يهود العالم ما بين مسار الاندماج والمحافظة على خصوصية الهوية اليهودية

تاريخ الإضافة الإثنين 12 كانون الأول 2011 - 5:44 ص    عدد الزيارات 1003    التعليقات 0

        

يهود العالم ما بين مسار الاندماج والمحافظة على خصوصية الهوية اليهودية

يهود يحتفلون بإعادة ترميم الكنيس في موسكو بعد تعرّضه لانفجار في أيار الفائت. مؤسس الصهيونية تيودور هرتزل.

هدى نونو اليهودية التي عيّنها ملك البحرين سفيرة في واشنطن.

تتجه غالبية الدراسين للتاريخ اليهودي الى اعتبار اليهود في العالم يشكلون كلاً متجانساً ويتمتعون بهوية حضارية خاصة، ولهم تاريخهم المشترك، ويجمعهم مصير ومصالح مشتركة. كما يزعم هؤلاء الدارسون ان ما يجمع بين اليهود في شتى أنحاء العالم هو أكثر بكثير مما يفرقهم. فإلى أي مدى ينطبق هذا الكلام على واقع اليهود في العالم كما هو عليه اليوم في القرن الحادي والعشرين؟

هل ما زال يصح اليوم الحديث عن "هوية يهودية" أو موروث يهودي"؟ وما الذي آلت اليه نظرية دولة إسرائيل بوصفها دولة اليهود كلهم، وأن هدفها انقاذ يهود الشتات؟ وكيف يمكن القبول بأن أي شخص من أم يهودية يحق له العيش في إسرائيل، حتى لو لم تطأ قدماه قط أرضها، وأن يحرم منها الفلسطينيون الذين عاشوا على هذه الأرض وهُجروا منها بالقوة؟لا وجود "للشعب اليهودي"
كتب شلومو ساند، المؤرخ في جامعة تل أبيب في كتابه المثير للجدل"كيف أُخترع الشعب اليهودي": "في رأيي لا يشكل اليهود شعباً. فالشعب هو مجموعة بشرية معينة، تعيش على أرض محددة، ولها ثقافة مشتركة، ولغة وعادات مشتركة. وهكذا يمكن الحديث عن شعب فرنسي وايطالي، ولا يمكن الحديث عن شعب يهودي أو مسيحي، رغم أهمية عنصر الدين"(1). وهو لا يفهم أبداً كيف يمكن لإسرائيل في القرن الحادي والعشرين الادعاء بأنها دولة لكل اليهود وليس لكل الإسرائيليين، وكيف يمكن اليهودي في نيويورك وباريس أن يشعر بالانتماء الى إسرائيل، في حين أن العربي المولود في الناصرة أو في يافا لا تعترف به؟
ويرى الباحث عبد الوهاب محمد المسيري، في الفصل المخصص ليهود العالم من كتاب "دليل إسرائيل العام" (2) أنه من الصعب أيضاً الحديث عن "تاريخ يهودي"، أي تاريخ مستقل لليهود عن كل الشعوب والأمم، يستند الى مراحله الخاصة و قوانينه الخاصة. وكتب: "من الثابت تاريخياً أن الجماعات اليهودية المنتشرة في انحاء العالم كانت موجودة داخل مجتمعات مختلفة تسودها انماط حضارية مختلفة فيهود اليمن في القرن التاسع عشر كانوا يعيشون في مجتمع قبلي صحراوي، أما يهود هولندا، في الحقبة عينها، فكانوا يعيشون في مجتمع رأسمالي حضري غربي". ويخلص من هذا الى القول بصعوبة وجود "هوية يهودية" او "شخصية يهودية". فالجاليات اليهودية كانت تتحدث لغة المجتمعات التي عاشت فيها وتتفاعل مع نمط الحياة السائد في هذه المجتمعات، مثل سائر الأقليات.

 

دور إسرائيل في ايجاد مفهوم "الأمة اليهودية"

يقول الباحث عصام نصار(3) أن الرابط الأساس الذي يربط ما بين يهود العالم، الذين يعيشون في مجتمعات مختلفة وينتمون إلى أثنيات وقوميات مختلفة، هو الانتماء الديني. والمفارقة أن الفكر الصهيوني، الذي أراد ان يجعل من إسرائيل وطناً قومياً لليهود، حوّل هذا الانتماء الديني انتماء قومياً. "فالخطاب الصهيوني حوّل الدين نصاً قومياً يبرر وجود وتأسيس الجماعة القومية التي بنت الدولة القومية لكل أبنائها". ومما لا شك فيه أن الحركة الصهيونية بزعامة تيودور هرتسل لعبت دوراً أساسياً في بلورة صورة "الأمة اليهودية"، وفي تمثيل إرادة الشعب اليهودي الموحد القومية. فقد اعتبر هرتسل في كتيبه "دولة اليهود" (1896) أن فكرة الدولة هي التي تحتوي على قوة كامنة قادرة على تحريك الشعب اليهودي، وان اللاسامية وحّدت اليهود. فالقضية اليهودية ليست قضية دينية او اجتماعية، وانما قضية قومية. والمفارقة أن هرتسل لم يجزم بضرورة أن تقوم اسرائيل في فلسطين، وانما اقترح أيضاَ  الأرجنتين.(4) 
لقد قسم التأريخ الصهيوني اليهود ما بين "يهود أرض إسرائيل" و"يهود العالم". واذا كان من السهل تعريف الفئة الأولى من اليهود، فإنه من الصعوبة بمكان تعريف الفئة الثانية.

 

أنماط يهود العالم

يمكن تقسيم يهود العالم تاريخياً بناء على أسس لغوية وثقافية وعرقية الى ثلاث جماعات كبرى (5) هي : السفاراد، والأشكيناز، ويهود العالم الإسلامي.

 

اليهود السفاراد

تعني كلمة السفاراد حرفياً الإسبان، وهم اليهود الذي يتحدثون لغة اللادينو [لغة عبرية قريبة من اللغة الاسبانية، وتشتمل على العديد من الكلمات المأخوذة من الإسبانية]. وقد طرد اليهود من إسبانيا بعد اخراج المسلمين من الأندلس السنة 1492 على يد رئيس محاكم التفتيش في إسبانيا فراي توماس دو توركومادا (1420- 1498). وشكل طرد اليهود من إسبانيا أكبر كارثة لحقت بهم، قبل المحرقة النازية. واتجه عدد كبير منهم الى الدولة العثمانية واليونان وشمال أفريقيا. ونظراً الى المهارات التي كانت لدى هؤلاء والثروة التي امتلكوها كوّنوا شبكة تجارية دولية لعبت دوراً في تطوير الرأسمالية.
وللسفاراد نهج خاص في الصلاة والطقوس الدينية. كما أظهروا قدرة على الاندماج في محيطهم الحضاري العربي والغربي. ومن بين أهم شخصياتهم الفيلسوف باروخ إسبينوزا (1632 - 1677 ) ورئيس الحكومة البريطانية بنجامين دزرائيلي (1804-1881).
وقد برز عداء قديم ومستمر حتى اليوم ما بين اليهود السفاراد واليهود الأشكناز. فقديماً شكل السفاراد طبقة ارستقراطية نأت بنفسها عن الأشكيناز، فكانوا لا يصلون في معابدهم ولا يتزوجون منهم. لكن هذا الوضع انقلب راساً على عقب في إسرائيل، بعد نجاح الأشكيناز في اعلان دولة إسرائيل وتفوقهم على السفاراد.

 

يهود الشرق والعالم العربي

هم يهود العالم الإسلامي، بينهم يهود الدول العربية الذين استوعبوا التراث العربي وأصبحوا جزءاً منه، الى جانب جماعات صغيرة أخرى، مثل اليهود الأكراد ويهود جبال الأطلس من البربر ويهود إيران. وغالبية الجاليات اليهودية في الدول العربية هاجرت إلى إسرائيل بعد قيامها، وغادرت اماكن إقامتها بسبب الحروب العربية-الإسرائيلية وتصاعد العداء العربي لإسرائيل.

 

الأشكيناز

هم اليهود الذين عاشوا في أوروبا المسيحية، وهم أساساً يهود أوروبا الشرقية (روسيا وبولندا) الذين يتحدثون اللغة اليديشية، وهي مزيج من ألمانية قديمة وعبرية وتكتب بالأحرف العبرية. وكان الأشكيناز يتحدثون لغات الدول الأخرى التي يعيشون داخلها. وقديماً كان ينظر الى المهاجرين الأشكيناز على أنهم متخلفون اجتماعياً وقد عملوا كمرابين وباعة متجولين، لهم نهجهم الخاص في العبادة والصلاة بالاضافة الى عاداتهم وأزيائهم الخاصة، وهم عامة لا يندمجون في محيطهم الحضاري الجديد. وفي الواقع فإن اليهود الأشكيناز هم الذي كانوا في أساس "المسألة اليهودية"، ومنهم ظهرت الحركات الفكرية الحديثة، وأبرزها الحركة الصهيونية التي أسست دولة إسرائيل. خلال الحرب العالمية الثانية تعرضت الجاليات اليهودية في دول أوروبا الشرقية  الى عملية ملاحقة وإبادة من جانب ألمانيا النازية بما أصبح يعرف بـ"المحرقة النازية".

 

التيارات الدينية

يمكن تصنيف يهود العالم دينياً الى قسمين أساسيين: يهود ملحدون وعلمانيون فقدوا كل علاقة بالعقيدة الدينية اليهودية وبالموروث الديني، وهم يعتبرون أن يهوديتهم تكمن في أسلوب حياتهم وموروثهم الثقافي. ونحو نصف يهود أميركا  وأوروبا هم في هذه الفئة.
وهناك اليهود المتدينيون، الذي يؤمنون بالعقيدة اليهودية، وهولاء على ثلاثة أنواع: اليهودية الأرثوذكسية، وهي وريثة اليهودية الحاخامية التي ترى أن التوراة مرسلة من الإله وكل ما جاء فيها ملزم، من هنا ضرورة التزام اليهودي إقامة الشعائر والنواهي، لا سيما شعائر احترام قدسية يوم السبت (وقف وتيرة الحياة اليومية والتفرغ للصلاة)، والطعام الشرعي (الكاشير الذي يحرم أكل لحم الخنزير). ويلاحظ صعود كبير في تيار التدين لدى الطوائف اليهودية الأرثوذكسية داخل إسرائيل.
وهناك اليهودية الإصلاحية، التي تعبر عن العصر الحديث، وهي تميل الى تحكيم العقل في كل شيء، وتفصل المكون الديني عن المكون العرقي والقومي. وهي اجمالاً تحبذ ولاء اليهود الى الأوطان التي يعيشون فيها. وشعارها أن على اليهودي أن يكون مواطناً في الشارع، وان يتحول الى يهودي داخل منزله.
أما اليهودية المحافظة فهي التي تعتبر اليهودية مجموعة من العقائد التي تطورت عبر التاريخ واتخذت أشكالاً متعددة، وهي قادرة على التكيّف مع اللحظة التاريخية، وهي أقرب الى الرؤية الصهيونية في النظر الى الدين بوصفه فولكلوراً أو روحاً قومية يهودية.
لا تؤمن اليهودية الإصلاحية، ولا المحافظة، بأن التوراة منزلة، وإنما هي مجموعة من الأساطير الشعبية والأقوال الحكيمة التي ألهم بها الله الأنبياء. ولا يحترم أتباع المدرستين الفروض الدينية إلا من باب انها عادات اجتماعية، وقد أباحت الحركتان رسم النساء حاخامات. وغالبية اليهود في العالم الغربي هم إما اصلاحيون أو محافظون، وقلة هم من الأرثوذكس.

 

تعداد اليهود وانتشارهم في العالم

تشير دراسة حديثة عن تعداد اليهود في العالم، صدرت السنة 2010 عن مركز مانديل بيرمان والبنك اليهودي للمعلومات في أميركا الشمالية، إلى ان تعداد اليهود في العالم هو 13,348,000 بينهم 7,739,000 يهودي في الشتات، و5,560,000 في إسرائيل. العدد الأكبر من اليهود في العالم يسكن في أميركا ويبلغ حوالي 6,040,000 يهودي موزعين كالتالي: 5,650,000 في أميركا الشمالية، و54,000 في أميركا الوسطى، و 335,000 في أميركا الجنوبية. كما ان معظم يهود أميركا الشمالية هم الأشكيناز الآتون من بولندا وروسيا فراراً من المجازر التي ارتكبت في القرن التاسع عشر.
يشكل اليهود في الولايات المتحدة اليوم الشريحة الأكثر ثراء بين الأميركيين، مما يعطي للجالية اليهودية دوراً بارزاً على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فغالبية المرشحين من السياسيين الأميركيين يعتمدون في حملاتهم الانتخابية على دعم الجمعيات اليهودية، لا سيما اللوبي الصهيوني المعروف بإسم إيباك (لجنة الشؤون العامة الأميركية –الإسرائيلية). ومنذ السبيعنات نجحت مجموعات الضغط اليهودية والصهيونية في التأثير في السياسة الأميركية، بما لا يتناسب بالضرورة مع عدد أعضاء الكونغرس اليهود. ويتعدى نفوذ الجالية اليهودية الأميركية الحياة السياسية الى مجال الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، فكبرى الصحف الأميركية، مثل نيويورك تايمس، ووال ستريت جورنال، ونيوز داي، والأتلانتيك يملكها يهود.
ويبلغ مجموع اليهود في أوروبا 1,468,000 بينهم 1,122,000 في الاتحاد الأوروبي وتعتبر فرنسا الدولة الأكبر عدداً إذ يقطنها نحو نصف ميلون يهودي، نحو 26 في المئة منهم يعيشون في باريس ويتوزع 40 في المئة على مدن مثل مرسيليا ونيس وليون وستراسبورغ. نحو 59 في المئة منهم يصوتون لليسار في فرنسا، و51 في المئة يقولون أنهم يهود ملتزمون دينياً، في حين ان 29 في المئة يعتبرون أنفسهم غير متدينين، ونحو 48 في المئة يؤيدون الحل السلمي للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني عبر تبادل ألأراضي رغم ان 39 في المئة يعارضون ذلك.
أما الجاليات اليهودية في دول "الاتحاد السوفياتي" سابقاً وأوروبا الشرقية فقد شهدت في مطالع التسعينات بعد انهيار هذا الاتحاد والأزمة الاقتصادية التي عصفت بدول أوروبا الشرقية موجة هجرة كثيفة الى إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا الغربية، مما ادى الى انخفاض كبير في اعداد اليهود هناك. ويقدر عدد اليهود في الجمهوريات الروسية حالياً بنحو 305,000 يهودي، وعددهم في دول البلقان بـ21,000، وسائر أوروبا بـ19,000. أما عدد اليهود في آسيا فهو 5,607,000 ونصل المليون يعيش في إسرائيل ويتوزع الباقون على سائر الدول الأخرى. أما في أستراليا فيعيش نحو 103,000 يهودي، و4821 يهودياً في نيوزيلندا.

 

يهود المشرق العربي
 

حتى قيام دولة إسرائيل كان اليهود يشكلون جزءاً من المجتمعات العربية والمشرقية في فلسطين والعراق وسوريا ولبنان ومصر. ويعود الوجود اليهودي في المنطقة الى تاريخ قديم ولم ينقطع الا مع قيام إسرائيل في القرن العشرين.
واليوم لا يتجاوز عدد اليهود في العراق وفق الاحصاءات المتوافرة في أعقاب حرب الخليح الاولى في السنة 1991، 140 شخصاً، يعيشون في بغداد، وعلى الأرجح ان هذا العدد انخفض كثيراً بعد سقوط صدام. في مصر يعيش حالياً نحو 80 يهودياً من أصل 90 ألف يهودي كانوا يعيشون هناك قبل العام 1948، وبقي في لبنان من أصل 22 ألف يهودي كانوا هنا قبل قيام دولة إسرائيل نحو 20 شخصاً فقط. أما في سوريا فمن أصل 32 ألف يهودي قبل 1948 بقي وفق تقديرات السنة 1992 نحو 237 شخصاً، لكن غالبية هؤلاء غادروها بعدما سمح لهم الرئيس السوري حافظ الأسد بمغاردة سوريا بعد سنوات من منعهم عن ذلك. قد تشكل إمارة البحرين استثناء، لأنها البلد الوحيد الذي ما زال يرعى وجود اليهود على أرضه، ولقد قام ملك البحرين بتعيين إمرأة يهودية سيدة اعمال في مجلس الشورى. ومع ذلك فإن عدد اليهود هناك لا يتجاوز 36 يهودياً. أما في اليمن، حيث الوجود اليهودي له تاريخه القديم والمتأصل، فإنه لم يبق منهم سوى بضع مئات، وكانت إسرائيل قد أفرغت اليمن من يهودها في عملية نقل سرية لهم اتخذت إسم "بساط الريح".
يلاحظ مما سبق أن نحو 79 في المئة من اليهود يعيشون خارج إسرائيل، وأنه رغم كل الجهود التي بذلتها الحركة الصهيونية لتوحيد اليهود وجمع صفوفهم فإنها ليست اليوم محط إجماع بين يهود العالم، ومن المؤشرات الدالة الى ذلك تراجع وتيرة الهجرة اليهودية الى إسرائيل.
ويواجه يهود العالم أكثر من تحدٍ للمحافظة على هويتهم الخاصة، لا سيما في ظل ارتفاع نسبة الزيجات المختلطة، وازدياد اندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها، وابتعادهم من إسرائيل، الأمر الذي يجعل الحديث عن "أمة يهودية" أو "شعب يهودي" أمراً غير ذي دلاله بالمقارنة مع واقع اليهود اليوم في العالم.

randa.haidar@annahar.com.lb

الهوامش:
(1): Shlomo Sand. “comment le people juif fut invente”Flammarion. Paris, 2010.
(2): "دليل إسرائيل العام"، تحرير صبري جريس وأحمد خليفة، مؤسسة الدرسات الفلسطينية، بيروت، 1997.
(3): "دليل إسرائيل العام" 2004، رئيس التحرير كميل منصور، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 2004.
(4): وليد الخالدي، "الصهيونية في مئة عام"، دار النهار للنشر،بيروت، 1998.
(5): تستند غالبية المعلومات الواردة في هذه الجزء الى ما جاء في الفصلين المهمين عن يهود العالم في كتابي "دليل إسرائيل العام" الوارد ذكرهما سابقاً. أما الاحصاءات عن عدد اليهود اليوم فتعتمد على الدراسة التي بعنوان: "World jewish Population, 2010" الصادرة عن Berman Istitute _ North asmerican Jewish Data Bank, University of Connecticut.
 

رندة حيدر     

 

مسلمون "يبشّرون" اليهود في القدس بالاسلام ومتزوجات من مسلمين "اهتدين"
المحاولة لا تجذب اي جمهور... و"ساخرون وشاتمون" يواجهون "ابا حسن"

"مرسل" مسلم يحاول استيقاف أحد المارة في المدينة القديمة في القدس. (أ. ب.)
في مبادرة غير مسبوقة، "يعبر" عدد قليل من المسلمين الحدود المتقلبة للاراضي المقدسة في الثقافة والايمان والسياسة، ليحملوا الاسلام الى يهود اسرائيل، على امل- وهو امر غير مرجح- ان يترك بعضهم ديانته اليهودية لينتسب الى اخرى جديدة.

يقترب الرجل الملتحي من يهود في المدينة القديمة في القدس جوارها، محاولاً، بتهذيب وبعبرية سلسة، هديهم الى الاسلام. "يجب ان اخبرك عن الايمان الحقيقي"، يردد احد "المرسلين" المسلمين في ساحة مرصوفة خارج المدينة القديمة في القدس. كان يحمل حقيبة ظهر مليئة بالكتيبات عن الاسلام بلغات عدة، منها العبرية. "يمكنك ان تفعل ما تريده بها. لكن من واجبنا اخبارك الامر".
معظم الناس يتجاهلون الامر، على ما يفيد، ويواصلون سيرهم. "ابو حسن"، بهذا الاسم عرّف بنفسه. هذا المتخصص في برمجة الكمبيوتر تلقى علومه في مدرسة اسرائيلية. ارخى لحية غير متناسقة، وارتدى سروالا وقميصا طويلا خاصا بالمسلمين المعروفين بالسلفيين.
لا دلائل الى ان هذه المبادرة لاقت اي نجاح. فقط نحو عشرة من المسلمين معنيين بها. القلة القليلة ممن يهتدين (من اليهوديات) الى الاسلام يقدمن على هذه الخطوة من اجل الزواج برجال مسلمين، وليس بفعل التبشير. ومع ذلك، فان نشر الاسلام بالعبرية عمل عميق، يعكس ثقة لافتة لدى بعض المسلمين اعضاء الاقلية العربية الاسرائيلية، الى جانب تأثير التيارات الاسلامية المحافظة التي تشجع نشر الديانة الاسلامية، من خلال المنتديات على الانترنت والقنوات الفضائية التي تبث من اوروبا وآسيا والشرق الاوسط.  
في رأي ابو حسن، اهمل المسلمون الغاضبون والمضطربون، خلال اعوام النزاع مع اسرائيل، مسؤولياتهم في نشر ايمانهم الاسلامي بين غير المؤمنين، ومنهم اليهود. "لم يرد المسلمون ان يتكلموا، ولم يرد اليهود بدورهم ان يسمعوا. لكن اليهود يحتاجون الى ان يسمعوا الحقيقة"، على قوله.
طوال 30 عاما من درسه الاسلام المحلي، لم يرَ يتسحاق رايتر، وهو استاذ في مركز القدس للدراسات الاسرائيلية، شيئا مماثلا. "انها المرة الاولى التي يحاول احدهم هدي اليهود الى الاسلام في دولة اسرائيل"، يقول.
حتى اليوم، يبدو ان هذه المحاولة لم تجذب اي جمهور. غير ان "المرسلين" المسلمين "يخطون" على مسألة محرمة يحتمل ان تكون متفجرة. فقرون من الاضطهاد ومحاولات الاهتداء العدائية التي مارستها الغالبية المسيحية والاسلامية جعلت اليهود، الذين يبلغ عددهم في ارجاء العالم 13 مليونا، يعادون بشدة التبشير. والقوانين الاسرائيلية تضع بعض القيود على نشاط المرسلين، وتمنع استهدافه القاصرين، او تقديم الحوافز المالية، من دون ان تحظره كليا.
ارست الطوائف الاسلامية والمسيحية واليهودية في الاراضي المقدسة بينها علاقات دينية واتنية وروابط عشائرية قوية، وتقاوم بشدة الهداية. والنتيجة وجود نوع من التفاهم الفضفاض على عدم تجاوز حدود كل منها. 
يرى عزام الخطيب، احد المسؤولين المسلمين الكبار في القدس، ان الجهود الآيلة الى تبشير اليهود بالاسلام لم تكن رئيسية، بل مقبولة. يقول: "كل من يرغبون في الاهتداء الى الاسلام مرحب بهم، ولكن من دون ان تمارس ضغوط (عليهم)". 
قبل اربعة اعوام، اقترب يهودي اسرائيلي من "ابو حسن" مستوضحا اياه عن الاسلام. هذا ما يفيد به ابو حسن. وكان يومذاك يوزع مواد اسلامية على سياح اجانب في جوار المدينة القديمة. وادرك انه يكاد لا يكون هناك اي مواد تبشيرية بالعبرية، مما دفعه وعدداً من شركائه الى وضع كتيب بالعبرية. ومنذ ذلك اليوم، وزعوا بضعة آلاف من النسخ، على قوله.
المرسلون يتحاشون الكشف عن معلومات شخصية عنهم، ويخشون المضايقات. فقد سبق ان اخترق احدهم الهاتف الخليوي لابي حسن، وغيّر رسالة بريده الصوتي الى سلسلة شتائم بالعبرية موجهة اليه والى النبي محمد. غالبية من يتواصل معهم يجهلون هويته، على ما يفيد، مشيرا الى ان كثيرين منهم يبدون سخرية، وبعضهم يسيء اليه بالكلام، حتى ان عناصر الاستخبارات الاسرائيلية سألوه عن مصدر تمويله، فأجاب بأنه يحصل على المال من تبرعات تقدم في المساجد. "يشتمني الناس، لكنني اقوم بعملي، وهذا هو دوري كمسلم. عليّ ان اشرح برقة وبطريقة لطيفة عن الله".
يرتبط  ابو حسن وشركاؤه في شكل غير رسمي بمنظمة صغيرة عمرها 3 اعوام، وتعرف باسم "مرسي كوميتي فور نيو موسليمز"، انشأها عماد يونس، وهو "مبشر" مسلم يتمتع بكاريزما وبعينين زرقاوين من مدينة أرا شمال اسرائيل. ويقول ان المنظمة لا تهدف في شكل رئيسي الى كسب مهتدين، بل تساعد اؤلئك الذين يهتدون في التأقلم مع الحياة كمسلمين، وتسعى الى شرح رؤية معتدلة عن الاسلام لغير المسلمين، خصوصا اليهود الاسرائيليين، من خلال توزيع مواد تسويقية.
حتى اليوم، يبقى عدد المهتدين قليلا جدا. ولم تستطع وزارة العدل الاسرائيلية التي تتولى تسجيل عدد الاهتداءات، ان تحدد عدد اليهود الذين تحولوا الى الاسلام.
وافادت ان بين 400 الى 500 من سكان اسرائيل الـ8 ملايين يغيرون دينهم كل سنة، بينهم العديد من المسيحيين الذين ينتسبون الى شيع مسيحية مختلفة. وما اقترحته دراسة الاستاذ رايتر بهذا الخصوص هو حصول نحو 20 حال اهتداء الى الاسلام سنويا، وغالبيتها ترجع الى يهوديات تزوجن رجالا مسلمين.
يؤيد يونس هذا الاستنتاج، مشيرا الى ان غالبية تلك النساء هن من "الاتحاد السوفياتي" سابقا، وقد جئن الى اسرائيل في اطار موجة الهجرة من اوروبا الشرقية في تسعينيات القرن العشرين. الواصلون الجدد هم اقل تأثرا بالمحرمات المتعلقة بالزواج المختلط والاهتداء الى اديان اخرى. وفي لقاء اخير لمسلمين جدد، "شارك 55 مهتديا جديدا مع عائلاتهم، 5 منهم يهود ولدوا في اسرائيل، وكلهم نساء"، يفيد.
احدى تلك النساء في العشرين، وقد اهتدت في حزيران الماضي كي تتزوج من مسلم. "لقد رحب بي المسلمون بمحبة لم انلها يوما من اهلي. قالت لي تلك السيدة هنا: انت واحدة منا"، تقول، مكتفية بالتعريف عن نفسها بانها "ياسمين".
وياسمين تعيش اليوم في مدينة طيبة العربية في وسط اسرائيل، على مسافة قريبة من المنزل اليهودي التقليدي الذي كبرت فيه. لكنها تعجز عن زيارته منذ ان تبرأت منها عائلتها. "لم يعد لدي اي شيء اليوم سوى زوجي والاسلام"، تقول.

اعداد هالة حمصي     
 

يهود بغداد سبعة فقط... أصغرهم يحلم بالزواج والسفر الى بريطانيا
عامر نسيم رفض الهجرة الى اسرائيل... "والعراق الوطن الوحيد الذي عرفناه"

بحسرة والم، يؤكد عامر موسى نسيم، كاتب احد "آخر من تبقى من اليهود في بغداد" "اننا كنا مترددين في ترك العراق، لانه المكان الوحيد الذي عرفناه وطنا لنا". نسيم البالغ 38 عاما هو اصغر من تبقى من اليهود السبعة في بغداد التي كانت في الماضي مركز تجمع المجتمع اليهودي العراقي.

"نحن عراقيون نحب العراق" يقول في عمان. في العراق، كان اليهود يشكلون قطاعا اقتصاديا ثريا ونشطا، لكن معظمهم نزحوا في شكل جماعي بعد قيام دولة اسرائيل منتصف القرن الماضي. وقد تعرض آخر من تبقى من يهود بغداد لعمليات خطف وابتزاز بعد الغزو الاميركي العام 2003، ما ادى الى رحيل كثيرين منهم بحثا عن حياة جديدة.
عدد اليهود في بغداد انخفض تدريجاً ليصل الى 59 شخصا قبل سقوط نظام الرئيس صدام حسين العام 2003، يفيد نسيم. "وبعد الحرب، لم يبقَ سوى 19، غادر 10 منهم بمساعدة احدى المنظمات". ويشير الى ان "صائغا يهوديا زوج طبيبة اسنان خطف العام 2007 من منزله في بغداد. واغلب الظن انه قتل، بينما تلقى يهودي آخر العام 2009 تهديدات بالقتل، وغادر على اثرها العراق".
نسيم ولد في بغداد، وتتحدر عائلته من مير بصري الذي اشتهر في علوم الاقتصاد والف كتبا عدة، منها "مباحث في الاقتصاد والمجتمع العراقي". وبعد خروجه من العراق، لم يبق سوى 6 يهود: "خاله، طبيبة الاسنان وشقيقها طبيب مفاصل يعملان في مستشفيين حكوميين، شخص اشبه بمسؤول عن الطائفة ويملك محل اقمشة في سوق الشورجة في بغداد، محاسبة وتاجر". "عددنا انخفض في شكل كبير. وقريبا سيأتي يوم لن يظل هناك اي يهودي في بغداد"، يقول. وكان موقع ويكيليكس نشر في ايلول 2011 برقية ديبلوماسية اميركية جاء فيها "ان عدد اليهود العراقيين في بغداد اصبح 8 فقط بنهاية 2009".
كان العراق يضم نحو 150 الف يهودي قبل قيام اسرائيل العام 1948. غير ان يهود العراق، الذين تعود جذورهم فيه الى 25 قرنا، نزحوا جماعيا بين 1948 و1951 مع اتساع نطاق اعمال العنف ضدهم في المنطقة بأسرها. ويقول نسيم انه "تم اغلاق آخر كنيس يهودي العام 2003 بسبب سوء الاوضاع الامنية. ويقع في البتاوين وسط بغداد الذي كانت تسكنه يوما ما طائفة يهودية نشطة".
ورغم ان الكثير من اصدقائه وجيرانه المسلمين يعلمون انه يدين باليهودية، "كانوا يتعاملون معي بمحبة ومودة كاي عراقي آخر، ومن دون اي تفرقة، لانهم يعرفون اننا عشنا في هذا البلد مسالمين، ولم نؤذ احدا، ولم نتدخل في الدين، ولا في السياسية"، على قوله. لكنه يؤكد في الوقت نفسه انه كان حريصا على اخفاء هويته ليعيش بهدوء الى اقصى حد ممكن. ومع ذلك، ظل عاجزا عن اخفاء ديانته طوال الوقت، لانها مسجلة في بطاقة هويته الشخصية التي يجب ان يبرزها عند أي نقطة تفتيش.
خلال العنف الطائفي، الذي بلغ اوجه عامي 2006 و2007، حرص نسيم الذي كان يعيش مع خاله بعد وفاة والده قبل خمسة اعوام على اخفاء هويته والبقاء داخل حدود الحي الذي يقطنه، خوفا على سلامته. ولم يتمكن نسيم تاجر الملابس والعطور، من الزواج في بغداد، لانه لم يجد من ترتبط به. فآخر زواج شهدته الطائفة داخل العراق كان العام 1978.
معظم اليهود الذين بقوا في العراق "فضلوا البقاء والموت في العراق حيث ولدوا، رغم تلقيهم دعوات مغرية من منظمات دولية للهجرة الى اسرائيل او اي بلد آخر"، يقول. ولا يخفي انه رفض هو شخصيا الهجرة الى اسرائيل.
بالنسبة اليه، كان "يهود العراق مظلومين دائما في بلدهم. ففي اربعينات القرن الماضي، تعرضت املاكهم لعمليات سلب ونهب، ثم جاء نظام صدام حسين الذي اتهمنا بالعمالة. وعندما رحل، تدهورت اوضاعنا كثيرا. لم نذق طعم الراحة".
بمرارة، يتحدث نسيم عما آلت اليه اوضاع اليهود في العراق. "كنا اغنياء العراق، واملاكنا لا زالت ماثلة للعيان. وكلهم يعرفون ذلك". ويبقى أمل في ان "نتمكن، نحن وبقية اليهود العراقيين في العالم، من تسوية موضوع الاملاك يوما ما واخذ حقوقنا وحقوق آبائنا واجدادنا الذين خدموا العراق وساهموا في بنائه بجد واخلاص".
في آذار 2010، تدخل وزير الدفاع العراقي عبد القادر العبيدي لاعادة منزل عائلة نسيم، بعدما استولى عليه آخرون وحولوه حظيرة للماشية. المنزل يعود الى جده المتوفي وقد شيد في عشرينات القرن الماضي في منطقة الباب الشرقي الحيوية وسط بغداد، وتبلغ مساحته 600 متر مربع. ومع انه آيل للسقوط واصيب في غارات عامي 1991 و2003، فان قيمته تقدر بمليوني دولار على الاقل.
يحلم نسيم بالسفر الى بريطانيا، حيث تقيم شقيقته ووالدته. لكن السفارة البريطانية في عمان رفضت طلبه "اربع مرات". "يبررون رفضهم بالقول اذا سافرت الى بريطانيا، من يضمن لنا انك ستعود الى العراق؟"، يوضح.
من جهته، يؤكد كامل الامين، المتحدث باسم وزارة حقوق الانسان العراقية، ان "قضية اليهود ليست قضية اليوم، بل قضية تاريخية تعود الى العام 1948 والعمل المنظم الذي قامت به الصهيونية العالمية لاخراجهم من العراق لزيادة اعدادهم في مكان آخر". ويرى ان "بقاء هذا العدد الضئيل جدا من اليهود في بغداد سببه الظروف الصعبة التي يعيشها العراق"، مؤكدا ان "العراق بلد متسامح ولا يعارض وجودهم، ولا وجود لاي اجراء رسمي ضدهم".
ورغم كل الظروف، و"رغم تشاؤمنا بالاوضاع" لا يزال نسيم يحلم "في اليوم الذي يتمكن فيه كل يهود العراق من العودة وزيارة هذا البلد الذي احبوه، وظلوا اوفياء له، مع انهم رحلوا عنه من عقود".


( و.ص.ف )      

 

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 156,312,943

عدد الزوار: 7,023,353

المتواجدون الآن: 61