مقديشو.. الوجه الآخر..أخطر مدينة على وجه الأرض تنفض رماد الحرب

تاريخ الإضافة الخميس 7 آذار 2013 - 5:00 ص    عدد الزيارات 771    التعليقات 0

        

مقديشو.. الوجه الآخر..أخطر مدينة على وجه الأرض تنفض رماد الحرب
مقديشو: علي حلني
تحقق سلام نسبي في مقديشو، وانحسرت موجات العنف والقتال القبلي إلى درجات قصوى، بعد أن تمكنت القوات الحكومية وقوات الاتحاد الأفريقي من السيطرة عليها بعد حرب دامية استمرت نحو 6 سنوات ضد متمردي «الشباب المجاهدين»، أدت إلى هجرة نصف سكانها على الأقل (يبلغ سكانها نحو مليونين) إلى المناطق المجاورة لها. وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى أخلى المهجرون المناطق التي نزحوا إليها وعادوا إلى مقديشو ومعهم عادت الحياة إلى المدينة المدمرة وتلك قصة تستحق رواية المشهد الآخر المغيب عمدا أو سهوا عن المشهد الإعلامي في الخارج.

كانت الحياة تتوقف في مقديشو بعد الساعة الخامسة مساء، الكل يلجأ إلى مخبأه أو منزله، ولا يكسر الصمت سوى طلقات الرصاص هنا وهناك.. أما الآن فإن الحركة تستمر حتى قبل منتصف الليل بقليل.

وقد تم فتح الشوارع التي أقفلت بسبب الحرب والتي لم تكن مطروقة منذ سنوات طويلة، وأعيد تأهيلها الآن، حيث تعج بالسيارات والمارة والمحلات التي تعرض بضائع من كل لون ومن كل أصقاع العالم. وتباهي محافظ مقديشو الحالي محمود أحمد نور، الذي يحمل الجنسية البريطانية ومن سكان العاصمة البريطانية لندن، بأن مقديشو ستصبح بعد فترة وجيزة مقصدا للسياح كما كانت قبل عشرين عاما.

شواطئ رملية مترامية لم يكن يجرؤ أحد على ارتيادها في الماضي أصبحت متاحة لجميع الأعمار، في انفتاح نسبي، لتجعل مقديشو كأنها العنقاء التي تولد فتية من رمادها المحترق، بعد عمر مديد.

كان محافظ مقديشو يتحدث في شاطئ ليدو الشهير بشرق العاصمة، حيث تمكن السكان لأول مرة من ارتياد هذا الشاطئ الذي كان مهجورا بسبب الحرب، وأصبح الآن يعج بالمطاعم والفنادق ووسائل الترفيه المختلفة، حيث تتوجه إليه العائلات في أيام العطل ويقضون فيه ساعات طوال، وتقدم هذه المطاعم مختلف أصناف الأطعمة المحلية والأجنبية، وانتشرت الاستراحات والشاليهات على سواحل كانت موحشة حتى وقت قريب، ويخيل إليك وأنت تمشي في هذا الشاطئ بأن سكان مقديشو اكتشفوا فجأة بأنهم على بعد أمتار من رمال الشاطئ، فالحرب منعت السكان من الاقتراب من مناطق الشواطئ التي تحولت إلى جبهات حرب، وبعدها إلى أوكار للعصابات المسلحة.

وليس المهجرون هم الذين عادوا إلى مقديشو فحسب، ولكن تدفق على المدينة المغتربون الصوماليون في الخارج، وبالذات العائدون من أوروبا والولايات المتحدة باحثين عن الفرص الجديدة في هذه المرحلة، بعضهم يبحث عن فرص تجارية ومكاسب مادية عن طريق توفير الخدمات التي لم تكن متوفرة من قبل، فيما يبحث البعض الآخر عن مناصب سياسية بعد أن تشكلت حكومة دائمة لأول مرة منذ عشرين عاما.

وتأثرت أحياء مقديشو إيجابا بعودة هذه الأعداد الغفيرة من سكانها، وأصبحت أسعار الأراضي والعقارات ترتفع بشكل جنوني. يقول أحد سمسارة العقارات يدعي عبد الرحيم أن أسعار العقارات ارتفعت بشكل كبير، وأشار إلى أن أرضا تبلغ مساحتها 570 مترا مربعا فقط وصل سعرها إلى مليون دولار، ورفض مالكها بيعها لأنه يريد سعرا أعلى، وعروض الشراء تنهال عليه يوميا، مع أن سعر هذه القطعة لم يكن يتجاوز 50 ألف دولار قبل فترة وجيزة.

وتقع هذه الأرض في شارع مكة الشهير الذي دبت فيه الحياة منذ فترة وجيزة أيضا. ولشارع مكة حكاية أخرى وهي أنه كان يقع في منطقة تماس أثناء الحرب الأهلية في منطقة مرتفعة نسبيا فلم يتمكن أي من الأطراف السيطرة عليها أثناء الحرب الأهلية، وبعد أن تمت إعادة فتحه تحول إلى مركز تجاري، ينافس سوق البكارو الشهيرة. وانتقلت إليه الشركات والمحلات وتحول إلى أغلى منطقة في مقديشو سواء في الشراء أو الإيجار.

وشارع مكة هو أول شارع عادت إليه الحياة الليلية في مقديشو، بعد أن نصبت فيه أعمدة الإنارة لأول مرة منذ عشرين عاما، حيث تبرعت الحكومة النرويجية مؤخرا لبلدية مقديشو بمشروع لإنارة الشوارع باستخدام الطاقة الشمسية. وتتلألأ أنوار الأعمدة في مشهد لم يعتده سكان مدينة مقديشو منذ فترة طويلة جراء الحرب التي دمرت الكثير من المنشآت والبنية التحتية، لتدب الحياة في هذا الشارع بعد أن كان السكان يلوذون ببيوتهم خوفا من طوارق الليل. وأعطت هذه الأنوار لأصحاب المحلات، ابتداء من المطاعم والبقالات والمتاجر الكبرى (المول)، وحتى لمحلات الحلاقة الفرصة لمزاولة أعمالهم حتى قبل منتصف الليل بقليل.

وفي ظل عدم وجود هيئة قومية للطاقة أو شبكة للكهرباء، كان السكان في مقديشو يلجئون إلى شركات خاصة لتزويد منازلهم بالكهرباء على نطاق محدود، ولا ترغب تلك الشركات في إنارة الشوارع العامة دون مقابل مادي من الحكومة، لذلك كانت الشوارع تغرق بالعتمة طوال الليل. وقد تم توسيع مشروع إنارة الشوارع باستخدام الطاقة الشمسية، ليشمل شارعا مهما آخر من شوارع مقديشو وهو «شارع القلب» الكائن بوسط مقديشو.

هنا بدأ السكان يخرجون إلى الشوارع خلال الليل بما يشبه الاحتفالية، وأغرى المشهد صبية الحي بالخروج إلى الشارع للعب كرة القدم، وتجرأ الكبار على زيارة الجيران أو الذهاب لأداء صلاة العشاء في المسجد القريب، وحتى حفلات الأعراس التي كانت تقام نهارا في السابق تقام الآن خلال الليل، وذلك علامة أخرى بأن مقديشو تغيرت كثيرا خلال فترة قصيرة.

وقد انعكست هذه التطورات الإيجابية على صورة مقديشو في الخارج، وتشجع الراغبون في زيارة مقديشو للقدوم إلى هنا بحثا عن الفرص. ويسجل الأتراك - بعد الصوماليين - حضورا لافتا في مقديشو في الأشهر الأخيرة، وبدأت شركة الخطوط الجوية التركية «تركش آيروايز» بتسيير رحلات منتظمة بين مقديشو وإسطنبول، (بمعدل ثلاث رحلات في الأسبوع) كأول شركة طيران دولية تهبط بمطار مقديشو الذي تمت إعادة تأهيله هو الآخر.

وقد أصبحت إسطنبول الجسر الذي يربط بين مقديشو والعالم الخارجي. واستحوذت «تركش آيروايز» على حركة نقل المسافرين من وإلى مقديشو، الأمر الذي جعل الوصول إلى العاصمة الصومالية سهلا أكثر من أي وقت مضي.

ويتحدث سكان لـ«الشرق الأوسط»، بأنهم باتوا يستقبلون أقاربهم وأصدقاءهم القادمين من عواصم عالمية في مواعيد محددة في المطار، عكس الماضي، كما يمكن أن تجد اعتذارا من شركة الخطوط، بسبب عدم وجود أماكن شاغرة على رحلاتها الخارجية.

والأتراك عموما هم حديث الناس هنا في مقديشو، تقابلهم في كل مكان، فمنذ زيارة أردوغان التاريخية لمقديشو في أغسطس (آب) عام 2011 دفعت تركيا عشرات من شركاتها التجارية ومنظماتها الإنسانية إلى الصومال ولدعم الحكومة الصومالية بطرق مختلفة. فالطريق بين المطار ووسط المدينة وصفه رئيس الوزراء التركي عندما سلكه بأنه أشبه «برحلة سفاري» ووعد بتحويله إلى طريق سريع، وهو ما يجري عمله حاليا.

وتعمل السفارة والقنصلية التركيتان على مدار اليوم لخدمة الأتراك الموجودين في مقديشو الذين يقدرون بالمئات، وكذلك الصوماليين الذين يرغبون في السفر إلى تركيا سواء لغرض التجارة أو الدراسة أو العلاج. وجعل نجاح شركة الخطوط الجوية التركية في مقديشو شركات طيرن أخري منافسة مثل «مصر للطيران» تفكر في تسيير رحلات منتظمة إلى مقديشو لربط مقديشو بالعالم الخارجي.

وتنفذ الشركات التركية في مقديشو مشاريع متنوعة من بينها تشييد الطرق، وتأهيل شبكة الصرف الصحي، وبناء المستشفيات والمدارس والجامعات أيضا، كما أعادت الشركات التركية تأهيل المطار وتجهيزه لاستقبال الطائرات الكبيرة وإعادة تشغيل هيئة الطيران المدني، وإعادة شركة الخطوط الجوية الصومالية في استثمار مشترك بين رأسمال تركي وصومالي أيضا. وساهمت هذه المشاريع التركية في تغيير وجه مقديشو النمطي الذي كان يطاردها خلال العقدين الماضيين، وجه الدمار والحرب والاقتتال القبلي. وتعهد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أثناء زيارته الأخيرة لمقديشو ببناء مبنى للبرلمان الصومالي مكان مجلس الشعب الحالي المدمر وقال في خطاب ألقاه في البرلمان الصومالي: «إن تركيا ستقوم بإعادة بناء مقر البرلمان الصومالي، كجزء من المشاريع التركية التي تنفذها لتطوير المؤسسات الحكومية في الصومال»، وأنه سيلتقي بنواب البرلمان الصومالي المرة القادمة في المبنى الجديد الذي ستبنيه شركة إنشاءات تركية.

من الناحية الاقتصادية يتصدر ميناء مقديشو المشهد، حيث يستقبل السفن القادمة من أصقاع الدنيا بعد أن تم تعميق غاطس الميناء ليستقبل السفن العملاقة، وأنشئ فيه قسم جديد للحاويات لأول مرة منذ عشرين عاما، كما بدأ تصدير المواشي الحية عبر هذا الميناء حيث غادرت أول شحنة من المواشي إلى سلطنة عمان الأسبوع الماضي.

وفيما تستعد شركات أخرى لبدء تصدير فاكهة الموز التي تشتهر بها الصومال، تدرس عدة شركات تركية وصومالية تشييد فنادق خمس نجوم في مقديشو، ويتردد في الأوساط التجارية في مقديشو اسم «منتجع البسفور» الذي قيل إن شركة إنشاءات تركية تعتزم إقامته في مقديشو، واختارت له منطقة فسيحة مطلة على البحر.

وفي قطاع الفن تم تجهيز المسرح الوطني الذي يسع لـ2000 متفرج ليصبح مرة أخرى رائدا في مجال الغناء والموسيقى والمسرح وتقام حاليا مسابقة كبيرة لنجوم الغناء الجدد، تقدم لها مئات الشباب. وتتولى هذا البرنامج لجنة من كبار الفنانين القدامى لتشجيع الجيل الجديد على تقديم الفن الراقي الذي اشتهرت به مقديشو في السبعينات والثمانينات. كما عادت الأنشطة الرياضية بقوة وتقام منافسات الدوري المحلي للأندية ودوري المحافظات الذي يتميز هذا العام بإقامته في استاد مقديشو الرياضي الذي فرشته منظمة الفيفا بالعشب الأخضر هدية لعشاق كرة القدم في المدينة. في مقديشو تقود المرأة السيارة، وهذا مظهر آخر من مظاهر التغير في المدينة، حيث كانت الأسباب الأمنية تمنع المرأة المقدشية من قيادة المركبات، والأجيال الجديدة لم تتعود رؤية المرأة وهي تمسك بمقود السيارة، لكن ذلك كان مألوفا قبل عقدين. ودور المرأة في المشهد السياسي والاجتماعي في مقديشو لافت للنظر أيضا، ففي الحكومة الجديدة تشغل سيدة منصب وزير الخارجية، إلى جانب نيابة رئيس الوزراء وكذلك وزيرة الخدمة الاجتماعية التي تأتي تحتها وزارات الصحة والتعليم والشباب والعمل والرياضة أيضا. وفي أي منطقة توجهت إليها في مقديشو تقابلك المعاهد والجامعات الأهلية الجديدة التي تجاوز عددها الثلاثين حاليا، فيما يعرف محليا بـ«حمى الجامعات» ويتخرج من هذه الجامعات آلاف الطلبة والطالبات كل عام، وبعضها يتيح فرصة دراسة مرحلة الماجستير أيضا.

كل هذا حدث في أشهر قليلة، والناس هنا متفائلون إلى أبعد الحدود، وإن كانوا يحملون جراحات الماضي وسنوات طويلة من الفوضى واللادولة وفقدان أبسط مظاهر النظام، صوت الرصاص والمدافع يكاد يختفي كلية، وحل محلة صوت المطارق، وهدير البلدوزارات التي تتحرك هنا وهناك لتسوية الأرض ورفع الأنقاض. جولة قصيرة في أسواق مقديشو تجعلك وجها لوجه مع بضائع من كل لون من أحدث المنتجات التكنولوجية، المصنعة في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، إلى البضائع المقلدة الرخيصة الثمن، والميناء الدولي في مقديشو يعمل 24 ساعة والبواخر القادمة من الصين والهند وجنوب شرق آسيا تنتظر إفراغ حمولتها، فهذا الميناء يخدم مناطق واسعة في دول القرن الأفريقي. تكنولوجيا الاتصالات والإنترنت هي الأكثر انتشارا في العاصمة الصومالية، وهي رخيصة بالمقارنة مع دول المنطقة، ويستخدم الشباب هواتف الجيل الثالث المربوطة بشبكة الإنترنت، وانتهى زمن كان الجوال خطرا على حياة حامله فيخفيه عن الناس حتى لا يجلب أنظار المسلحين الذين كانوا لا يترددون عن إطلاق النار على حامليه إذا لم يسلموه طواعية. ومن الأشياء التي تفتقدها مقديشو، النوادي الأدبية، والمكتبات العامة، والمتاحف أيضا، فالثقافة ومصادرها متاحة لشريحة قليلة من الناس. منذ وقت قريب كان الزوار الأجانب والدبلوماسيون بوجه خاص لا يمكثون في مقديشو إلا بضع ساعات من النهار، وبعد لقاءاتهم مع المسؤولين الرسميين يعودون بالطائرة إلى نيروبي، لكن الوضع اختلف الآن، فهناك عدد كبير من البعثات الدبلوماسية الأجنبية التي تقيم في العاصمة فإلى جانب سفراء الدول المجاورة (إثيوبيا وكينيا وجيبوتي واليمن والسودان) هناك بعثة الأمم المتحدة وبعثة الجامعة العربية، والاتحاد الأفريقي، وسفراء 7 دول أوروبية هي بريطانيا وإيطاليا وألمانيا، وفرنسا، وإسبانيا، وفنلندا، وبلجيكا، والخمسة الأخيرون قدوما أوراق اعتمادهم دفعة واحدة إلى الرئيس الصومالي الأسبوع الماضي. أما سفير المملكة المتحدة فهو معتمد في مقديشو منذ العام الماضي.

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 157,328,550

عدد الزوار: 7,063,914

المتواجدون الآن: 71