معلّمون أم «إرهابيون»... ماذا يحدث في مدارسنا؟

تاريخ الإضافة الأحد 5 شباط 2012 - 7:57 ص    عدد الزيارات 679    التعليقات 0

        

معلّمون أم «إرهابيون»... ماذا يحدث في مدارسنا؟

ناتالي إقليموس

 
تتنوّع مواقف الأساتذة حيال ما يمكن أن يرتكبه الطلاب من هفوات في الصفّ، حيث قد ينتقل بعضهم من ردّة الفعل: «يمكن أهلك نسيوا يربّوك!»، «شو إنت ما بتفهم؟»، «ضيعان العلم فيك!»، إلى الفعل. ففي إحدى الثانويات الخاصّة في الأشرفية لم تتردّد إحدى المعلّمات بسجن تلميذة السبع سنوات في الخزانة لمعاقبتها، فتخبر الوالدة: «أيّاً يكن حجم الهفوة التي ارتكبتها ابنتي، لا يحقّ لها معاقبتها على هذا النحو، فعلى رغم مضيّ عام على هذه الحادثة وطرد المعلّمة بعد تهديدنا الادارة برفع شكوى قضائية، لا تزال ابنتي تبوّل في السرير ليلاً من وقت إلى آخر ما أن تعاودها المشاهد عينها».
 
غاب مشهد "السنديانة" التي تحتضن الراغبين بمحو الأمّية، إلّا أنّ قضيب "الرمّان"، وما يمثّله من قساوة، لا يزال حاضراً بأوجه مختلفة، حتّى أيامنا هذه. العنف التربويّ من أبرز القضايا الشائكة التي يطرح حولها عدد من الأسئلة الملحّة، منها: من يردع المدرّس عن الممارسات العنفية؟ من المسؤول عن الآثار النفسية ورواسب تلك الممارسات التي تلازم المتعلّم؟ وهل وزارة التربية قادرة على توفير الحماية للطلاب في المدارس الخاصّة والرسميّة؟

تختلف مشاهد العقاب من مدرسة إلى أُخرى، إلّا أنّ "الضحية" واحدة، وهم الطلاب. ففي مدرسةٍ في ديك المحدي، لم تتردّد المدرّسة عن رمي تلميذتها كريستال بعبوة المياه، التي تسبّبت بجرح في رأسها. وفي تفاصيل ما حدث، تخبر بنفسها: "نادتني المعلّمة، إلّا أنّني لم أسمعها من المرة الأولى، نظراً إلى الضجّة العارمة، وما أن التفتّ حتى سقطت العبوة كالصاعقة على رأسي، فانتابتني فوراً "دوخة" قويّة كدت على اثرها أن أفقد الوعي. المؤسف في الأمر، أنّ آثار الجرح لا تزال تلازمني، في انتظار خضوعي إلى عمليّة تجميل". أمّا في إحدى المدارس الرسميّة (ل. م.)، فلم تجد المدرّسة سبيلاً الى معاقبة تلميذها إلّا بغرز أظافرها في صيوان أذنه حتى احتبس فيها الدم.

صدّق أو لا تصدّق!

"العين بصيرة واليد قصيرة"، عبارة تختصر قساوة الحال التي بلغتها عائلة الطالبة راشيل، فتخبر متحسّرة: "بدأت المشكلة مع معلّمة الرياضيّات التي تهزأ بشكل متواتر من طبيعة شعري، وعلى حدّ تعبيرها أنها تشبه "سِيف العبد"، ليؤول بها الأمر إلى سوء تقديرها لقدرة استيعابي. ولا انكر انني ضعيفة في هذه المادة إلا انني أبذل ما في وسعي، عكس معلّمتي التي فقدت الأمل "إلى حدّ انها لم تتردّد في مساءلتي عن سبب استمرار قدومي إلى المدرسة".

على رغم المعاناة النفسيّة التي تتكبّدها، تخجل راشيل من مصارحة والديها: "نظراً إلى ظروفنا المادية المتردّية، وبما أنّ أقساط هذه المدرسة مدروسة بشكل يتناسب مع راتب والدي، أجد نفسي بين أمرين أحلاهما مرّ، إمّا تحمّل المعلّمة وتجاهل أفعالها، أو الاعتكاف في المنزل".

أمّا بالنسبة إلى الطالب جيرار فلا يعتبر نفسه مذنباً بما آلت إليه الظروف، فيروي: "أُجبرت على تغيير مدرسة (ر. و.) في العام المنصرم، بعدما أصبحتُ محروماً من المشاركة في حصّة الأدب الفرنسي. فكانت المدرّسة ما أن تدخل الصفّ حتى تطلب مني الخروج، إذ تعتبر نفسها عاجزة عن استيعاب عدد الطلاب وحركتي الزائدة في آن معاً". ويضيف: "يصعب عليّ وصف المرارة التي كانت تنتابني كلّ مرّة خرجت فيها من الصفّ أمام زملائي، على رغم انني كنت أدّعي الفرح بشيء من الاستهتار، ولكن، نار في صدري كانت تغلي، إلى حدّ بدأت أشكّ بنفسي".

ماذا يقول المعلّمون؟

في ضوء تجربتها، تجد مدرّسة الكيمياء تيريز "أنّ العنف ممنوع في مختلف المراحل التعليميّة، لا سيّما الضرب، ولكن قد يلجأ المدرّس من دون أيّ سوء نيّة إلى العنف اللفظيّ بشكل غير مباشر، كأن يرفع صوته ويحدّث طلابه بنبرة غاضبة في لحظات حرجة". ولا تنكر "أنّ هذه المواقف ربّما تحزّ في نفس الطالب وتنطبع في ذاكرته"، إلّا أنّها في الوقت عينه تلفت إلى كثير من الحالات حيث يعنّف فيها المدرّس طلابه، قائلة: "غالباً ما نصادف طلاباً معتادين على التعنيف في بيئتهم، لذا لا يتفاعلون مع ملاحظاتنا بل يضحكون، يهزؤون، وعلى المدرّس ضبط نحو 30 طالبا والسيطرة على انفعالاته، فيقف أمام قلّة الأخلاق التي بلغها أبناء هذا الجيل مذهولاً و"معدوم" الصلاحيّات".

من جهته، يعتبر مدرّس اللغة العربية شربل، أنّ النظام الداخلي للتعليم الأساسي يتضمّن القرار رقم 1130 / 2001، تحديداً في المادة 41، البند 14 يحمي التلميذ من أيّ ممارسات عنفيّة: "يحظّر على كلّ من موظّفي التعليم إنزال أيّ عقاب جسديّ بتلامذتهم، كما يحظّر عليهم تأنيبهم بكلام مهين تأباه التربية والكرامة الشخصية". غير أنه في المقابل يجد "أنّ الأستاذ غالباً ما يكون ضحيّة إدارة تعاني ظروفاً مالية مترهّلة، تجعل من الطالب "أولويّة زبونيّة"، وفي الوقت عينه يدفع فاتورة التعليم والتربية من مجهوده، وصحّته وعمره لقاء راتب خجول".

رأي علم النفس

من جهته يعرّف الاختصاصي في علم النفس العيادي والتوجيه العائلي والجنسي الدكتور نبيل خوري العنف التربويّ على أنه "كلّ محاولة تحقير أو إساءة جسديّة أو كلاميّة (إهانة، تجريح، شتم، استهزاء) في حقّ أيّ طالب إلى أيّ مؤسّسة تربوية انتمى".

ورداً على سؤال عن انواع العنف الاكثر إيلاماً في نفس الطالب، يجيب خوري: "تختلف المسألة من طالب إلى آخر حسب جهوزيّته النفسيّة. فمنهم من اعتاد العنف الجسديّ ضمن عائلته، أو العنف الكلاميّ، لذا قد يصبح الضرب أو الإهانة مسألة عاديّة، لكن يبقى العنف الجسدي الأشدّ إيلاماً". ويتابع موضحاً: "قد يتقبّل الطالب تعنيف الأهل له في محاولة لتوجيهه و"قنونة" حالات تمرّدية معيّنة لديه، لكنه في المقابل يرى في قساوة الأساتذة متنفّساً لما يكبتونه وفرضاً لسلطتهم".

تداعيات خطيرة

في هذا السياق، يحذّر خوري من تداعيات الممارسات العنفيّة، موضحاً: "نتيجة هذه الممارسات، تنمو لدى الطالب عقدٌ نفسيّة تؤثّر سلباً في تكوين شخصيته، وقد تلازمه مدى العمر. وفئة أخرى من الطلاب المعنّفين ينحرفون سلوكياً، فلا يميلون فقط إلى العدائيّة، بل قد يتحوّلون إلى فريسة سهلة في ايدي تجّار المخدِّرات، أو يتسرّبون من مدارسهم، ممّا يولّد لديهم مشاكل مع الاهل، الأتراب، المدرسة، وفيما بعد مع الدولة والقانون. ما يعني أنّنا نربّي جيلا من الدجّالين، الكاذبين، المنحرفين...".

ويؤكّد خوري وجود أنواع من العنف المبطّن الذي يتعرّض له الطالب، لا سيّما في أثناء الامتحانات: "التشدّد في المراقبة التي قد تلامس في كثير من المدارس "العسكرتارية"، هو جزء لا ينفصل عن الممارسات العنفيّة ويترك بدوره بصمات مؤلمة. والأخطر من ذلك رغبة بعض الادارات في أن يرسب الطالب بهدف تحفيزه على الدرس أكثر وتطويره أكاديمياً، ولكن نادراً ما تلقى هذه الخطوة صدى إيجابياً في نفس الطالب، فيصعب عليه التأقلم مع الفشل، ولا يعود يبذل أيّ مجهود من أجل التغيير".

عنف من نوع آخر

ويتوقّف خوري عند نوع آخر من العنف المبطّن، الذي نادراً ما توليه الادارات أهمية رغم تداعياته، فيوضح محذِّراً: "تشكّل ملابس المدرّس(ة) بحدّ ذاتها تحدّياً واستحقاقاً أمام فئة كبيرة من الطلاب، الذين يشتّتهم المظهر الخارجي، فتنمو الغيرة في نفوس بعضهم، ويسعى آخرون إلى انتهاج التقليد في الحركات والشكل. في كلا الحالتين يعيش الطالب في أجواء من اللاإستقرار النفسي". ويتابع مستطرداً: "ما يزيد الطين بلّة، تباهي أحد الأساتذة بعلاقته المميّزة مع مجموعة من طلابه على حساب أخرى، فيصرّ على الظهور أمام زملائه الأساتذة على أنّه محبوب".

ويعتبر خوري أنّ "إدارة المدرسة تتحمّل مسؤوليّة حماية طلابها من أيّ ممارسة عنفيّة على أساس أنّهم أفراد بشر، لكلّ واحد خصوصيّته، طاقاته التحليلية، الإدراكية، مع الإبقاء على قواعد التهذيب من خلال تلقينهم مبادئ الحوار وفنّ الإصغاء".

العقاب الأفضل

أمّا عن أفضل وسيلة لتلقين الطالب، فيجيب خوري: "لا بدّ من التوقف عند مبدأ الثواب والعقاب، ما يعني معاقبة الطالب على نحو يعود عليه بالفائدة الأكاديمية من دون أن نولّد لديه صدمة نفسيّة، كأن نلزمه بدرس ما هو "مقصّر" فيه، وفي الوقت عينه نحفّزه من خلال تكليفه مهمّات يلحظ من خلالها روح المسؤولية والمبادرة، فنساعده على الالتزام بالمتغيّرات و"قنونة" سلوكه".

من الواضح أنّ العنف التربويّ يستمرّ، ولو بقوالب مختلفة. في وقت تبدو الدولة منهمكة في كثير من القضايا والاستحقاقات السياسية، يبقى السؤال، متى يحين دور ملفّ العنف التربويّ؟ من يكسر حاجز الصمت والخوف لدى الطلاب المعنّفين؟ ماذا لو كان يدرك الأساتذة حقيقة ممارساتهم العنفية ولكن "مطَنشين" في ظلّ إدارات تحميهم؟

الأردن يدرس «سيناريوهات» متعددة للتعامل مع الاستحقاقات الدستورية..

 السبت 1 حزيران 2024 - 5:35 ص

الأردن يدرس «سيناريوهات» متعددة للتعامل مع الاستحقاقات الدستورية.. أمام حسابات المشهد المحلي وتطو… تتمة »

عدد الزيارات: 158,986,079

عدد الزوار: 7,120,501

المتواجدون الآن: 72