لبنان.. لم ينأ بنفسه.. يعيش على التوقيت السوري..

تاريخ الإضافة السبت 21 نيسان 2012 - 6:23 ص    عدد الزيارات 890    التعليقات 0

        

 

لبنان.. لم ينأ بنفسه.. يعيش على التوقيت السوري.. وينغمس في الأزمة الملتهبة عبر الحدود

بيروت: ثائر عباس... عندما وصل «الدور» إلى لبنان في عام 2009 ليدخل إلى مجلس الأمن عضوا غير دائم، هلل الكثيرون من المسؤولين لهذا «الموقع المميز»، رغم أن لبنان دخل المجلس مرتين في تاريخه. يقال إنه لو فوت هذه الفرصة كان عليه أن ينتظر لأكثر من 40 عاما قبل دخوله مجددا. لكن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط توجس من الخطوة وجاهر بالتمني لو أن لبنان «يتنحى» أو ينأى بنفسه عن هذا الموقع ويمرره إلى الدولة التي تليه في الترتيب.
موقف جنبلاط، لم يكن سببه بالتأكيد صغر مكتب لبنان في مبنى الأمم المتحدة، بل إدراكه أن لبنان سوف يدخل من خلال عضويته في مجلس الأمن، وترؤسه إياه بفعل المداورة، سوف يعرضه لاتخاذ مواقف في ملفات تهز المعادلات الداخلية الدقيقة والمعقدة. هذا الموقف يبرره هو نفسه بأنه «كان يدرك سلفا أن لبنان سيكون محرجا في التعاطي مع الملف الإيراني، فكيف الحال الآن مع الملف السوري المفتوح على احتمالات متشعبة ستلقي بثقلها على الموقف الدولي من لبنان بفعل تعقيدات الملفين الإيراني والسوري على حد سواء». ولهذا خرج جنبلاط بموقف يتمنى فيه أن يرفض لبنان هذا الموقع بسبب «الحرج الذي سيجلبه إليه وظهوره بمظهر الدولة المنقسمة على ذاتها إزاء ملفات رئيسية وسط صراعات المنطقة التاريخية المستعصية على الحلول بدءا بفلسطين وصولا إلى إيران وملفها النووي.. وكذا سوريا».
ولما لم يفلح جنبلاط في الوصول إلى غايته، كان لبنان على موعد مع أول استحقاقاته في الملف الإيراني، حيث وجد نفسه محاصرا بين الموقف الدولي والمعادلات الداخلية، فلا هو سيتمكن من التصويت مع العقوبات على طهران، ولا هو ضدها، ثم أتى الملف السوري بتعقيداته ليؤكد صوابية موقف جنبلاط، فكان أن ابتدع رئيس مجلس النواب نبيه بري عبارة «النأي بالنفس» التي بات يستعملها مندوب لبنان في الأمم المتحدة السفير نواف سلام في كل «الجلسات الحساسة».
رسميا يتبنى لبنان سياسة «النأي بالنفس» عن الأزمة السورية، لكنه ينغمس عمليا في هذه الأزمة إلى ما فوق أذنيه جراء الواقع القائل بانقسام القوى السياسية الفاعلة بين خصوم وحلفاء لدمشق، وكلا الطرفين يراهنان على أحد طرفي الأزمة في سوريا ويضعان ثقلهما، السياسي على الأقل، في خدمة هذا الطرف لأن في انتصاره انتصارا له.
ويعيش لبنان في حالة من الترابط السياسي والأمني مع سوريا منذ زمن طويل، وذلك نتيجة مباشرة لنفوذ دمشق القوي جدا في لبنان. فإن سوريا لها كلمة أساسية في اسم رئيس الجمهورية في لبنان، كما أن رئيس الحكومة يجب أن يكون على وفاق «الحد الأدنى» مع دمشق تبعا لقوة نفوذها. فهي قد «تعين» رئيس الحكومة في حالات قوتها، وقد تتمكن من وضع الفيتو على اسمه، أو تفشل عمله، كما حصل مع الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري.
وقد حكمت سوريا لبنان مباشرة بين عامي 1990 و2005، عبر منصب رئيس فرع الأمن والاستطلاع الذي شغله في عهد الرئيس الأسد الأب اللواء غازي كنعان، وفي عهد الأسد الابن العميد رستم غزالي. وكان لقاطن عنجر (بلدة لبنانية قرب الحدود مع سوريا) الكلمة الفصل في خلافات الرؤساء وفي التعيينات والانتخابات وغيرها.
أما بعد عام 2005، بعيد اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري وما تلاه من تداعيات أدت إلى انسحاب سوريا من لبنان، فقد اضطر حزب الله للنزول إلى الساحة مباشرة، بعد أن كان متفرغا لعمله المقاوم، فدخل الحكومة وتنامى نفوذه إلى أن أصبحت له الكلمة الفصل في عمر الحكومات، بتعاون وتنسيق مباشر.
وبالإضافة إلى حزب الله يتمتع النظام السوري بعلاقات مميزة مع حليفه التاريخي رئيس مجلس النواب نبيه بري وحركة أمل التي يرأسها الأخير، وعدد لا بأس به من الأحزاب والقوى الصغيرة أبرزها الحزب السوري القومي الاجتماعي، وفرع لحزب البعث في لبنان، ويضاف إلى هؤلاء حليف مسيحي قوي انتقل من العداء المطلق للنظام إلى التحالف الوثيق معه هو النائب ميشال عون.
وفي المقابل، يواجه النظام السوري كتلة معارضة كبيرة هي عبارة عن تحالف قوى 14 آذار الذي يتزعمه تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري الذي اضطر لمغادرة لبنان منذ اندلاع الأزمة نتيجة ما قال مقربون منه إنها «تهديدات جدية» يضاف إلى ذلك حديث النائب وليد جنبلاط الذي عاد من مغامرة سريعة قام بها منذ عام 2009 اقترب فيها من النظام السوري، ثم عاد للابتعاد تدريجيا وصولا إلى إعلان العداء من جديد.
ورغم أن حزب الله قد نفى تكرارا تورطه المباشر في الأزمة السورية نتيجة الاتهامات التي يطلقها المعارضون له بالمشاركة في قمع المتظاهرين، فإن هذا الحزب لم يتوان عن تبني وجهة نظر النظام الرسمية منذ انطلاقة المواجهات بالحديث عن مسلحين وجماعات أصولية، فقابله المعارضون بحرق صور أمينه العام السيد حسن نصر الله في مظاهراتهم، بالإضافة إلى توعد «الجيش الحر» بالمحاسبة بعد سقوط النظام. وفي المقابل، ينفي تيار المستقبل تورطه في عمليات تهريب السلاح والمسلحين إلى الداخل السوري عبر الحدود اللبنانية، لكنه لا يتواني عن تبني وجهة نظر المعارضة السورية التي يجمعه معها العداء للنظام.
وفي المنتصف، تقبع الحكومة اللبنانية التي يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي الذي يحاول أن ينأى بنفسه عن الأزمة السورية رغم اتهامات المعارضة اللبنانية له بأنه أداة سوريا منذ وصوله إلى رئاسة الحكومة خلفا للرئيس الحريري. ويدافع الرئيس ميقاتي عن سياسة النأي بالنفس باعتبارها «الأفضل والأنجع» بالنسبة إلى لبنان بسبب 3 عوامل، يحددها لـ«الشرق الأوسط» بأنها الخصوصية اللبنانية - السورية، وعلاقة لبنان مع الدول العربية، والانقسام الداخلي. ويقول: «لبنان قرر عدم الدخول في النزاع القائم في سوريا»، مشيرا إلى أن حدود التدخل اللبناني في هذا الملف هو «قيامها بالواجب الإنساني تجاه السوريين النازحين». ويقول ميقاتي إن البعض انتقد الموقف اللبناني في البداية، لكنهم عادوا لتفهمه. ويضيف: «خلال لقاءاتي مع المسؤولين العرب والأجانب وآخرهم وزير الخارجية البريطاني وجدت لديهم تفهما للخصوصية اللبنانية». وشدد ميقاتي على استمرار الحكومة في هذا الموقف «لأنه يحمي استقرارنا». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ربما البعض يعتبر هذه السياسة تهربا من المسؤولية، ولكنها بنظرنا مسؤولية بحد ذاتها لأنها تحمي الداخل اللبناني، فنحن لا يمكن أن نؤثر في الأحداث في سوريا، ولكننا نتأثر حتما بما يحصل في سوريا، وبأي قرار نتخذه في هذا الإطار».
ومع أن تسوية محلية - إقليمية - دولية تقضي بالحفاظ على استقرار لبنان لا تزال قائمة، فإن المخاوف من انعكاسات الأزمة السورية لا تزال موجودة في لبنان والخارج. ويقول سياسي لبناني إن الجميع في البلاد يعيشون الآن على «التوقيت السوري» فإذا انتصر فريق على آخر في سوريا، لا بد من أن ينعكس فورا على الوضع اللبناني، ومن هنا قد نجد تفسيرا لدعوات 14 آذار لحزب الله للحوار تحت ضغط فقدان الشريان الذي يغذيه بالمال والسلاح من طهران.
فمن فوق منبر مجلس الأمن حذر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مايكل ويليامز، بعد اجتماع لمجلس الأمن الدولي بشأن تطبيق القرار 1701، من أن أزمة سوريا «تلقي بثقل كبير على لبنان وتهدد بحصول مواجهات طائفية فيه». فيما يقول الكاتب البريطاني نيكولاس بلانفورد إن «الانقسامات السياسية العميقة في لبنان وتبعية البلاد التقليدية لدمشق تجعلها غير قادرة على التأثير على سوريا، وبدلا من ذلك تجعلها عرضة بشكل خاص للشعور برد الفعل المعاكس لهذه الأزمة». ويشير بلانفورد في تقرير في معهد واشنطن الأميركي إلى أنه منذ أن بدأت الانتفاضة ضد الرئيس السوري بشار الأسد قبل عام مضى، عاش لبنان في خوف من انتشار العنف المتفاقم عبر الحدود. وتناول بلانفورد الأطراف اللبنانية المنقسمة، حيث إن هناك تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري الذي يناصر علانية الثوار السوريين من جهة وحزب الله الذي يستمر في دعم حليفه في دمشق من جهة أخرى. وتابع أن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي تبنى سياسة عدم التدخل في سوريا، مما وضع لبنان على طرفي نقيض مع إجماع الآراء في جامعة الدول العربية التي تضم 22 عضوا.
وقال بلانفورد إن مؤشرات انتقال العنف تتمثل في أن الانزعاج الواضح في بيروت في مواجهة الأزمة لا يكاد يكون مفاجئا بالنظر إلى تاريخ لبنان الطويل المتمثل بالعيش في كنف سوريا وظلها، ناهيك عن الصدع بين معسكري الموالين للأسد والمناهضين له. وأوضح أنه «مع سياساته المتعنتة وديموغرافياته الطائفية المعقدة، فإن لبنان هو الجار الأكثر عرضة لتأثيرات زعزعة الاستقرار الناشئة عن المواجهة في سوريا». وأشار التقرير إلى اندلاع مصادمات بين مسلحين من السنة والعلويين في مدينة طرابلس في شمال لبنان في 10 فبراير (شباط)، وقد أفضى ذلك إلى وقوع ثلاثة قتلى وجرح 20 آخرين.
وخلص التقرير إلى الإشارة إلى أن الوضع الأمني في لبنان سوف يعتمد بشكل كبير على التطورات التي ستنكشف في سوريا خلال الأشهر المقبلة، ويعود ذلك في المقام الأول إلى أن حزب الله وإيران يواجهان انشقاقا محتملا في «محور المقاومة» الذي يشملهما، وهو تحالف إقليمي من الدول والفاعلين المعارضين لإسرائيل والمصالح الغربية في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أنه يبدو أن حركة حماس الفلسطينية قد تخلت عن مضيفها القديم في دمشق.
ويقول الإعلامي غالب قنديل، المقرب من النظام في سوريا، إن استهداف سوريا ومحاولة نقلها إلى موقع سياسي جديد في المنطقة كما أفصحت عنه المعارضات السورية «يعني أن الحرب على سوريا هي في مداها الأبعد حرب على لبنان، وعلى المقاومة اللبنانية» محذرا من نجاح الحرب على سوريا وكسر خيارها المقاوم وانتقال السلطة في سوريا إلى قوى تعلن من الآن سحب يدها من قضية فلسطين ومن مبدأ دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية». ويقول: «الثقة بقدرات المقاومة اللبنانية المتعاظمة كبيرة من غير شك ولكن التحدي الذي سيواجه اللبنانيين في حال استمرت حلقة استنزاف سوريا لفترة طويلة سيكون كبيرا إذا ما قررت إسرائيل تصعيد تهديداتها وتحدياتها أو الانتقال إلى شن عدوان جديد».
ورأى قنديل أن «محاولة دفع سوريا في اتجاه الحرب الأهلية وشن حملة تحريض طائفية واسعة النطاق لتمزيق الشعب السوري لا يمكن أن تكون بعيدة عن مجال التفاعل في الواقع اللبناني المشحون بالعصبيات الطائفية والمذهبية» معتبرا أن «إغراق سوريا في الحرب الأهلية وفي ظل التشابك السكاني التاريخي بين البلدين، سيؤدي إلى تفعيل عناصر الانفجار الأهلي داخل لبنان خصوصا في مناطق الشمال والبقاع التي يقوم تيار المستقبل وحلفاؤه بمحاولات حثيثة لجعلها قواعد انطلاق سياسية وعسكرية لخطة استهداف سوريا».
وفي المقابل يحذر قنديل من أن اللعبة الخطيرة التي تورطت فيها قوى 14 آذار ووليد جنبلاط من خلال انخراطهم في الحرب على سوريا بمستوياتها السياسية والميدانية ستكون بعد الحسم داخل سوريا وتعافي الدولة الوطنية المقبلة على الإصلاحات الدستورية والسياسية عقدة كبيرة في وجه العلاقات اللبنانية السورية الطبيعية.
ومن ضفة المعارضة، تواجه سياسة النأي بالنفس انتقادات كبيرة، فيرى رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة أنّ «سياسة النأي بالنفس ليست وصفة سحرية تستعمل في كل المناسبات ولكل المعالجات»، وأشار السنيورة إلى أن ما يسمى بسياسة النأي بالنفس لها حدود وتابع: «الظن بأننا غير معنيين بما يجري في سوريا أمرٌ غير صحيح، لأننا لا نستطيع، ونحن أيضا مواطنون لبنانيون وعرب ولنا مع الشعب السوري صلات طويلة الأمد وأيضا ممعنة في القِدَم وضاربة في المستقبل، ولا نستطيع أن نقول إننا غير معنيين بما يجري في سوريا ومن استخدام آلة القتل بهذه الطريقة الوحشية التي تتنافى مع معايير احترام حقوق الإنسان».
أما نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري فقد قال: «سلّمنا على مضض بسياسة النأي بالنفس التي اتبعتها الحكومة إزاء ما يحصل في سوريا، رغم اختلافنا العميق جدا في النظرة إلى النظام السوري الذي يقتل شعبه وينكّل بالأبرياء. ولكن، إذا كانت الحكومة تريد اعتماد هذا الخيار، خيار دفن الرأس في الرمال، فعليها على الأقل أن تكون منسجمة مع نفسها، وعلى كل أعضائها الالتزام بهذه السياسة». وسأل: «كيف يقبل رئيس الحكومة أن يصبح وزير الخارجية اللبناني محامي دفاع عن النظام السوري؟ كيف يقبل رئيس الحكومة أن يفتح الوزير سياسة خارجية على حسابه، مورّطا لبنان في مواقف تخالف الإجماع العربي والدولي؟». ورأى أن «فضيحة الفضائح» هي «النأي بالنفس عن التصدي للتحركات الأمنية التي يقوم بها النظام السوري وأزلامه داخل لبنان». ولاحظ أن «معارضين سوريين يخطفون على أراضينا، وينقلون إلى السجون والمعتقلات في سوريا، ليلاقوا مصيرهم الأسود، وحكومتنا تتعامى وتتجاهل وتميّع التحقيقات».
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,619,847

عدد الزوار: 6,957,705

المتواجدون الآن: 57