سوريا بين خشية التقسيم وهاجس التوسع

تاريخ الإضافة الجمعة 3 أيار 2013 - 6:09 ص    عدد الزيارات 940    التعليقات 0

        

سوريا بين خشية التقسيم وهاجس التوسع
منذر الزملكاني
انطلاقا من حقيقة أن الحدود السياسية الراهنة بين دول المنطقة هي حدود مصطنعة غير طبيعية لا جغرافيا ولا سياسيا، لذلك فإن تحريكها للداخل أو للخارج ليس أمرا مستحيلا ولا يعتبر تغييرها تحريفا للمقدس، وإنما إعادة رسم للخارطة أو تغيير شكل المنطقة. فالدول الكبرى صاحبة اللعبة الكبرى على أرض سوريا اليوم لا تعتبر أن تقسيم سوريا خطا أحمر، وليس احتمالا معارضا لمصالحها إذا انعدم السيناريو البديل المناسب. بل على العكس قد تقوم تلك الدول خلال مرحلة الصراع التي يعملون على مدها وشدها إلى منتهاها بوضع أساسات لكيانات جديدة في سوريا تمزقها إلى دويلات متنافرة متقاتلة وفاشلة سلفا وتنشغل بنفسها وفيما بينها لعقود مقبلة.

القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة ترى في سوريا مشكلتين كبيرتين متأصلتين بشكل طبيعي استبعدتا الحل السياسي للأزمة السورية منذ البداية وربما تدفعان بقوة باتجاه مشروع التقسيم:

1 - الغلبة السنية الساحقة على البنية الديمغرافية الطائفية في البلاد مما يجعل أي حل مشابه للعراق أو لبنان أمرا غير ممكن، والدول الكبرى لا تهتم كثيرا بالاختلاف بين سني علماني وسني حركي في سوريا، طالما أن هوية النظام ستصبح سنية وستنقلب عما كانت عليه أو بالأصح عما وضعوها هم عليه منذ عقود. لقد أعلنت القوى الدولية وعلى لسان مسؤولين روس عدة أنهم يعارضون قيام دولة سنية في سوريا تحت أي ظرف كان. من هذه التصريحات نستدل لماذا دعمت الدول الكبرى بشار الأسد وليس غيره في قيادة سوريا بعد موت أبيه. إنهم لم يكونوا ليقبلوا بزعيم سني علماني، ولو جاءوا بزعيم علوي غير بشار الأسد لانفضح مخططهم. لذلك تم تصوير المسألة على أنها توريث للحكم لا غير، وسيناريو التوريث أصلا كان يُعد له في أغلب الجمهوريات العربية بشكل واضح ومفضوح.

2 - سوريا قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من دون مساعدات ودون معونات أجنبية، إذا ما توافرت فيها القيادات القوية الرشيدة والمخلصة. وبالتالي فإن الضغوط الدولية ذات الطابع الاقتصادي من أجل مآرب سياسية داخلية وخارجية لن تنفع معها شيئا. دولة سنية ذات سيادة ولا يمكن التحكم بها في منطقة الشرق الأوسط هي من أشد الأخطار على النظام الدولي. لذلك كان القرار تدميرها اقتصاديا واجتماعيا ورهنها بالخارج عن طريق إعادة البناء أو تقسيمها من خلال إعادة هيكلة البنية الديمغرافية للبلاد. وهذا ما يتم تمريره من خلال فرض حلول على الشعب السوري بعد إرهاقه بالحرب والتجويع والتشريد. صحيح أن إنشاء كيانات جديدة داخل سوريا يحتاج إلى الكثير من المقومات التي ما تزال مفقودة، لكنها في النهاية غير مستحيلة كفرض أمر واقع بعد سنوات من الحصار والقتل والتجويع، وخصوصا عندما تتوفر رعاية إقليمية ودولية لهذه الكيانات الجديدة يمكن أن تضمن مستقبلها وبقاءها. توجد الكثير من الدول في منطقتنا تفتقد أدنى مقومات الدولة ومع ذلك تم خلقها ودعمها ورعايتها. لا يمكن أن نعرف مدى خطورة سيناريو التقسيم إلا عندما ندرك أهمية وحجم عوامل الجذب الداخلية الداعمة له، حيث إنه توجد أجزاء من المكونات العرقية والدينية في سوريا لديها قابلية لفكرة التقسيم، إن لم تكن تسعى إليه أساسا جهارا نهارا.

إن ما يدفع النظام في سوريا اليوم وبدعم من القوى الكبرى ومن خلال الأدوات الإقليمية المعروفة مثل إيران وحزب الله باتجاه التقسيم هو كونه الخيار الأخير بين يديه، والقبول به من باب سياسة فرض الأمر الواقع، ويتخذ من مدينة حمص مركزا لهذا المشروع. ومعلوم أن اختيار مدينة حمص له دلالات عقيدية وأيضا استراتيجية. فحمص بالنسبة للعلويين هي العاصمة وما حولها هو الحمى الذي يمتد إلى الساحل وجزء من حماه وأيضا من إدلب. والدلالة الاستراتيجية هي أن حمص تقع في وسط البلاد وهي منطقة مفتوحة على كافة الجهات وبالسيطرة عليها تتقطع أوصال البلاد. لذلك فإن إجهاض مشروع تقسيم سوريا يكون على أعتاب من مدينة حمص، وذلك من خلال دعمها وفك الحصار عنها، ونقل السيادة عليها من أيدي النظام إلى أيدي الجيش الحر أو أيدي أهلها وليس أيدي الدخلاء عليها.

لكن في مقابل خطر التقسيم، يلوح شبح التوسع المحتمل والممكن جدا لسوريا على المدى المتوسط. لأنه عود على بدء، فالحدود بين دول المنطقة حدود مصطنعة، وعوامل ما قبل الدولة المدنية الحديثة مثل القبلية والعصبية واللغة والآيديولوجيا موجودة وبقوة في منطقتنا. إضافة إلى أن سوريا بشكلها الحالي هي الجزء الأكبر من الكيان التاريخي الذي كان يسمى بلاد الشام أو سوريا الكبرى لاحقا. إضافة إلى أن أحزاب وتيارات الدولة القُطرية أي «السورنة» في سوريا مثلا ضعيفة جدا مقارنة بالتيارات التي تؤمن سواء بالوحدة العربية أو بالدولة الإسلامية، وهذه كلها عوامل بالنهاية تزيد من فرص التوسع مستقبلا. ثم إن أقوى التيارات الثورية الجهادية في سوريا اليوم لا يعترفون بالحدود القُطرية للدول في منطقتنا. لأنهم أصحاب مشروع يعتمد على الآيديولوجيا وليس على إطار الدولة بمفهومها الحديث.

إذن، اتفاقية سايكس بيكو في خطر بعد زوال هذا النظام، وهنا نعرف تماما أن المهمة الوظيفية الأساسية الموكلة للنظام السوري طيلة هذه العقود لم تكن حماية إسرائيل فقط، بل حماية «سايكس بيكو». هذه الهواجس عبرت عنها صاحبة مشروع الشرق الأوسط الجديد كونداليزا رايس قبل أشهر، حيث قالت إن الأزمة السورية تهدد النظام الإقليمي برمته، وأنا أقول بل إنها تهدد النظام الدولي خصوصا عندما نعلم أن أوتاد النظام العالمي ضاربة في أعماق منطقتنا بقوة.. وكما أن هناك عوامل داخلية تدفع للتقسيم فإن هناك عوامل إقليمية خارجية جاذبة تدفع إلى التوسع شرقا باتجاه العراق وغربا باتجاه لبنان. لقد أورد الكاتب الأميركي مارك كاتز في عام 2005 تفسيرا عن الدعم الروسي للنظام السوري، حيث قال «إن تخوف الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل من أن تتم الإطاحة بنظام بشار الأسد من قبل جماعات إسلامية أصولية دفع كلتا الدولتين باتجاه تأييد موسكو في دعم بشار الأسد وتقويته». والجماعات الإسلامية الأصولية حسب مفهومهم هم أهل السنة. هذا الكلام كان في عام 2005، فكيف الحال في هذا الوقت وقد ظهرت فعلا الأطياف السنية المختلفة التي تجعل جميع دول العالم في ترقب وحذر.

إن الهدف الأساسي في سوريا اليوم لدى كل الأطراف هو إطالة الصراع إلى أمده الأقصى دون مبالاة بالدماء والأشلاء والدمار، فميزانهم لا يعترف بهذه البضاعة. ميزانهم هو ميزان المصالح القومية التي دونها كل شيء.

إن الصراع بين قوى التقسيم وقوى التوسع في سوريا سيستمر إلى وقت طويل، لكن العاقبة هي لقوى التوسع ليس لأنها الأقوى، بل لأنها هي الأصيلة في منطقتنا، فالحدود مصطنعة والتاريخ يشهد أن هذه البلاد هي بلاد الشام، أما سوريا فهي إقليمها الأكبر.

* أكاديمي في مركز دراسات سوريا بجامعة سنت أندروز البريطانية

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,692,671

عدد الزوار: 7,000,451

المتواجدون الآن: 64