الفلسطينيون يراجعون تجربتهم في لبنان...كيف خطفت الدبابة السورية وهج البندقية الفلسطينية؟

تاريخ الإضافة الإثنين 16 نيسان 2012 - 5:27 ص    عدد الزيارات 918    التعليقات 0

        

 

الفلسطينيون يراجعون تجربتهم في لبنان
كيف خطفت الدبابة السورية وهج البندقية الفلسطينية؟
أنيس محسن
أصيب لبنان في العام 1975 بهستيريا. بات الموت يتربّص بالناس في الشوارع. كانت الحرب الداخلية اندلعت، وانقسم البلد جغرافيا بين "شرقية" و"غربية"، وطائفيا بين مسيحي ومسلم، وسياسيا بين يمين ويسار. وكانت البندقية الفلسطينية هي الأبرز في السنة الأولى للحرب، قبل ان تدخل الدبابة السورية، ثم الجحافل الإسرائيلية.
تلك كانت الصورة، أما المقدمات فجاءت مبكرة منذ العام 1968 والاعتداء الإسرائيلي على مطار بيروت وتدميره أسطول طيران "الشرق الاوسط" المدني الذي كان رابضا في المطار، ثم التوقيع على اتفاق القاهرة، والاشتباكات المتنقلة من الجنوب الى بيروت بين الفصائل الفلسطينية والجيش اللبناني.
الهستيريا تلك، كانت تحتاج إلى رجل عاقل، هو ريمون إدة، الرجل الديموقراطي المدافع عن حقوق الإنسان، والرافض للعنف اسلوبا لحل المشاكل، والداعي فقط للحوار توصلا الى السلام.
رغم رفضه اتفاق القاهرة، ارتبط بعلاقات وثيقة بالقيادة الفلسطينية الرسمية، ولم يبرح سكنه في بيروت "الغربية" رغم المخاطر، الى ان التجأ الى باريس كموقف رافض للقتل الدائر، بعد سلسلة من محاولات الإغتيال التي طاولته.
رفض انتشار السلاح في ما كان يسمى "المجتمع المسيحي" وحذّر من ان ذلك سيزيد من حدّة التوتر ويقود الى صدام لن تحمد عقباه، وكان من أشد المنتقدين للقيادات السياسية المارونية في تلك الحقبة.
رفض السلاح الفلسطيني، لكنه رفض قرار الصدام الرسمي معه، لأن الصدام بين الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية سيحدث انقساما في الجيش اللبناني، وهو ما كان.
اصطدم سياسيا مرة اخرى مع "المارونية السياسية" عندما تدخّل الجيش السوري لمصلحة المسيحيين في لبنان، وحذّر من مآرب النظام السوري بقيادة حافظ الأسد في السيطرة على لبنان والهيمنة على الورقة الفلسطينية.
كان له موقف واضح ولا لبس فيه ضد الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وخصوصا خلال اجتياح العام 1982، وكان دائم التحذير من تورّط القيادات المسيحية بأي علاقة مع إسرائيل.
في هذه الحلقة يدلي أمين سر حزب "الكتلة الوطنية" السابق سمير عبدالملك بشهادته عن العميد وتلك المرحلة وقد واكبهما عن قرب.
سمير عبدالملك: إده صديق الفلسطينيين والصوت المسيحي الآخر
"ضمير لبنان"، هذا هو اللقب الذي اطلق على ريمون إده (1913 - 2000). هو ابن الرئيس إميل اده (رئيس لبنان قبل الاستقلال ما بين 1936 و1941)، انتخب خلفاً له عام 1949 كعميد لحزب "الكتلة الوطنية"، ودخل إلى البرلمان عام 1953 واستمر فيه حتى عام 1992 كنائب عن جبيل. قدّم اقتراحات عدة أصبحت قوانين من أهمها قانون السرية المصرفية والابنية الفخمة والحساب المصرفي المشترك وقانون من أين لك هذا؟.
شارك في عدة حكومات فضلا عن كونه نائبا، وكان من أشد منتقدي "الشهابية"، لأنه في المبدأ ضد دخول العسكر المعترك السياسي.
فضلا عن الاقتراحات المهمة التي اقترحها، كانت له ثلاث وقفات في السياسة، لو آزره السياسيون فيها لربما كان لبنان قد تلافى أتون الحروب المتواصلة التي اندلعت فيه وعليه منذ نهاية ستينيات القرن الماضي.
كان من الجرأة ان استقال من منصب وزير الاشغال العامة في حكومة الرئيس عبد الله اليافي في عهد الرئيس شارل حلو عقب الغارة الإسرائيلية على مطار بيروت الدولي في كانون الأول (ديسمبر) 1968 وقد طالب بشرطة دولية لحماية لبنان، كونه بلدا ضعيفا ومن واجب الأمم المتحدة حماية الدول الضعيفة.
الموقف الثاني الذي ميّزه عن كل السياسيين اللبنانيين، رفْضه وحيدا الموافقة على اتفاقية القاهرة 1969 التي اعطت الحق للفلسطينيين بالقيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل انطلاقا من جنوب لبنان، معللا ان موقفه انما هو دعم للقضية الفلسطينية وحفاظ على لبنان.
الموقف الثالث رفضه التدخل السوري في لبنان في العام 1976، الذي رأى فيه وصاية سورية على لبنان، مخالفا بذلك مواقف القيادات السياسية المسيحية، ووقف بكل قوة ضد الاجتياحات الاسرائيلية للبنان في 1978 و1982.
لكن تلك المواقف هي عينة، اذ انه لطالما ناضل في سبيل ترسيخ التعايش السلمي بين كافة الطوائف اللبنانية ورفض المشاركة في الحرب اللبنانية (1975 - 1990).
بعد تعرضه لمحاولات اغتيال عدة، وبضغط من اصدقاء عرب ودوليين، غادر لبنان عام 1977 إلى منفاه الاختياري في باريس حيث أكمل من هناك نضاله السياسي والدبلوماسي في سبيل استعادة سيادة واستقلال لبنان، وتوفي في باريس في 10 أيار 2000، قبل 15 يوما من الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في 25 أيار.
أحد المقربين من العميد وأمين سر مجلس حزب "الكتلة الوطنية" السابق وأمين سر تجمع "قرنة شهوان" سمير عبدالملك، يستذكر مع "المستقبل" مواقف العميد ريمون إده خلال الفصول التي قادت الى الحرب الاهلية في لبنان وخصوصا موقفه الرافض لاتفاق القاهرة، الاسباب والنتائج.
[العميد واتفاق القاهرة
"كان ريمون إده يعي المخاطر المحيطة بلبنان ويحذّر منها، وأبرزها الخطر الناجم من اتفاق القاهرة في العام 1969"، يقول عبدالملك، مضيفاً: "له خطاب مهم في مجلس النواب حول هذا الموضوع، كان بمثابة قراءة واستشراف للمستقبل، حيث كان يقدم دائما المصلحة العامة على مصلحته، بل كان يعتبر ان المصلحة العامة هي التي تؤمن المصلحة الخاصة، فإذا كان البلد بخير فالأشخاص يكونون بخير"، ويضيف "هذا الاتفاق اظهر انه ليس من رؤية لدى الزعماء الموارنة حول المستقبل، كانوا مثل محدثي النعمة، الصراع ايام الشهابية كان حول من سيكون رئيسا للجمهورية. كان لدى ريمون إده موقف يدعو الى ابعاد العسكر عن السياسة، أي أن العسكري يجب ألا ينتخب رئيسا للجمهورية. فؤاد شهاب في العام 1958 كان مرحلة استثنائية، ورغم حضور الاسطول السادس الى الشاطئ اللبناني بموافقة الدول العربية، والدعم الكبير لفؤاد شهاب، الا ان ريمون إده ترشح للانتخابات، وقال انه سيترشح ولو لم يَنَلْ سوى صوته، كي لا يقال ان رئيس الجمهورية جاء عبر التعيين، وخصوصا أن المرشح لرئاسة الجمهورية شخص عسكري".
يتابع عبدالملك: "في عهد شارل الحلو، كان قائد الجيش العماد اميل البستاني ورئيس الوزراء رشيد كرامي وكان وزير الخارجية يوسف سالم، لكن كرامي وسالم لم يذهبا للتفاوض حول اتفاق القاهرة بل ذهب العماد البستاني، الذي كانت لديه طموحات رئاسية. أيقن إده ان البستاني سيذهب ليقدم كل التنازلات المطلوبة في مقابل ان يأخذ غطاء عربيا ليصبح رئيسا للجمهورية، فالحسابات كانت قصيرة المدى وضيقة ومصالح صغيرة".
وفيما كان يراد أن يبقى اتفاق القاهرة سريا، فإن ريمون إده هزأ ممن كانوا يروجون لذلك. يقول عبدالملك: "عبّر ريمون إده عن ذلك عند المصادقة في مجلس النواب على اتفاق القاهرة، الذي حشد حزب الكتائب كل قانونييه من أجل إبقائه اتفاقا سريا، باعتباره معاهدة يوقع عليها رئيس الجمهورية، وقال ان الاتفاق لا يمكن ان يكون سريا، في اي وقت سوف يسحب ابو عمار ورقة من جيبه ويقول ان الاتفاق قد نشر وليس سريا، خصوصا ان مضمونه نشر في الصحف".
"في خطاب شهير له في المجلس يؤكد العميد انه مع حقوق الشعب الفلسطيني وانه مدافع عن الشعب الفلسطيني، لكنه يحذر"، كما يقول عبدالملك من أن "اتفاق القاهرة سيجلب لنا وللفلسطينيين والمنطقة كلها الويلات، وسنقدّم الذريعة لإسرائيل للقول بأننا تخلينا عن اتفاق الهدنة للعام 1948 واننا سندخل في حرب ضدها ونحن غير مجهزين وليس لدينا القدرة، وبالتالي في حفل المزايدات الداخلية هذه، وباستقواء من خلال الفلسطيني على ابن البلد، سوف ندمّر البلد وندمّر الفلسطيني، واستطرادا كل المنطقة".
ويعتبر عبدالملك ان "خطاب ريمون إده في مجلس النواب في العام 1969 كان خطابا استشرافيا، أنهاه بجملة مؤثرة جدا: "انتم الأكثرية، هنيئا لهذه الأكثرية لكن كونوا على علم انكم تقترفون اكبر جريمة بحق قضية فلسطين وبحق لبنان، والمنطقة (...) هذه الاتفاقية ستسبب لنا مشاكل داخية وخارجية، الاكثرية لا توافق على هذا الرأي، فليكن، انا لا اوافق وأصوّت ضد، لكني كرجل ديموقراطي لا استطيع الا ان اخضع لارادة الاكثرية فهنيئا لهذه الاكثرية".
أحداث ما بعد اتفاق القاهرة أظهرت بُعد نظر ريمون إده، فقد "استكمل في العام 1973 في عهد الرئيس سليمان فرنجية بتفاهمات ملكارت، بعدما كان جرب استخدام العنف"، على ما يقول عبدالملك "وكان رأي العميد ان المشاكل لا يمكن ان تحل بالقوة، والحل يمكن ان يكون بالحوار، وان تسمح للفلسطينيين بعيش حياة انسانية مقبولة، وليس ان يتركوا في الظروف الصعبة التي كانوا موجودين فيها بحيث لم يكن لديهم شيء يخسرونه". يضيف: "كان ريمون إده في كل تلك المرحلة يحاول ان يعيد الوضع الى اللعبة الديموقراطية، لكن للأسف بعد اتفاق ملكارت في العام 1973، قرر القادة المسيحيون ان يعتبروا ان هذه الدولة لم تعد تحمينا، الدولة التي هشموها بعد اتفاق القاهرة، فأطلقوا العنان للميليشيات وللتسلح بزعم حماية النفس. بدأت القصة باغتيال معروف سعد، الذي اتهم ريمون إده المكتب الثاني بالتورط فيه، ما زاد من حدة التسلح لدى الطرفين الفلسطيني وحلفائه من جهة والاحزاب المسيحية من جهة اخرى وتوترت الاجواء".
لكن رفض العميد لاتفاق القاهرة لم يكن عداوة للفلسطينيين، بل على العكس، كما يؤكد سمير عبد الملك، فإن علاقة وثيقة ربطته بالقيادة الفلسطينية: "لم أزرْ العميد إده مرة في منزله إلا ووجدت مسؤولا فلسطينيا يزوره، واذا كان القصف شديدا ولا يمكن التنقل من منطقة الى أخرى كنت انزل في بيت مسؤول فلسطيني. وصارت العلاقات لاحقا اكثر قربا بين الكتلة الوطنية والفلسطينيين، ولم يكن رفض إده اتفاق القاهرة ليؤثر على تلك العلاقات".
يروي عبدالملك حادثة ذات دلالة من تلك المرحلة: "عندما كنا نريد ان نذهب الى منازلنا في المنطقة الشرقية أو جبيل، كان يرافقنا موكب من منظمة التحرير حتى منطقة المتحف، ذات يوم أوقفنا حاجز فلسطيني قبل المتحف وكان في سيارتي حقيبة كبيرة، كنا نريد ان نمضي عطلة نهاية الاسبوع في منزلنا، فسأل المسلح على الحاجز عن سبب وجود تلك الحقيبة معي، فشرحت له السبب وقلت انني في كل مرة أحمل حقيبة صغيرة لأني أمضي نهاية الاسبوع فقط واعود، لكن هذه المرة سوف اقضي اياما اكثر وانا بحاجة الى ثياب اكثر، فتمنى عليّ ان اخفي الحقيبة كي لا يظن احد ان الفلسطينيين يهجّرون المسيحيين من منازلهم".
يؤكد عبدالملك ان ريمون إده كان من اشد المدافعين عن الفلسطينيين "لكنه كان ايضا من اشد المحذرين من المخططات التي تحاك ضد البلد، من قبل النظام الرسمي العربي الذي نشهد هذه الأيام انهياره، وبالطبع المخططات الاسرائيلية التي لا تزال مستمرة لضرب البلد ونموذجه وصيغته".
ويعتبر "إن الثورات العربية اليوم جاءت لتؤكد صحة وجهة النظر القائلة بأن السلطات العربية التي كانت موجودة كانت ترفع شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة فقط من اجل ان تستمر في الحكم، وللجم اي حراك داخلي ولمنع شعوبها من التطور".
ويشير الى ان "العميد كان من اصحاب نظرية قرأها في كتب موريس دي فيرجيه وثلة من المؤرخين، تقول انه لا يمكن وجود ديموقراطيات من دون تنمية انسانية وبشرية، أو من دون مستوى علمي لدى الناس كي يكون لديهم وعي، والا فسيكون لدينا مشكلة في الثقافة يعبر عنها لاحقا بالتخلف. فلا يمكن لنا ان نواجه اسرائيل بأنظمة قمعية".
[ فلسطينيون تابعون لحافظ الأسد
هذه الاجواء نفسها حضّرت لاحقا لدخول الجيش السوري في حزيران 1976 الى لبنان. في حينه جمع ريمون إده في منزله قيادات لبنانية من الطرفين، وتم اعلان "جبهة تحرير لبنان"، للوقوف بوجه الدخول السوري الى لبنان.
يقول سمير عبدالملك: "كان كل طرف يحضر عدة الشغل الخاصة به كي يكون لبنان الساحة البديلة له. ومن هنا نقمة ريمون إده على الزعماء الموارنة. عندما اجتمع معهم في بكركي، ومنهم بيار الجميل وكميل شمعون، سألهم عن هذا التسلح الذي يعمدون اليه، وعلى من يعتمدون، لكي يقولوا له انهم يعتمدون على اسرائيل، ويجيبهم بالتالي اننا كمسيحيين سوف نتحول الى اقلية مثل الهنود الحمر في اميركا، بقصد ان يظهر لهم خطورة خيار التسلح الذي كانوا قد اتخذوه".
هذا الخيار "سوف يدمر الموارنة ويدمر الصيغة اللبنانية" كما يقول سمير عبدالملك، "فقد كان العميد يعتبر ان دور المسيحي في المنطقة هو التواصل مع الآخرين وليس الانعزال والانكماش، وقال لهم انكم تذهبون عكس تاريخكم، ولحسن الحظ ان الكنيسة المارونية منذ حينه الى الآن تتبنى هذا الطرح وهو ما عبر عنه البابا يوحنا بولس في الارشاد الرسولي عندما اعتبر ان لبنان اكثر من وطن انه رسالة، اي رسالة حوار ورسالة حرية ورسالة تعايش".
على ان العامل السوري لم يظهر فقط بعد 1976، وإنما كان موجودا منذ البداية، وفي هذا السياق ينقل عبدالملك عن الصحافي الراحل ميشال أبو جودة، وهو كان صديق أبو عمار وقيادات "فتح" الناشئة في حينه، ويقول: "كان ابو جودة يخبرنا ان "فتح" كانت ترسل له البيانات في الليل لينشرها في جريدة النهار. في العام 1968، قبل الغارة التي شنتها اسرائيل على مطار بيروت ورد تقرير الى الرئيس شارل حلو يفيد ان مسلحين فلسطينيين يتجولون في منطقة العرقوب، وكان يعرف الرئيس حلو ان علاقة تربط بين ميشال ابو جودة وقيادة "فتح"، فقال الرئيس لأبو جودة: "شوف صحابك عم يخربولنا البلد شوف مين هيدول وشو عم يعملو بالمنطقة هونيك". يتابع "اتصل ابو جودة بأصدقائه، اي قيادة فتح، فأجابوه ان المجموعة تلك تابعة لوزير الدفاع السوري حافظ الأسد، وليس لنا علاقة بهم ولا سلطة لنا عليهم".
[التمسك بالهدنة لمنع الاعتداءات
يوضح عبدالملك: "اروي هذه الحادثة نقلا عن ابو جودة، لأقول اننا نتحدث عن مرحلة سابقة للعام 1969، فالاسرائيليون الذين كانوا يتابعون ما يجري على الحدود هم من سلبوا ارض فلسطين وبالتالي لا يمكنهم احتمال ان تقبل دولة مجاورة أو ان تستضيف وجودا مسلحا معاديا لها ما يهدد مستعمراتها في شمال اسرائيل. وعندما كان ريمون إده يقول اننا يجب ان نتمسك باتفاق الهدنة فلأنه يعرف مطامع اسرائيل في مسألتين: الصيغة اللبنانية في العيش المشترك وهي صيغة حضارية انسانية حيث تتعايش مجموعات بالتراضي في ما بينها، وهذا مناف لجوهر اسرائيل العنصري. والمسألة الثانية: اقتصادية حيث ان اسرائيل تعرف ان الاقتصاد الحر في لبنان هو المنافس لها وكانت تعرف ان مطار بيروت هو منافس لمطار بن غوريون وميناء بيروت هو منافس لميناء حيفا".
ويؤكد ان "الوجود الفلسطيني المسلح والعمل الفدائي من الحدود اللبنانية كان مضرا ايضا للصيغة اللبنانية هذه وللاقتصاد اللبناني. اليوم الثورات العربية جاءت لتؤكد صحة وجهة النظر القائلة بأن السلطات العربية التي كانت موجودة كانت ترفع شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة فقط من اجل ان تستمر في الحكم وللجم اي حراك داخلي ولمنع شعوبها من التطور". ويشدد على انه "لم يكن ممكنا مواجهة اسرائيل بالانظمة القمعية العربية التي لم يكن بإمكانها احتمال وجود دولة عربية ديموقراطية تنتخب كل 6 سنوات برلمانها ورئيسها وتنتخب البلديات والنقابات في الجامعات والنوادي الرياضية، بحيث تقاطعت مصالح كبيرة في المنطقة حول أن هذا النظام الديموقراطي خطر يجب التخلص منه".
[إلغاء اتفاق القاهرة.. عودة سوريا
المسألة الفلسطينية في لبنان لا تزال قائمة، ولم ينهها خروج قوات منظمة التحرير من لبنان، وكأن ثمة من لا يريد ان يعالج هذا الملف، على الرغم من تسليم الفلسطينيين سلاحهم الثقيل والمتوسط، بعد قرار حل الميليشيات الى الدولة اللبنانية وابدائهم الاستعداد للتخلي عن السلاح الخفيف ايضا، فكيف يمكن ان يجد الملف الفلسطيني حلا؟ هذا السؤال الذي لم يجد جوابا الى الآن رغم الغاء اتفاق القاهرة وتغير كل المعطيات.
يقول عبدالملك: "للأسف بعد 18 سنة، في العام 1987، صوّت مجلس النواب على الغاء اتفاق القاهرة. لم يطرح احد السؤال عن الصدفة التي جعلت الالغاء يتم بالتزامن مع عودة سوريا الى لبنان، وضمن دفتر شروط اساسه لجم المخيمات ونزع السلاح ودخول الضاحية الجنوبية حيث كان مخطوفون اجانب محتجزين هناك".
يعرف ريمون إده الاستراتيجية السورية وكيف تعمل، يقول عبدالملك: "اطلق إده على حافظ الاسد وصف الإطفائي الذي يشعل الحرائق، ليطفئها ويقبض ثمنها، وفي سياق سياسة ومخططات كيسنجر لتقاسم النفوذ بين اسرائيل وسوريا في لبنان ضمن دفتر شروط معين. لكن السوري ايضا كان يتقن لعبة تجميع الاوراق ومن خلالها يمكنه تعديل دفتر الشروط لمصلحته، ومن هذا المنطلق حاول ان يبيع الى المسيحيين الغاء اتفاق القاهرة، لكن كما وصف ريمون إده الموضوع في حينه انه جاء بعد خراب البصرة، فيما المقصود حقيقة هو وضع اليد السورية على الورقة الفلسطينية في لبنان، فمثلا السلاح الفلسطيني خارج المخيمات في الناعمة وقوسايا وغيرها وهو سلاح سوري اساسا، تقررت إزالته في مؤتمرات الحوار، لكن سوريا منعت ذلك لأنه ورقة في يدها، وبالتالي اذا كان لا بد من تسليم هذه الورقة فإن سوريا التي تقبض الثمن وليس اللبنانيين".
[ثمن المواقف
دفع ريمون إده ثمنا كبيرا لمواقفه هذه. يقول عبدالملك: "لقد أصر على ان يبقى في منزله في بيروت الغربية خلال حرب السنتين، بعدما تقسمت بيروت الى شرقية وغربية، رغم محاولات الاغتيال التي تعرض لها في المنطقتين. لأنه كان شاهداعلى جريمة تحصل وبالتالي يجب ازالة هذا الشاهد".
ويوضح ان العميد "لم يخرج من لبنان الا بعدما دعاه الرئيس المصري الراحل انور السادات لزيارة القاهرة، كما تبلّغ من كمال جنبلاط معلومات حول لائحة اغتيالات على رأسها العميد، فرد ريمون إده أن لديه لائحة ايضا لكن على رأسها كمال جنبلاط. بذلك تقاطعت معلوماتهما حول الاغتيالات الامر الذي اكد جديتها. وعندما انتهت زيارة إده لمصر سأله الرئيس السادات الان الى اين تريد ان تتوجه، فأجابه الى لبنان بالطبع، فقال السادات كيف تريد ان تعود الى لبنان وقد تعرضت لمحاولتي اغتيال، فأكد انه يريد ان يعود مضيفا ما مفاده انه لا يخشى الموت.. قال السادات لريمون إده، وكان يريده ان لا يعود الى لبنان، ان لديه طلبا منه أن يذهب الى فرنسا في مهمة بين القاهرة وباريس، ومن ثم يعود من هناك الى لبنان. وكان السادات اتفق مع الفرنسيين على أن يقنعوا العميد بعدم العودة الى لبنان".
يتابع عبدالملك: "طلب العميد من كمال جنبلاط ان يلاقيه في باريس، وان يشكلا معا حكومة في المنفى، بالمشاركة مع صائب سلام الذي كان متواجدا في حينه في سويسرا، أجاب جنبلاط "أنا لا أترك لبنان، وأريد أن أموت في لبنان". وهذا ما حدث.
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,588,169

عدد الزوار: 6,956,339

المتواجدون الآن: 47