المرحلة المقبلة في نظر "المعارضة":استبعاد الملفات الخارجية والعمل بالقضايا الداخلية

تاريخ الإضافة الأربعاء 16 كانون الأول 2009 - 5:18 ص    عدد الزيارات 3194    التعليقات 0    القسم محلية

        


تتصرف قوى المعارضة منذ فترة على اساس ان رئيس الحكومة سعد الدين الحريري ذاهب لا محالة الى دمشق ولو "طال السفر"، فهي تقيم على اعتقاد فحواه ان الرجل مهّد لهذه الخطوة من خلال تغيير في الخطاب وتحول جليّ في الأداء والسلوك.
وهذا "التكيف"المبكر الذي بدأه الحريري مع الخطوة المنتظرة، وهي بلوغ عاصمة الامويين، في يوم من الايام، هو بالنسبة الى اوساط المعارضة "فرض عين" وواجب كفائي، اقتضته مرحلة التفاهم السوري – السعودي التي حكمت اللعبة السياسية برمتها منذ ما بعد الانتخابات النيابية في 7 حزيران الماضي بلوغاً الى مرحلة اقرار البيان الوزاري وما تخللها من "شجارات" وسجالات سياسية أصابت تداعياتها "الفريق الاكثري" نفسه، وجمهوره، الذي ذهب الى اقصى الحدود في معاداته لدمشق ونظامها وحلفائها الأقربين والأبعدين في لبنان.
إنها إذاً، في نظر دوائر القرار في قوى المعارضة ان المحطة الثانية والأهم في مرحلة "التحول الحريرية" ستكون لحظة ان تحط طائرة الحريري الخاصة في مطار دمشق، ليقابل بعدها قادة نظامها وفي مقدمهم الرئيس بشار الاسد.
ولكن المعلومات والوقائع الموجودة أمام هذه الدوائر منذ فترة عن طبيعة هذه الزيارة الموعودة، وما سيعقبها مباشرة من معطيات، تشير الى ان ثمة "تفاهما" مسبقا بين راعيي الزيارة على اطارها العام وخطوطها العريضة وتوجهاتها المرتقبة لاحقاً.
وأبرز هذه الاطر ان مهمة الرئيس الحريري وحكومته الاساسية ستكون من الان وصاعداً العمل في الملفات الداخلية البحتة، ففي هذه الدائرة، يملك الحريري حرية واسعة في الاجتهاد حولها، بالتفاهم مع القوى المكونة للحكومة، علماً أن ثمة من يعتقد أن يد الرجل لن تكون مطلقة ورحلته في هذا الميدان لن تكون بلا صعاب ووجهات نظر مخالفة لتوجهاته.
اما بالنسبة الى الملفات ذات البعد الخارجي، فثمة ما يشبه التفاهم على أمرين: الأول تحييدها قدر الامكان، وخصوصاً ان الملف الاكثر اثارة ومدعاة للجدل والسجال، وهو ملف سلاح المقاومة، بات متفقا عليه من خلال ارضاء حاملي هذا السلاح والمدافعين عنه بشراسة مطلقة، بتشريعه ببند مكرر في البيان الوزاري، فيما أعطي المعارضون لهذا السلاح مجالا حيوياً من خلال ترحيل مصير هذا السلاح الى طاولة الحوار الوطني التي يفترض ان تناقش حصرا الاستراتيجية الوطنية الدفاعية، وما يندرج تحتها من بنود تتصل بعلاقة هذا السلاح بالجيش والدولة.
والثاني هو في رأي الدوائر عينها استبعاد ملف المحكمة الدولية بعدما تم ايجاد رابط بينه وبين الاستنابات القضائية السورية التي برزت الى الواجهة على نحو مباغت في الايام القليلة الماضية. الى ذلك هناك ما يشبه الطي لملفات كانت في الاعوام الخمسة المنصرمة بعضا من مواد الخلافات المستحكمة بين بيروت ودمشق كمثل السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وقضية ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، وما ينبثق منها من تشعبات وامتدادات كقضية التهريب، اذ ان هذه الملفات سيترك امر الاحتكام فيها لاحقا الى التفاهم وراعييه.
 وبناء عليه تعتقد دوائر المعارضة عينها ان الرئيس الحريري سيصل الى دمشق في زيارة سيكون شكلها "اكثر بلاغة من مضمونها"، فهي لن تتناول مواضيع جوهرية ولن يسمح وقتها بالغوص في الملفات الشاقة والشائكة والمتعددة في آن واحد، بل سيكون المنحى الاهم فيها انها ستبدأ بازالة اعوام خمسة من القطيعة والعداء بين زعيم سياسي ولج الى عالم السياسة فجأة من باب "الثأر" لوالده من نظام حوصر منذ البداية بشبهة اغتيال والده، وتكرست زعامته على اساس عدائه لهذا النظام، ومن بقي مقيما على العلاقة معه في حينه.
وبذا يكون الحريري ذهب الى العاصمة السورية في محطة اولى عنوانها الكبير مد جسور التواصل المعدومة اصلا بين عالمين مختلفين حكمهما العداء المطلق زمنا ليس بالقصير.
ولذا فالحريري يبدو وكأنه محكوم بأمرين اثنين: الاول تحاشي مقاربة الملفات الخلافية بينه وبين دمشق ولو مرحليا، والثاني البحث عن آليات لإمكان ارساء بذور علاقة شخصية وسياسية بينه وبين القيادة السورية يمكنها ان تعطي اكلها وثمارها لاحقا، على نحو يتجاوز ماضي العلاقة الاليم وذكرياته الموجعة لكلا الطرفين.
وعليه ستكون برأي الدوائر اياها، مناطق الاثارة والاهمية في الزيارة المرتقبة للحريري في عاصمة الأمويين، هي في مآل مرحلة ما بعد مشهد المصافحة المرتقبة والصيرورات التي ستحكمها والنتائج التي ستبنى عليها.
ولا يفوت الدوائر نفسها الاشارة الى انها تملك تصورا مسبقاً لشكل هذه المرحلة المرتقب بروزها، ولطبيعة تأثيراتها على مجريات السياسة في الساحة اللبنانية، وهي في هذا الاطار تنطلق من مسألتين تحب تسليط الضوء عليهما:
- إن المرحلة المشار اليها، ستكون الأقرب الى الاستقرار وانضباط غالبية القوى تحت سقف معين، من دون ان يعني ذلك انسداد الطرق نهائياً امام بروز تناقضات حول قضايا خلافية معينة، ولكن ذلك لا يعني بشكل او بآخر عودة عجلة الامور الى "مرحلة خلافات" الاعوام الخمسة وتناقضاتها "المتفجرة"، التي وضعت البلاد على شفا حفرة من الاحتمالات السوداء.
لذا فإن الدوائر ذاتها تقيم على اعتقاد فحواه ان القوى التي ما برحت تمنّي نفسها بالذهاب الى بؤر "توترية" تستفيد منها بإعلاء سقف شعاراتها والاستفادة من مناخاتها، ستصاب بالخيبة على اساس ان ضوابط المرحلة المشار اليها، ستكون بالمرصاد وستكون الحاجب والمانع.
- على رغم بداهة هذا الواقع، فإن الدوائر ذاتها تتحدث ضمناً عن "مرحلة اختبار وتجريب" ستخضع لأحكامها غالبية القوى الاساسية والوازنة في اللعبة السياسية، وستبنى على نتائجها مقتضيات عدة.
بالطبع لا تحب هذه الدوائر المغامرة بإطلاق استنتاجات مسبقة حيال هذه المقتضيات، لكن طبيعة المرحلة و"المصالحة" الحريرية – السورية، ستخلق حتماً اطراً مختلفة وقواعد جديدة وستتضافر لتقدم مشهداً جديداً في جوهره الكثير من معالم وسمات الحقبة السياسية الممتدة من عام 1992 وحتى عام 2000، حيث كانت الرياض ودمشق مرجعية فض الخلافات وضبطها وتدوير الزوايا الحادة، مع علامة فارقة اساسية لا يمكن نسيانها تتمثل في غياب شخصية فذة مثل شخصية الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يتعين على الجميع الانتظار وقتا طويلا لكي يجود الزمن بمثلها.
وبالطبع فإن الدوائر نفسها ما برحت ترفض الخوض في الحديث عن ميزان الربح والخسارة، فهي تراعي شعور جمهور الاكثرية الذي يعاني وهو محكوم للانخراط في تحول دراماتيكي يطاول الشعار والاداء.

ابراهيم بيرم     


المصدر: جريدة النهار

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 157,024,335

عدد الزوار: 7,052,286

المتواجدون الآن: 78