نازحون سوريون يطالبون الأمم المتحدة بحمايتهم من الأمن اللبناني

عمار القربي لـ «الشرق الأوسط»: الحوار مع الشبيحة أجدى من الحوار مع النظام

تاريخ الإضافة الجمعة 8 تموز 2011 - 6:41 ص    عدد الزيارات 2644    التعليقات 0    القسم عربية

        


 

نازحون سوريون يطالبون الأمم المتحدة بحمايتهم من الأمن اللبناني
اشتباك في القصير السورية بين مظاهرة مؤيدة وأخرى مناهضة
بيروت: يوسف دياب
أكد ناشط بارز في مجال حقوق الإنسان لـ«الشرق الأوسط»، أن النازحين السوريين في لبنان يطلبون من الأمم المتحدة تأمين الحماية لهم، لأنهم قلقون على حياتهم ومصيرهم. وردا على سؤال عن مصدر القلق الذي ينتابهم، قال الناشط «هم يخافون من الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية المتعاونة إلى أقصى الحدود مع أجهزة الأمن السورية في تعقب واعتقال أشخاص من بين النازحين، يعتبرهم الأمن السوري من المحرضين على النظام». وأضاف أن «هناك العشرات من الأشخاص السوريين الذين يرصدهم الأمن اللبناني، لكن لا أحد يحميهم سوى التفاف أقاربهم اللبنانيين حولهم والمهتمين بمجال حقوق الإنسان».
وقال خضر الحسين، وهو سوري ورب عائلة هاربة من بلدة هيت في محافظة حمص، ويقيم مع أسرته مؤقتا عن أقاربه اللبنانيين في بلدة النصوب، إن «الناس تعيش حالة مأساوية». وأضاف: «نحن حتى الآن لم نستطع حصاد موسمنا الزراعي بسبب الوضع الأمني الذي تحول إلى كابوس يومي». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن بلدته هيت «باتت شبه خالية من سكانها ما عدا بعض الرجال المتقدمين بالسن الذين يرفضون المغادرة، ويفضلون البقاء لحراسة أرزاقهم من النهب أو التلف». وأشار إلى أنه «كل يوم تصلنا أخبار مرعبة عما يتعرض له الناس في بعض المناطق السورية القريبة منا من تعذيب وخطف للشبان وحتى النساء من منازلهم من قبل المخابرات (السورية) وعناصر الشبيحة، وعمليات انتقامية ضد البلدات التي يخرج أبناؤها للتظاهر ضد النظام». وأضاف أن «الروايات التي تصل إلى البعض من أقارب لهم في مدينة حماه مرعبة».
من جهته، قال مصدر لبناني لـ«الشرق الأوسط» إن النازحين السوريين في لبنان «باتوا قلقين على وضعهم، لأن السلطات اللبنانية ومعها مؤسسات الأمم المتحدة، لم تؤمن لهم حتى الآن ملجأ أو مخيما قانونيا يؤويهم، رغم مرور نحو الثلاثة أشهر على وجود معظمهم، وفي ظل تفاقم مشكلاتهم الاجتماعية والإنسانية والصحية وحتى الأمنية». وأشار إلى أن «الهيئات التابعة للأمم المتحدة تمتنع حتى الآن عن تسليمهم الخيام بحجة عدم وجود قرار من مجلس الوزراء اللبناني يجيز لها تقديم مثل هذه المعونات».
وأضاف المصدر «باتت المساعدات التي تقدم إلى الضيوف السوريين تقتصر على المبادرات الفردية لبعض المتمولين اللبنانيين، وبعض الجمعيات التي تساعد بحسب استطاعتها وهي الجمعية الطبية الإسلامية، الرحمة العالمية الكويتية، الإرشاد والإصلاح، البشائر، الأيادي البيضاء، صندوق الزكاة في طرابلس». وأكد أن «المشكلات الصحية تتزايد في صفوف النازحين»، خصوصا أن «اتحاد الأطباء العرب» كان تعاقد مع مستشفى «الشفاء» في طرابلس وقدم تغطية طبية قدرها ألف دولار أميركي لكل حالة مرضية، خصوصا أصحاب الأمراض المزمنة، وكذلك «الهيئة العليا للإغاثة» إلا أن التمويل جف لدى الطرفين ولم يعد هناك من مورد آخر لمعالجة هؤلاء المرضى.
إلى ذلك، كشفت مصادر ميدانية عن أن مدينة القصير السورية القريبة من الحدود اللبنانية شهدت أمس اضطرابا أمنيا، نتج عن التحام مسيرتين الأولى مؤيدة للنظام السوري كانت متجهة من بعض البلدات ذات الغالبية العلوية إلى داخل المدينة، والثانية مناهضة للنظام ومطالبة بإسقاطه كانت تجوب شوارعها، ما أسفر عن سقوط عدد من الجرحى، استدعى تدخل أجهزة الأمن السورية التي نفذت اعتقالات في صفوف المحتجين المعارضين. وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الحادثة أثارت خوف وحذر عشرات العائلات التي آثرت ترك منازلها واللجوء إلى البساتين تحسبا من مداهمة الأمن السوري لمنازلهم والقبض على أبنائهم، بانتظار توفر مسلك أمن يوصلهم إلى الأراضي اللبنانية».
 
سلطة الدولة تتآكل.. والنظام متوتر مع اقتراب رمضان
دبلوماسيون غربيون: النظام حول أموالا وأسلحة إلى القرداحة مسقط رأس الأسد.. والتجار يحولون أموالهم للدولار
لندن: «الشرق الأوسط»
مع اتساع رقعة وحجم المظاهرات ضد النظام في سوريا، تغض السلطات السورية الطرف عن مخالفات في العادة لا تغفل النظر عنها، فيما يبدو النظام في «حالة توتر» مع اقتراب شهر رمضان، خشية تحول المظاهرات الأسبوعية حتى الآن، إلى مظاهرات يومية، بحسب ما أكد دبلوماسيين غربيون لـ«الشرق الأوسط».
وتحدثت عدة تقارير صحافية عن انتشار الفوضى في مناطق عديدة من البلاد، في ما يفسره بعض المراقبون بأنه دليل على تآكل سلطة الدولة. وذكرت مجلة الـ«إيكونوميست» في عددها الأخير، أن «سلطة الحكومة تتقلص بشكل واضح» في عدد من المناطق السورية، وقالت إن الشرطة لم تعد تصدر تذاكر مخالفات سير للسيارات المسرعة أو المتوقفة في أماكن غير مسموح بها. وذكرت أيضا أن التجار غير المرخص لهم ينتشرون في السوق، وهو أمر لم يكن مسموحا بها حتى فترة قصيرة، وأن البناء غير المرخص أصبح متفشيا.
وأكد رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، لـ«الشرق الأوسط»، حدوث هذه المخالفات، وقال: «هناك أشخاص يضيفون طوابق على أبنيتهم من دون تراخيص، ولا تتم ملاحقتهم، خصوصا في مناطق مثل بانياس وقرى إدلب وريف دمشق وبعض قرى حماه».
كما أشار عبد الرحمن إلى أن هناك عائلات لم تعد تدفع فواتير الكهرباء والماء وغيرها، بسبب عدم القدرة على دفعها بعد أن شحت أعمالهم، خصوصا لأصحاب المهن الحرة. وقال: «هناك الكثير من المناطق في سوريا لا تعيش بشكل طبيعي.. تغلق محالها في الساعة الثالثة بعد الظهر بينما كانت تفتح لوقت متأخر من الليل، والسبب عدم وجود أشغال».
ورأى عبد الرحمن أن «هناك تراخيا» من قبل السلطات في متابعة المخالفات، «كي لا يحركوا الشارع ضدهم أكثر». وأضاف: «النظام يغض النظر عن هذه الأمور كي لا يخلق متظاهرين جددا في الشارع، أو لمنع الناس من الانضمام للمظاهرات». وقد أكد دبلوماسيون غربيون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن النظام السوري ترك في البداية المتظاهرين في حماه والمناطق الكردية بعيدا عن القبضة الأمنية «كي لا يستفزها»، ولكنه فوجئ بخروج أهالي تلك المناطق في مظاهرات ضخمة ضده، «فقرر عندها أن يعود ويقمعهم».
واعتبر مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان أن «الأيام المقبلة في سوريا ستكون حاسمة، وطريقة التعاطي مع حماه ستكون حاسمة». وكانت حملة أمنية بدأت على حماه قبل عدة أيام، تشمل تنفيذ اعتقالات واسعة بلغت نحو 500 اعتقال بحسب ناشطين، وذهب ضحية الشبيحة وقوات الأمن أول من أمس نحو 22 قتيلا. كما تتمترس دبابات الجيش على مداخل المدينة. وقد تلا ذلك إقالة محافظ المدينة يوم السبت الماضي، بعد يوم من خروج نحو نصف مليون متظاهر إلى شوارع حماه يطالبون الأسد بالرحيل.
وأكد عبد الرحمن أمس أن النظام السوري «يخشى انتقال عدوى حماه» إلى مدن أخرى، بعد يوم الجمعة الماضي. وتحدث عن قطع الاتصالات والكهرباء عن المدينة لبعض الوقت، وقال: «لم نعد نعلم ما يفعله النظام هناك. يبدو أن هناك جناحين داخل النظام، واحد يفكر بالحل الأمني والعسكري، وآخر يحاول أن لا يؤلب المجتمع الدولي ضد النظام أكثر مما هو الآن».
وذكرت صحيفة الـ«وول ستريت جورنال» في تقرير لها قبل أيام، أخبارا مشابهة عن مخالفات في البناء وغيرها باتت منتشرة مؤخرا في ضواحي دمشق وحمص. ولكنها أشارت أيضا إلى ارتفاع نسبة الجرائم الخفيفة في دمشق، من عمليات سرقات ونشل في شارع الحمراء وسط العاصمة، من دون أن تلاحق الشرطة المجرمين، وهو ما كان يحدث في الماضي. وقالت إن بعض السكان يلومون «تلهي» الشرطة بقمع المحتجين في أماكن أخرى من البلاد، مما يؤدي إلى فلتان أمني في مناطق أخرى. وتحدثت أيضا عن غياب منظفي الشوارع في بعض أزقة العاصمة لمدة أيام متتالية أحيانا، بينما تتكدس النفايات على جوانب الطرقات.
وقالت الصحيفة إن «الناشطين يلومون أعمال الحكومة في تصاعد مظاهر العصيان، إلا أن بعض السوريين يلومون المتظاهرين. وفي مواجهة القمع العسكري ضد مناطق الاحتجاج الحامية، اعتمد المتظاهرون العصيان المدني كوسيلة جديدة لمحاربة النظام». وذكرت أن سكان دوما الواقعة بالقرب من دمشق، أصدروا بيانا أعلنوا فيه أنهم سيتوقفون عن دفع فواتير الماء والكهرباء كجزء من حملة عصيان مدني.
وفي موازاة الفوضى الأمنية، يتحدث دبلوماسيون غربيون أيضا عن «فوضى مالية»، ويروون أن سوريا شهدت حالات خروج غير مسبوقة من التجار، وحالات تهريب أموال، إضافة إلى تحويل أموال من الليرة السورية إلى الدولار الأميركي، خوفا من انهيار قريب لليرة. وتحدث دبلوماسيون عن أن النظام حول «أموالا ووثائق وأسلحة إلى القرداحة»، وهي مدينة ذات أغلبية علوية، ومسقط رأس آل الأسد.
وذكرت مجلة الـ«إيكونوميست» أن السائقين على الطريق بين سوريا ولبنان يتحدثون عن زبائن يتوجهون مباشرة من مصارف في دمشق إلى أخرى في بيروت، محملين بحقائب ضخمة. وأشارت، بحسب أحد التقديرات، إلى أن 20 مليار دولار أميركي غادرت البلاد منذ مارس (آذار) الماضي، مما تسبب في ضغوط على الليرة السورية. وذكرت أن السلطات رفعت من أسعار الفائدة لكي توقف سحب الأموال، مشيرة إلى أن شركة هواتف جوالة تابعة لعائلة الأسد بعثت برسائل نصية للمشتركين تحثهم فيها على إيداع أموال في حساباتهم المصرفية.
واعتبرت المجلة أن الوضع الاقتصادي يشكل التهديد الأول للنظام، وذكرت أن التبادلات التجارية انخفضت إلى النصف، استنادا إلى محللين ومتمولين. وقالت على سبيل المثال، إن شركة تبيع زيتا لمحركات السيارات، انخفضت مبيعاتها بنسبة 80 في المائة. وقالت إن معظم الشركات إما طردت موظفين أو خفضت الرواتب، وإن نسبة البطالة تضاعفت، بعد أن كان معدلها 10 في المائة. وقالت إن هناك قلقا بين المسؤولين من إمكانية انخفاض إمدادات الحبوب قريبا. وأضافت أن التجارة انخفضت بين 30 في المائة و70 في المائة، بحسب المكان، وذلك كان قبل جولة العقوبات الأوروبية الأخيرة، علما بأن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لسوريا.
وذكرت الـ«إيكونوميست» أيضا أن الاستثمارات الأجنبية التي اعتمدت عليها سوريا في نموها في السنوات الماضية، قد جفت. وكان الرئيس السوري بشار الأسد قد حذر من «انهيار اقتصادي» في خطاب ألقاه مؤخرا. وتحدث المجلة عن أن «أزمة كبيرة» تقع فيها الأموال العامة، مشيرة إلى قرار الحكومة الأخير بزيادة رواتب موظفي الدولة، وهو «ما لا يمكنها تحمل نفقاته». وقالت: «الحكومة قد تلجأ إلى طباعة الأموال لكي تفي بوعودها، ولذلك فهناك خطر حدوث تضخم، مما سيزيد من النقمة الشعبية بعد أن تفقد المدخرات قيمتها».
يقول دبلوماسيون غربيون إنه باتت هناك قناعة أميركية - أوروبية، بأن النظام انتهى وأنه لم تعد هناك فرص لبقائه، إلا أن المشكلة في غياب البديل، الذي يبدو حتى الآن، الفوضى.
 
نجيب الغضبان: الأسد يعتمد على «دليل الديكتاتور» .. وماهر مكانه لاهاي
الأكاديمي والناشط السوري لـ«الشرق الأوسط»: الأميركيون لا يريدون تغيير النظام لكن تغيير سلوكه
لندن: نادية التركي
بين الناشط السياسي في مجال نشر الديمقراطية والشأن السوري نجيب الغضبان أن المعارضة السورية بالخارج تسعى للتواصل مع المعارضة بالداخل لتشكيل نواة مرحلة انتقالية. وأوضح أيضا أن موقفهم محكوم بموقف الشارع في سوريا، وأن هناك إجماعا أن لا حوار مع القتلة بما فيهم الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر وأخوه المنحاز له. كما أكد أن موقف المعارضة واضح وهو قبول التحاور مع جميع من لم يثبت تورطهم من دون أي إقصاءات.
ورسالتهم للأسد أنه إذا أراد المساعدة فيجب أن يتنحى، وأن ماهر مكانه لاهاي ليحاكم على جرائمه في حق الشعب. كما طمأن الغضبان الطائفة العلوية والمسيحية بأنه ستكون هناك شراكة بينهم وبأن صمتهم أخذ بإيجابية وأن لا خوف من التغيير.
ويعمل الغضبان في إطار المعارضة السورية في الخارج، وحاورته صحيفة «الشرق الأوسط» على هامش الزيارة التي يقوم بها للندن بعد زيارته لروسيا والتقائه بمساعد الرئيس الروسي الذي أعلن في حديثه معهم أن روسيا لديها «صديق واحد هو الشعب السوري.. لكن العملية ليست سهلة»، وهذا اللقاء يدخل في إطار الجهود التنسيقية للمعارضة في الخارج. كما أن الغضبان أكاديمي وكاتب وعضو مجلس أمناء للكثير من المؤسسات والمراكز البحثية والمهنية، ومنها مركز دراسات الإسلام والديمقراطية، وهو عضو مؤسس في شبكة الديمقراطيين في العالم العربي. وهو أيضا عضو اللجنة الاستشارية لمؤتمر أنطاليا.
وبين الغضبان أنهم كمعارضة لا يعولون على الأسد، خاصة أن شروط الحوار الحقيقي غير متوفرة فالاعتقالات مستمرة. كما يعتقد أن مثل هذا الأمر جاء متأخرا كما كان بالنسبة لابن علي ومبارك، وحسب رأيه فكلهم يقرأون من نفس الكتاب وهو ما يسميه «دليل الديكتاتور». وبالنسبة للمعارضة فهم يرون أن الإصلاحات يجب أن تقود إلى تغييرات بنيوية وهيكلية في النظام.
وعن الدعوة التي وجهها النظام السوري للمعارضة قال الدكتور الغضبان إن النظام وجد نفسه بعد قرابة 3 أشهر من الضغط المحلي والإقليمي والدولي أن عليه أن يقدم أي مبادرة سياسية غير الحل الأمني مع الحراك الشعبي، كما أنه استمع لنصيحة من تبقى له من أصدقاء بضرورة الحوار مع بعض أطراف المعارضة، وهذا ما يمكن أن يعطيه المزيد من الوقت وهذه أهدافه فعلا، وليس الإصلاح الحقيقي ونحن نرى أن بشار يواجه ما يسمى بـ«معضلة الملك» وأنه لو قام بإجراء إصلاح سيكون تحت الضغط الدائم وبالتالي فهو معرض لاحتمالات السقوط.
وبين الغضبان أن دعوة النظام السوري للمعارضة جاءت انتقائية حيث أراد تغييب الجزء الأكبر منها، كما أكد أن قادة الحراك السياسي من الذين خرجوا للشوارع غائبون تماما، مع أنه بدأت تتبلور قيادات من هؤلاء الشباب في عدة صيغ مثال «اتحاد تنسيقيات شباب الثورة» ويجب الإقرار بأنهم اكتسبوا مهارات في مجال التنسيق السياسي لكن ما يلاحظ حسب الغضبان أن هذا الشارع السوري حسب الأسد غير معني بموضوع الحوار.
وعلق الغضبان على الخطاب الأخير الذي وجهه الأسد للشعب والطريقة التي قسم بها الشارع إلى 3 أنواع فصنف الشارع إلى أناس لهم حاجات وهذا ما يعكس نظرة دونية. والصنف الثاني والذين اعتبرهم مطلوبين للعدالة وحددهم بالعدد وبدقة وهذا يعني أنه يمكن التخلص منهم في المرحلة المقبلة. والصنف الثالث اعتبرهم من المتطرفين. فهو بالتالي وحسب رأي الغضبان لا يعترف بأن مطالب المحتجين هي مطالب شرعية.
وعن دور المعارضة في تحريك الشارع السوري والتساؤلات التي تطرح حول هذا الموضوع بين الغضبان أنه يتفق مع من يقول إن المعارضة لم تحرك الشارع فعليا ولكنه يختلف مع من يرى أنها أتت فقط لقطف ثمار الثورة، فالمعارضة السورية تعمل منذ فترة طويلة، ورغم مرور 41 عاما من التنكيل حافظت على استمرارها.
وشرح الغضبان موقفه هذا، مبينا أنه وعند صعود بشار الأسد كان هناك شعور بالارتياح حيث تنفس السوريون الصعداء وأحسوا أن الديكتاتور، أي حافظ الأسد، قد رحل، وأن وقت التطوير والتحديث قد حان، وقامت ظاهرة ربيع دمشق لكن سرعان ما قمعت بعد 6 أشهر فقط، بشار لم يتحدث أبدا عن الإصلاح السياسي كان يتحدث أكثر عن الاقتصاد والإدارة. ومنذ 2005 توحدت المعارضة في مواقفها بظهور إعلان دمشق الذي شمل كل الحركات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار والتي طرحت مقولة أنه لا بديل إلا الديمقراطية.
كما أكد الغضبان أن المعارضة السورية لا يمكن أبدا إنكار وجودها ولا مصداقيتها، وهي موجودة من خلال نشاطاتها لسنوات طويلة وكذلك رموزها وضرب مثالا على ذلك المعارض السوري هيثم المالح.
وحدد الناشط السوري غضب الشارع الذي دفع لتحركه والبداية الفعلية للثورة بعدة عوامل أهمها غياب الحريات، وتعامل الجهاز الأمني التابع للنظام والذي تغول في المجتمع بطريقة رهيبة، كذلك طبيعة النظام السياسي السوري حيث تعمل أعلى نسبة مخابرات فعلى كل 153 سوريا يوجد عنصر أمني للمراقبة وهذه نسبة مرتفعة جدا. إضافة إلى التحول إلى الاحتكار في المجال الاقتصادي وأنشطة رامي مخلوف، أصبح محتكرا هذا الوضع، إنه كان أمنيا وقمعيا، كان هناك احتكار للسياسة والاقتصاد. وتتطابق أعمال رامي مخلوف سوريا مع عائلة الطرابلسي أصهار الرئيس بن علي في تونس.
وزد على ذلك البطالة في صفوف الشباب، وانسداد الأفق السياسي والإهانات في التعامل التي يتعرض لها المواطنون السوريون بشكل يومي. كما دفعت عوامل خارجية أخرى لقيام الثورة السورية وأهمها نجاح الثورة في تونس ومصر. ولعبت أيضا الفضائيات والإنترنت والمواقع الاجتماعية مثل الـ«فيس بوك».
والانفجار الحقيقي كان مع اعتقال الأطفال في درعا والذين تراوحت أعمارهم بين 8 و15 سنة، وسوء التعاطي الأمني، وقد أدى القتل خاصة والوحشية في المعاملة والقمع إلى كسر حاجز الخوف.
وعن الآراء التي تقول بارتباط أمن إسرائيل بأمن سوريا بين الغضبان أن سوريا ألغت شعار الحرب ورفعت شعار الأمن كخيار استراتيجي، وهذا ما جعل إسرائيل تعتبرها جبهة هادئة مع جانب مزعج هو وجود حزب الله الذي اعتبرته إسرائيل أمرا يمكن التحكم فيه، وهذا الوضع خلق حالة لا حرب ولا سلام وهي قائمة على استمرار الوضع على ما هو عليه للطرفين، وأشار الغضبان إلى أن الأسد لم يقم بسلام منفرد رغم العرض الجيد الذي اقترحته إسرائيل، مؤكدا أن الوضع الراهن من مصلحة الطرفين.
وبالنسبة للموقف الأميركي من نظام الأسد قال الغضبان إن الأميركان لا يريدون تغيير نظام الأسد لكن تغيير سلوكه، فاستراتيجيا الحكومة السورية أفضل من أي بديل آخر حتى ولو كان ديمقراطيا. فتعاطي إسرائيل مع الحكومات الحالية أسهل بكثير من أنظمة ديمقراطية بديلة، وهذا لضمان استمرار هيمنتها.
وعن موقف النظام الإيراني من الوضع الراهن في سوريا، بين الغضبان أن إيران وجدت نفسها في مأزق، وبعد تصاعد الأحداث أصبح بشار الأسد أكثر اعتمادا على إيران اقتصاديا وأمنيا. كما تحدث المعارض السوري عن صدور تقارير أكدت أن إيران أرسلت بعض العناصر الأمنية وقد تدخلت مباشرة في قمع المتظاهرين، كما هناك دعم قوي في مجال التقنيات والمعلومات وجهود كبيرة لاختراق المواقع الاجتماعية ودعم إعلامي، أما أن تتدخل إيران عسكريا لمساعدة الأسد فهذا مستبعد.
وحول نصر الله بين الغضبان أن خطاباته الداعمة لنظام الأسد ووقوفه إلى جانبه أفقده رصيده الشعبي ولا يمكن لنصر الله أن ينقذ الأسد.
 
المعارضة السورية تلاقي دعوة النظام للحوار بالتشكيك: ما زال يتجاهل مطالبنا بوقف الحل الأمني
عمار القربي لـ «الشرق الأوسط»: الحوار مع الشبيحة أجدى من الحوار مع النظام
دمشق - لندن: «الشرق الأوسط» - القاهرة: هيثم التابعي
اعتبر معارضون سوريون وجهت إليهم السلطات السورية الدعوة لحضور مؤتمر الحوار الذي دعا إليه نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، يومي الأحد والاثنين المقبلين، أن «السلطات السورية تحاول جاهدة تبييض وجهها أمام الضغط الدولي»، بينما اعتبره آخرون فخا ينصبه النظام للإيقاع بالمعارضين.
ومع تواصل العملية الأمنية التي تقوم بها السلطات في مدينة حماه، وتشديد الحصار والتضييق على الأهالي، رأت أوساط المعارضة في الداخل أن النظام ما زال يتجاهل مطالبهم بتوفير «بيئة للحوار». وقال مصدر في المكتب التنفيذي في هيئة التنسيق للتغيير الديمقراطي، لـ«الشرق الأوسط»، إن دعوات وجهت إلى عدد من المعارضين، إلا أن الأجواء العامة لأوساط المعارضة تشير إلى عدم تلبية الدعوة للمشاركة في «اللقاء التشاوري» المزمع عقده يوم الأحد المقبل.
وبحسب المصدر فإن المعطيات الحالية تؤكد عدم مشاركة لجان المجتمع المدني، وهم مجموعة مثقفين وناشطين أطلقوا أول حراك سياسي في عهد الرئيس بشار الأسد عام 2000، وأيضا إعلان دمشق، وهو تحالف تشكل عام 2005 ويضم أحزاب معارضة وناشطين ومثقفين منهم أحمد طعمة الذي اعتقل منذ يومين. وكذلك يبدو موقف هيئة التنسيق للتغيير الديمقراطي التي تضم مثقفين وناشطين وأحزاب معارضة وتشكلت مؤخرا، ومنها حزب التجمع الوطني الديمقراطي والأحزاب الكردية وتجمع تيم اليساري. وهذه التجمعات تضم غالبية أطياف المعارضة السورية، بحسب المصدر الذي أكد أنهم مجمعون على عدم تلبية دعوة السلطة للحوار، وذلك «لاعتقادهم أن النظام يسابق فكرة الحوار بالحل الأمني الواسع»، وتجاهله مطالب المعارضة بتهيئة بيئة الحوار التي تتضمن أولا وقف الحل الأمني والإعلان عن بدء الحل السياسي».
وقال المصدر: «إن المعارضة ترى في عمليات القتل واجتياح المدن والاعتقالات والعمليات الواسعة التي نفذها النظام واستخدام التعذيب والتنكيل القصد منه الحكم المسبق في موضوع الحوار»، بمعنى آخر أن الحوار الذي يدعو إليه النظام «يجب أن يتم بتهديد القوة وممارسة العنف، وهو أمر قالت المعارضة إنه مرفوض».
وأشار المصدر المعارض إلى أنه في أوقات سابقة تلقت المعارضة تأكيدات من السلطة بأنه سيتم إطلاق سراح المعتقلين والسجناء والموقوفين على خلفية الأحداث، ولكن الذي حصل هو العكس. فبالإضافة إلى هؤلاء تم اعتقال آلاف الأشخاص بينها شخصيات سياسية يفترض أن يكونوا على طاولة الحوار مثل أحمد طعمة ومازن عدي ونجاتي طيارة وكمال لبواني وغيرهم، «إذ من المفترض أن يكون هؤلاء على طاولة الحوار ولا يستقيم الحوار إذا كان هؤلاء في السجن».
ولفت المصدر المعارض إلى أنه وفي السباق مع التوجه للقاء التشاوري للحوار الذي دعت إليه السلطة «تم اجتياح مدينة حماه من قبل القوى الأمنية وسط حصار عسكري للمدينة وريفها واجتياح مناطق أخرى لمدينة إدلب». وأكد المصدر أن عملية الاجتياح كان لها تأثير سلبي على الوضع السوري العام بحيث ألغى أي إيجابية يمكن أن تقابل نتائج الاجتماع التشاوري للحوار، إذ لا معنى للحوار بعد قتل أكثر من عشرين شخصا في حماه واعتقال المئات والتضييق على الحياة اليومية وعزل المحافظ لأسباب تتصل بحركة التظاهر، في حين كانت المدينة تتجه نحو الاستقرار وعودة الحياة الطبيعية رغم وجود مظاهرات فيها».
من جهته وصف المعارض السوري البارز عمار القربي دعوة النظام السوري معارضين ومستقلين للقاء تشاوري بـ«المتاجرة بدماء الشهداء» الذين سقطوا في المواجهات الدامية مع الجيش السوري والشبيحة الموالين للنظام. وقال القربي لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي: «مستحيل أن أقبل الدعوة للحوار بينما تغيب أساسا البيئة المناسبة لمثل تلك الحوارات»، مشيرا إلى تواصل أعمال القتل بحق المواطنين السوريين.
ووضع القربي شروطا ثلاثة قبل بدء أي حوار مع النظام السوري، وهي انسحاب الجيش من المدن السورية المحاصرة ووقف إطلاق النار وإطلاق سراح السجناء، وهي الظروف التي يمكن معها بدء الحوار، وفقا لرأيه.
وبرر القربي رفضه للحوار في نقطتين قائلا: «النظام يقول إنه توقف عن إصدار أوامر بإطلاق النار بحق المتظاهرين، ولكن الجيش والشبيحة يواصلون القتل الوحشي بحقهم، وهو ما يعني أن الجيش والشبيحة خارج سيطرة السلطات»، وأضاف القربي: «بالتالي فالأفضل لنا أن نحاور الشبيحة والجيش الذين يطلقون النار.. وفقا لأهوائهم».
وتابع القربي، رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا: «أما إذا كان النظام هو من يصدر الأوامر بإطلاق النار فلا يوجد أي مبرر للتحاور مع النظام ويده ملطخة بدماء الأبرياء من الشباب والأطفال والنساء».
واعتبر معارض سوري بارز، تحدث لـ«الشرق الأوسط» عبر الإنترنت من سوريا، أن المؤتمر ما هو إلا فخ نصب للمعارضة للإيقاع برموزها، وقال المعارض، الذي رفض ذكر اسمه: «عفوا، خدعة بشار لن تنطلي علينا». وقال المعارض الذي تعرض للاعتقال مرات عدة من قبل: «هذا موقفنا جميعا وليس موقفي وحدي، لن نذهب لنلطخ أيدينا بدماء الشهداء».
وأبدى القربي دهشته التام من وجود أسماء لفنانين سوريين على قائمة حضور مؤتمر سياسي للحوار حول مستقبل بلد كبير كسوريا، قائلا: «هل سأذهب للحوار مع سلاف فواخرجي؟».
ورفضت لجان التنسيق المحلية في سوريا فكرة الحوار وكل ما ينبثق عنه، معتبرة أنه لا يشكل بأي حال من الأحوال «حوارا وطنيا» حقيقيا يمكن البناء عليه. واعتبر بيان اللجنة، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أن الحوار ما هو إلا محاولات لكسب الوقت والالتفاف على المطالب الشعبية في التحول إلى نظام ديمقراطي.
من جانبها اعتبرت بهية مارديني، رئيسة اللجنة العربية للدفاع عن حرية الرأي والتعبير، في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» أن «القيادة السورية جعلت همها الأول (الشو) الإعلامي، فهي من ناحية تنظم مؤتمرات للمعارضة السورية لتقول إنها على خطى الديمقراطية، ومن جانب آخر تعتمد الخيار العسكري الأمني في تحدٍّ متصاعد للمظاهرات وللشارع السوري الذي تعلو نبراته وتتسع احتجاجاته».
وحول مؤتمر هيئة الحوار الوطني قالت مارديني: «جاءتني دعوة هاتفية لحضور المؤتمر، وسنعقد اجتماعا موسعا للجنة العربية لنأخذ القرار النهائي، رغم ثقتي في فشل المؤتمر.. لأن الدبابات ما زالت في الشارع وما زالت آلة القتل تحصد كل يوم عشرات السوريين، ولكني أثق بالعمل الجماعي». وأكدت مارديني أن «السلطة السورية أضاعت الفرصة تلو الفرصة، وأن ردود فعلها بطيئة وغير مفهومة وتمشي كالسلحفاة في تجاوبها مع مطالب الشارع السوري». ورأت أن أغلب المعارضين الذين تم دعوتهم إلى المؤتمر ينتظر بعضهم قرارات بعض حول الحضور من عدمه، ولكن في رأيها الخاص أن من سيحضر سيسقط شعبيا، لأن الشارع السوري ملتهب داخليا وخارجيا ويرفض الحوار على أسس بشار الأسد. وقالت إن «السوريين اليوم باتوا ينظرون إلى بشار الأسد بمثل المنظار الذي ينظرون به إلى والده حافظ الأسد مع تصاعد القتل والقمع والتنكيل».
وكانت هيئة الإشراف على الحوار الوطني توزع دعواتها لحضور مؤتمر تشاوري يوم الأحد القادم في مجمع «صحارى» في ريف دمشق. وقالت مصادر شبه رسمية إن اللقاء يهدف إلى الخروج بتفاهم على «وضع أسس مؤتمر وطني شامل يضع تصورا لمستقبل سوريا السياسي والاقتصادي والاجتماعي لأعوام تأتي، والاتفاق على التعديلات الدستورية المطلوبة ومداها، وإقرار ثلاثة مشاريع قوانين ستؤثر في الحياة العامة السورية وتغير وجه الدولة وربما جوهرها».
وقالت مصادر إعلامية إن الهيئة بدأت بتوجيه دعوات لقائمة تضم ما يقارب المائة وخمسين شخصا وجهة، منها «هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديمقراطي في سوريا» المعارضة، التي تشكلت الأسبوع الماضي ويرأسها المحامي حسن عبد العظيم وتضم أحزابا كردية وأخرى معارضة وشخصيات وطنية. كما تتضمن اللائحة معارضين آخرين مثل المحامي هيثم المالح والحقوقي هيثم مناع والأكاديمي برهان غليون والمفكر طيب تيزيني والكاتب ميشيل كيلو والمحامي أنور البني والناشط عمار قربي وآخرين. وقد أعلن الحقوقي هيثم مناع المقيم في باريس عدم تلبيته للدعوة. وتضم اللائحة أيضا كتابا كالروائي حنا مينه والكاتب الصحافي حسن م. يوسف واقتصاديين من أمثال الباحثين نبيل مرزوق ونبيل سكر وسمير سعيفان وفنانين كجمال سليمان وسلاف فواخرجي وإعلاميين بينهم مراسلو وسائل إعلام عربية وشخصيات اجتماعية.
ومن المنتظر أن يعقد اللقاء صباح العاشر من يوليو (تموز) وينقل على الهواء مباشرة، على أن تلي جلسته الافتتاحية ورشات عمل تناقش القوانين المطروحة تنتهي في اليوم التالي بجلسة ختامية. وتتضمن الدعوة جدول أعمال اللقاء المؤلف من ثلاثة بنود، الأول: «دور الحوار الوطني في المعالجة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأزمة الراهنة، والآفاق المستقبلية» و«تعديل بعض مواد الدستور، بما في ذلك المادة الثامنة منه، لعرضها على أول جلسة لمجلس الشعب، وعدم استبعاد وضع دستور جديد للبلاد وفق آليات يتفق عليها»، وثالثا «مناقشة مشاريع قانون الأحزاب، وقانون الانتخابات، وقانون الإعلام».
من جانب آخر تم الإعلان في دمشق عن تشكيل لجنة من كبار رجال القانون والتشريع للنظر في الدستور السوري وما يمكن أن يطرأ عليه من تعديلات لمواكبة التحول نحو دولة ديمقراطية أو العمل على بناء دستور جديد لهذه الغاية.
 
سكان من حماه: بدأنا بتنظيم الصفوف الدفاعية في بعض الأحياء
تردد اسم وليد أباظة رئيس فرع الأمن السياسي عند وقوع مجزرة حماه عام 1982 لخلافة محافظ المدينة المقال
بيروت: أنتوني شديد *
بحماس متأجج، يقول نشطاء إنهم أقاموا عشرات نقاط التفتيش في مدينة حماه السورية، محذرين مجموعات تعالت صيحاتها مرددة «الله أكبر»، احتجاجا على تقدم قوات الأمن المخيفة، كما بدأ قذف إطارات مشتعلة وسلال مهملات لإعاقة مسار تقدم القوات.
وقد ظهرت حماه، معقل أكبر الاحتجاجات والتي يخيم عليها شبح ذكريات قمع وحشي منذ نحو ثلاثين عاما، كخطر يهدد حكم الرئيس بشار الأسد بقوة. وفي غضون أيام، سلطت الاحتجاجات والاستجابة غير المؤكدة من جانب الحكومة الضوء على درجة المعارضة والشقاق المحتملة في سوريا، وافتقار الحكومة للاستراتيجية التي تستطيع بواسطتها إنهاء هذه الحالة والصعوبة التي يواجهها الأسد في الحكم على المظاهرات بوصفها مدفوعة من جماعات دينية، بدعم من جهات خارجية.
ولا تزال حماه بعيدة كل البعد عن المناطق التي أعلن فيها عن أكثر المظاهرات حماسة واهتياجا، إذ تظهر معارضتها للنظام في صورة آمال وأحلام أكثر منها في صورة أدلة ملموسة. غير أن قرار الحكومة الشهر الماضي بسحب قواتها قد ترك الشوارع خالية للمتظاهرين، الذين حاولوا صياغة نموذج بديل للقمع الوحشي الذي كان بمثابة علامة مميزة لفترة الحكم البعثي. وذكر سكان تم الاتصال بهم هاتفيا أنهم قد بدأوا المشاركة الجماعية في أعمال مختلفة بداية من تنظيف ميدان في وسط المدينة وانتهاء بتنظيم الصفوف الدفاعية في بعض الأحياء.
والأمر الأكثر خطورة هو مشاهد التجمعات السلمية الضخمة هنا يوم الجمعة، التي تعتبر بمثابة أصداء للاحتجاجات التي وقعت في مصر وتونس بداية هذا العام، والتي كانت بمثابة نقد مقنع لسلسلة الإجراءات التي انتهجتها الحكومة، والتي قد ترتب عليها فرض الحكومة سيطرتها على قطاعات ضخمة من المجتمع السوري. وخلال الانتفاضة التي امتدت لنحو أربعة أشهر، لفتت الحكومة إلى مقتل المئات من قواتها، وعلى وجه الخصوص خلال الأحداث الدامية التي وقعت في بلدة جسر الشغور في الشمال، لتحاول إثبات أن حالة الاضطراب نتاج للعنف من جانب المتطرفين الإسلاميين المدعومين من الخارج.
وظلت حماه في حالة سلم لمدة أسابيع، ولكن في يوم الاثنين، عادت قوات الأمن إلى الضواحي وشنت حملة اعتقالات. وقتلت تلك القوات 11 فردا على الأقل يوم الثلاثاء في مزيد من الغارات، بحسب أقوال نشطاء. وقد استهدفت كل غارة المعارضة، التي تستخدم ما وصفه أحد النشطاء باسم ترسانة العصور الوسطى: أحجار وحواجز ترابية، وفي رواية غير مؤكدة، أقواس وسهام.
«لا يوجد حل سهل بالنسبة لحماه»، هذا ما قاله بيتر هارلينغ، محلل بمجموعة الأزمات الدولية مقيم في دمشق، في مقابلة أجريت معه. وأضاف: «لقد حقق النظام تقدما ملحوظا فيما يتعلق بإقناع الناس في سوريا وفي الخارج بأنه كانت هناك عناصر مسلحة في هذه الحركة الاحتجاجية وأن تركيز قواتها الأمنية كان منصبا بدرجة كبيرة على تلك العناصر. وبعد أسبوعين، تورط النظام في مزيد من إجراءات القمع الأكثر وحشية، الأمر الذي شوه صورته مجددا».
منذ اندلاع الاحتجاجات في منتصف مارس (آذار)، تأرجحت الحكومة بين القمع الوحشي والإصلاحات غير المكتملة. وقد ظهرت حماه بوصفها نموذجا مصغرا لهذه الاستراتيجية المتغيرة، والتي أصابت الجميع بحالة من الارتباك، حتى بعض أنصار الحكومة.
وفي أعقاب وقوع الاحتجاجات في حماه في 3 يونيو (حزيران)، حينما أودت قوات الأمن بحياة 73 فردا واعتقلت المئات، يقول سكان ودبلوماسيون ومسؤولون إن ثمة اتفاقا قد أبرم والذي بموجبه سمح للمتظاهرين بمواصلة احتجاجاتهم شريطة عدم إتلاف الممتلكات. وفي الأسابيع التالية، اكتسبت المظاهرات زخما، بلغ ذروته في مشاهد يوم الجمعة التي أشارت إلى أنه على الأقل في حماه، لم تكن الاحتجاجات المناوئة للحكومة هامشية بسيطة.
ومنذ ذلك الحين، حدث تحول آخر في استراتيجية الحكومة. فقد تمت إقالة حاكم حماه، أحمد خالد عبد العزيز، يوم السبت. ويقال إنه سيخلفه في هذا المنصب وليد أباظة، رئيس فرع الأمن السياسي وقت أحداث فبراير (شباط) 1982، والذي يعتقد أنه لعب فيها دورا مؤثرا حينما وقعت معارك دامية بين الحكومة والمعارضة من الإسلاميين المسلحين، وهي الأحداث التي بلغت أوجها في حماه. وعلى مدار أربعة أسابيع، استعادت الحكومة سيطرتها على تلك المدينة السورية الرئيسية، متسببة في مقتل 10 آلاف شخص على الأقل وتسوية أجزاء من المدينة القديمة بالأرض. كما لقي مئات الجنود مصرعهم أيضا.
وعلى الرغم من أن قوات الأمن اقتحمت المدينة من حين لآخر الشهر الماضي، فقد أحكمت قبضتها على المدينة للمرة الأولى منذ فترة طويلة يوم الاثنين، بشنها حملة اعتقالات لعشرات المتظاهرين. ومع ذلك، فليس مقصدها واضحا. فبدلا من تكرار ما حدث في درعا، المدينة السورية الواقعة في الجنوب، حيث بدأت الانتفاضة الشعبية، بقيت القوات العسكرية على أطراف مدينة حماه. وبعد تعزيز القوات بشكل واضح خلال نهاية الأسبوع، ذكر بعض النشطاء أنه قد انسحبت عشرات الدبابات على نحو يدعو للحيرة.
«النظام يرغب في اعتقال كل المتظاهرين النشطين والعناصر الرئيسية المنظمة للمظاهرات قبل يوم الجمعة المقبل»، هكذا تحدث طالب جامعي (23 عاما) ذكر أن اسمه باسل. وككثيرين غيره في المدينة، أصر على عدم ذكر اسمه كاملا. غير أنه أضاف: «لن ينتظر الناس في حماه حتى تأتي قوات الأمن وتلقي القبض علينا في منازلنا».
ربما تكون رمزية ماضي حماه أحد الأسباب وراء تردد الحكومة. فبعد أحداث 3 يونيو (حزيران)، سارعت الحكومة بسحب بعض من قوات الأمن الأكثر وحشية وتنكيلا بالمتظاهرين سعيا لتجنب التوتر المتصاعد في مدينة تعيد فيها عمليات القمع الحالية ذكريات الماضي المريرة إلى الأذهان. وذكر النشطاء أنه منذ يوم الجمعة، تم سحب المزيد من القوات، مع بحث الحكومة عن أكباش فداء.
حتى أن بعض سكان حماه يشعرون أن الماضي يوفر لهم إجراءات وقائية. وقد ورد ذكر الأحداث التي وقعت في 1982 في معظم المقابلات التي أجريت مع السكان، لا باعتبارها درسا عن ثمن المعارضة، وإنما بدرجة أكبر كتحذير للأسد، الذي نجح حتى وقوع الانتفاضة في القضاء على كثير من سمات الدولة البوليسية التي ميزت حكم والده الذي امتد لثلاثة عقود. ومن شأن تقدم قوات الأمن داخل حماه أن يدحض الزعم الذي ردده هو ومسؤولوه مرارا وتكرارا بأنهم ليسوا ضد المعارضة، طالما كانت سلمية.
وقال نبيل السمان، الاقتصادي ومدير مركز البحوث والتوثيق في دمشق: «الأمر برمته يعتمد على الحكومة. فإذا قررت اللجوء إلى الحل الأمني، ستكون هناك مشكلة كبرى وستراق الدماء».
ومن الصعب التأكد من صحة التقارير الواردة من المدينة، لكن السكان ذكروا يوم الثلاثاء أن إدارة الحكومة قد توقفت، بشكل جزئي، عن أداء وظائفها. وذكر اثنان من سكان حماه أنه قد توقفت عمليات جمع القمامة. وقال كثيرون إن حتى رجال شرطة المرور قد اختفوا من الشوارع. وذكروا أن موظفي المياه والطاقة امتنعوا عن الذهاب لمكاتبهم وأغلقت البنوك الحكومية أبوابها يوم الثلاثاء.
وقد ظهرت مجموعة مراقبة في الأحياء بشكل متكرر يومي الاثنين والثلاثاء، وقد واجهت قوات الأمن بالأحجار والمتاريس. وقال كثيرون إنهم قد تعلموا الدرس من درعا، حيث انسحبت قوات حكومية فقط لتستعيد سيطرتها من جديد. وقال موظف حكومي (40 عاما) يدعى أمين: «إذا جلسنا في منازلنا وانتظرنا مجيء الجنود ورجال الأمن، فسيفعلون ما يحلو لهم معنا».
* خدمة «نيويورك تايمز»

المصدر: جريدة الشرق الأوسط اللندنية

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,569,257

عدد الزوار: 6,955,544

المتواجدون الآن: 68