانية في ظل عجز الأمم المتحدة عن إلزام إسرائيل التوقيع على قانون البحار، وفي هذه الحالة يصبح احتمال الاشتباك العسكري مرجحاً، لأن لبنان بحسب المواقف التي صدرت عن مسؤوليه بإجماع، لن يسمح باغتصاب حقوقه·

لننتظر، ولكن في هذا الانتظار هل سيحدث ما يضيِّق من حيلة إسرائيل ومناوراتها، ولا سيما أن التحدّي الجدّي الّلبناني يتخطّى حدود الكلام هذه المرّة بحسب المنطق الحكومي الّلبناني؟

إنه سؤال صعب، خصوصاً أمام المعادلة التي تقول إن من يسيطر على الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط سيغيّر قواعد اللعبة الاستراتيجية في المنطقة برمّتها· وإسرائيل بما تمثل في كتلتها ومع حلفائها لا يمكن إلا أن تتحدّى لتسيطر وتغيّر قواعد الّلعبة·

? مؤسسة الفكر العربي


 

 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,594,235

عدد الزوار: 6,956,611

المتواجدون الآن: 66