تقارير ...خلاف أنقرة مع المالكي بالأصالة ومع إيران بالوكالة حول العراق..طهران تحذر خصوم المالكي من تحسين العلاقات مع الدول العربية
حريات الإسلاميين في تونس الجديدة تُحدِث انقساماً في البلاد...الأزمة اللبنانية من الشرفة السعودية... وقائع وتجارب وأسرار...ترقب في واشنطن لخطوة أوباما المقبلة حيال سورية
الخميس 3 أيار 2012 - 7:14 ص 1970 0 عربية |
حرص الدكتور ظافر الحسن على أرشفة معايشته الديبلوماسية الشخصية على مدى واحد وعشرين عاماً، في عشرة مجلدات تصدر تباعاً عن دار النهار للنشر (استغرق تحضيرها 8 سنوات)، ومنها ثلاثة بين أيدينا بعنوان: «الديبلوماسية اللبنانية- معايشة شخصية». وقد عنون المجلدات الثلاثة الاولى «الأزمة اللبنانية من الشرفة السعودية 1978-1990»، موزعا إياها على حقبات وصفحات تضمنت تواريخ ووقائع ومحادثات ومؤتمرات وخبايا وقصائد وخيبات ومفاجآت ولقاءات مع مسؤولين وشخصيات لبنانية وعربية وأجنبية.
وقد عرّف الحسن جهده هذا بأنه «ليس ذكريات أو مذكرات أو سيرة ذاتية، ولا يتناول جميع جوانب الديبلوماسية اللبنانية»، واعداً «بكتابة تجربته في كتاب منفصل»، مما يؤكد أن جينات العمل الديبلوماسي باتت راسخة في طبعه، وتالياً بالطريقة التي أورد فيها وقائع تلك الحقبات، مستخدماً ميزان الصائغ في تناوله مواصفات هذا المسؤول أو ذاك، وفي نشره للوقائع كما حصلت، متدخلاً بين السطور تعليقاً وإبداء للرأي من خلال ما احتفظ به من وريقات خطها قبل الخلود الى النوم.
من السعودية بدأ مهماته برتبة سفير (17 تشرين الثاني/نوفمبر 1978 )، بعد تنقلات كموظف ديبلوماسي في عدد من العواصم... ولكن من أزمات لبنان ولهيبها الإقليمي والدولي، مارس الديبلوماسية في السعودية، ومنها وإليها ومع مسؤوليها، إطفاء حيناً، وتدويراً لزوايا الوقائع السياسية أحياناً، وصمتاً بقرار ذاتي خاصة، في ظل خصومات رجال السياسة في لبنان، وقد» ترفعت بإصرار عن نقل مفاتحات أي منهم أمامي حيال الآخر».
يقول: «باختصار، كانت الحقبة الممتدة بين بدء مهمتي سفيراً للبنان في السعودية وانتهاء مهمتي أميناً عاماً لوزارة الخارجية والمغتربين، مليئة بالأحداث والمتغيرات والتحولات والنشاطات الديبلوماسية البالغة الأهمية والعميقة التأثير في حياة المجتمع اللبناني والدولة اللبنانية. وهي فترة الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان وصدور القرار 425 وتنتهي أواخر عام 1999 أي قبل خمسة اشهر من إخراج القوات الاسرائيلية المحتلة (25 ايار 2000) من لبنان على يد المقاومة الاسلامية اللبنانية الباسلة والشعب اللبناني المكابد والصابر».
غزيرة الاستنتاجات التي يمكن القارئ ان يخرج بها من المجلدات الثلاثة، وعميقة تلك المتعلقة بالحروب العربية - العربية الصامتة، والمغلفة بقشور التحالفات المهتزة (علاقات السين-سين أنموذجاً)، وبالتلاقي الظرفي بينها، وتبويس اللحى والمآدب (يقول ان البطولات الكبرى كانت تظهر في قاعة الطعام)!، أسيرة عواصم القرار الكبرى، والنائمة على مشكلات مستعصية الحل، والمستيقظة على تراكم تلك المشكلات، والمتحركة على وقع طوارئها، والمكتفية بمعسول الكلام من مدبريها، وأيضاً بالاستخفاف بالقضايا المصيرية وجعلها ألعوبة بأيدي شخصيات قد تتحكم فيهم عقد نفسية تهدد مصائر شعوب وبلدان. ولنا في سنوات الحرب الأهلية في لبنان ما يثير الغثيان عند تقليب صفحاتها، وما يثير القرف في تقلد شخوصها مصائرنا في الحرب والسلم وكأنها سيّان بين راع وقطيع.
برقيات ومعطيات
تحت كلمتي «سر شائع»، أورد الحسن مجموعة من المعطيات التي أرسلها كبرقيات الى الخارجية في بيروت، وتتعلق بتحضير اسرائيل لشن حرب واسعة لاجتياح لبنان، وقد حصل ذلك العام 1982 (وينطبق عليها قول الشاعر لا حياة لمن تنادي). ومن هذه الأسرار المعلنة كما ذكر -وللأسف كما حصل-: «نُقل عن فيليب حبيب نفسه قوله ان وزير الخارجية الاميركي يومها الكسندر هيغ أعطى الضوء الأخضر لشارون دون أن ينوي إعطاءه. وفي 30/10/1981 أبرقت الى الخارجية ان بعض الأوساط الديبلوماسية الغربية في جدة تتوقع أن تقوم اسرائيل بعمل ما في المنطقة.. وأبرقت في 28/12/1981 أن الرئيس حافظ الأسد خلال زيارته المملكة في ذلك الشهر أبلغ القيادة السعودية أن هدف اسرائيل من ضمّ الجولان تسويغ هجوم على جنوب لبنان بقصد ضرب الصواريخ السورية في البقاع وتحجيم المقاومة الفلسطينية. وأبرقت في 27/1/1982 نقلاً عن سفير الجزائر، عن إبلاغ رسمي من حكومة النمسا الى الجزائر يفيد بوثوق معلوماتها عن تحضير اسرائيل لشن هجوم على جنوب لبنان لتحطيم المقاومة الفلسطينية وتدمير الصواريخ السورية في البقاع. وأبرقت في 5/2/ 1982 نقلاً عن السفير الفرنسي، معلومات بلاده عن تحضير اسرائيل لعدوان على لبنان. وعما قاله ياسر عرفات للمسؤولين السعوديين عن توقعاته باجتياح اسرائيلي... اضافة الى قول لبشير الجميل بهذا الخصوص، ولمسؤولين اميركيين، ووسائل اعلام اجنبية!
للتذكير فقط، أن هذه الأسرار المعلنة كانت تدور تحت وقع الاشتباكات اليومية الدموية بين أبناء الصف الواحد اللبناني والفلسطيني....».
يمرر الحسن بين سطور الحراك الديبلوماسي اللبناني مواصفات من التقاهم، ومنهم الياس الهراوي «السياسي المتمرس» و «العصامي رفيق الحريري الرؤيوي في إعادة إعمار لبنان وصاحب الكاريزما، الوسطي في عقيدته الايمانية والسياسية، السخي والعطوف المتواضع والمثابر الدؤوب في طموحاته»، الى فارس بويز «السريع الاستيعاب، وإن رجّح موقعه كنائب على موجبات منصبه كوزير»، الى الرئيس الدكتور سليم الحص «المسؤول السياسي وتغليبه المصلحة العامة على الخاصة وحرصه على الاحتكام للضمير والعقل والقانون وتشبثه بالتحاور عندما كان الآخرون يمارسون التقاصف»، فالوزير سعود الفيصل «وسيم المحيّا، واسع العينين، فارع القامة، يتكلم بصوت هادئ ومنخفض ويشي حديثه وتصرفه العفوي بتواضع جمّ ولطف سليقي»، الى عبد الحليم خدام «العفريت» وهو وصف لسفير الجزائر في الرياض، وبشير الجميل «وله جانب منفّر وهو ضيق أفقه، وجهله بالآخر (سألنا في الرياض ما هو السحور)، وضعفه باللغة العربية... إلخ»، الى «البحة الناشفة في صوت فؤاد بطرس والدالة على شعوره بالمأساة»...
لم يترك الحسن مؤتمراً عقد لمعالجة الأزمة الدموية في لبنان إلا تحدث عنه، وعن كواليسه التي عايشها، وتلك التي استقصى عنها، تدعمها صداقاته وثقة كبار المسؤولين به في المملكة، فعمل على نشر البرقيات المتداولة بينه وبين أهل الحكم في لبنان بشأنها، إضافة الى مواقف المسؤولين السعوديين على ألسنة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز وولي عهده يومها الملك الحالي عبدالله بن عبد العزيز ووزير الخارجية سعود الفيصل، وتعليقات الصحف السعودية. ووثّق أحاديثه الى وسائل الاعلام السعودية تحديداً مما أضفى على المجلدات الثلاثة مهمة مزدوجة: توثيق لحراك الديبلوماسيتين اللبنانية والسعودية (نص كامل لمحضر اللقاء الذي جمع بشير الجميل ليل 1 و2 تموز (يوليو) 1982 مع سعود الفيصل بحضور الشاذلي القليبي الأمين العام لجامعة الدول العربية يومها ووزير الدولة الكويتي عبد العزيز حسين في قصر المؤتمرات في الطائف).
ويورد الخطوط الكبرى السياسية للمملكة العربية السعودية والقائمة تحت شعار «لا إفراط ولا تفريط»، فكتب انها «تتحرك في دوائر ثلاث: الأمم المتحدة، منظمة المؤتمر الاسلامي وجامعة الدول العربية، وأنها تقف ضد الشيوعية والصهيونية، وأولت وتولي لبنان عطفاً خاصاً قام على مساعدته والتدخل لأجله في أزمات عديدة، دون أن يمنعها ذلك من تأديبه في بعض الفترات إبان الحرب الأهلية، فأغلقت سفارتها، وقاطعت بضائع مصدرة من لبنان، واعتكفت سياسياً عن مساندته لأسبابها الخاصة، خاصة في فترة احتلال السوفيات لافغانستان والحرب العراقية الايرانية وتدهور سعر النفط، مما أبقى أزمة لبنان وحروبه تحت بند تقطيع الوقت، وتعبئة الفراغ باستطلاعات الوفود، والوسطاء، وتوقعات الصحف، وأطلق العنان للوعود الدولية بضرورة إيجاد حل للنزاع الفلسطيني–الاسرائيلي، في حين كان وزير خارجية لبنان الدكتور إيلي سالم يبث شكواه من «الاميركيين الذين قطعوا الحبل فينا»».
* صحافية لبنانية
ليس هناك الكثير من الذكريات الطيبة التي تجمع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مع أنقرة، وليست الأزمة الأخيرة المتمثلة في تبادل الاتهامات بالطائفية والتدخل في الشؤون الداخلية للعراق بينه وبين نظيره التركي رجب طيب أردوغان سوى تعبير عن طبيعة العلاقة الحقيقية بين الطرفين والتي حاولت أنقرة – التي تعتبر المالكي امتداداً واضحاً للنفوذ الإيراني في العراق - أكثر من مرة إخفاءها والتغطية عليها من أجل مصالحها الاقتصادية في العراق ومن أجل الحفاظ على استراتيجية المسافة الواحدة من جميع مكونات الطيف العراقي لإبراز الفرق بين المقاربة التركية والمقاربة الإيرانية في العراق. إذ لا يمكن أردوغان أن ينسى كيف تصرف المالكي معه في أول اختبار جمعهما عام 2007، حين كانت حكومة أردوغان تواجه أخطر امتحان لها إذ كانت تحارب على جبهات عدة، فمن ناحية كان الجيش يعد لانقلاب عسكري من خلال إقامة دعوى لحل حزب أردوغان الحاكم، ومن جهة أخرى كان حزب العمال الكردستاني يكثف هجماته الدموية على مخافر الجيش التركي على الحدود العراقية التركية في هجمات لم تخل من رائحة تواطؤ – أو على الأقل تخاذل – قيادات عسكرية تركية، ضغطت بكل قوتها حينها على حكومة أردوغان من أجل إرسال الجيش إلى شمال العراق ودخوله في مستنقع جديد هناك رداً على تلك الهجمات التي بدت مفتعلة توقيتاً وتأثيراً، كل ذلك حدث فيما كانت علاقات أنقرة مع واشنطن ما زالت تحت رحمة المحافظين الجدد الذين لم يخف صقورهم حينها رغبتهم في التخلص من «الإسلاميين» في تركيا.
في ذلك الظرف العصيب حاولت أنقرة الاستنجاد بالحكومة العراقية من أجل مساعدتها في لجم حزب العمال الكردستاني، والتعاون ولو صورياً مع حكومة أردوغان في المجال الأمني وتوقيع اتفاق تعاون أمني من أجل تخفيف الضغوط العسكرية على أردوغان وتحــييد خيار إرسال الجيش إلى شمال العراق. حينها خرج المالكي ليتذكر سيادة العراق ويحذر من إرسال الجيش التركي، وطرح التفاوض على الاتفاق الأمني بهدوء ومن دون استعجال في إطار زمني مفتوح لم يكن لدى أنقرة مجال لتحمله وانتظار مراحله، بل إن المالكي (الذي وصفه مسعود البرزاني في زيارته الأخيرة لواشنطن بالديكتاتور) حاول أن يعطي تركيا درسـاً في الديموقراطية مطالباً أردوغان بحل القضية الكردية سلمياً.
مع ذلك وبعد أن تجاوزت أنقرة تلك الأزمة، سعت لتحسين علاقاتها مع بغداد لأسباب عدة من بينها: العامل الاقتصادي والفائدة التجارية التي ستعود على الشركات التجارية والصناعية التركية نتيجة العمل مع سوق العراق، وكذلك من باب السعي إلى موازنة الدور الإيراني في العراق، وهنا فإن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو لطالما تغنى بأن تركيا بإمكانها التحدث والتواصل بثقة مع مختلف الفصائل العراقية من دون استثناء، بينما بعض جيران العراق – في إشارة واضحة إلى طهران – لا يستطيعون التحدث إلا مع حلفائهم العراقيين، وأن المسؤولين الأتراك يمكنهم زيارة البصرة و كربلاء كما الموصل وبغداد وأربيل من دون حساسية أو مشاكل، فيما مسؤولو «بعض جيران العراق» لا يستطيعون زيارة الموصل وعشائرها أو الأنبار، وأن الدور التركي في العراق مبني أساساً على مساعدته على إعادة بناء بنيته التحتية وتحقيق الرفاهية لمواطنه وضمان الاستقرار له من خلال إشراك جميع مكوناته من دون استثناء في الحكم وحل الخلافات بينها بعيداً من العنف، بينما يقتصر دور «آخرين» على تسليح الحلفاء وتمويلهم وزيادة العداوة مع الخصوم. وما كان لهذه المعادلة التي يتحدث عنها داود أوغلو أن تتحقق على الأرض من دون مد الجسور مع المالكي بصفته رئيساً للوزراء.
وبينما كان المسؤولون العرب يترددون في زيارة بغداد ويحجمون عنها، وإذا ما زاروها رفضوا الإقامة على أرضها لأكثر من يوم واحد، فإن الرئيس التركي عبدالله غل ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو تعمدا في زياراتهما اصطحاب زوجتيهما والإقامة ليلة في بغداد من أجل بث رسالة دعم وثقة بحكومة المالكي. بل إن رئيس الوزراء أردوغان تجنب زيارة مدينة كركوك والأقلية التركمانية هناك بناء على موقف من المالكي الذي اعتبر أي زيارة تركية رسمية لكركوك دعماً للأقلية التركمانية وتدخلاً في الشأن العراقي.
الشعرة الأخيرة
على رغم ذلك، كان المالكي يتصرف مع أنقرة على وقع إيقاع العلاقات التركية - الايرانية والتركية - السورية، وكانت الانتخابات البرلمانية العراقية في 2010 هي الشعرة الأخيرة التي انقطعت بين أنقرة والمالكي بعد تأييد تركيا تحالف قائمة العراقية بزعامة أياد علاوي وتجنيد الدعم لها، وذلك لسببين، الأول رداً على سياسات المالكي تجاه تركيا، وثانياً رغبة من أنقرة في أن يحكم تحالف علماني العراق من أجل تجاوز خطر الحرب الطائفية الذي كان وما زال يهدد العراق.
وعلى رغم فوز قائمة العراقية بزعامة أياد علاوي، فوجئت أنقرة بتفاهم إيراني - أميركي على تولي المالكي الحكومة من جديد، لتأمين خروج «نظيف وسليم» للقوات الأميركية من العراق نهاية 2011، أي أن تولي المالكي منصبه الحالي وفق المفهوم التركي جاء بناء على صفقة دولية تمت خلالها مراعاة المصالح الإيرانية والأميركية وليس مصالح الشعب العراقي أو احترام نتائج الانتخابات التي يفترض أنها ما يميز العراق الديموقراطي الجديد عن تاريخه السابق. عندها، طلبت أنقرة من قائمة العراقية وكل من أياد علاوي ونائب الرئيس طارق الهاشمي العمل كمعارضة قوية في البرلمان، لكن فشل حلفاء أنقرة العراقيين في تشكيل جبهة معارضة قوية، واستئثار المالكي – بدعم واضح من طهران – بمعظم مؤسسات الحكم وبالأخص الأمنية منها، أديا إلى إحباط جهود تركيا لعودة الاستقرار والتوازن في التمثيل الطائفي والسياسي إلى العراق، وهو ما مهد لبداية فترة من البرود بين العاصمتين.
وتفاقمت الأزمة مع المالكي بعد قراره تصفية جبهة المعارضة واستصدار قرار القبض على الهاشمي في قضية دعم للإرهاب، والهاشمي هو الحليف الأقرب لأنقرة التي أقنعته عام 2005 بالمشاركة في الانتخابات بالنيابة عن العراقيين السنّة، ودفع ثمن موقفه هذا من دم إخوته وأقاربه الذين اغتالهم تنظيم القاعدة. تبع ذلك – أو بالتوازي معه - تضييق من الحكومة العراقية على الشركات التركية وحركة النقل التركية لبضائعها عبر العراق، إذ إن طول الأزمة السورية، وإغلاق الطرق البرية عبر سورية أمام البضائع والتجارة التركية أثرا في الاقتصاد التركي نوعاً ما.
وسعى المالكي هنا كي لا يكون العراق منفذاً بديلاً للشاحنات التركية إلى الخليج، في موقف غير مبرر، وإنما يصب في مصلحة دعم السلطات الحاكمة في سورية، من دون الالتفات إلى العائدات الجمركية التي قد يستفيد منها العراق نتيجة تحويل خط سير الشاحنات التركية إلى أراضيه.
كما كان واضحاً أن تصعيد المالكي تصريحاته في إطار رده على أردوغان الذي اتهمه بالأنانية السياسية وإثارة الطائفية، جاء متزامناً مع التوتر الذي شاب العلاقة بين أنقرة وطهران على خلفية الملف السوري، فهذا الاتهام التركي للمالكي ليس بجديد ولكن الجديد هو رد المالكي وتصعيده (سبق أن اتهم أردوغان المالكي بالطائفية نهاية العام الماضي، لكن أحزاباً شيعية عراقية تدخلت للوساطة سريعاً ولم يصعد المالكي حينها).
هذا الخلاف الذي وصل حد تهديد طهران بإقصاء تركيا من الوساطة حول ملفها النووي وتحويل مكان المفاوضات مع دول خمسة زائدة واحدة من اسطنبول إلى بغداد أو بكين، جعل أنقرة ترى في حديث المالكي رسالة إيرانية بلغة عربية عراقية، وكأنه يتحدث بالنيابة عن طهران ودمشق معاً، فكان رد أردوغان أن تركيا لن تسمح للمالكي بالاستعراض، وامتد الخلاف إلى تبادل العاصمتين رسالتي احتجاج عبر السفيرين.
الاستراتيجية التركية تجاه كل من العراق وسورية خلال السنوات الخمس الأخيرة كانت تركز على توثيق العلاقات مع هاتين الدولتين من أجل موازنة النفوذ الإيراني في المنطقة واستعادة العراق دوره العروبي من جديد (إضافة طبعاً إلى المصالح الاقتصادية التي أنعشت الاقتصاد التركي)، لكن التطورات تسير بعكس هذا التمني التركي، وما عاد ممكناً إخفاء المشاعر الحقيقية مهما سعت أنقرة إلى تجنب مواجهة مباشرة. وعلى الأغلب فإن الخلاف والسجال بين أنقرة والمالكي سيستمران ما دامت الأولى ترى في سياسات الثاني هدماً لاستراتيجيتها في العراق، وطالما رأت فيه ناقل رسائل إيرانية وسورية.
في أعقاب موجة الربيع العربي التي انطلقت شرارتها من هناك
المصدر: مصادر مختلفة