اخفاق الرقابة: حكومة العراق بلا ضوابط

تاريخ الإضافة السبت 1 تشرين الأول 2011 - 1:07 م    عدد الزيارات 829    التعليقات 0

        

اخفاق الرقابة: حكومة العراق بلا ضوابط

Middle East Report N°113 26 سبتمبر 2011

 

 

الملخص التنفيذي والتوصيات

بعد سنوات من انعدام اليقين، والصراعات وعدم الاستقرار، يبدو أن الدولة العراقية باتت أكثر تماسكاً وذلك من خلال النجاح في الحد من العنف بشكل يسمح بظهور ما يشبه الحياة الطبيعية. لكنها وفي هذه الأثناء سمحت باستشراء الفساد وانتشاره في مؤسساتها. وهذا بدوره أسهم في تدهور حاد في الخدمات العامة.  لقد فاقمت حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي هذه المشكلة بالتدخل في قضايا مكافحة الفساد، والتلاعب بالتحقيقات للحصول على المنافع السياسية وترهيب منتقديها لمنع تكرار نمط الحركات الشعبية التي أسقطت حتى الآن ثلاثة أنظمة في المنطقة. ونتيجة لذلك فقد تلاشت مصداقية الحكومة في المعركة ضد الفساد؛ وهذا، مصحوباً بنزعات سلطوية مثيرة للقلقِ، يوفر ذخيرة لمنتقدي رئيس الوزراء. كي تتمكن حكومة المالكي من تعزيز شرعيتها المتهالكة، ينبغي عليها إطلاق حملة نشطة لمكافحة الفساد، وتحسين تقديم الخدمات وخلق الضوابط والموازين في نظام الدولة.

بعد انتشار العنف في أعقاب غزو الولايات المتحدة عام 2003، عانت الدولة بقدر ما عانى السكان. في بيئة تصاعدت فيها حالات الاختطاف، والتفجيرات والاغتيالات، تدهورت الخدمات العامة بشكل كامل. وفي أعقاب تفجيرات سامراء الدراماتيكية في شباط/فبراير 2006، فرغت وزارات بأكملها من موظفيها، حيث لم يجرؤ المسؤولون والموظفون على الذهاب إلى العمل. وبين ليلة وضحاها تم التخلي عن مشاريع استمر العمل عليها لسنوات. ووجد القضاة والبرلمانيون أنهم باتوا مستهدفين. وأُجبِرت الهيئات الرقابية على دحر عملياتها، مع أنها يفترض أن تكون أقل عرضة للمخاطر نظراً لغياب الاحتكاك المباشر بينها وبين عامة الشعب، مما ترك مؤسسات الدولة دون ضوابط وضمانات ضد الفساد والإستغلال. نتيجة لذلك، تراجعت مخرجات الدولة بشكل جذري على مدى عدد من السنوات، حتى مع رفع الميزانية بشكل مستمر نظراً لارتفاع أسعار النفط. أسهم شلل الدولة في تكاثر وانتشار العناصر الإجرامية والمصالح الشخصية في سائر مفاصل البيروقراطية.

بحلول عام 2009، أعادت الدولة فرض نفسها جراء مزيج من العوامل. شكل الحشد العسكري الأمريكي (2007 – 2009) عاملاً أولياً هاماً لجهة تحسين الأمن، لكن فيما يتعلق بالمؤسسات، فإن قوات الأمن التي أعيد بناؤها تمكنت من تعزيز عوامل السلامة والأمان بما يكفي لتمكين المسؤولين والموظفين من العودة إلى العمل دون حماية أو مساعدة من القوات الأمريكية. اليوم، يحظى القضاة بحماية قوات وزارة الداخلية. ويعتمد مجلس النواب بشكل حصري على أفراد الشرطة المحلية والمتعاقدين الخاصين للحفاظ على أمنهم. لقد استعادت الدولة معظم وظائفها.

رغم تحسن الأوضاع، فلازالت تعتري الخدمات العامة نواقص حادة، خصوصاً في ما يتعلق بالفساد المستشري، الذي انتشر كالفيروس في كل مؤسسات الدولة خلال السنوات التي غاب فيها القانون والتي استمرت حتى عام 2008. يتمثل أحد الأسباب الرئيسية لهذا الوضع البائس في فشل أطر عمل الرقابة في الدولة، التي سمحت للحكومات المتعاقبة بالعمل دون ضوابط. يُلزِم دستور عام 2005 والإطار القانوني عدد من المؤسسات – ديوان الرقابة المالية، وهيئة النزاهة، والمفتشون العموميون، والبرلمان والمحاكم – بمراقبة عمليات الحكومة المالية وأدائها في التنفيذ. إلاّ أن أياً من هذه المؤسسات لم يكن قادراً على الوقوف في وجه تدخل الحكومة، وتعنتها وتلاعبها، ووجود إطارٍ قانوني ناقص وتهديدات مستمرة باستعمال العنف.

لقد دفعت هذه العوامل مسؤولين رفيعين إلى الاستقالة، بمن فيهم وأبرزهم رئيس هيئة النزاهة في 10 أيلول/سبتمبر 2011. حتى منظمات المجتمع المدني – التي تعرضت لترهيب الحكومة على شكل تهديدات مجهولة المصدر، واعتقال النشطاء السياسيين واستعمال العنف، بما في ذلك ممارسات وحشية للشرطة – أثبتت عدم قدرتها على وضع ضوابط لممارسات الحكومة. في التاسع من أيلول/سبتمبر 2011 قٌتِل صحفي بارز كان قد نظّم احتجاجات أسبوعية ضد الفساد الحكومي. ورغم أنه لم يتم العثور على الفاعلين، إلا أن مقتله أسهم في تزايد المخاوف من النزعة السلطوية لحكومة المالكي.

لقد أُسِّس إطار عمل الرقابة القائم حاليا من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة في عام 2004. فقد أجرت سلطة الائتلاف المؤقتة عدداً من الإصلاحات غير المدروسة منذ البداية. جرّدت ديوان الرقابة المالية الذي كان المؤسسة الوحيدة من هذا النوع في العراق، من سلطات واسعة بما في ذلك السلطة الحصرية للرقابة على المشتريات العامة ولإحالة قضايا الاشتباه بالفساد إلى المحاكم. نقلت سلطة الائتلاف المؤقتة هذه السلطات إلى هيئة النزاهة، وهي مؤسسة تم انشاؤها عام 2004 لتكون الجهة المخولة لجميع أنشطة مكافحة الفساد. رغم تغلبها على مخاطر قد هددت وجودها في سنواتها الأولى، فإن الهيئة لا تستطيع حتى اليوم القيام بتحقيقاتها بشكل مستقل نتيجة لمشاكل في الموارد البشرية ولصعوبة الوصول إلى بعض الإدارات الحكومية. ولذلك فقد اعتمدت على المفتشين العموميين، وهي مؤسسة أخرى أنشأها الائتلاف وضعت مدققين ومحققين لها في جميع الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى. لكن، ونظراً للضعف الخطير الذي يعتري الإطار القانوني والإداري، لم تتمكن هذه المؤسسة من تنظيم عملها فتبقى واحدة من أضعف مؤسسات الدولة أداءًا.

قد يكون مجلس النواب، وهو المؤسسة الأهم في إطار عمل الرقابة الجديد نظرًا لاضطلاعه بإصلاح جميع مجالات الحكم، أقل هذه المؤسسات فعالية على الإطلاق. تتميز أساليب عمله الداخلية بطائفية مفرطة، أما نظامه الداخلي فهو معقد وناقص بحيث لم يتمكن المجلس من سن تشريعات كان يُفترض أن تصدر منذ أمد طويل لإصلاح الأضرار التي لحقت بمؤسسات الدولة منذ عام 2003. زد على ذلك، ونتيجة للتوازنات السياسية الدقيقة التي أُبرِمت بعد انتخابات كانون الأول/ديسمبر 2005 وآذار/مارس 2010، والتي شهدت نشوء حكومات ائتلاف موسعة تفتقر إلى معارضة برلمانية حقيقية، فإن المجلس لم يكن قادراً على ممارسة رقابة فعالة على الحكومة، خشية الإخلال بالتحالفات السياسية التي تقوم عليها.

في هذه الأثناء، أظهر النظام القضائي (خصوصاً المحكمة الاتحادية العليا، التي يُفترَض أن تكون الحَكَم في جميع النزاعات الدستورية) ضعفه الحاد أمام الضغوط السياسية. فحكمت المحكمة الاتحادية العليا في عدد من النزاعات الكبيرة بطريقة قد أطلقت يد حكومة المالكي لتحكم كما شاءت، دون إعاقة من الرقابة المؤسساتية.

كل ذلك أحدث أثراً ملموساً: فقد اختُلِست مليارات الدولارات من خزائن الدولة، في معظم الأحيان بسبب وجود فجوات قانونية في الأنظمة التي تحكم المشتريات العامة؛ أما الأحزاب فتتعامل مع الوزارات على أنها حسابات مصرفية خاصة؛ والواسطة والرشوة والاختلاس على تزايد. وكنتيجة جزئية لذلك، فقد تراجعت المستويات المعيشية، حتى بالمقارنة مع الماضي القريب للبلاد. وينطبق ذلك عملياً على جميع أوجه الحياة، بما في ذلك قطاعات الصحة، والتعليم والكهرباء، التي تتميز جميعها بسوء الأداء رغم الزيادة الملحوظة في ميزانياتها. كما أن هناك مخاوف كبيرة إزاء التدهور في الأحوال البيئية، خصوصاً فيما يتعلق بالزيادة الخطرة في العواصف الترابية والتصحر. لقد أعاق الفساد المستشري قدرة الدولة على التعامل مع هذه المشاكل.

إذا كان الفساد قد تجذر، فالسبب لا يعود إلى غياب فرص الإصلاح. لقد قدم الخبراء الفنيون مقترحات عملية متميزة، إلا أنه لم يتم تبني أيٍ منها تقريبا. وبسبب اطار عمل البرلمان الضعيف، وكذلك بسبب العرقلة الحكومية، لم يتمكن البرلمان من إقرار أي من الإصلاحات التشريعية المتداولة منذ عام 2007 على الأقل. وتتضمن هذه التشريعات، على سبيل الذكر ولا الحصر، قانوناً يجبر الأحزاب السياسية على الإفصاح عن مصالحها المالية؛ وقواعد عمل لديوان الرقابة المالية، وهيئة النزاهة والمفتشين العموميين؛ وقانون يحمي استقلال المحكمة العليا. وإلى أن يتم اتخاذ هذه الخطوات وخطوات أخرى مماثلة لها، فستستمر الحكومة في العمل دون رقابة، مع ما يحدثه ذلك من مشاكل مزمنة في سوء استخدام السلطة، والفساد المستشري وتنامي النزعة السلطوية التي تشكّل نتيجة حتمية لفشل آليات الرقابة.

التوصيات

إلى حكومة العراق ومجلس النواب:

1.  وضع إطار عمل جديد لمكافحة الفساد يسمح بتعاون وتنسيق أكبر وأكثر فعالية بين مختلف مؤسسات الدولة الضالعة في مكافحة الفساد، خصوصاً باتباع ما يلي:

أ‌. السماح لجميع مسؤولي التدقيق ومكافحة الفساد بإحالة القضايا الجنائية مباشرة إلى المحاكم؛

 

ب‌. ضمان استقلال المفتشين العموميين عن الوزراء في الحكومة، خصوصاً بالنص على ألاّ يكون لرئيس الوزراء أو الوزراء أي دور في تعيين المفتشين وصرفهم من الخدمة؛

 

ج‌. اضفاء الصفة الرسمية على آليات التعاون بين هيئات الرقابة من خلال إلزام هذه الهيئات، خصوصاً المفتشين العامين، بتبني إجراءات تشغيل موحدة؛

 

د‌. زيادة ميزانية التدريب لدى كل من مؤسسات الرقابة لتطوير المهارات الضرورية للقيام بمهمات الرقابة والتحقيق بشكل مستقل عن المؤسسات الأخرى؛

 

ذ‌. إصدار تشريعات فعالة لحماية الشهود، وضمان قدرة الشعب على الوصول الى معلومات عن الحكومة.

 

2.  إصدار قانون للأحزاب السياسية يفرض على الأحزاب إبداء الشفافية المالية ونشر حساباتها المالية بشكل مفصّل، بما في ذلك جميع مصادر دخلها ونفقاتها.

3.  إصلاح النظام الداخلي لمجلس النواب، بما في ذلك سحب الشؤون الإدارية من صلاحيات رئيس المجلس، وتسهيل صياغة مشاريع القوانين وتسريع عملية سنها.

4.  تنظيم الإجراءات التشريعية وذلك بالقيام بما يلي:

أ. توضيح وتعزيز علاقة العمل بين المؤسسات الضالعة في إعداد التشريعات الجديدة؛

ب. توضيح دور كل مؤسسة؛

ج. وضع خطوط اتصال واضحة بين هذه المؤسسات.

5.  إصلاح الوظيفة الرقابية لمجلس النواب لتركّز على تنفيذ السياسات، وذلك من خلال مساءلة المسؤولين الإداريين والفنيين الرفيعين بدلاً من السياسيين.

6.  سن قانون يمنع رئيس مجلس القضاء الأعلى من شغل منصب رئيس المحكمة الاتحادية، وحماية استقلال المحكمة العليا بحظر أي تدخل سياسي.

إلى الولايات المتحدة وأعضاء المجتمع الدولي الآخرين:

7.  التعبير علانيةً عن الاستياء تجاه فشل الحكومة والبرلمان العراقيين فيما يتعلق بإجراء الإصلاحات التي طال انتظارها.

8.  تقديم الدعم الفوري والمباشر لمجلس النواب وذلك بإنتداب خبراء في التطوير البرلماني للعمل مباشرة في مكاتب المجلس وعلى أساس طويل الأمد.

9.  دعم الجهود الرامية إلى إصلاح إطار عمل مكافحة الفساد، خصوصاً من خلال تقديم المشورة فيما يتعلق بجعل الوظائف الإدارية أكثر فعالية.

بغداد/بروكسل، 26 أيلول/سبتمبر 2011

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,517,021

عدد الزوار: 6,953,507

المتواجدون الآن: 58