الفلسطينيون يراجعون تجربتهم في لبنان (2)..عندما قررت سوريا الإمساك بالورقتين اللبنانية والفلسطينية

تاريخ الإضافة الأحد 15 نيسان 2012 - 7:10 ص    عدد الزيارات 951    التعليقات 0

        

 

الفلسطينيون يراجعون تجربتهم في لبنان (2)
عندما قررت سوريا الإمساك بالورقتين اللبنانية والفلسطينية
أنيس محسن
لم يوقّع لبنان الرسمي، ولم يوافق مسيحيو لبنان على اتفاق القاهرة مع منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1969 عن قناعة، بل رضوخا للضغوط الإقليمية، المصرية في حينه، أو لشراء الوقت كما هو حال حزب "الكتائب".
ربما لم يكن سبب الخوف المسيحي في حينه العامل الفلسطيني الذي كان متمثّلا ببضع مئات من الفدائيين في أقاصي جنوب لبنان، بل الإلتفاف اليساري والإسلامي حول المقاومة الفلسطينية في شبه انتفاضة عمّت مختلف أرجاء لبنان والإنقسام الحاد في المجتمعين السياسي والمدني اللبناني جراء الإصطفاف هذا، فضلا عن الخوف من أن يصبح الفدائي جيش الطرف الآخر، فتسقط الصيغة التي بني لبنان ما بعد الإستقلال عليها، والتي اعطت الموارنة سلطة اوسع من باقي الطوائف اللبنانية، بتوافق بين كل الطوائف.
امتزج الخوف بانعدام ثقة تصاعدت مسيحيا بسبب عدم التزام المقاومة الفلسطينية باتفاق القاهرة وعدم قدرة الجيش اللبناني على الحسم، بسبب موقف المسلمين الرافض لضرب المقاومة.
حالة الخوف والقلق لدى القيادة المسيحية انعكست على المجتمع اللبناني، الذي باشر بعملية تسلّح، يقول القيادي الكتائبي جوزيف أبو خليل، الذي كان شاهدا على تلك الفترة من تاريخ لبنان، انه كان تسلحا فرديا وان كان واسعا، وان المجتمع المسيحي التف بمعظمه في حينه حول حزب "الكتائب" بسبب موقفه الرافض للانتشار الفلسطيني المسلح، فكان الإنفجار الذي اطلقته حادثة "بوسطة" عين الرمانة والذي لم يبرأ منه لبنان بعد.
لكن السؤال: بعد أن أزيح الفلسطيني عن التأثير المباشر على الوضع في لبنان، لم لم تتوقف الحرب؟ ثم هل التسلح المسيحي تمكن اصلا من وقف التمدد الفلسطيني؟ وكيف يقرأ المسيحيون التجربة الفلسطينية في لبنان بعد 37 سنة على الحرب الداخلية؟
عن تلك الفترة، يتحدث القيادي الكتائبي جوزف أبو خليل في هذه الحلقة.
جوزيف أبو خليل: الثورة والدولة لا تلتقيان
بمنهجية وهدوء وروية، وبنظرة متقصّية ونقدية من الحاضر الى الماضي، يستذكر رجل الحوار في حزب "الكتائب" جوزيف أبو خليل، التجربة الفلسطينية في مختلف مراحلها. صوته هادئ لكنه عميق عمق تجربته الكبيرة والغنية، منطقه المقنع صقلته التجربة.
يرفض جوزيف أبو خليل اتهام الكتائب بالتسبب بالحرب الداخلية في لبنان، ويخفف التهم حتى عن منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية، ليس بقصد مسك العصا من منتصفها، انما بعمق المجرب والمحلل الموضوعي: فـ"الثورة والدولة لا تلتقيان".. الثورة تعني الحرية المطلقة وعدم الأسر في حلقة الاتفاقات والتفاهمات والحيز المكاني، والدولة سلطة وقانون اذا ضعفا ضاعت الدولة وخسرت سيادتها فسادت الفوضى، وهذا ما حدث في لبنان.
كما يرفض، كشاهد عيان على الحدث، وقوف حزب "الكتائب" وراء حادثة "بوسطة عين الرمانة" ويؤكد ان اتهام عناصر من الحزب بتنفيذها بتخطيط مسبق او صدفة عار من الصحة، ويشير إلى أن التوقيع على اتفاق القاهرة في العام 1969 أشرك منظمة التحرير في السيادة التي هي حكر على الدولة، فضعفت السلطة وكثرت الحوادث المسلحة واندفع الناس الخائفون نحو تسلح فردي.. هؤلاء لم يكونوا كتائبيين انما مواطنين لبنانيين، مسيحيين، خائفين على انفسهم وبلدهم في غابة من السلاح ومواكب مسلحة فلسطينية كانت تعبر مناطقهم بخلاف كل الاتفاقات والتفاهمات التي وقعت وخصوصا اتفاق القاهرة.. حادثة "بوسطة عين الرمانة" وقعت في ظل هذه الأجواء وأثبتت التحقيقات أن اي كتائبي لم يتورط فيها. اما سبب التعاطف الشعبي مع حزب "الكتائب" فكان محاولات عزل "الكتائب" وتصفيتها في المناطق المسيحية بعدما صفيت في المناطق التي سيطر عليها تحالف الفسطينيين مع الاحزاب اليسارية والإسلامية اللبنانية.
يؤكد بثبات وبإصرار ان الكتائب سعت منذ اللحظة الأولى لعدم تفجر الأوضاع، وحاورت الطرف الفلسطيني بانفتاح، لكن بثبات: انفتاح على الحلول وثبات في تأييد القضية الفلسطينية بلا حدود لكن مع التأكيد على سيادة الدولة اللبنانية بلا حدود ايضا لأن لبنان النموذج الديموقراطي هو الذي يجب ان يطبق لحل المسألة الفلسطينية. يستذكر هنا رسالة مؤسس الحزب الشيخ بيار الجميل لوزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر، خلال زيارته لبنان في 16 كانون الأول (ديسمبر) 1973 في اطار جولة في المنطقة، التي اكد فيها حق الفلسطينيين في ارضهم وان إسرائيل جسم غريب في المنطقة وان منطقها التوسعي والإلغائي سيبقي الانفجار دائما، وان الحل بدولة ديموقراطية تعددية على النمط اللبناني تجمع المسلم والمسيحي واليهودي معا. والرسالة واردة في كتاب جوزيف ابو خليل "قصة الموارنة في الحرب".
لكن أولا وأخيرا، العامل الذاتي هو خير مساعد للتدخل الخارجي: اللبنانيون كانوا منقسمين نصفين والسلطة السياسية منقسمة بدورها.. اخطأ الفلسطينيون صحيح واعترفوا واعتذروا خلال الاجتماع في بيت الكتائب المركزي في العام 2008 عبر وثيقة إعلان فلسطين في بيروت، لكن اللبنانيين اخطأوا ايضا بانقسامهم، و"الكتائب ربما اخطأت ايضا بحق الفلسطينيين". لكن لبنان "الساحة المنقسمة" والدولة المتخلية عن جزء من سيادتها، وتخلي العرب عن الحرب مع إسرائيل التي خسروها دوما، وحيلولتهم دون تمكين الفلسطينيين من العمل المسلح عبر اراضيهم، دفعهم الى البحث عن مكان لإطلاق العمل المسلح منه وكان لبنان المكان المناسب، فخيضت فيه الحروب كلها نيابة عن كل العرب.
أما سوريا التي تقلبت بين تأييد وإسناد للفلسطينيين والحركة الوطنية اللبنانية وبين تأييد وإسناد المسيحيين ممثلين بـ"الجبهة اللبنانية" واحزابها وعلى رأسها "الكتائب" فكانت تركز سيطرتها شيئا فشيئا على لبنان بقرار دولي وعربي وموافقة إسرائيلية عبر ما يعرف بـ"الخطوط الحمر" التي وضعتها شرطا لدخول السوريين، وباتت دمشق في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف تحكم لبنان عمليا: امنيا وسياسيا.
لكن جوزيف أبو خليل يقف من دون إجابة وافية عن السؤال حول الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للاجئين الفسطينيين في لبنان، خصوصا حقّي العمل والتملك، حيث يمكنهم نظريا العمل جزئيا، وهم محرومون قانونيا وواقعا من تملك شقة للعيش رغم صعوبة الظروف الانسانية، بل استحالتها في المخيمات، وما لم يطوَ هذا الملف فإن امكانية استغلاله للتسبب باهتزازات امنية او اجتماعية تبقى قائمة.
[اتفاق الإكراه
عندما وقّع اتفاق القاهرة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1969، كان لافتا أن قائد الجيش في حينه العماد إميل البستاني من وقع عليه وليس مسؤولا سياسيا، الأمر الذي يعني أن كل العلاجات التي كانت تقدم لم تكن سوى من الجعبة الأمنية وليس عبر مسعى لحل سياسي، وهذا مأخذ يمكن ان يسأل عنه الطرفان اللبناني والفلسطيني الرسمي والحزبي اللذان وافقا قناعة او اكراها على الإتفاق، لكن لجوزيف أبو خليل رأيا يختلف قليلا عن هذا التحليل: "اتفاق كهذا كان صعبا ان يوقع عليه مسؤولون سياسيون، علما انه معاهدة اكثر مما هو اتفاقية، لأنه لم تجر أي مفاوضات للتوصل اليه، ومن الطرفين على حد سواء، وفي المحصلة كان اتفاقا امنيا اكثر مما هو سياسي، وعندما تشكل الوفد اللبناني للذهاب الى القاهرة، تلبية لدعوة الرئيس جمال عبد الناصر، الذي دخل وسيطا في هذه العملية، رفض رئيس الحكومة رشيد كرامي ترؤس الوفد وأصبح الوفد مشكلا من قائد الجيش اميل البستاني والمدير العام لوزارة الخارجية نجيب صدقة".
ويؤكد أن "اتفاق القاهرة لم تستطع ان تتحمله أي مؤسسة دستورية لبنانية، لأن الدولة تتنازل فيه عن جزء من سيادتها وسلطة القرار السياسي لمصلحة منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى حد معرفتي كان توقيع اتفاق القاهرة آخر ورقة يلعبها اللبنانيون لمنع الحرب الأهلية".
ويستشهد بالوزير السابق فؤاد بطرس في كتاب مذكراته الذي صدر أخيرا، أنه عندما استدعاه الرئيس شارل الحلو لسماع رأيه حول الاتفاق، قال له بعدما قرأه انه بالاتفاق هذا يؤجّل الحرب 5 سنوات، وهذا ما حصل. يقول: "بالنسبة لنا في الكتائب، كنا نعرف ذلك، وكنا نعمل المستحيل للحيلولة دون انفجار الحرب، لأن البلد كان منذ ستة أشهر يعيش أزمة سياسية حيث كان رئيس الحكومة معتكفا كل هذه المدة، والاحوال الامنية من سيئ الى أسوأ والاشتباكات بين الجيش والفدائيين الفلسطينيين تتوالى، وتظاهرات تعم صيدا وطرابلس وبيروت دعما للفلسطينيين وتظاهرات في العواصم العربية كلها. ضغط كبير على الحكومة اللبنانية لإطلاق يد العمل الفدائي المسلح. لو لم يوقع اتفاق الطائف لكان انقسم البلد وهو كان عمليا منقسما. اجتمع القادة المسلمون في دار الفتوى وبرئاسة المفتي وصدر بيان عنهم يخير بين اطلاق العمل الفدائي الفلسطيني أو منع تشكيل حكومة. بالتالي كان البلد امام أمرين: التوجه الى حرب تنبئ بها الاحداث الأمنية، او تمرير الاتفاق بالتي هي احسن".
يتحدى المفكّر الكتائبي المخضرم ان يكون اي بلد مستعدا لتوقيع اتفاق مثل اتفاق القاهرة، ويؤكد: "ما من بلد عربي مما يسمى دول الطوق عقد اتفاقا كهذا. في الأردن شنت الدولة حربا على الفصائل المسلحة الفلسطينية وحدث ما يعرف بأيلول الأسود وسوريا من البداية لم تسمح بوجود مسلح كما هو الحال في لبنان، وخصوصا على خط اتفاق الهدنة. فقط لبنان البلد المفتوح والمشرعة أبوابه او الأضعف او لأن ابناءه اختلفوا امام وهج القضية الفلسطينية، فبعد فشل الجيوش العربية الكلاسيكية في استعادة الحقوق الفلسطينية كان العمل الفدائي المسلح يبدو البديل وهو الأمل. وفي الحقيقة نفذت عمليات فدائية ناجحة، في المطارات وفي داخل إسرائيل وعلى الحدود، وكل تلك العمليات كان يزعم انها تنطلق من لبنان وبالتالي رد الفعل الإسرائيلي كان يصيب لبنان".
[حقان لا يلتقيان
وكأن اتفاق القاهرة ولد كي يخرق، فالاتفاق "نص على كل المكاسب التي حققها الفلسطينيون، لكن ما من ثورة تخضع لاتفاقات ولحدود، وكلما كسبت تريد ان تكسب اكثر. ولكن التنازل عن القرار السيادي.. قرار الحرب والسلم، عبر السماح للمقاومة الفلسطينية بالقيام بعمليات مسلحة من لبنان، وخصوصا بعد اخراج منظمة التحرير من الأردن اصبح لبنان وعاصمته بيروت مركز العمل الفلسطيني. اصبح لبنان هو فلسطين. فقد تمركزت قيادة ومؤسسات منظمة التحرير السياسية والامنية والثقافية في بيروت، وبالتالي كان الرد الإسرائيلي على الاراضي اللبنانية. اتفاق القاهرة جرى خرقه بصورة سريعة، بل من اليوم الثاني لتوقيعه. اتفاق "ملكارت" كان محاولة جديدة وافق على بنوده الوفد الفلسطيني، وتفاوض عليه اثنان من قيادة الجيش اللبناني واثنان من منظمة التحرير، وقد نص على وقف العمليات المسلحة عبر الحدود لكن منظمة التحرير لم توقع عليه، وبقي معلقا".
كما يتذكّر عددا كبيرا من الاجتماعات واللقاءات مع منظمة التحرير الفلسطينية لمحاولة التوصل الى اتفاق لمنع الانفجار: "لكن يجب ان نقر ونعترف بأن اي تسوية وفق الوضع الذي كان قائما لم تكن ممكنة لأن منطقي الدولة والثورة لا يلتقيان، وقد حاولنا بكل ما استطعنا في الكتائب ان نتوصل الى تسوية، وانا كنت في احدى اللجان التي تشكلت للحوار بين الكتائب ومنظمة التحرير، واصبحت تربطني علاقة صداقة مع قياديين فلسطينيين خصوصا مع ابو حسن (علي) سلامة. كنت اكتب المقالة الرئيسية في جريدة "العمل" على اساس موقف الكتائب الرسمي، والكتائب لم تكن موافقة على العمل الفلسطيني المسلح في الأراضي اللبنانية، لكن بسبب المودة الكبيرة بيني وبين ابو حسن سلامة، طلبت من الشيخ بيار (الجميل) ان انسحب من لجنة الحوار مع الجانب الفلسطيني، لأنه بعد ان اكتب، سوف يتصل بي أبو حسن ويعتب عليّ".
يشدد أبو خليل على ان "موقفنا (في الكتائب) من القضية الفلسطينية اساسا كان موقفا ايجابيا، لكن مع ذلك كيف يمكن ان نسلّمهم البلد. المرحوم الشيخ موريس الجميل كان لديه توصيف يقول إن الحق الفلسطيني والحق اللبناني وضعا في وجه بعضهما البعض، فكيف يمكن ان تنسج تسوية في ظل هذا الوضع؟ الحق الفلسطيني بالعمل المسلح على حدودنا مع إسرائيل فيما كل الدول العربية منعت ذلك وتوقفت عن العمل المسلح عبر حدودها لأنها لا تريد ان تدخل حربا مع إسرائيل الا بقرارها هي، لكن قرار الحرب لم يكن بيد لبنان كان بيد ليس منظمة التحرير، بل بيد كل من الفصائل الفلسطينية. منظمة التحرير لم تكن برأي واحد، كان فيها من اقصى اليسار الى اقصى اليمين. الكتائب كانت تتحاور مع "فتح" الأقرب فكريا لها، لكن التيار الآخر لم يكن يريد ان يتحاور معنا. كان اي اتفاق لوقف النار يخرقه الفلسطينيون. وثيقة اعلان فلسطين في بيروت اعترفت بأن الفلسطينيين حمّلوا لبنان أكثر مما يحتمل، واعتذروا عن الأخطاء، ويمكن ان نكون نحن حمّلناهم فوق طاقتهم".
يتابع: "كانت التسوية مستحيلة، توصلنا الى اتفاقات كثيرة لوقف النار. توصلنا الى تسوية في اتفاق القاهرة، لكن منظمة التحرير لم تتمكن من الالتزام به. عملنا المستحيل لكن اتفاق القاهرة لم يكن ممكنا بالنسبة للفصائل الفلسطينية ان تلتزم به، فمنطق الثورة لا يلتزم بالاتفاقات".
["حرام" اتهام الكتائب
شرارة الحرب انطلقت من عين الرمانة، الاعتداء على الحافلة التي كانت تقل فلسطينيين اشعلت تلك الحرب، حُمّل حزب "الكتائب" المسؤولية، لكن جوزيف أبو خليل الشاهد على تلك المرحلة يقول: "تحميل الكتائب مسؤولية حادثة عين الرمانة كان تجنيا، حراما، لم يكن لنا اي علاقة به، لم يكن هناك كتائبيون بين من اطلقوا النار اساسا، شقيقي كان موجودا في المنطقة ويؤكد ذلك. عملية عين الرمانة كانت بمثابة ضغط على البلد، علينا وعلى الفلسطينيين، الأجواء كانت محمومة، والمخاوف متبادلة، تصور ان يسيّر "حزب الله" مواكب مسلحة في هذه الأيام في الأشرفية مثلا او جونية. كانت المواكب الفلسطينية المسلحة تجتاز المناطق المسيحية وسط جو مشحون، وأوضاع امنية غير مضبوطة، بل متدهورة، واتهامات للجيش تزيد الضغط عليه. في صيدا قتل معروف سعد وتم تحميل الجيش اللبناني المسؤولية، ولا توجد قوى أمنية. وسط هذه الأجواء وبسبب الخوف القائم لجأ الناس الى امتلاك السلاح للدفاع عن انفسهم. هناك من اتهم حزب الكتائب انه كان مسلحا وانه يسلح الناس، اؤكد ان الحزب لم يكن مسلحا ولم يكن يتسلح، الناس بعد اتفاق القاهرة باشروا في شراء السلاح.. حادثة عين الرمانة تأتي ضمن هذا السياق. المواكب كانت تذهب وتجيء بين تل الزعتر وصبرا، ومن قلب عين الرمانة. خاف الناس.. لا علاقة لحزب الكتائب، لكن خلقت اجواء في ذلك الوقت بأن كل الناس في المناطق الشرقية هم كتائبيون، لأن الناس التفوا حول موقف حزب الكتائب فهل حزب الكتائب مسؤول عن تأييد الناس له؟".
مع كل ذلك، يقول ابو خليل "وبهدف عدم التصعيد وحل المشكلة، طالب رئيس الحكومة رشيد الصلح الكتائب بتسليم شخصين كتائبيين، كي نقول انه تم توقيف احد ما بسبب هذا الحادث. طلبنا اسماء الذين كانوا موجودين حتى نسلمهم، سلمونا اسمين لم يكن اي منهما موجودا في المنطقة خلال الحادث، سلمناهما كتسوية، استلمهما مدير الأمن العام من الشيخ بيار (الجميل) في بيت الكتائب (في الصيفي)، وتكفّل ان يحافظ على حياتهما". يضيف: "اذا اردت ان تسألني رأيي عن سبب حدوث ذلك، فأقول لأن الكتائب كانت القوة الوحيدة الممانعة الباقية، التي تعترض على العمل الفلسطيني المسلح. بيار الجميل الوحيد الذي بقي يقول اننا في ظل هذا الوضع (السلاح الفلسطيني) نحن ذاهبون الى الهلاك.. بقي له ان يقول هذا الموقف المعارض فقط. وكان يفاوض الفلسطينيين للتوصل الى حل بالتي هي احسن. في ذلك الوقت شنت حملة تحريض واسعة على حزب الكتائب، واستهدفت حادثة بوسطة عين الرمانة فيما استهدفت ضرب حزب الكتائب، وصدر بيان رسمي مشترك من الحركة الوطنية والفلسطينيين والاحزاب التقدمية يدعو الى عزل حزب الكتائب واخراجه من الحكومة، وكان ممثلا بوزيرين، وتطهير المناطق الشرقية من وجوده".
[لبنان: العرب وسوريا
القراءة الهادئة للاحداث بعد زمن على حدوثها تقود الى استنتاجات منطقية، خصوصا اذا كان المعني يتسم بالموضوعية، وهي صفة اكيدة لجوزيف ابو خليل الذي يقول: "عندما نعمد الى قراءة ما مضى، نرى اشياء لم نكن لنشاهدها في حينه. الحروب العربية ـ الإسرائيلية توقفت، آخر الحروب كانت في 1973، الحروب التي شنت كانت تنتهي بهزائم، لكن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بقي قائما. العمل المسلح الفلسطيني منع في سوريا، وفي الاردن كذلك، وبالطبع كان ذلك ممنوعا في مصر، فأين سيتفجر هذا الصراع؟ في الساحة المفتوحة بالتأكيد التي هي لبنان، خصوصا ان كل مؤسسات منظمة التحرير انتقلت الى لبنان. انا لا احبذ كلمة مؤامرة، عندما نقول مؤامرة كأننا نريد ان نتهرب من مسؤولياتنا. هناك مصالح ومعطيات موضوعية: الحرب بين إسرائيل والعرب كانت تنتهي بهزائم.. فلنوقفها، هذه ليست مؤامرة، لكن القضية الفلسطينية بقيت معلقة ومن دون حل. هناك شعب يتحرك ومن حقه ان يتحرك، وما زال الى الآن يتحرك وسوف يبقى يتحرك الى ان يسترد حقوقه. الشعب الفلسطيني اعتمد على الجيوش العربية لاسترجاع حقوقه لكن الدول العربية لم تتمكن من ذلك. لم يعد امامه الا ان يحمل هو السلاح، وينظم حرب عصابات ضد إسرائيل، المحمية من أميركا ومن الغرب".
يتابع ابو خليل قائلا: "عندما نعيد قراءة الوقائع بعد حين، تتبين لنا الحقائق اكثر. سوريا كانت تريد دورا اقليميا، وحتى اليوم تريد ذلك، يعني الامساك بالورقة الفلسطينية وبالورقة اللبنانية. دخلت سوريا إلى لبنان لهذا السبب، دخلت اولا حليفة لمنظمة التحرير، عبر تمرير السلاح والعناصر الذين قدموا من الاردن وسوريا عبر الاراضي السورية. والضغط الاكبر على لبنان للسماح بالعمل الفلسطيني المسلح كان يأتي من سوريا. قال الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في خطابه في تموز (يوليو) 1976 صراحة ويعترف انه لم ينتظر احدا ولم يستأذن احدا ليدخل الى لبنان. دخلوا اولا بلباس منظمة الصاعقة، ثم دخل الجيش السوري علنا الى لبنان عندما تأمن توافق دولي على دخوله، دائما كان السوريون يبحثون عن ذريعة للدخول. الذريعة كانت ان هناك حربا اهلية في لبنان وان هذه الحرب سوف تؤدي الى قيام إسرائيل اخرى، وبعد ان دخلوا عملوا على الإمساك بالبلد. تحول وجودهم بعد انشاء قوات الردع العربية الى وجود كبير، فأصبح جيشهم هو قوات الردع العربية، وحدثت اشتباكات بيننا وبين القوات السورية، كانوا ينصبون حواجز في المناطق الشرقية، وادى ذلك الى حدوث اشتباكات في الاشرفية ومناطق اخرى".
يعتبر أن "سوريا مركز ثقل في المنطقة وتطمح، وربما من حقها ان تطمح، الى دور اقليمي. وكل من يريد ان يلعب دورا اقليميا يأتي الى لبنان. نشأت في لبنان مربعات امنية متعددة الأطراف، وما زالت قائمة الى اليوم. مررنا في اوقات كانت هناك مربعات امنية تخص العراق وليبيا وسوريا وطبعا الفلسطينيين. اصبح لبنان ساحة والكل يريد ان "يبلَ" يده. سوريا من اللاعبين الاساسيين في لبنان، فعندما اراد ابو عمار الاستقلال في قراره اصطدم بسوريا، فتخلوا عنه وحاربوه، وأقصوه عن الساحة اللبنانية".
يؤكد ابو خليل ان "لبنان بات بيد سوريا، حتى في 1996 فاوضت سوريا على وقف اطلاق النار بين إسرائيل ولبنان في ما يعرف بـ"تفاهم نيسان". اعطيت سوريا وكالة كاملة في لبنان، بتكليف من الاميركيين والمجتمع الدولي، وبتوافق ضمني مع إسرائيل، كيف دخل الجيش السوري الى لبنان، وما هي الخطوط الحمر التي وضعت لدخوله؟ قاد المفاوضات (وزير الخارجية الأميركي السابق هنري) كيسنجر، هذا امر معروف. الخطوط الحمر تعني ان لا يتعدى عديد القوات السورية 30 الف جندي وأن نوعا من السلاح يجب ان لا يدخل مع تلك القوات وان لا تصل الى المنطقة الحدودية في الجنوب، وان سماء لبنان وبحره تحت سيطرة إسرائيل. هذه هي الخطوط الحمر التي وضعتها إسرائيل ولم تتجاوزها سوريا ابدا".
[تقلص التأثير.. وبقاء المشكلة
بعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982 لم يعد هناك وجود عسكري فلسطيني رسمي فعلي، ثم بعد الشروع بتطبيق اتفاق الطائف وحل الميليشيات سلّم الفلسطينيون سلاحهم الثقيل، وأبقي لهم السلاح الخفيف رغم انهم ابدوا استعدادا للتخلي عنه، ولم يدخلوا بعد ذلك طرفا في اي نزاع لبناني داخلي، لكن يقولون ان ذلك لم يسهم في اعطائهم الحقوق المدنية، وهي واجب على الدولة اللبنانية اكثر مما هي حق لهم، وان الحق الوحيد الذي يؤكدون عليه هو حق العودة وانهم يرفضون تماما كما اللبنانيين التوطين. الا يستوجب ذلك، وقفة أمام حقوق الإنسان الفلسطيني في لبنان، حقه بالعمل وامتلاك شقة للسكن؟
يجيب أبو خليل: "أولا تاريخيا يجب ان يعترف لنا، نحن المسيحيين عموما والكتائبيين على وجه الخصوص، انه عند النكبة في العام 1948 استقبلنا الفلسطينيين في بيوتنا وفي الأديرة وأصدر البطريرك الماروني (انطون عريضة) تعميما عُمّم في كل الكنائس، بضرورة استقبال اللاجئين الفلسطينيين. هذا موقفنا العاطفي والسياسي".
ويضيف: "دعيت مرة الى ندوة في مركز عصام فارس حول حقوق الفلسطينيين، وكنت من المشاركين الذين قدموا ورقة عمل، بدأتها بـ"حق العودة نعم، لكن إلى أين ومتى؟".. قناعتنا، بل قناعتي انا خصوصا، ان إسرائيل لن تقبل اي دولة فلسطينية الى جانبها. الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي صراع اجيال، وهو صراع حضاري وعلى مدى طويل، لقد دعونا منذ البداية الى دولة ديموقراطية على كل ارض فلسطين، وهذا كان موقف منظمة التحرير الفلسطينية قبل ان تتراجع عنه لاحقا، لا ارى حلا".
يرى ابو خليل ان "هناك حقوقا تعطى للفلسطينيين في لبنان، حق العمل، اعطي الفلسطينيون شيئا منه، ثم لبنان مركز اعلامي لهم، لديهم اوراق ثبوتية. ماذا يمكن ان يعطي لبنان اكثر من ذلك؟ ثمة توطين حاصل على ارض الواقع".
يسأل أبو خليل: "الصراع دائر منذ 64 سنة ويمكن ان يستمر 64 سنة اخرى, ماذا نستطيع ان نقدم"؟ ويجيب عن سؤاله قائلا: "اولا يجب ان نحفظ وجودنا كلبنانيين، شعبا ودولة"، ويستطرد: "عندما قال وزير الاعلام الأردني (قبل 1982) ان لبنان اصبح فلسطين، لم تحل القضية الفلسطينية، لبنان ذهب ولم تعد فلسطين. إذاً حق العودة الى اين، الى حيفا؟ الى الضفة الغربية؟ لا توجد عودة. الاستيطان لا يتوقف ولو للحظة والمفاوضات مستمرة، على اي شيء تتم المفاوضات؟ المنطق الإسرائيلي غير معقول. بصرف النظر عن الحق والباطل، إسرائيل كيان محكوم بالخوف على الوجود، هذا هو تحليلنا. دولة يحيطها الحقد والكراهية ومحاولة ازالتها من الوجود حكما، فهي جسم غريب في المنطقة، واستراتيجية إسرائيل تقوم على التوسع، لا تدافع عن أمنها على أراضيها (الأراضي المحتلة منذ العام 1948)، انما خارج تلك الاراضي، بذريعة حماية نفسها خرجت الى الاراضي المنصوص عليها في القرار 242، وبذريعة حماية مستوطناتها التي اقامتها في الضفة تتقدم في داخل الضفة، احتلال الجولان هو ضمن هذه الاستراتيجية. هذه هي طبيعة إسرائيل".
يقول "ظهر اعتراضنا على العمل الفلسطيني المسلح من لبنان على انه اعتراض على القضية الفلسطينية، هذا ليس صحيحا. الآن السلاح الفلسطيني في المخيمات ما هي فائدته؟ يتقاتل من يحمله فيما بينهم، هذا سلاح ليس لمحاربة إسرائيل".
لكن الفلسطينيين ابدوا استعدادا بعد الشروع بتنفيذ اتفاق الطائف حتى لتسليم السلاح الخفيف داخل المخيمات، وهو ما كان اكده صلاح صلاح لـ"المستقبل" وهو الشاهد الصنو لجوزيف ابو خليل، و"صديقي صلاح صلاح" كما يقول القيادي الكتائبي العتيق. ويؤكد: "هذا لأن السوريين هم من كانوا يريدون ان يبقى السلاح الفلسطيني. السوريون هم من اوكلوا بتنفيذ اتفاق الطائف فأخذوه الى حيث يريدون، ومن جملة المسائل التي تركوها السلاح، وبرعايتهم تكوّن سلاح حزب الله، كي تبقى المسائل غير محلولة. تم التوافق في مؤتمر الحوار الوطني على نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، لكن التنفيذ منع. اعود الى السؤال: حق العودة الى أين ومتى؟ الا يحق لي ان اتساءل؟ لا يوجد جواب".
والحل؟ يبقى سؤالا من دون اجابة واضحة، لكن مع التأكيد على مبادئ وثوابت. يقول أبو خليل: "انا اتفهم موقف منظمة التحرير، واتفهم ان الصراع صراع اجيال.. انا أجلّ القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذي يناضل منذ اجيال رغم كل الصعوبات، وهو متمسك بحقه. وجهة نظر بيار الجميل تاريخيا، دولة ديموقراطية في فلسطين على غرار الدولة الديموقراطية في لبنان، فيها من كل الاقليات الدينية والثقافية. الحل ذاته يجب ان يقوم على ارض فلسطين".
يتساءل مستنكرا ومتعاطفا: "ما هذه الحياة في المخيمات، التي اقيمت ليس لتبقى، انما مؤقتا؟ واستمرت، مقفل عليها ومقفلة على نفسها، خوفا من الاندماج، ورغم ذلك صامدون. كنا نحاول ان نؤكد خلال حواراتنا مع ابو عمار ان لبنان يجب ان يحافظ عليه كنموذج تكون عليه فلسطين كما تطالب منظمة التحرير، لكن بدل ذلك يجري تعريضه للزوال. لا يمكن ان تكون هناك دولة بجيشين وسلطتين حيث سيصطدمان ببعضهما البعض، وهذا ما حصل".
يدعو ابو خليل الى "ان نتعلم من التجربة كلبنانيين وكفلسطينيين، لقد اجتمعنا في بيت الكتائب في 2008 عندما اعلنت وثيقة فلسطين في لبنان، كان هناك اعتراف متبادل في الذنب. كان كل المسلمين مع البندقية الفلسطينية حتى ولو تعرضت الدولة للمخاطر، الآن الرئيس سعد الحريري يؤكد على "لبنان اولا": هذا اعتراف بالخطأ، نحن التزامنا بدعم القضية الفلسطينية وحماية الفلسطينيين ايضا عودة عن الخطأ، نحن ايضا اخطأنا في الحرب، الحرب بحد ذاتها وبغض النظر عن نتائجها خطأ فادح، ماذا تقدم الحروب، وخصوصا الحروب الأهلية؟ هي اخطر من الحروب الخارجية بما فيها من وحشية وبربرية، لا بطولات في الحروب الداخلية، ولا مكاسب، وليس فيها منتصرون".

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,532,658

عدد الزوار: 6,953,865

المتواجدون الآن: 63