بجث متعدد عن الحركات الإسلامية

تاريخ الإضافة الجمعة 8 آذار 2013 - 6:03 ص    عدد الزيارات 897    التعليقات 0

        

 

بدايات «الجهادية السلفية» اللبنانية - د. سعود المولى - الجمهورية
الأربعاء, 06 اذار 2013
من المفارقات الخاصة بالجهادية السلفية اللبنانية أنها نشأت في حضن تجربتين غير سلفيتين: الثورة الوطنية الفلسطينية التحررية من جهة والثورة الإيرانية الاسلامية الشيعية من جهة ثانية... فقد نشأت الحركة الجهادية السلفية فعلياً على هامش حركة فتح وصراعها الدموي الطويل مع البعث السوري في لبنان، ولم يكن لها علاقة بالحركة السلفية الرسمية الطرابلسية المنشأ...
لا يمكن فهم تطور الحركة الجهادية السلفية من دون العودة إلى قراءة تجربة "حركة التوحيد الإسلامي" في طرابلس من جهة، وتجربة "الحركة الاسلامية المجاهدة" في عين الحلوة ونهر البارد من جهة أخرى، وهما تنظيمان كانت ترعاهما حركة فتح في لبنان حتى العام 1991...
والنواة المؤسسة لِما صار لاحقاً تنظيمات "السلفية الجهادية" في لبنان هي أقلية حركية نشطة انزاحت من الجهادية الوطنية صوب الجهادية السلفية أولاً، بدءاً من ارتباطها التأسيسي بحركة فتح وبالصراع في سوريا، إلى ارتباطها بالثورة الخمينية وبـ"حزب الله"، وصولاً إلى التأسيس المستقِلّ لحركتها كسلفية جهادية مرتبطة بالقاعدة، وذلك على قاعدة حدثين تاريخيين بالنسبة لها: عودة الأفغان العرب بدءاً من عام 1991، ثم الجهاد في العراق بدءاً من عام 2003... وهي انتعشَت وتطورت بين هذين التاريخين بفِعل رافد خارجي مؤثر قدّمته المغتربات الأوروبية والأميركية...
فمنذ الحرب الأهلية اللبنانية 1975-1976 نشأت مجموعات إسلامية جهادية مسلحة في مخيمي عين الحلوة ونهر البارد... والرأس الفقهي والسياسي لتلك المجموعات كان الشيخ ابراهيم غنيم، وهو من قرية صفورية الفلسطينية قرب الناصرة، هرب الى لبنان بعد نكبة 1948 وأقام في حي المسلخ الشهير شرقي بيروت (دمّر خلال الحرب الأهلية)، وانضمّ مطلع الخمسينيات الى زاوية صوفية تنتمي الى النقشبندية الخالدية (ومؤسّسها السوري الشيخ محمد أحمد جنيد)، وهي من الفرَق التي لا تعترف بالبدع والشطحات الصوفية وتدعو الى التمسّك بالكتاب والسنة وسيرة الرسول والسلف الصالح... ومن هنا سهولة الانتقال اللاحق الى الفكر الحركي للإخوان المسلمين، ثم الى نوع من السلفية المتحركة... انتقل الشيخ غنيم من المسلخ إلى إحدى قرى عكار بتكليف من الطريقة، وداهمته ثورة 1958 حيث ازدادت اتصالاته بجماعة عباد الرحمن في طرابلس، ومن خلالها بمشايخ ما صار يُعرف بالجماعة الاسلامية في لبنان لاحقاً... وقد انتقل الى مخيم عين الحلوة عام 1963، حيث صار يلقي دروسه في مسجد النور... ولا يكاد يوجد عالم في صيدا وجوارها لم يدرس على الشيخ ابراهيم... ومن تلاميذه في عين الحلوة برز الشيخ عبدالله الحلاق والشيخ جمال الخطاب والشيخ محرم العارفي، وثلاثتهم كانوا قريبين من الجماعة الإسلامية إلّا أنهم تميّزوا بفكر راديكالي ثوري فاقتربوا أكثر من الشيخ سعيد شعبان في طرابلس... كما كانوا على صِلة وثيقة بإسلاميي حركة فتح المشهورين بدعمهم للاخوان المسلمين في سوريا... وقد قاتلت الجماعات الاسلامية الجديدة ضد الغزو السوري الأول للبنان العام 1976، وبعد مجزرة مخيم تل الزعتر صار العديد من كوادرها ومن كوادر فتح المتهمين بدعمها وتسليحها مطاردين من النظام السوري، فلجأوا الى مخيمات الجنوب، وأبرزها عين الحلوة... وحين اندلعت الثورة الايرانية نَشطت هذه المجموعات من خلال التحالف المُعلن بين الثورتين الفلسطينية والايرانية... وحين حصل الغزو الإسرائيلي الكبير في 6 حزيران 1982 كان عدد من المشايخ من صيدا وعين الحلوة، وعلى رأسهم الشيخ ابراهيم غنيم، في طهران يشاركون في "مؤتمر المستضعفين"... وحين عودته من إيران استقرّ الشيخ غنيم في مخيم نهر البارد، إلّا أن السلطات السورية اعتقلته وأمضى عدة اشهر في سجن المزة، وخرج بوساطة إيرانية... وصار بعد خروجه يعمل تحت سقف تجمّع العلماء المسلمين، المَحميّ والمموّل من إيران... ويبدو أن اندلاع الحرب العراقية-الايرانية عام 1980، ثم تَبَلور القطيعة الفلسطينية الايرانية بسبب هذه الحرب 1981-1982، ساهم في دفع الإسلاميين الفلسطينيين أكثر إلى التعاون مع إيران في لبنان... وهكذا نشأ تجمّع العلماء المسلمين في صيدا 1981، وكان من رموزه من مشايخ السنّة: محرم العارفي وماهر حمود وعبدالله حلاق وأحمد الزين... كما نشأت حركة التوحيد في طرابلس 1982 من اندماج عدة حركات كانت جميعها ترتبط بحركة فتح...
وفي العام 1983 انفجرت الحرب الخفيّة بين سوريا وحركة فتح، بدءاً من البقاع ووصولاً إلى مخيمات الشمال، وأدّت إلى تدمير البارد والبداوي وخروج عرفات من طرابلس في 20 كانون الأول 1983 على ظهر سفينة يونانية وبحماية بوارج سفن فرنسية... واستمرت الحرب السورية ضد حركة التوحيد في طرابلس 1983-1985، وانتهت بهزيمة الحركة، لتبدأ بعدها الحرب ضد المخيمات في بيروت والجنوب 1985-1988.
وفي العام 1984 أعلن الشيخ غنيم مع الشيخ عبدالله الحلاق والشيخ جمال الخطاب عن "الحركة الاسلامية المجاهدة"، التي كانت موجودة أصلاً منذ العام 1975... وأسّسوا في مخيم نهر البارد مسجد القدس بتمويل إيراني... والمعروف أنّ "الحركة الإسلامية المجاهدة" قاتلت في عين الحلوة متصدية للغزو الاسرائيلي الكبير صيف 1982، خصوصاً بعد خروج التنظيمات الفلسطينية منه، ما أعطى المجاهدين الاسلاميين صدقية واحتراماً في أوساط شباب المخيمات...
وقد كان تدمير مخيّم عين الحلوة بالكامل على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد إخراج أهله منه، مناسبة لتميّز الإسلاميين لاحقاً في عملية إعادة البناء وفي القدوم والتمركز في المخيم البعيد عن شبكات النظام السوري، والذي كان قد دخل في مواجهة دموية عنيفة مع الإسلاميين السوريين منذ العام 1975، ما لبثت أن توسّعت واحتدمت مطلع الثمانينيات...
 
أنصار الله
سعود المولى
بدءاً من العام 1984 عاد الشيخ غنيم الى عين الحلوة حيث جرى الاعلان عن الحركة المجاهدة، التي لم تكن المنظمة الاسلامية الجهادية الوحيدة…
فمن بين تلامذة الشيخ غنيم في عين الحلوة كان الشيخ هشام عبدالله شريدة أحد كوادر الجماعة الاسلامية في صيدا الذي قاتل في المخيم وأسرته القوات الاسرائيلية وبقي في معتقل أنصار حوالي السنة والنصف قبل أن يخرج بعملية التبادل الشهيرة في 23 نوفمبر 1983.. ومع الإعلان عن الحركة الاسلامية المجاهدة في عين الحلوة وجد شريدة نفسه خارج الأطر الاسلامية المنظمة (الجماعة والتوحيد والحركة المجاهدة) فبدأ يجمع الشباب حوله ويؤسس أيضاً في العام 1985 جماعة “أنصار الله” (التي صار إسمها لاحقاً “عصبة الأنصار”)…ويمكن هنا أن نذكر التاثير المهم الذي لعبته مجلة الطليعة الاسلامية” (1983-1986) التي صدرت في لندن عن حركة الجهاد الاسلامي الفلسطينية وكانت تُطبع ثانية في لبنان وفلسطين ويعاد توزيعها ناقلة أفكار سيد قطب وعبد الله عزام إلى مجتمع المخيمات المتوتر والمتفجر بعد نكبة الاحتلال الكبير والتدمير صيف 1982…وتلاها في الأهمية مجلة الوحدة الاسلامية التي اصدرها تجمع العلماء المسلمين بدعم وتمويل من الحرس الثوري الايراني (خصوصاً سنوات التأسيس1985-1988).. وقد تأثر الكثيرون من أبناء فتح بالتيار الاسلامي الخميني وبالتيار الجهادي الفلسطيني المتشكل على ضفاف التيار المصري أصلاً… ويبدو أن هشام شريدة عقد تحالفاً مع جمال سليمان (قائد كتيبة شهداء عين الحلوة التابعة لحركة فتح والمطرود من الحركة في مطلع كانون الثاني 1990 لاتهامه بالتنسيق مع المنشقين والقيادة العامة التابعة لجبريل أي لسوريا)، وهو كان زميله في المعتقل وتعاونا مع جماعة أحمد جبريل وفتح الانتفاضة وفتح أبو نضال ، ما أشار إلى ابتعاد عن مظلة فتح الفلسطينية لا بل والعداء لها، وبدعم مالي وعسكري كبير من حزب الله (ما يزال مستمراً إلى الشهر الأخير من عام 2012 بالنسبة إلى أنصار الله التي استمرت كتنظيم بقيادة الفتحاوي السابق جمال سليمان بعد مقتل شريدة في ديسمبر 1991)… وقد قاتل شريدة وسليمان ضد حركة أمل في منطقة مغدوشة عام 1986… ووقفا لاحقاً إلى جانب حزب الله حين اندلع القتال بين الحزب وحركة فتح في إقليم التفاح بدءاً من كانون الثاني/يناير 1990 على هامش القتال المشتعل بين الحزب وحركة أمل في المنطقة منذ العام 1988… ويتبنى تنظيم أنصار الله طروحات حزب الله السياسية، حيث يشكل امتداداً له في الوسط الفلسطيني. ويعتبر عديدون أن أنصار الله حالياً هو حزب الله الفلسطيني. ثمة مظاهر كثيرة لذلك، من بينها إحياء يوم القدس الذي أعلنه الإمام الخميني، حيث يُنظَّم عرضاً عسكرياً يجوب شوارع المخيم، وتُرفع خلاله شعارات وصور قادة الثورة في إيران، وأمين عام حزب الله… ومنذ العام 2003 أبدى تنظيم أنصار الله تعاطفه مع “المقاومة العراقية”، وقد نعى أواخر العام 2003 كُلاً من حسن سليمان ومحمد زيدان، وهما من عناصر التنظيم، والأول هو نجل جمال سليمان، زعيم التنظيم. وفي العام 2004 اتُهم التنظيم بأنه نصب صواريخ لقصف تلفزيون المستقبل، وذلك بناءً على بيان صدر باسم التنظيم برغم نفيه اللاحق.. ولا يخفي التنظيم ارتباطه الأمني والسياسي بحزب الله بل يفاخر به “وعلى رأس السطح” ، وبأن العلاقة تعود إلى العام 1990 ، بحسب حديث المسؤول العسكري في التنظيم ماهر عويد لصحيفة النهار في28 /10/2007..
في آخر العام 1987 اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى ونشأت حركة حماس (9 ديسمبر) وفي شباط 1988 جرى في قبرص إغتيال ثلاثة قادة ممن كانوا يعملون على التنسيق بين حركة فتح والاسلاميين الجهاديين الفلسطينيين (هم مروان كيالي وباسم التميمي ومحمد ابحيص) وفي نيسان من نفس العام جرى اغتيال خليل الوزير ابو جهاد في تونس… وهكذا فقدت الطليعة الفلسطينية الوطنية آخر محاولة للربط الخلاق بين الوطنية الفتحاوية والاسلامية الجهادية الناشئة… ولعل هذا ما يفسر سرعة ارتماء التيار الجهادي الفلسطيني في عين الحلوة في أحضان حزب الله والحرس الثوري الايراني وبالتالي في شبكة سورية خفية… وبين العامين 1988 و1991 دخل لبنان في حروب داخلية كثيرة ودخلت المخيمات في مرحلة غليان متوتر وصراعات داخلية ناجمة عن مخلفات حرب المخيمات وهي أخذت طابعاً قروياً وعائلياً في التجمعات الفقيرة والمعدمة… وقد سيطرت سوريا على مخيمات الشمال والبقاع ولكنها لم تستطع السيطرة على مخيمات الجنوب ما سمح لحركة فتح ببعض الحرية هناك..وحين تصاعد القتال بين حركة أمل وحزب الله انضمت فتح إلى جانب أمل وخاضت معارك كبيرة ضد الحزب في محيط مخيم عين الحلوة (إقليم التفاح) وذلك من كانون الثاني/يناير وحتى تموز/يوليو 1990.. وفي شهر آب انتقل القتال إلى داخل المخيم ونجم عنه عشرات القتلى والجرحى وانتهى بطرد هشام شريدة وجمال سليمان من المخيم…وهما عادا مع انتصار الجيش اللبناني لاحقاً على المخيم…وبدأا من جديد حملة التعبئة ضد عرفات وفتح الأمر الذي أعاد ادخال المخيم في دوامة التوتر والعنف المستمرين الى اليوم…وفي ديسمبر 1990 جمعت طهران الحركات الفلسطينية المعارضة لفتح في مؤتمر انعقد لعدة أيام وخرج بقرارات انعكست مباشرة في مخيم عين الحلوة .. وحين قتل هشام شريدة (15/12/1991) قاد مظاهرة تشييعه كل من ماهر حمود (القريب من حركة التوحيد)وعبد الله حلاق (الحركة المجاهدة) ومحرم العارفي (الجماعة الاسلامية ) وسيد بركة (ممثل حركة الجهاد الاسلامي الفلسطيني في المخيم).
 
 
أهمّ المدارس السلفية
د . سعود المولى
المصدر: الجمهورية
السلفيّون في لبنان ليسوا طيفاً واحداً، بل أغلبهم يتراوح بين الخيري والدعوي والجهادي
لعلّ أبرز السمات التي يمكن رصدها في السلفية اللبنانية هي نزوع مشايخها إلى الاستقلال بمدارس وجماعات وهيئات؛ فالسلفيّون في لبنان ليسوا طيفاً واحداً، بل غالبهم يتراوح بين الخيري والدعوي، فضلاً عن التيار الجهادي؛ وذلك نظراً لاختلاف المدارس التي تلقّوا عنها ووسائلهم في الدعوة والعمل؛ إذ لا يجمعهم إطار تنظيميّ واحد ولا منهج واحد يأخذون عنه.
وقد ظهر في طرابلس جيل سلفيّ جديد تزعّمه الشاب صفوان الزعبي (35 عاما) الذي بذل جهوداً كبيرة لحمل السلفيين على العمل الاجتماعي في لبنان، حتى أصبح يحظى باحترام وقبول ويمثّل مدرسة مستقلة... وقد ظهر دور صفوان الزعبي قوياً في ظل الخلاف الشخصي بين الشيخ داعي الإسلام الشهال وزوج شقيقته وابن عمّه حسن الشهال، وبالأخص عندما وقّع الأخير منفرداً على اتفاقية حوار مع حزب الله استثارت ردود فعل سلفية وإسلامية سنّية غاضبة ومندّدة.
والدكتور حسن الشهال هو رئيس "جمعية دعوة العدل والإحسان"، وتربطه علاقات بجمعيات وهيئات كويتية يتردّد أنها تدعمه ماليّاً. وقد حاول تأسيس إطار جديد لقيادة الحركة السلفية في العام 2004، حيث شكّل ما سُمّي بـ"المكتب السياسي الإسلامي" الذي ضمّ مجموعاتٍ ورموزاً سلفية، وتولّى رئاسته؛ وكان الهدف من هذا التأسيس "متابعة الأحوال السياسية التي يمر بها لبنان"، وكانت -تقريباً- المرّة الأولى التي يعبّر فيها السلفيون عن اهتمامهم بالشأن السياسي.
وهذا التباين دعا العديد من الباحثين الى تقسيم السلفية الطرابلسية الى مدرستين: المدرسة السعودية: وهي التي استقى منها آل الشهال دعوتهم؛ والمدرسة الكويتية: وهي التي يمثلها (آل الزعبي) بقيادة الشيخ صفوان الزعبي أحد أبرز شخصيات "تجمّع المعاهد والمؤسسات السلفية"، ورئيس مجلس أمناء جمعية "وقف التراث الإسلامي"، التي تُعدّ امتداداً لجمعية إحياء التراث الإسلامي التي يرأسها طارق العيسى، والشيخ نديم حجازي الذي تموّله وترعاه السلفية الكويتية.
أمّا بالنسبة للسعودية فيتمّ التمويل من قِبل (وزارة الأوقاف السعودية) أو عبر مؤسّسات وجمعيات سعودية وأبرزها (مؤسسة الحرمين). وأبرز الجمعيات القطرية الداعمة للتيار السلفي (مؤسسة الشيخ عيد آل ثاني الخيرية). ويبدو أنّ مؤسسات وشخصيات رسمية في إمارة الشارقة تموّل بعض الجمعيات اللبنانية أيضاً.
وفي منطقة البقاع تُعتبر بلدة مجدل عنجر (ثمّ القرعون)، المركز الرئيسي والأوّل للحركة السلفية، والثانية على مستوى لبنان، بعد مدينة طرابلس في الشمال.
ويشير السلفيّون إلى أنّ الشيخ زهير الشاويش، لعب دوراً بارزاً وكبيراً في نشر فكر الحركة، من خلال المطبوعات التي نشرها المكتب الإسلامي الذي يملكه. أمّا ظهورها في منطقة البقاع الغربي، فبدأ مع عودة عدد من الخرّيجين البقاعيين من الجامعة الإسلامية في المدينة المنوّرة عام 1986 وأبرزهم الشيخ الدكتور عدنان محمد إمامة والشيخ حسن عبد الرحمن.
لم يشارك سلفيّو البقاع الغربي في الحياة السياسية اللبنانية، فكان اهتمامهم منصبّاً على الدعوة والتعليم. فانشأوا المدارس وبنوا المساجد وعملوا على إلقاء المحاضرات والدروس وتوزيع الكتيبات والأشرطة التي تبصّر الناس بأمور دينهم.
ونشرُ الفكر السلفي الدعوي كان يهدف في تلك الفترة الى إنكار بعض العادات الدينية في قرى البقاعين الأوسط والغربي، والتي كان يقوم بها أتباع عبد الله الحبشي مؤسّس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (المعروفون باسم "الأحباش").
وقد حصل انشقاق كبير في الحركة البقاعية في العام 2003 على خلفية جواز تكفير أفراد المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية، فاحتفظ الشيخان إمامة وعبد الرحمن بالفكر السلفي الدعوي، فيما برز الفكر السلفي الجهادي الذي تزعّمه محمد ياسين الملقّب بـ"أبي حذيفة" وارتبط بالقتال داخل العراق، مع علاقة وثيقة بتنظيم "القاعدة". وبعد الانشقاق، انطلق "سلفيّو الجهاد" الى إعداد العدّة للقتال في العراق في ظلّ تسهيلات واضحة من النظام السوري يومذاك.
وقد ظهرت السلفية في صيدا أواخر الثمانينيات، وذلك من خلال عدد قليل من الأفراد. ولكن ما لبثوا أن توسّعوا مع بداية التسعينيات من خلال أعمال خيرية ودعوية كان يقوم بها بعض من ينتمون إلى السلفية ممّن أتوا من بيروت والشمال كعبد الهادي وهبي وداعي الإسلام الشهال.
ومن مظاهر انتشار هذا الفكر في صيدا وجود بعض الجمعيات ذات التوجّه السلفي، ومنها:
• جمعية الاستجابة، وهي جمعية مرخّصة ويشرف عليها الشيخ نديم حجازي ومنهجُها سلفيّ علمي. وتهتمّ بنشر الفكر السلفي المجرّد من دون حمل السلاح، ويتبع الجمعية مسجد في حيّ الزهور ومصلّى في طلعة الاسكندراني، إضافة إلى القيام بأعمال الدفاع المدني عبر سيارات إسعاف تابعة للجمعية.
• مدرسة الصحابي عبدالله بن مسعود في حيّ الصباغ، وهي مؤسسة علمية سلفية مستقلة وتقوم بدور معهد شرعي خاص يدرّس الفكر السلفي والعلوم الدينية بشكل مستقل، ويديره الشيخ أبو زكريا هدوي. وهو مقرّب من مدرسة نديم حجازي.
أمّا في العرقوب فقد وصلت أولى ظواهر السلفية الى بلدة شبعا عبر أحد أبنائها وهو الشيخ قاسم عبدالله والذي كان مهاجراً في المملكة العربية السعودية، كان خلالها يتردّد الى بلدته لتقديم المساعدات للمحتاجين، داعياً إلى التمسّك بأسُس الإسلام لتتشكّل معه نواة الحركة السلفية في المنطقة... وليس للحركة أيّة نشاطات عسكرية ويقتصر دورها على تنوير المسلمين بأمور الدين بالإضافة إلى تقديم المساعدات للمحتاجين والمرضى.
 
سعود المولى دكتور في الجامعة اللبنانية فرع العلوم الاجتماعية
* باحث في الحركات الإسلامية اللبنانية
نشر البحث في جريدة المستقبل اللبنانية ومركز الجزيرة
تأسست الحركة السلفية المنظمة في لبنان عام 1946 على يد الشيخ سالم الشهال (ت 2000)
الذي “بدأ سلفيته على نحو عصامي وليس من خلال جامعة أو مؤسسة. (الجزيرة)
غالب الظن أن نشأة “التيار السلفي” في لبنان ترجع إلى دعوة الشيخ سالم الشهال في طرابلس عام 1946(1) والحقيقة أن هذا التاريخ يشكّل بداية الانتظام الإسلامي السني في لبنان في حركات دعوية سلفية أو سياسية إسلامية، ولكنه لا يختزل تاريخ السلفية الفعلي في لبنان؛ فقد حظيت الفكرة السلفية بانتشار كبير في بلاد الشام مطلع القرن العشرين من خلال مجلتي المنار (محمد رشيد رضا)، والفتح (محب الدين الخطيب)، ومن خلال مشايخ سوريا الكبار، وأبرزهم: العلامة جمال الدين القاسمي (ت 1914) والشيخ طاهر الجزائري (ت 1920) وعبد القادر بدران (ت 1928) والشيخ محمد سعيد الباني (ت 1933)، وتلامذتهم، ومنهم الشيخ محب الدين الخطيب (ت 1970)، وآل البيطار، وآخرهم الشيخ محمد بهجة البيطار (ت 1976)؛ ومن بعدهم الشيخ محمد أحمد دهمان (ت 1988 )، مؤسس المطبعة السلفية بدمشق، والشيخ علي الطنطاوي (ت 1990)، والشيخ زهير الشاويش (المقيم في لبنان)، والشيخ مصطفى السباعي(2)
النشأة المتأخرة والملتبسة
كانت مدينة طرابلس في الشمال أول من استحضر الفكر السلفي إلى لبنان، ومنها انطلق إلى باقي مناطق هذا القُطر، فهي بحق معقل السلفية الأول في البلاد، ويوجد بها ما يقارب عشرين جمعية سلفية”(3). فلماذا كانت طرابلس بالذات هي مهد نشوء الحركة السلفية ومعقلها، كما كانت أيضًا مهد نشوء الجماعة الإسلامية وحزب التحرير وحركة التوحيد وغيرها من الحركات الإسلامية السياسية؟
تعود خصوصية طرابلس إلى أسباب تاريخية-سوسيولوجية؛ فبورجوازية طرابلس المرتبطة اقتصاديًا وتجاريًا بالداخل السوري لم تقبل أبدًا بفصل لبنان عن سوريا، وبقي ذلك الموقف ظاهرًا وخفيًا في أساس الكثير من الأمور، مثل وجود نقابات مهن حرة في طرابلس مستقلة ومنفصلة عن بقية نقابات لبنان الموحدة في نقابة واحدة مركزها بيروت. وكانت طرابلس مركزًا للحركات المطالبة بالوحدة مع سوريا في العشرينيات والثلاثينيات، واستمرت على هذا الموقف حين رأت البورجوازية البيروتية ضرورة الاستقلال اللبناني بعد عام 1936. ولم تقبل طرابلس فعليًا بالاستقلال اللبناني بل احتضنت كل الحركات القومية العربية وخصوصًا الناصرية.
وإلى موقف الارتباط بالداخل السوري وبالمحيط العربي، حافظت طرابلس على وضعها كمدينة إسلامية تقليدية، قاعدتها الاجتماعية الأساسية تتشكّل من صغار الحرفيين، وذلك بفعل التهميش الاقتصادي والاجتماعي الذي تعرضت له. كما أنها حافظت لنفس السبب على الوجود القوي والمتميز للصوفية التي تنتشر بين عائلاتها الرئيسة، الأمر الذي يفسر أيضًا سبب تأخر تشكل ثم انتشار التيار السلفي فيها.
الحركة السلفية في طرابلس: البدايات
تأسست الحركة السلفية المنظمة في لبنان عام 1946 على يد الشيخ سالم الشهال (ت 2000)، الذي “بدأ سلفيته على نحو عصامي وليس من خلال جامعة أو مؤسسة”، وإنما تعرّف على الدعوة السلفية “من خلال مجلة المنار، التي كان يصدرها محمد رشيد رضا، ثم من خلال كتب قرأها للشيخ ناصر الدين الألباني وابن عثيمين وابن باز”، “إلى جانب رحلاته المتعددة إلى المملكة العربية السعودية”. وقد استقى علي عبد العال، الذي وضع دراسة مهمة حول تاريخ التيار السلفي في لبنان، معلوماته من الشيخ الشهال نفسه، الذي يعتبره الجميع رأس الحركة السلفية المنظمة. وهذه الحركة المنظمة كانت ككل حركات السلفية في البلاد العربية معنية فقط بالجوانب الدعوية والتعليمية والأعمال، بعيدة تقريبًا عن أي شكل من أشكال الصراع الداخلي أو العمل السياسي المباشر(4)
يقول الشيخ سالم الشهال إنه أرسل أبناءه الثلاثة: داعي الإسلام، وراضي، وأبا بكر، لتعلم العلم الشرعي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، فتخرجوا فيها متأثرين بقوة بالمنهج السلفي في الجامعات السعودية في تلك الفترة. ومع تقدم الشهال الأب في السن وانصرافه إلى العمل الدعوي، آلت زعامة الحركة السلفية إلى نجله داعي الإسلام، الذي مثّل المرحلة الثانية من العمل السلفي، فجمع بين العمل الدعوي والسياسي، وأسس في سبعينيات القرن الماضي “نواة الجيش الإسلامي”(5). ولعل تأسيس الجيش يعود إلى اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 وانتشار السلاح ودعم المنظمات الفلسطينية للعديد من التشكيلات العسكرية في طرابلس، ثم الحرب الخفية تارة والمعلنة مرارًا ما بين سُنّة طرابلس ونصيريي جبل محسن المدعومين من الجيش السوري. مارس الجيش الإسلامي العمل العسكري في طرابلس خلال الحرب الأهلية، وخصوصًا بعد سيطرة حركة التوحيد الإسلامي على طرابلس أعوام 1982-1985. وقد كان الشيخ سعيد شعبان، مؤسس حركة التوحيد، واحدًا من المجموعة التي أسست التيار السلفي مع الشيخ الشهال العام 1946، كما أنه ساهم في تأسيس جماعة عباد الرحمن بين عامي 1950 و1951، وأصبح بعد ذلك عضوًا في الجماعة الإسلامية التي كانت تشكِّل فرع الإخوان المسلمين في لبنان. تدَّرج الشيخ سعيد في مواقع العمل في الجماعة، وتولى فيها مسؤولية طرابلس والشمال عام 1976 وأصبح بعد ذلك عضوًا في مجلس الشورى في الجماعة حتى تركها في العام 1980 بسبب الاختلاف في منهجية العمل الإسلامي(6)
إثر هزيمة حركة التوحيد أمام الجيش السوري والأحزاب اللبنانية-الفلسطينية المتحالفة معه، حُلَّ الجيش الإسلامي عام 1985 من قبل المسؤولين عنه. وكان الشيخ سعيد شعبان يحمي السلفيين ويرعاهم، “خاصة داعي الإسلام الشهال، فقد كانت بينهما علاقات شخصية جيدة”(7). وقد هرب لاحقًا العديد من قادة تلك التجربة الطرابلسية الى مناطق أخرى داخل وخارج لبنان. وهكذا انتقل داعي الإسلام إلى العاصمة بيروت أولاً؛ ولكن اندلاع حرب المخيمات وسيطرة حركة أمل وحزب الله المتحالفين مع سوريا على بيروت جعله ينتقل إلى إقليم الخروب في الشوف، ثم إلى صيدا، التي لم يكن بإمكان الجيش السوري دخولها بفعل اتفاق ضمني مع الإسرائيليين على تقاسم النفوذ في لبنان يومذاك. وفي صيدا عُرف الشيخ داعي الإسلام الشهال من خلال حركة أطلق عليها اسم “جماعة الدعوة السلفية”. ولعل حركته هذه كانت بداية الدخول السلفي إلى مدينة صيدا ومخيم عين الحلوة. وفي العام 1988، أنشأ الشهال “جمعية الهداية والإحسان”، التي شكلت الإطار الرسمي للحركة السلفية وكان عملها يشمل الجوانب الدعوية والتربوية من جهة، والعمل الاجتماعي من جهة أخرى، بهدف سد حاجات أهل السنة في هذين المجالين.
وقد انصرف، وبدعم سعودي واضح وكبير، إلى تأسيس العمل الدعوي السلفي عبر المدارس الدينية، والتسجيلات الإسلامية، وكفالة الأيتام، وبناء المساجد، وتأسيس إذاعة القرآن الكريم، وغيرها من النشاطات. وانتشرت خدمات الجمعية من أقصى شمال لبنان إلى أقصى جنوبه، إلى أن أصدرت السلطات اللبنانية قرار حلها عام 1996؛ بسبب ما ادّعته من “إثارة النعرات الطائفية في بعض الكتب التي تعتمدها الجمعية في معاهدها الشرعية”، وكانت حجتها في ذلك أن أحد الكتب المقررة للتدريس في المعهد ضم فقرة عن فرقة النُّصيرية باعتبارها فرق ضالة خارجة عن الدين بسبب معتقداتها المسيئة للإسلام.
يعتبر تاريخ حل جمعية الهداية والاحسان عام 1996 بقرار سوري-لبناني محطة فاصلة في تشظي العمل السلفي المنظم وانشطاره؛ وقد أعقب حلّ الجمعية ظهور جمعيات ووقفيات عديدة، أسسها تلامذة الشيخ الشهال، وراح الكل ينافس الكل على كسب الشارع الإسلامي. وما عزّز هذا التحوّل هو كثرة الجمعيات والهيئات والشخصيات الخليجية الداعمة ماليًا وعقائديًا لهذه الوقفيات والجمعيات السلفية.
فروع المدرسة السلفية
ظهر في طرابلس جيل سلفي جديد تزعمه الشاب صفوان الزعبي (35 عامًا) الذي برز دوره قويًا في ظل الخلاف الشخصي بين الشيخ داعي الإسلام الشهال وزوج شقيقته وابن عمه حسن الشهال، وبالأخص عندما وقّع الأخير منفردًا على اتفاقية حوار مع حزب الله استثارت ردود فعل سلفية وإسلامية سنية غاضبة ومنددة. والدكتور حسن الشهال هو رئيس جمعية دعوة العدل والإحسان، وتربطه علاقات بجمعيات وهيئات كويتية يتردد أنها تدعمه ماليًا. وهذا التباين دعا العديد من الباحثين إلى تقسيم السلفية الطرابلسية إلى مدرستين: المدرسة السعودية، وهي التي استقى منها آل الشهال دعوتهم؛ والمدرسة الكويتية، وهي التي يمثلها آل الزعبي، بقيادة الشيخ صفوان الزعبي، أحد أبرز شخصيات تجمع المعاهد والمؤسسات السلفية، ورئيس مجلس أمناء جمعية وقف التراث الإسلامي، التي تُعد امتدادًا لجمعية إحياء التراث السلفية الكويتية، التي تمولّه وترعاه.
البقاع الغربي: بروز السلفية الجهادية
تعتبر بلدة مجدل عنجر، المركز الرئيسي والأول للحركة السلفية في منطقة البقاع، والثانية على مستوى لبنان، بعد مدينة طرابلس في الشمال. ويشير السلفيون إلى أن الشيخ زهير الشاويش لعب دورًا بارزًا وكبيرًا في نشر الفكر السلفي من خلال المطبوعات التي نشرها المكتب الإسلامي الذي يملكه. أما ظهور الحركة السلفية في منطقة البقاع الغربي فبدأ مع عودة عدد من الخريجين البقاعيين من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1986 وأبرزهم الشيخ الدكتور عدنان محمد أمامة والشيخ حسن عبد الرحمن.
لم يشارك سلفيو البقاع الغربي في الحياة السياسية اللبنانية، وكان اهتمامهم منصبًا على الدعوة والتعليم. فأنشأوا المدارس وبنوا المساجد وعملوا على إلقاء المحاضرات والدروس وتوزيع الكتيبات والأشرطة التي تبصّر الناس بأمور دينهم، ومنها مدرسة خاصة تجمع بين العلوم الحديثة والعلوم الشرعية، إضافة إلى مسجد الصحابي عبد الرحمن بن عوف، الذي تنطلق منه دورات ونشاطات إسلامية. وامتد تأثير الحركة الجديدة إلى قرى البقاع الغربي والأوسط وخصوصًا تعلبايا وسعدنايل وغزة وكامد اللوز وجب جنين والمرج والقرعون والمنارة، وصولاً إلى مدينة بعلبك وجوارها في البقاع الشمالي (خصوصًا بلدة عرسال).
ونشر الفكر السلفي الدعوي كان يهدف في تلك الفترة إلى إنكار بعض العادات الدينية في مجدل عنجر وقرى البقاعين الأوسط والغربي، والتي كان يقوم بها أتباع عبد الله الحبشي مؤسس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (المعروفون باسم “الأحباش”). وقد حصل انشقاق كبير في الحركة البقاعية في العام 2003 على خلفية جواز تكفير أفراد المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية؛ فاحتفظ الشيخان أمامة وعبد الرحمن بالفكر السلفي الدعوي، فيما برز الفكر السلفي الجهادي الذي تزعمه محمد ياسين الملقب بـأبي حذيفة، وارتبط بالقتال داخل العراق، مع علاقة وثيقة مع تنظيم «القاعدة». وبعد الانشقاق، انطلق سلفيو الجهاد إلى إعداد العُدة للقتال في العراق في ظل تسهيلات واضحة من النظام السوري آنذاك؛ وهنا برز اسم إسماعيل الخطيب، الذي تولى تدريب وتأمين بعض الشبان وإعدادهم لخوض معارك ضد الاحتلال الأميركي في العراق، بالتنسيق مع أبي مصعب الزرقاوي. وكان لشبان مجدل عنجر دور كبير في العراق حتى إن أحد أبنائهم (مصطفى رمضان المعروف باسم أبي محمد اللبناني) تولى مهام مساعد أمير تنظيم القاعدة في العراق (وقُتِل بحسب بعض المصادر في نفس الغارة التي قُتل فيها الزرقاوي(8) في حين تذكر مصادر أخرى أنه قتل في “غزوة أبي غريب”(9). وقد ظهر سلفيو مجدل العنجر بشكل واضح في العام 2004 حين تمّ توقيف مجموعة إسماعيل الخطيب، التي اتُهمت بالتخطيط لتفجيرات كبيرة في بيروت، ولم تثبت التهمة خصوصًا بعد وفاة إسماعيل الخطيب تحت التعذيب. وبحسب العديد من المراقبين، فإن هذا الشق الجهادي المقاتل في العراق كان أداة تحركه المخابرات السورية من خلال شخص قدم من سوريا اسمه أبو معاذ، الذي لعب دور وسيط عمليات نقل المقاتلين إلى العراق.
صيدا: السلفية الدعوية
ظهرت السلفية في صيدا في أواخر الثمانينيات من خلال عدد قليل من الأفراد. ولكن ما لبثت أن انتشرت مع بداية التسعينيات عبر أعمال خيرية ودعوية، كان يقوم بها بعض من ينتمون إلى السلفية، ممن أتوا من بيروت والشمال كعبد الهادي وهبـي وداعي الإسلام الشهال. ومن مظاهر انتشار هذا الفكر في صيدا، وجود بعض الجمعيات ذات التوجه السلفي منها:
جمعية الاستجابة وهي جمعية مرخصة ويشرف عليها الشيخ نديم حجازي، ومنهجها سلفي علمي، تهتم بنشر الفكر السلفي المجرد من دون حمل السلاح، ويتبع الجمعية مسجد في حي الزهور ومصلى في طلعة الإسكندراني، إضافة إلى القيام بأعمال الدفاع المدني عبر سيارات إسعاف تابعة للجمعية.
مدرسة كُتّاب الصحابي عبدالله بن مسعود في حي الصباغ، وهي مؤسسة علمية سلفية مستقلة وتقوم بدور معهد شرعي خاص يدرس الفكر السلفي والعلوم الدينية بشكل مستقل، ويديره الشيخ أبو زكريا هدوي. وهو مقرب من مدرسة نديم حجازي.
التيار الجديد الذي يمثله الشيخ أحمد الأسير إمام مسجد بلال بن رباح وصديقه الفنان المشهور فضل شاكر، وقد راجت أنباء عن حصول هذا التيار على مساعدات مالية من شخصيات قطرية غير رسمية.
العرقوب: سلفية إعادة البناء
وصلت أولى ظواهر السلفية إلى بلدة شبعا عبر أحد أبنائها وهو الشيخ قاسم عبدالله، الذي كان مهاجرًا في المملكة العربية السعودية، وتردد إلى بلدته لتقديم المساعدات للمحتاجين، داعيًا إلى التمسك بأسس الإسلام لتتشكل معه نواة الحركة السلفية في المنطقة. وفي العام 2000، أي بعد تحرير الجنوب اللبناني، دخلت أطر وعناصر من السلفيين إلى القرى في العرقوب لتتواصل مع الناس عبر نشاطات منوعة ومن خلال مؤسسات اجتماعية ودينية وثقافية وصحية وتربوية. وقد استفاد التيار السلفي في العرقوب من الإهمال المزمن بالمنطقة ومن الفقر والمنازل والمساجد التي دُمرت دون أن يُعاد إعمارها، إضافة إلى الشباب العاطل عن العمل والبِنى التحتية المعدومة والطرقات الوعرة.
مفارقات الجهادية السلفية اللبنانية
من المفارقات الخاصة بالجهادية السلفية اللبنانية(10)أنها نشأت في حضن تجربتين غير سلفيتين: الثورة الفلسطينية من جهة والثورة الإيرانية من جهة ثانية. ولا يمكن فهم تطور الحركة الجهادية السلفية من دون العودة إلى قراءة تجربة حركة التوحيد الإسلامي في طرابلس من جهة، وتجربة الحركة الإسلامية المجاهدة في عين الحلوة ونهر البارد من جهة أخرى، وهما تنظيمان كانت ترعاهما حركة فتح في لبنان حتى العام 1991.
والنواة المؤسسة لما صار لاحقًا تنظيمات “السلفية الجهادية” في لبنان هي أقلية حركية نشطة انزاحت من الجهادية الوطنية صوب الجهادية السلفية أولاً، بدءًا من ارتباطها التأسيسي بحركة فتح وبالصراع مع سوريا، إلى ارتباطها بالثورة الخمينية وبحزب الله من خلال المقاومة ضد الاحتلال، وصولاً إلى التأسيس المستقل لحركتها كسلفية جهادية مرتبطة بالقاعدة، وذلك على قاعدة حدثين تاريخيين بالنسبة لها: عودة الأفغان العرب بدءًا من عام 1991، ثم الجهاد في العراق بدءًا من عام 2003؛ وهي انتعشت وتطورت بين هذين التاريخين بفعل رافد خارجي مؤثر قدّمه المغتربون في البلدان الأوروبية والأميركية.
بدايات القاعدة
منتصف ليل آخر يوم من العام 1999- مطلع 2000 (ليلة رأس السنة)، جرت أحداث الضنية حين قامت مجموعة من الشباب من مناطق القبة وأبي سمرا في طرابلس بالتدرب على حمل السلاح في جرود الضنية، وكان يقودها بسام كنج الملقب بـ «أبو عائشة» وهو من اللبنانيين الذين شاركوا في الجهاد الأفغاني، إلى جانب زميل له هو بسام إسماعيل حمود (أبو بكر)، وجرت اشتباكات بين هذه المجموعة والجيش اللبناني أدت إلى مقتل كنج واعتقال حمود، ويذكر أن الاثنين كانا قد التحقا بـالجهاد الأفغاني، الأول في الولايات المتحدة حيث كان يُقيم، والثاني في السعودية حيث كان يعمل، وعادا إلى لبنان ليؤسسا الجماعة التي هاجرت إلى الضنية وباشرت منها نشاطها المسلح. وتؤكد مصادر إسلامية أن هذه المجموعة كانت أول إطار منظم لتنظيم القاعدة في لبنان، مع أن العديد من الشباب المسلم الذين انضموا لأبي عائشة هربوا آنذاك من المضايقات التي تعرضوا لها في طرابلس والشمال، بعد سلسلة تفجيرات طالت الكنائس والتي تبين أن بعض الأجهزة الأمنية كان يقف وراءها.
وبعد معركة الضنية هذه، داهمت قوات الجيش اللبناني بلدة القرعون في البقاع الغربي واعتقلت عددًا من شبابها كما جرت اعتقالات عشوائية في طرابلس وعكار. ولا يزال العديد من معتقلي تلك المرحلة في السجون دون محاكمة ما أدى إلى نشوء قضية خاصة بهم كانت بلا شك أحد أهم أسباب التوتر وتصاعد الغضب الطرابلسي وانتشار التيار السلفي الجديد في لبنان.
عصبة الأنصار: السلاح والمخيمات
انشق الشيخ هشام شريدة عن الحركة الإسلامية المجاهدة في مخيم عين الحلوة (مؤسسها هو الشيخ إبراهيم غنيم، وأبرز قادتها الشيخ جمال خطاب والشيخ عبدالله حلاق)، وأسس عام 1984 مع أحد المطرودين من حركة فتح (جمال سليمان قائد كتيبة شهداء عين الحلوة)، تنظيم أنصار الله الذي ارتبط بحزب الله الشيعي اللبناني وحارب إلى جانبه في معاركه ضد حركة أمل ثم ضد حركة فتح. وبعد مقتل هشام شريدة في قتال بين تنظيمه وتنظيم فتح داخل المخيم أواخر العام 1991، واستئثار جمال سليمان بقيادة تنظيم أنصار الله وتحويله إلى ذراع لحزب الله، أسس تلميذ شريدة ورفيق دربه في المعتقل وبدايات المقاومة في عين الحلوة وابن قريته الصفصاف، أبو محجن عبدالكريم السعدي، عصبة الأنصار، التي خرج عليها ابن هشام شريدة، عبدالله، وشقيق هشام، يحيى، ليعلنا تشكيل عصبة النور. ويرى كثيرون أن عصبة النور كانت تجمعًا عائليًا تشكّل للانتقام لمقتل شريدة ومحاربة حركة فتح في المخيم والسيطرة عليه من خلال السيطرة على تجمع أهالي الصفصاف وهم الأكثرية فيه. وبالفعل، فقد دخلت عصبة النور في صدامات مسلحة مع حركة فتح وقامت بعدة اغتيالات لكوادرها، أهمها قتل مسؤول فتح العميد أمين الكايد، الذي ينتمي هو الآخر إلى تجمع الصفصاف. وفي خريف العام 2003، قامت مجموعة مسلحة من حركة فتح بتصفية عبد الله شريدة وعمه يحيى، وبموتهما انتهى عمليًا تنظيم عصبة النور، فانضم أكثر عناصر هذه العصبة إلى عصبة الأنصار.
وقد برز اسم عصبة الأنصار وأبي محجن بشكل كبير بعد اعتقال المجموعة التي نفذت عملية اغتيال رئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش) الشيخ نزار الحلبي في 31 أغسطس/آب 1995؛ حيث اعترف أعضاء المجموعة بأنهم تلقوا التدريب في المخيم وبأنهم تسلموا السلاح من أبي محجن.
وتميزت عصبة الأنصار بأنها أعلنت عن هويتها “السلفية الجهادية” منذ لحظة التأسيس، كما تميزت بإرسال المقاتلين إلى العراق لمحاربة الأميركيين حيث خاضت الكثير من المعارك هناك وسقط لها أكثر من 20 عنصرا.
وتُعتبر عصبة الأنصار اليوم من أهم القوى الإسلامية في مخيم عين الحلوة وأكثرها تنظيمًا وانتشارًا لناحية العدد والمناصرين، وهي أول ظاهرة عسكرية تتشكل للقوى الإسلامية السلفية وصاحبة أول مدرسة سلفية في عين الحلوة تحديدًا وفي المخيمات الفلسطينية عمومًا. ويتولى قيادة عصبة الأنصار حاليًا ثلاثة أشخاص، هم: وفيق عقل (أبو شريف)، وأبو عبيدة، وأبو طارق، والأخير أبرزهم من حيث كونه أحد أشقاء أبي محجن الخمسة. ويُذكر أن ابن أبي محجن (إبراهيم السعدي) أمضى خمس سنوات في السجون السورية، وقد اعتقلته السلطات الأمنية السورية خلال توجهه الى العراق وأفرجت عنه أوائل شهر مارس/آذار 2012 أي في عز الحديث عن ذهاب سلفيين جهاديين للقتال في سوريا.
جند الشام: ذراع القاعدة
بدأ تنظيم «جند الشام» يتصدر المشهد السياسي اللبناني بعد حوادث أمنية مختلفة، لاسيما الاشتباكات التي وقعت بين التنظيم والجيش اللبناني في مخيم عين الحلوة يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 2005. وكان للتنظيم نشاطات عسكرية في الداخل السوري وعلى الحدود اللبنانية السورية.
و«جند الشام» يعلن أنه يستمد أفكاره من زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وتعود تسميته إلى المجموعة الأولى التي تزعمها أبو مصعب الزرقاوي في أفغانستان العام 1999، حيث أطلق الاسم على مخيم التدريب الذي ضمّ متطوعين من بلاد الشام، أي لبنان وسورية والأردن وفلسطين. وتعود المسؤولية العسكرية لهذا التنظيم في لبنان إلى غاندي السحمراني (لبناني الجنسية)، وهو ممن شاركوا في أحداث الضنية في شمال لبنان مطلع العام 2000، وعُثر عليه مقتولاً في يناير/كانون الثاني 2010 في سوق الخضار داخل المخيم.
ويبدو أن التنظيم نشأ في العام 2004 في مخيم عين الحلوة، على يد الفلسطينيين: أبو يوسف شرقية، وأسامة الشهابي، وعماد ياسين، وغاندي السحمراني. وقد اختير الأول أميرًا، لكنه واجه صعوبات في ضبط التنظيم، ما دفعه لإعلان تخليه عن الإمارة ببيان مقتضب وُزِّع في مخيم عين الحلوة في 6أكتوبر/تشرين الأول 2004، ومنذ ذلك الحين يمكن القول: إن هذا التنظيم، الذي ضم بضع عشرات من المسلحين، قد انهار، وتفرّق عناصره إلى عدة مجموعات صغيرة، عاد أكثرهم إلى عصبة الأنصار.
فتح الإسلام: الصدام الداخلي
ظهر تنظيم فتح الإسلام للعلن في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2006 إثر اشتباك في مخيم البداوي قرب طرابلس، مع عناصر من اللجنة الأمنية في المخيم المذكور، وقد انتقل عناصر التنظيم بعد هذا الاشتباك إلى مخيم نهر البارد، وهناك نما التنظيم بشكل غير طبيعي، وتورّط بمشروع خطير، أدى إلى اصطدامه مع الأجهزة الأمنية للدولة اللبنانية، اعتبارًا من 20 مايو/أيار 2007، وقد كانت حصيلة المواجهة تصفية التنظيم وتدمير مخيم نهر البارد. وقد شهدت نهاية هذه المواجهة عملية فرار لعدد من عناصر التنظيم فجر 2سبتمبر/أيلول 2007، تمكّن بعضهم من الوصول إلى مخيم عين الحلوة. ويقال اليوم: إن هذه المجموعة تأتمر بأوامر عبد الرحمن عوض، خليفة شاكر العبسي، مؤسس التنظيم. ولا يزال عبد الرحمن عوض متواريًا عن الأنظار، فيما لا يُعرف على وجه اليقين إن كان يوجد راهنًا مجموعة ترتبط بهذا الرجل في المخيم أم لا؟
وزعيم الحركة شاكر العبسي المولود في أريحا والأردني الجنسية والإقامة والدراسة، أفرجت السلطات السورية عنه بعدما كانت اعتقلته في العام 2002.
الانتشار السلفي التقليدي
تنتشر الجمعيات والمعاهد السلفية في لبنان من الشمال إلى أقصى الجنوب، مرورًا ببيروت، ويبلغ عددها أكثر من 25 جمعية، تقوم بأنشطة خيرية في مجال علاج المرضى ومساعدة الفقراء ودعم الطلبة المتفوقين علميًا والدعوة الدينية ومساعدة الأيتام والأرامل، والكثير منها لا يتوقف نشاطه على العمل الخيري أو الدعوة بل راكمت نفوذًا سياسيًا، وهي:
*جمعية دعوة الإيمان، ومعهد كلية الدعوة والإرشاد (طرابلس) ويرأسها د. حسن الشهال.
*جمعية الهداية والإحسان الإسلامية التي أسسها الشيخ داعي الإسلام الشهال، والتي تعمل حاليًا تحت اسم وقف اقرأ الإسلامي.
*وقف ومعهد الإمام البخاري في عكار، ويديره الشيخ سعد الدين كبـي والشيخ عبد الهادي وهبـي.
*وقف الأبرار ومعهد طرابلس للعلوم الشرعية في طرابلس، بإشراف الشيخ فؤاد أزمرلي.
*وقف ومعهد الأمين للعلوم الشرعية في طرابلس، ويديره الشيخ بلال حدارة.
*جمعية الاستجابة الخيرية، وتنشط في صيدا والجنوب، ويرأسها الشيخ نديم حجازي.
*مكتبة اقرأ الإسلامية ويشرف عليها د. الشيخ عمر بكري فستق.
*وقف إحياء التراث الإسلامي، ويشرف عليه الشيخ صفوان الزعبـي، ولديه نشاطات عدة في المناطق اللبنانية.
*مركز جمعية النور الخيرية وتنشط في شبعا والعرقوب وفي بلدة الكفور قرب النبطية، ويشرف عليها الشيخ أبو جهاد الزغبـي.
*مسجد حمزة في طرابلس، ويتولى إمامته الشيخ زكريا المصري.
*الوقف الخيري الإسلامي في صيدا، ويرأسه الشيخ أحمد عمورة.
*جمعية ومركز السراج المنير (بيروت).
*وقف البر الخيري (الضنية).
*المركز الإسلامي ومسجد عبد الرحمن بن عوف (البقاع ومجدل عنجر).
*جمعية الإرشاد ومدرسة الإبداع (عكار).
*وقف إحياء السنة النبوية (الضنية).
*دار الحديث للعلوم الشرعية (طرابلس).
*وقف إعانة الفقير (طرابلس).
*تجمع سنابل الخير (عكار).
*وقف الخير الإسلامي، ومسجد ومركز الأقصى (الضنية).
*الوقف الإسلامي السني الخيري (زغرتا).
*وقف إغاثة المرضى (طرابلس).
*جمعية التقوى الإسلامية في بيروت، ويرأسها الشيخ جميل حمود.
*وقف الفرقان للبحث العلمي (طرابلس).
*وقف البلاغ الإسلامي (طرابلس).
*مسجد بلال بن رباح في (صيدا) وإمامه الشيخ أحمد الأسير.
*إذاعة صوت الإسلام في بيروت، ويشرف عليها وقف القدوة للعلم والدعوة، وهو عبارة عن اتحاد جمعيتين، هما “جمعية التقوى” و”جمعية العلم والإيمان” بإشراف الشيخ أحمد الميكاوي الذي تأثر بمدرسة الشيخ سفر الحوالي، والشيخ سلمان العودة، والشيخ سعد الحصين. حصل بعدها خلاف داخل إذاعة صوت الإسلام بين تيار قطبي قريب من أفكار علماء الصحوة في السعودية وتيار آخر محسوب على الشيخ عبد الهادي وهبة المتأثر بفكر الشيخ المدخلي.
*مسجد التقوى في طرابلس، وإمامه الشيخ سالم الرافعي الذي يتنامى حضوره، نظرًا للحالة السلفية التنظيمية التي نجح في تأسيسها في مناطق الزاهرية والقبة والميناء والأسواق.
الموازنة: الدعوة والسلاح
انطلقت الدعوة السلفية في لبنان على قاعدة العمل الدعوي والخيري الاجتماعي وبالارتباط بمدارس السلفية في السعودية في البداية، ثم أدت الحرب الأهلية اللبنانية إلى تطعيمها بمدارس جهادية ومسلحة حاولت الدفاع عن الهوية السنية لمدينتي طرابلس وصيدا في وجه النظام السوري. ومع تصاعد الاعتداءات والغزوات الإسرائيلية نشأت سلفية مقاتلة في المخيمات الفلسطينية. غير أن العامل الحاسم في تطور السلفية اللبنانية تمثل بالجهاد الأفغاني. ففي أفغانستان انتظم الجمع المجاهد في كيانات واجتهادات، وانضمت إليها لاحقًا عناصر جهادية من جنسيات مختلفة حملت فيما بعد اسم الأفغان العرب(11). وقد تطورت هذه الجهادية السلفية الجديدة في المخيمات لاحقًا من خلال الجهاد في العراق. وهكذا نمت منظمات جديدة رفضتها تيارات السلفية التقليدية؛ فالسلفيون التقليديون هم الأغلبية الساحقة من التيار السلفي في لبنان، وهم على نقيض كامل مع أفكار ونهج ومبادئ القاعدة، التي وبحسب رأيهم تشوه صورة السلفيين الذين «لا يرضون بالقتل والتدمير إلا إذا كان جهادًا دفاعًا عن الأرض أو العرض»(12) كما يؤكد هؤلاء على وجود مجموعات سلفية تكفيرية في لبنان تلتقي مع القاعدة في الفكر والمنهج، لكنها ليست قادرة على أن تتصل بها ومعها تنظيميًا لأسباب عدة، أبرزها التعقيدات الأمنية لدى القاعدة والرقابة الأمنية المفروضة على هذه المجموعات؛ والدليل على ذلك هو أن عددًا من الأشخاص محتجزون لدى القضاء اللبناني بتهمة الفكر الجهادي الذي تحمله القاعدة، لا بل يحاكم بعضهم بتهمة الانتماء إلى القاعدة نفسها(13)
ويرى صفوان الزعبي «أن السلفية تنتشر اليوم في لبنان لتعبئة الفراغ الناتج عن جنوح كثير من الحركات الإسلامية من الحالة الدعوية إلى التلهّي بأمور السياسة والمناصب»(14) ويقول عدنان إمامة: إن السلفيين المتشددين ليس لهم فعالية تُذكر في لبنان، و« هم في الأساس لا يتجاوز عددهم 50 إلى 60 سلفيًا متشددًا»(15)ويعتبر “شيخ القراء” في طرابلس بلال بارودي «أن الصحوة الإسلامية التي حصلت في الثمانينيات من القرن الماضي بلغت اليوم سن الرشد، وهي تعمل لاستعادة حضورها وقوتها، وقد بدأ ذلك من خلال ثورات الربيع العربي، حيث رأينا كيف أن الشارع العربي اختار الإسلاميين لتمثيله سواء في تونس أو مصر، وهذا أمر يبشر بالخير»(16)______________
المراجع:
1 الدراسة الأساسية التي ينقل عنها جميع من كتب ويكتب عن سلفية لبنان، هي دراسة السيد علي عبد العال التي نشرها على مدونته الخاصة يوم 16فبراير/شباط 2010. وللأسف فإن كل الذين نقلوا عنها (وأحيانًا حرفيًا) لم يشيروا ولا مرة واحدة الى مصدرهم. والمرجح أن بدايات التيار السلفي كانت في العام 1946 على يد سالم الشهال الذي بدأ بعمل دعوي اجتماعي خيري شاركه فيه العديد ممن صاروا لاحقًا قادة العمل الإسلامي في لبنان وعلى رأسهم فتحي يكن وسعيد شعبان. وربما وقع خطأ طباعي في نص علي عبدالعال، نقل عنه الكثيرون بأن تاريخ السلفية يبدأ عام 1964 وليس 1946؛ فبحسب شهادات أمكن جمعها قامت في سنة 1946 في طرابلس جماعة شباب محمد، التي غدا اسمها فيما بعد «مسلمون» بقيادة الشيخ سالم الشهال، وكانوا يؤثرون اتباع السنة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً؛ فأطلقوا لحاهم، بحيث لا تقل عن قبضة اليد، وكانوا يستحسنون تخضيبها بالحناء الحمراء، ووضعوا العمامة (الطاقية البيضاء ملفوف عليها شملة بيضاء مع ارتخاء ذيل لها على الظهر)، مع بيعة للأمير على أنه أمير المؤمنين، لوجوب البيعة في الإسلام. فكانت جماعة «مسلمون» بحق أول حركة إسلامية شعبية في طرابلس، التزمت الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أنهم لم يكتفوا بالأمر والنهي القوليين بل حاولوا تغيير المنكر، وفق رأيهم، باليد، ولم يتردد بعضهم في استخدام ماء الفضة المُحرِق، فرشوا بقليل منه ثياب بعض النسوة، اللواتي نزعن غطاء الرأس، وبدأن يكشفن عن سواعدهن وسيقانهن بقصد إرهابهن ولكن دون إيذائهن. وقد أثار ذلك ضجة كبيرة في البلد، وقاموا بحملة ضد السينما وإعلاناتها، حيث كانت تلك اللوحات الإعلانية تنتشر أمام سرايا طرابلس العثمانية، فقاموا بتكسيرها؛ وقد شارك في الحملة الشيخ سالم الشهال نفسه، والشيخ عثمان صافي وهو أحد خريجي الأزهر الشريف. لكن هذه الحركة ما لبثت أن انطفأت وماتت خصوصًا بسبب انتشار المد القومي العربي الناصري في طرابلس الباحثة عن هويتها العربية الإسلامية في وجه أيديولوجية الكيان اللبناني الجديد.
2 محمد بن ناصر العجمي: علّامة الشام عبدالقادر بن بدران: حياته وآثاره؛ دار البشائر الإسلامية، بيروت 1417هـ، ص22.
3 عبد العال: نفس المصدر السابق.
4 علي عبد العال: مصدر سبق ذكره
5 علي عبد العال: مصدر سبق ذكره
6 المعلومات حول حركة التوحيد والشيخ سعيد شعبان مستقاة من لقاءات خاصة أجراها الكاتب مع قادة الحركة في طرابلس على فترات متقطعة.. وأنظر للمقارنة كتاب حسن صبرا: الحركات الإسلامية في لبنان، منشورات مجلة الشراع
7 بحسب معلومات علي عبد العال، المصدر نفسه.
8 شبكة أنا المسلم للحوار الإسلامي، القسم العام، المنتدى العام، “أسماء المجاهدين الذين استُشهدوا من المهاجرين والأنصار في بلاد الرافدين”..
9 شبكة المنتدى، فئة المجتمع، منتديات إسلامية، “صورة الشهيد البطل أبي محمد اللبناني الذي استشهد في غزوة أبي غريب”.
10 وأنا أسميها الجهادية السلفية (وليس السلفية الجهادية) لسبب واضح وهو أنها نشأت كحركات إسلامية جهادية وطنية عامة ثم انزاحت رويدًا رويدًا لتتأطر نظريًا وفكريًا وتنظيميًا بالفهم السلفي العقائدي القادم من أفغانستان والعراق والمغتربات.. أي أنها كانت أولاً جهادية ثم صارت سلفية، وذلك بعكس بعض التيارات السلفية الرسمية التي تبنّت الفكر الجهادي فيما بعد كما في الحالة السعودية..
11 قارن مع ما ورد في كتابي: الجماعات الإسلامية والعنف، طبعة دار مدارك، دبي، مارس/آذار 2012.
12 غسان ريفي: موقع حركة التوحيد الإسلامي في5مارس/ آذار 2012،
13 نفس المصدر، والجدير ذكره أن موضوع هؤلاء المعتقلين من دون محاكمة (وهم بالمئات وغالبيتهم من طرابلس والشمال) كان شرارة اندلاع الغضب الطرابلسي المتكرر الذي شكل حاضنة أساسية وفعلية لنمو وانتشار الجماعات السلفية منذ العام 2003.
14 نفس المصدر.
15 راجع المقابلة التي أجراها عفيف دياب في جريدة الأخبار اللبنانية، الخميس 11 أكتوبر/تشرين الأول 2012.
16 غسان ريفي: المصدر السابق
 
 
الحركة الإسلامية العربية: الولادة المصرية
الجمهورية..سعود المولى
في العام 1918 أُسدِل الستار على «الأمبراطورية العثمانية» التي انهارت تحت وطأة ضربات الإمبرياليّات الغربية إثر الحرب العالمية الأولى (1914- 1918).
وفي الفترة ما بين الحربين الكونيتين (1918-1939) عرفت البلاد العربية عشرات الثورات وحركات التمرّد والممانعة الشعبية التي قُمِعت بالحديد والنار وأسّست لتجذّر حالة العداء للغرب في الأوساط الشعبية ولدى النخب المسلمة.
وإلى جانب حركات المقاومة المسلّحة، والتمرّد السياسي الجماهيري، شهدت البلاد العربية أيضاً حركة فكرية – سياسية ناهضة حملت راية الصراع "ضدّ التغريب" و"التبشير"، وهي مهّدت بشعاراتها ونضالاتها لظهور حركة الإحياء الإسلامي ممثلة بالإخوان المسلمين. وكانت مصر هي الأرض الخصبة لتلك الحركة.
مصر بين تيارين:
تمظهرت الوطنية المصرية الإسلامية في المشاركة الشعبية إبّان الحرب الليبية (1911) ثمّ حرب البلقان (1912) وفي دعم العثمانيين في تلك المحطات. كما شهدت المرحلة ما بين 1911 و 1922 تطوّر التيار الشعبي المصري المؤيّد لتركيا (حتى الكمالية في حربها التحريرية). ذلك أنّ مصر التي كانت قد أصبحت محميّة بريطانية منذ 18 كانون الأوّل 1914، ظلت تخفق بالأمل لحصول انتصار عثماني ضدّ الغربيين.
وكانت هزيمة 1918 بالنسبة لمسلمي مصر هزيمة لهم وللإسلام، ونقطة البداية للحملة التغريبية لسنوات 1922-1928 في تركيا والبلدان العربية... وقد تابع المصريّون بقلق وخوف التطوّرات الداخلية في تركيا بدءاً من الدستور الجديد لعام 1922 الذي يفصل الدولة عن الخلافة، ومروراً بإعلان إلغاء الخلافة (3 آذار 1924) وانتهاءً بإلغاء اعتبار الإسلام دين الدولة في تركيا ( 10 نيسان 1928).
كانت الصدمة كبيرة على المصريين وهم يرون أعمال أتاتورك في فرض القبّعة وتغيير الأبجدية إلى اللاتينية وفي إلغاء العربية والآذان. وهكذا نشأت القاعدة الشعبية للمجابهة المقبلة بين الإسلام والعلمانية. "وقد أدّت جملة من التطوّرات والأحداث بدءاً من عام 1922 إلى أن تتقدّم مصر لتتبوّأ موقعها في قيادة الدفاع عن المسلمين الخاضعين للإمبريالية الغربية.
وهي لم تتردّد في استلام هذا الدور الذي يعود إليها بالفعل، خصوصاً بعد قطيعة تركيا مع الإسلام" (بحسب مارسيل كولومب في كتابه تطوّر مصر، بالفرنسية، باريس 1950، ص 121-122)... وهكذا التفّ المصريّون حول ثورة الريف في المغرب (1920-1926) والثورة السورية الكبرى (1925) حيث تظاهروا وقاموا بجمع التبرّعات واستقبلوا قادة الثورتين في القاهرة والإسكندرية. وفي مصر انطلقت أولى حملات الدعم لفلسطين، وهي تطوّرت واتّسعت بعد حادثة حائط البُراق (1929) والتفّ المصريّون حول قيادة المفتي الحسيني في فلسطين وحول المطالب السورية والفلسطينية والمراكشية. وعكست الصحف المصرية هذا الجوّ الإسلامي الذي بدأ يغلي منذ عام 1922...
وتؤرّخ جريدتا المنار والفتح لتلك المرحلة وتيّاراتها وصراعاتها، وهي تحوّلت إلى أن تكون أداة التعبئة والتحريض في المعركة ضدّ الغرب، وفي شحذ سلاح الوحدة والتضامن بين المسلمين. "وكانت تلك الصحف تُقرأ في كلّ البلاد الإسلامية من أقصى الشرق الى أقصى الغرب، من الهند إلى المغرب. ومن قراءة هذه الصحف استمدّت الوطنية المصرية حيوية وعنفاً" (كولومب، نفس المرجع المذكور سابقاً).
وكانت مصر قد شهدت تكوّن الأحزاب السياسية المنظّمة وفي مقدّمتها الحزب الوطني (الذي تأسّس في 2 نيسان 1879، وأصبح في ما بعد بقيادة أحمد عرابي باشا)، وحزب الأمّة الذي حمل بذور حزبي: الوفد المصري (بزعامة سعد زغلول) والأحرار الدستوريين (الذي انشقّ عن حزب الوفد عام 1921 بشأن وفد التفاوض مع الإنكليز). وهذان الحزبان (الوطني والأمّة) تزعّما الحركة الوطنية في أعقاب الحرب العالمية الأولى. كما شهدت مصر نشوء الجمعيات الدينية الاجتماعية حتى بلغ عدد الجمعيات الرئيسية منها حوالي العشرين، أغلب مراكزها في القاهرة ولها فروع في الأقاليم، وخاصة في عواصم المحافظات.
ومن هذه الجمعيات: جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية، جمعية العروة الوثقى الإسلامية، جمعية المواساة الإجتماعية، (وهذه الجمعيات الثلاث ظهرت قبل الحرب العالمية الأولى)، جمعية التقوى، جمعية الهداية الإسلامية، جمعية إحياء السنة المحمدية، جمعية المسلم العامل، جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جمعية أنصار السنة المحمدية، جمعية الإخاء الإسلامي، جمعية المحافظة على القرآن الكريم، جمعية الرابطة الإسلامية، جمعية المساعي الخيرية، جمعية السنيين. الخ...
وقد ربط حسن البنّا (مذكّرات الدعوة والداعية، دار الشهاب، لا مكان ولا تاريخ نشر، والأرجح أنّه بيروت 1966، ص151-157) بين نشاطات التبشير الأجنبي ونشوء حركة الإخوان المسلمين، لا بل إنّه ربط نموّ نشاط الإخوان بأماكن وجود المراكز النشيطة للتبشير مثل المحمودية والمنزلة دقهلية والإسماعيلية وبور سعيد. كما أنّ الشيخ الإخواني محمود عبد الحليم يقرّر
في مذكّراته أنّ الأثر الأكبر في نموّ تيار الإخوان (والتيار السلفي خصوصاً) في مصر يعود إلى حركة التبشير. "فلولا هذه الحملة المسعورة (حركة التبشير) ما استطاع حسن البنّا أن يجمع على العمل للإسلام هؤلاء الرجال الذين لم تكن تجمعهم جامعة ولا تضمّهم رابطة"..."وكان من أعظم ما أخرجه الأستاذ محب الدين الخطيب سوى مجلة الفتح كتاب الغارة على العالم الإسلامي".
"وكان شعار مجلّة الفتح المكتوب بجانب إسمها على الغلاف هو هذه العبارة: أنت على ثغرة من ثغور الإسلام فلا يؤتين من قبلك".. "وكان من ثمرات ذلك إنشاء جمعية الشبّان المسلمين، وأسنِدت رئاستها الى رجل مسلم غيور هو الدكتور عبد الحميد سعيد، وكان الطالب حسن البنّا من أوائل من اشترك في عضويتها "( محمود عبد الحليم: أحداث صنعت التاريخ ، الجزء الأوّل، دار الدعوة، القاهرة،1981، ص63-64- وأنظر أيضاً: البنّا، مذكّرات الدعوة والداعية، ص62).
أولى نتائج هذه المعركة الحضارية - السياسية تمثّلت في انتعاش التيار الإسلامي الحركي المقاوم في مصر وامتداد تأثيره إلى شبه القارة الهندية وإلى أندونيسيا وماليزيا وبلدان المغرب في شمال أفريقيا. ورافق ذلك ولادة عشرات الجمعيات والهيئات الدينية في مصر، وهي، في معظمها، أبصرت النور ما بين عامي 1927 و1929، وكان أبرزها جمعية "الإخوان المسلمون".

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 156,482,664

عدد الزوار: 7,030,381

المتواجدون الآن: 66