القوات الدولية في جنوب لبنان بين الانسحاب أو الرضوخ..؟؟؟

تاريخ الإضافة الثلاثاء 6 تموز 2010 - 5:18 م    عدد الزيارات 772    التعليقات 0

        

 

بقلم مدير المركز ... حسان القطب
عام 1978، وعقب الاجتياح الإسرائيلي المحدود للبنان وتنفيذاً للقرار الدولي 425، انتشرت القوات الدولية في جنوب لبنان لتامين الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب ولتسهيل عودة النازحين اللبنانيين إلى قراهم، ولمساعدة الدولة اللبنانية على بسط سيطرتها على الجنوب اللبناني وتحديداً جنوب نهر الليطاني وللمساعدة على إيجاد وإنشاء منطقة تكون عازلة بين المقاومة الفلسطينية المنتشرة في الجنوب اللبناني آنذاك والحدود الدولية بين فلسطين المحتلة ولبنان..شعرت منظمة التحرير الفلسطينية بخطورة خسارتها لحرية الحركة في الجنوب ولعزلها وشل قدرتها على استهداف القوات الإسرائيلية المنتشرة إلى جانب قوات سعد حداد داخل لبنان والجانب الأخر من الحدود، فكان أن وقع أول اشتباك دموي وخطير بين عناصر حركة فتح والكتيبة الفرنسية في منطقة صور سقط بنتيجتها بعض القتلى والجرحى ومن بينهم الكولونيل الفرنسي قائد الكتيبة الفرنسية العاملة في إطار القوات الدولية ..وكان من تداعيات هذه المعركة تحييد القوات الدولية ومنعها من ممارسة أي دور جدي وفاعل عقب هذه المعركة، وتحددت بعدها مهمتها التي لا تزال مستمرة بقوة القرار 1701، إلى تعداد عدد وحجم الخروقات الإسرائيلية للقرار الدولي وللحدود الدولية براً وبحراً وجواً..
إلى أن جاء القرار 1701، الصادر عن مجلس الأمن الدولي وبموافقة القوى اللبنانية كافة وعلى رأسها حزب الله المشارك في حكومة الرئيس السنيورة آنذاك، وذلك عقب حرب تموز/يوليو من عام 2006، الذي أعاد إحياء دور القوات الدولية ومهامها في الجنوب اللبناني لنفس الأسباب والأهداف التي استدعت استصدار القرار السابق 425، ولكن بتعداد للقوات أكبر وبمهام ومهمات أكثر تفصيلاً وتوضيحاً..حيث ينص (البند 3)، من القرار التنفيذي على ما يلي.. 3- (يركز على أهمّية بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على الأراضي اللبنانية كاملةً تماشياً مع أحكام القرار 1559 (2004) والقرار 1680 (2006) وبنود اتّفاق الطائف ذات الصلة، كي تمارس سيادتها كاملة، فلا يعود هناك سلاح بدون موافقة الحكومة اللبنانية ولا سلطة غير سلطة الحكومة اللبنانية). كما يؤكد مضمون القرار على التالي.. (التنفيذ الكامل لبنود اتفاق الطائف ذات الصلة والقرارَين 1559 (2004) و1680 (2006) التي تنصّ على نزع سلاح كلّ المجموعات المسلّحة في لبنان بحيث أنّه، وتبعاً لقرار الحكومة اللبنانية في 27 تموز/يوليو 2006، لن تكون هناك أسلحة أو سلطة في لبنان غير أسلحة الدولة اللبنانية وسلطتها،عدم وجود قوّات أجنبيّة في لبنان بدون موافقة الحكومة اللبنانية،منع بيع الأسلحة والموادّ ذات الصلة إلى لبنان أو تزويده إياها إلاّ بإذن من حكومته)..
الأسباب التي دعت حزب الله وملحقاته من خلال الحكومة اللبنانية للموافقة في عام 2006، على القرار الدولي رقم 1701، هي نفس الأسباب التي دفعت منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة اللبنانية عام 1978، للموافقة على القرار 425، وهي التالية... الاندفاع العسكري الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية، عدم التكافؤ والخلل الفاضح في ميزان القوى وانعدام القدرة على مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية المتفوقة، غياب قوى الممانعة والمقاومة العربية والدولية عن المشاركة في شرف الحرب والمقاومة للدفاع عن لبنان والشعبين اللبناني والفلسطيني باستثناء إصدار التصريحات والبيانات شديدة اللهجة..!! وتلكؤ المجتمع الدولي عن لجم هذه الإندفاعة الإسرائيلية غير المبررة، وارتفاع أعداد القتلى والجرحى وتدفق النازحين واللاجئين اللبنانيين من الجنوب اللبناني إلى الداخل بما ينذر بوقوع كارثة إنسانية يجب تداركها تحت أي ثمن أو كلفة سياسية وأمنية للخروج من هذا المأزق الصعب ولو استدعى ذلك الموافقة على قرار دولي لا يوازن بين حق المعتدى عليه في الدفاع عن نفسه، وبين رغبة المعتدي في إيقاع أكبر قدر من الخسائر البشرية والمادية في صفوف اللبنانيين..دون استثناء..
بعد أربع سنوات على هذا القرار (1701) ونحن على أبواب 12 تموز/يوليو...ذكرى انطلاق شرارة الحرب المدمرة تلك، تفاقمت المشكلات مع القوات الدولية وبالتحديد الفرنسية أكثر من غيرها، بسيناريو يذكرنا بما جرى عام 1978، والهدف متشابه تحجيم الدور الذي تقوم به القوات الدولية في جنوب لبنان وفقاً لما نص عليه القرار الدولي 1701، من مساعدة الدولة على بسط سلطتها وسيادتها على جنوب الليطاني إلى الاكتفاء بتعداد الخروقات الإسرائيلية للحدود اللبنانية وتقديم المساعدات العينية للمواطنين اللبنانيين المقيمين في القرى الواقعة جنوب الليطاني.. ولكن من المهم القول أيضاً أن القوات الدولية لم تنجح في القيام بدورها بشكل يتناسب مع نصوص القرار الدولي...فالخروقات الإسرائيلية مستمرة وبنفس الوتيرة والأسباب التي تبرر بها ممارساتها هي عدم ثقتها بقدرة القوات الدولية على ضبط منطقة جنوب الليطاني.. وحزب الله هو الأخر باعتباره سلطة كاملة في الجنوب وبعض مناطق لبنان.. يعلن عدم ثقته بالقوات الدولية حيث يقول...  النائب في حزب الله، علي فياض ("إن ثمة قراءة لبنانية للقرار 1701 ترى أن جوهر القرار هو مساعدة لبنان على بسط سلطته وحماية سيادته، وان ما يهدد السيادة وبسط السلطة في لبنان هو إسرائيل").. وفي قراءة أخرى لدور القوات الدولية في جنوب لبنان يقول.. رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد أن «اليونيفيل لا تملك صلاحية التحرك كيفما كان خلال وجودها في لبنان وإنما عليها أن تلتزم ما هو موجود في نص القرار 1701، كما أن عليها أن تنسق بشكل دائم مع الجيش اللبناني الذي يشكل المرجعية الأمنية للبنانيين، أما إذا أراد البعض أن يفرض نفسه مرجعا امنيا يصادر السيادة الأمنية في الجنوب فهذا تجاوز للقرار المذكور»...
لن نناقش ما ورد في كلام النائبين عن حزب الله حول دور ومهمات وأهداف القوات الدولية في الجنوب اللبناني.. لأن كليهما يحاول أن يحدد دور هذه القوات الدولية بما يتناسب مع طموحات حزب الله والراعي الإيراني..وهي أن تقتصر هذه المهمة على تقديم المساعدات العينية من مواد غذائية ومولدات كهربائية وإنشاء نوادي رياضية وحدائق عامة وتوظيف عدد لا بأس به من الشباب الجنوبي في مؤسسات القوات الدولية والأمم المتحدة حيث يقال أن عددهم يتجاوز اليوم حوالي 8000، موظف يعملون في مختلف مؤسسات الأمم المتحدة.. وبالتالي على قيادة القوات الدولية أن تتجاهل ما يجري داخل القرى وخارجها، وان تكتفي بالمشاهدة والحوار مع (الأهالي) وليس مع الدولة اللبنانية.. والنائب رعد لم يلحظ أي خطر على السيادة اللبناني حين وافق حزبه من خلال الحكومة اللبنانية على حضور 13500، جندي دولي لتأمين الانسحاب الإسرائيلي وإعادة الهدوء والاستقرار للجنوب اللبناني وعودة النازحين..لأن الهدف حينها كان تجنب الأسوأ واستيعاب غضب المواطنين المشردين النازحين من ديارهم ... أما وقد استقرت الأمور..فقد تم الانتباه لموضوع السيادة والتأكيد على تحديد المرجعية الأمنية..
مصطلح الأهالي وسلاح الأهالي تم استعماله مرات عديدة، حتى في الداخل اللبناني..في شهر كانون الثاني/يناير من عام 2008، حين نزل سكان الضاحية الجنوبية في منطقة (مار مخايل) لقطع الطرقات احتجاجاً على انقطاع الكهرباء واستفزوا الجيش اللبناني فوقع صدام كانت بنتيجته سقوط عدد من القتلى والجرحى من المدنيين، وكان من نتيجة ذلك اعتذار قيادة الجيش التي فتحت تحقيقاً وعاقبت بعض الضباط والجنود دون (الأهالي).. وتحييد الجيش عن الخلافات الداخلية حتى لا يصطدم مع النساء والأطفال والشبان..أو ما يطلق عليه مصطلح (الأهالي) مرة أخرى... ووقعت أحداث وغزوة السابع من أيار/مايو من عام 2008، تحت سمع وبصر الجيش اللبناني الذي لم يحرك ساكناً، بل التزم الحياد..حتى لا يصطدم (بالأهالي).. والقوات الدولية في جنوب لبنان التي تجنبت حتى اليوم الاصطدام والاشتباك مع (الأهالي) حتى لا يسقط قتلى أو جرحى من المدنيين رغم ما تعرضت له هذه القوات من مضايقات واستفزازات واتهامات، تستفيد من تجربة الجيش اللبناني خلال أحداث مار مخايل في بيروت، وهي اليوم بين خيارين لا ثالث لهما:
-        إما الانسحاب من لبنان وترك لبنان والشعب اللبناني يواجه مصيره الذي يرسمه ويقوده إليه تصريحات ومواقف وممارسات بعض القوى والسياسيين. وخطورة هذا الأمر وتداعيات قرار بهذا الحجم، تبرز حين دعا أبو الغيط وزير الخارجية المصري.. (الأمين العام للأمم المتحدة وقائد القوات الدولية إلى البحث في أسباب التوتر (بين «اليونيفيل» والأهالي)، وأمل بأن تتدخل السلطات اللبنانية الموجودة على الأرض لضبط الموقف، واعتبر أن انسحاب «اليونيفيل» من الجنوب «يؤدي إلى عواقب وخيمة»، داعياً إلى عدم استفزاز الأمم المتحدة).
 
-        أو الانكفاء عن مهامها القتالية وممارسة دور المؤسسات الاجتماعية التي تؤمن الخدمات والرعاية الصحية والمساعدات العينية للمواطنين الجنوبيين وتعبيد الطرقات والأرصفة، والاكتفاء بتعداد الخروقات الإسرائيلية.. دون ممارسة عمل جدي وموضوعي للجم هذه الخروقات ووقفها ومساعدة الدولة اللبنانية على بسط سلطتها وسيادتها التي يبحث عنها النائب محمد رعد على الأراضي اللبنانية...
 
القوات الدولية في الجنوب اللبناني أصبحت ضرورية للحفاظ على الهدوء والاستقرار في هذه المنطقة التي عانت طويلاً من ويلات الحرب ومعاناة النزوح وإعادة البناء ودفع ضريبة المواقف والصراعات السياسية الإقليمية والدولية على الساحة اللبنانية المستباحة..واستفزاز هذه القوات تحت عنوان حرية الحركة أو طبيعة الحركة الميدانية لا يخفي أن في الأفق أمور أخرى تحرك هذا الملف وتدفعه للواجهة من بينها بل على رأسها القرار الظني للمحكمة الدولية وهو ما أشار إليه حليف حزب الله..(وئام وهاب) وهو ما استدعى أيضاً انكفاء وليد جنبلاط إلى المواقع الخلفية وإصدار مواقف وتصريحات مناقضة لمسيرته ومساره طوال الأعوام الأربعة المنصرمة ليكون بعيداً عن أية تداعيات محتملة..والملف النووي الإيراني هو الأخر عنوان الصراع في المنطقة يعتبر من ضمن الأسباب والمسببات لحركة (الأهالي) تلك، ولكن يبدو أن البعض عندنا في لبنان هم أدوات للمواجهة الإقليمية على الساحة المحلية عند الضرورة ...إن لم يكونوا وقودها...!!
حسان القطب
 
 
 
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,958,495

عدد الزوار: 6,973,148

المتواجدون الآن: 66