انتهاكات "كتائب الأسد" تُرهب السوريين واللبنانيين على.. اللاحدود (2)

تاريخ الإضافة الأربعاء 16 تشرين الثاني 2011 - 7:07 ص    عدد الزيارات 906    التعليقات 0

        

 

 
انتهاكات "كتائب الأسد" تُرهب السوريين واللبنانيين على.. اللاحدود
 
ليالي الشمال الحزينة مثقلة بالثأر ودم.. "البارد"
2
ربيع دمج
تعود محافظة الشمال الى الواجهة الأمنية هذه الأيام، والتي تتصدرها بين الحين والآخر، بفعل جرائم انتهاك حدودها البرية من قبل كتائب الأسد، التي تتمادى في التوغل، كما يحلو لها وساعة تشاء، لإرهاب السوريين واللبنانيين معاً وترويعهم، وتحولها الى محمية أمنية معزولة، و"على عينك يا دولة"، لتضيف مآسي جديدة الى الجرائم المختلفة المزمنة التي تطاولها تاريخياً.
وتختلف أسباب الجريمة ودوافعها في محافظة الشمال عن جارتها "البقاع". ففي حين تحتلّ تجارة المخدرات والأسلحة إضافة الى "التارات" العائلية الحيّز الأبرز من جرائم قضائَي بعلبك والهرمل، تأخذ الجريمة طابعاً آخر في الشمال، حيث المبرّر الرئيسي لوجودها يعود إلى انتشار الحركات الاسلامية، المستوردة من دول الجوار، والتي وجدت في شمال لبنان الأرض الخصبة كي تنمو وتزدهر. ولا ينسى اللبنانيون ما جرى في نهر البارد خلال حزيران 2007، حيث سقط مئات الشهداء في صفوف الجيش اللبناني والمواطنين العزّل، خلال معركة قاسية مع عصابات "فتح الإسلام" التي اتخذت من الدين ستاراً لتغطية ارتكاباتها.
وبعيداً عن هذا النوع من الجرائم المستجدة، ثمة آفة أخرى تتعلق بما يُعرف بـ"جريمة الثأر"، والتي لا تزال خصائصها راسخة في عقول المواطنين هناك، حيث نادراً ما يتم القبض على الفاعل، الذي يتوارى في معظم الأوقات عن الأنظار، وأحيانأً يلجأ بحماية وتغطية من بعض أعيان المنطقة إلى استصدار وثيقة قيد مزوّرة تمكّنه من الإفلات من قصاص العدالة، والفرار برّاً عبر الحدود.
يتركّز الفلتان الأمني وارتفاع معدّل الجريمة في محافظة الشمال، التي تحلّ في المرتبة الثانية في هذا المجال، في بعض قرى عكار (لاسيما مخيّم نهر البارد)، وبعض أحياء طرابلس أبرزها باب التبانة، ومخيّم البداوي، والزاهرية، وجبل محسن، حيث تشهد تلك المناطق وبشكل مستمر العديد من الإشكالات الأمنية التي لا تنتهي من دون أن تحصد عدداً من القتلى والجرحى إضافة إلى الأضرار المادية.
300 سرقة بواسطة الأسلحة الرشاشة لترهيب المسلوبين وحادثان أمنيان مع إشراقة كل شمس
الواقع "الشمالي" الدامي والحامي، دفع نواب "كتلة المستقبل" في الشمال، خلال جلسة مجلس النواب الشهر الفائت، إلى إصدار بيان أشاروا فيه إلى "انتشار المربّعات الأمنية في أكثر من حيّ من أحياء طرابلس، وإلى تكاثر المظاهر المسلّحة، معربين عن تخوّفهم من أن يؤدي استمرار أجواء التسلح من قبل أطراف معروفة، والتي توسع انتشارها نحو طرابلس ومنطقة الشمال، إلى إشكالات أمنية "لا يمكن السيطرة عليها في المنطقة، في وقت تمضي فيه توغلات سورية إلى عمق الأراضي اللبنانية، تارة بحثاً عن مهرّبين، وطوراً عن مسلحين، وصولاً إلى أرتال الشاحنات المتجمدة عند المناطق الحدودية في البقاع والشمال".
700 حادث أمنيفي أقل من عام
وفقاً لمصادر أمنية رسمية، تم منذ بداية العام 2011 حتى اليوم رصد ما يقارب 700 إشكال أمني مختلف الأسباب في محافظة الشمال، أي بمعدل حادثين في اليوم، توزّعت على 300 جريمة سرقة معظمها تم بواسطة الأسلحة الرشاشة لترهيب المسلوبين. كما سجلت مئتان وخمسون حالة إطلاق نار بسبب إشكالات مع جماعات متشددة أدت إلى وقوع ما يزيد عن ثلاثين قتيلاً، إضافة إلى مئة وخمسين حادثاً فردياً بين أبناء منطقة واحدة، تعود بمعظمها إلى خلافات سياسية، أسفرت عن مقتل خمسة عشر مواطناً. كما كان لبعض الجرائم العائلية حضور ملحوظ في محافظة الشمال حيث وقعت خلال هذا العام 4 جرائم عائلية، كان ضحيتها ثلاثة عشر مواطناً، فضلاً عن الحوادث الأمنية الأسبوعية أو شبه اليومية المتفرّقة، وكلها بحماية السلاح الحربي والأبيض.
يعتبر الشمال، على حدّ تعبير مصدر أمني بارز في وزارة الداخلية، المنطقة "الأكثر حساسية" لتهريب السلاح عبر الحدود، وأيضاً لدخول مطلوبين ومجرمين أو مهرّبين إلى لبنان، كما هو واقع الحال في محافظة البقاع، ولا يمكن الحدّ من هذه المشكلة في الوقت الراهن لأن الظروف السياسية التي تمر بها البلاد، والتغطيات الأمنية من قبل بعض الجهات تحول دون الانقضاض على هؤلاء، تماماً كما تمنحهم الحق بالتطاول على أجهزة الدولة وأمنها". والسؤال الذي يقضّ مضاجع أهل الشمال، هو "مَن يحمي الناس وكيف يمكن مكافحة الجريمة وأدواتها وأبرزها السلاح؟"، يجيب المصدر: "مشكلة السلاح في لبنان ليست حديثة العهد، بل تعود إلى مرحلة ما قبل الاستقلال، وليس هناك أي حل جذري في الوقت الحاضر لهذه المعضلة، طالما أنّ لبنان مهدّد على الدوام بنزاعات حزبية وطائفية، وطالما أنّ ثمّة شريحة سياسية في لبنان تساعد في تصفية حسابات الدول الاخرى فوق أرضه وعلى حساب شعبه".
فكيف إذا ترافقت هذه المعضلة مع واقع اجتماعي صعب في بعض المناطق التي تعاني الفقر نسبة عالية من الأمّية، حيث يصبح استدراج هذه الشريحة المعدمة إلى الجريمة "أسهل بكثير"، كما يقول أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية قاسم ابراهيم.
وقد شهدت الحدود الشمالية في الآونة الأخيرة الكثير من عمليات تهريب الأسلحة إلى لبنان، أو الاتجار بها، وآخرها عبر السوري محمد شاكر توفيق الذي أوقفته السلطات الأمنية منذ أيام في مطار رفيق الحريري الدولي بتهمة الاتجار بالسلاح، اضافة إلى الشاحنات المحمّلة بالسلاح والمهرّبة من سوريا وإليها، التي يبقى مصدرها مجهولاً.
ويبدو واضحاً أنّ هذه العمليات تفاقمت في الآونة الأخيرة اثر اندلاع الثورة الشعبية ضدّ النظام في سوريا. ويقول مختار بلدة حيزوق عكار محيي الدين العتر ان المنطقة صارت "عرضة لاعتداءات متكررة من قبل كتائب الأسد، حيث تتعرض بعض القرى لرشقات نارية أو بعض القذائف العشوائية لترهيب المواطنين اللبنانيين واللاجئين السوريين الهاربين من جحيم القتل والظلم والقهر والتعذيب الذي يمارسه النظام الأسدي بحقهم، والدولة اللبنانية غائبة ليس عن حماية مواطنيها وحسب بل حتى عن إصدار بيان يشرح ما يجري وسبل معالجته أو استنكار سقوط الضحايا البريئة".
ويؤكد العتر انه "تزامناً مع هذه الاعتداءات تتعرض منطقة الشمال لحملة تقودها وسائل إعلام تابعة لحزب الله وحلفائه، مستخدمةً أسلوب التسريبات والتصريحات والمعلومات الصادرة عن مراجع أمنية خاصة ووثيقة الصلة، أو مواقع أمنية مسؤولة، تتحدث عن موجة تسليح وتسلل إرهابيين، ومعابر تهريب، واستعدادات تستهدف بث الفتنة في دولة الجوار سوريا، ما يعتبر تدخلاً في شؤون دولة شقيقة مجاورة، أمنها من أمننا وبالعكس". وتابع "هذا كله عارٍ عن الصحة، لأن الجهات التي تهرّب السلاح إلى عكار معروفة مصادرها جداً، ولا سيما أن هناك عملاء للنظام السوري في المنطقة ينتمون إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، ومن مؤيدي حزب الله وأنصار النائب السابق علي عيد الموالين لبشار الأسد".
الأشهر الأخيرة الأكثر سخونة
حمل تشرين الأول الفائت إلى محافظة الشمال المزيد من السخونة والتوترات الأمنية. فكان حافلاً بعشرات الأحداث الأمنية التي وقعت كلها بواسطة السلاح غير الشرعي، المتداول بين السكان بصورة غير مسبوقة، بحيث يكون الحاضر الأول في أبسط إشكال.
وفي هذا الصدد، عقد لقاء في منزل النائب محمد كبارة في طرابلس في 18 تشرين الأول، ضمّ كلا من النواب سمير الجسر واحمد فتفت وخالد ضاهر ومعين المرعبي، والعلماء زكريا المصري وسالم الرافعي وبلال بارودي وكنعان ناجي، للبحث في موضوع الفلتان الأمني والسلاح المستشري بين الشباب في طرابلس، والذي تحوّل إلى ظاهرة لا تحتمل. وجاء في البيان الذي صدر عن الاجتماع: "سبق لنا في لقاءات سابقة وعلى اثر الفلتان الامني الذي تشهده المدينة من حين إلى آخر ان طالبنا بضبط الفلتان الامني ومصادرة السلاح الذي هو في اصل كل فتنة، وقد انطلقنا في مطالبتنا هذه، من إجماع المدينة بقياداتها السياسية والمدنية والروحية لجعل طرابلس مدينة منزوعة السلاح".
رفع شعار طرابلس "مدينة منزوعة السلاح" وعدم السعي لتنفيذه، بل التراخي في ملاحقة المخلين بالأمن، أدى الى اختلالات امنية متتالية كان آخرها محاولتي قتل احداهما في القبة والاخرى في ميناء طرابلس، وما تبعهما من اطلاق نار يوم 13/10/2011 داخل المربع الامني الذي أنشئ في منطقة الزاهرية والذي ادى إغفال خطورته إلى تفاقم الوضع في اليوم التالي.
كما أدى تكرار الحوادث الى ترويع الاطفال والنساء في المنطقة وخلق أجواء من التوتر التي ما كان لها أن تسود لو جرت معالجتها بالحزم المطلوب وبالسرعة الضرورية. وبناء عليه، طلب المجتمعون من "رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ووزيريّ الداخلية والدفاع والأجهزة الأمنية وضع حدّ لهذا الفلتان والبدء الفوري بإلقاء القبض على المطلوبين وكل متسببيّ الأحداث الأمنية من دون استثناء والإقدام على إلغاء المربعات الأمنية التي "زُرِعت" في منطقة الزاهرية ومصادرة السلاح منها كبداية لتحقيق "طرابلس منزوعة السلاح".
وسبق حادثة إطلاق النار في الزاهرية والقبة، حادثة أخرى صنّفت عائلية في بداية المطاف، لكن سرعان ما تطوّرت الأمور لتصبح مشكلة بين حركة "فتح" ومنشقين عنها. وقد جاء في تقرير عن القضية أن "إشكالاً وقع في منطقة المنكوبين المجاورة لمخيم البداوي، على خلفية حفل زفاف، تطور إلى إطلاق نار بين عناصر محسوبة على تنظيمات فلسطينية، أدى الى اصابة 4 أشخاص بجروح خطرة، وتلت تلك الواقعة حركة نزوح لسكان المخيم". في حين أفادت بعض المصادر الصحافية والأمنية أن الإشتباكات وقعت بين عناصر من "فتح" ومنشقين عنها على خلفية إنتخابات اللجنة المركزية للحركة.
وشهد منتصف تشرين الأول حادثة أخرى ذهب ضحيتها عدد من الأبرياء الذين كانوا متواجدين في حي باب التبانة حين أقدم مجهول يركب دراجة نارية، على إلقاء قنبلة يدوية أدت إلى إصابة هلا يونس بجروح خطيرة، إضافة إلى جرح طفلتيها إسراء وإكتمال، البالغتين من العمر 5 و3 سنوات، بانفجار جسم غريب خلف مسجد الناصري في التبانة، وكذلك جرح المواطن محمد عثمان الذي فقد يده اليسرى، ويوسف دندشي، من دون أن تعرف ملابسات الحادث.
وحمل شهر تشرين الأول أيضاً جرائم أمنية أدت إلى مقتل 5 أشخاص. فقد هزّت جريمة مروّعة بلدة بيت الفقس في جرد الضنية، حيث أقدم رئيف يونس (51 عاماً) الملقّب بالجراح، من بلدة المرج في البقاع الغربي، على إطلاق النار من بندقية صيد على زوجته ص. ح. (27 عاماً) في منزل والدها في بلدة بيت الفقس في الضنية فأرداها قتيلة، إثر خلاف شخصي نشب بينهما. ثم أقدم بعد ذلك على إطلاق النار على نفسه فتوفي على الفور.
تبعها في اليوم التالي جريمة قتل أخرى، ذهب ضحيتها الشاب حسين محمود ثليجة الذي قضى بطلق ناري من بندقية صيد أمام منزله في بلدة بزبينا. ولم تظهر التحقيقات أي معلومات عن الجاني والأسباب التي أدت إلى حدوث الجريمة.
واختتمت الأيام الأخيرة من تشرين الثاني بحادثة غامضة في منطقة المينا، حيث عثر على جثة امرأة من التابعية البنغالية مصابة بثلاث طلقات نارية ومرمية على مقربة من مستوعب للنفايات. وبعد التحرّيات تم العثور على الجناة وهم 3 عمال سوريين وآخر لبناني، قاموا بالإعتداء عليها ثم قتلها وسرقة ما كان بحوزتها.
وكان تشرين الثاني الجاري افتتح بورصة الجرائم في أول أيام عيد الأضحى، حيث وقع إشكال في السادس منه بين اشخاص من آل حفيان وآخرين من آل عكاري في محلة الجاموس في عكار، تطور الى تضارب بالايدي والعصي والسكاكين وإطلاق نار من أسلحة حربية اصيب بنتيجته أحمد عبده بطعنات عدة، ما استدعى نقله الى مستشفى اليوسف الطبي في حال حرجة وما لبث ان فارق الحياة.
لكن الجرائم في الشمال لم تقتصر على الحوادث العائلية والعشائرية وحسب، إنما شهد أيضاً حوادث أمنية تماماً كما حصل في طرابلس في 15 حزيران حيث دارت اشتباكات بين منطقتي جبل محسن والتبانة، استعملت فيها قذائف "الاينرغا" والـ"ار.بي.جي" إضافة إلى الأسلحة الرشاشة، وقد سقط حينها ثمانية قتلى وعشرون جريحاً. ووقعت هذه الاشتباكات في محيط شارع سوريا الفاصل بين المنطقتين الواقعتين في مدينة طرابلس ذات الغالبية السنية في شمال لبنان، عقب تظاهرة مناهضة للرئيس السوري بشار الاسد خرجت في شوارع المدينة بعد صلاة الجمعة. ورغم انتشار الجيش اللبناني في المكان، ظلَّ التوتر مخيماً على المنطقة، مع استمرار انتشار عناصر مسلحة من الطرفين وإطلاق نار متفرق.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 156,046,187

عدد الزوار: 7,013,295

المتواجدون الآن: 96