تقارير ...خلاف أنقرة مع المالكي بالأصالة ومع إيران بالوكالة حول العراق..طهران تحذر خصوم المالكي من تحسين العلاقات مع الدول العربية

حريات الإسلاميين في تونس الجديدة تُحدِث انقساماً في البلاد...الأزمة اللبنانية من الشرفة السعودية... وقائع وتجارب وأسرار...ترقب في واشنطن لخطوة أوباما المقبلة حيال سورية

تاريخ الإضافة الخميس 3 أيار 2012 - 7:14 ص    عدد الزيارات 1970    التعليقات 0    القسم عربية

        


الأزمة اللبنانية من الشرفة السعودية... وقائع وتجارب وأسرار
الحياة..منى سكرية *
 

حرص الدكتور ظافر الحسن على أرشفة معايشته الديبلوماسية الشخصية على مدى واحد وعشرين عاماً، في عشرة مجلدات تصدر تباعاً عن دار النهار للنشر (استغرق تحضيرها 8 سنوات)، ومنها ثلاثة بين أيدينا بعنوان: «الديبلوماسية اللبنانية- معايشة شخصية». وقد عنون المجلدات الثلاثة الاولى «الأزمة اللبنانية من الشرفة السعودية 1978-1990»، موزعا إياها على حقبات وصفحات تضمنت تواريخ ووقائع ومحادثات ومؤتمرات وخبايا وقصائد وخيبات ومفاجآت ولقاءات مع مسؤولين وشخصيات لبنانية وعربية وأجنبية.

وقد عرّف الحسن جهده هذا بأنه «ليس ذكريات أو مذكرات أو سيرة ذاتية، ولا يتناول جميع جوانب الديبلوماسية اللبنانية»، واعداً «بكتابة تجربته في كتاب منفصل»، مما يؤكد أن جينات العمل الديبلوماسي باتت راسخة في طبعه، وتالياً بالطريقة التي أورد فيها وقائع تلك الحقبات، مستخدماً ميزان الصائغ في تناوله مواصفات هذا المسؤول أو ذاك، وفي نشره للوقائع كما حصلت، متدخلاً بين السطور تعليقاً وإبداء للرأي من خلال ما احتفظ به من وريقات خطها قبل الخلود الى النوم.

من السعودية بدأ مهماته برتبة سفير (17 تشرين الثاني/نوفمبر 1978 )، بعد تنقلات كموظف ديبلوماسي في عدد من العواصم... ولكن من أزمات لبنان ولهيبها الإقليمي والدولي، مارس الديبلوماسية في السعودية، ومنها وإليها ومع مسؤوليها، إطفاء حيناً، وتدويراً لزوايا الوقائع السياسية أحياناً، وصمتاً بقرار ذاتي خاصة، في ظل خصومات رجال السياسة في لبنان، وقد» ترفعت بإصرار عن نقل مفاتحات أي منهم أمامي حيال الآخر».

يقول: «باختصار، كانت الحقبة الممتدة بين بدء مهمتي سفيراً للبنان في السعودية وانتهاء مهمتي أميناً عاماً لوزارة الخارجية والمغتربين، مليئة بالأحداث والمتغيرات والتحولات والنشاطات الديبلوماسية البالغة الأهمية والعميقة التأثير في حياة المجتمع اللبناني والدولة اللبنانية. وهي فترة الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان وصدور القرار 425 وتنتهي أواخر عام 1999 أي قبل خمسة اشهر من إخراج القوات الاسرائيلية المحتلة (25 ايار 2000) من لبنان على يد المقاومة الاسلامية اللبنانية الباسلة والشعب اللبناني المكابد والصابر».

غزيرة الاستنتاجات التي يمكن القارئ ان يخرج بها من المجلدات الثلاثة، وعميقة تلك المتعلقة بالحروب العربية - العربية الصامتة، والمغلفة بقشور التحالفات المهتزة (علاقات السين-سين أنموذجاً)، وبالتلاقي الظرفي بينها، وتبويس اللحى والمآدب (يقول ان البطولات الكبرى كانت تظهر في قاعة الطعام)!، أسيرة عواصم القرار الكبرى، والنائمة على مشكلات مستعصية الحل، والمستيقظة على تراكم تلك المشكلات، والمتحركة على وقع طوارئها، والمكتفية بمعسول الكلام من مدبريها، وأيضاً بالاستخفاف بالقضايا المصيرية وجعلها ألعوبة بأيدي شخصيات قد تتحكم فيهم عقد نفسية تهدد مصائر شعوب وبلدان. ولنا في سنوات الحرب الأهلية في لبنان ما يثير الغثيان عند تقليب صفحاتها، وما يثير القرف في تقلد شخوصها مصائرنا في الحرب والسلم وكأنها سيّان بين راع وقطيع.

برقيات ومعطيات

تحت كلمتي «سر شائع»، أورد الحسن مجموعة من المعطيات التي أرسلها كبرقيات الى الخارجية في بيروت، وتتعلق بتحضير اسرائيل لشن حرب واسعة لاجتياح لبنان، وقد حصل ذلك العام 1982 (وينطبق عليها قول الشاعر لا حياة لمن تنادي). ومن هذه الأسرار المعلنة كما ذكر -وللأسف كما حصل-: «نُقل عن فيليب حبيب نفسه قوله ان وزير الخارجية الاميركي يومها الكسندر هيغ أعطى الضوء الأخضر لشارون دون أن ينوي إعطاءه. وفي 30/10/1981 أبرقت الى الخارجية ان بعض الأوساط الديبلوماسية الغربية في جدة تتوقع أن تقوم اسرائيل بعمل ما في المنطقة.. وأبرقت في 28/12/1981 أن الرئيس حافظ الأسد خلال زيارته المملكة في ذلك الشهر أبلغ القيادة السعودية أن هدف اسرائيل من ضمّ الجولان تسويغ هجوم على جنوب لبنان بقصد ضرب الصواريخ السورية في البقاع وتحجيم المقاومة الفلسطينية. وأبرقت في 27/1/1982 نقلاً عن سفير الجزائر، عن إبلاغ رسمي من حكومة النمسا الى الجزائر يفيد بوثوق معلوماتها عن تحضير اسرائيل لشن هجوم على جنوب لبنان لتحطيم المقاومة الفلسطينية وتدمير الصواريخ السورية في البقاع. وأبرقت في 5/2/ 1982 نقلاً عن السفير الفرنسي، معلومات بلاده عن تحضير اسرائيل لعدوان على لبنان. وعما قاله ياسر عرفات للمسؤولين السعوديين عن توقعاته باجتياح اسرائيلي... اضافة الى قول لبشير الجميل بهذا الخصوص، ولمسؤولين اميركيين، ووسائل اعلام اجنبية!

للتذكير فقط، أن هذه الأسرار المعلنة كانت تدور تحت وقع الاشتباكات اليومية الدموية بين أبناء الصف الواحد اللبناني والفلسطيني....».

يمرر الحسن بين سطور الحراك الديبلوماسي اللبناني مواصفات من التقاهم، ومنهم الياس الهراوي «السياسي المتمرس» و «العصامي رفيق الحريري الرؤيوي في إعادة إعمار لبنان وصاحب الكاريزما، الوسطي في عقيدته الايمانية والسياسية، السخي والعطوف المتواضع والمثابر الدؤوب في طموحاته»، الى فارس بويز «السريع الاستيعاب، وإن رجّح موقعه كنائب على موجبات منصبه كوزير»، الى الرئيس الدكتور سليم الحص «المسؤول السياسي وتغليبه المصلحة العامة على الخاصة وحرصه على الاحتكام للضمير والعقل والقانون وتشبثه بالتحاور عندما كان الآخرون يمارسون التقاصف»، فالوزير سعود الفيصل «وسيم المحيّا، واسع العينين، فارع القامة، يتكلم بصوت هادئ ومنخفض ويشي حديثه وتصرفه العفوي بتواضع جمّ ولطف سليقي»، الى عبد الحليم خدام «العفريت» وهو وصف لسفير الجزائر في الرياض، وبشير الجميل «وله جانب منفّر وهو ضيق أفقه، وجهله بالآخر (سألنا في الرياض ما هو السحور)، وضعفه باللغة العربية... إلخ»، الى «البحة الناشفة في صوت فؤاد بطرس والدالة على شعوره بالمأساة»...

لم يترك الحسن مؤتمراً عقد لمعالجة الأزمة الدموية في لبنان إلا تحدث عنه، وعن كواليسه التي عايشها، وتلك التي استقصى عنها، تدعمها صداقاته وثقة كبار المسؤولين به في المملكة، فعمل على نشر البرقيات المتداولة بينه وبين أهل الحكم في لبنان بشأنها، إضافة الى مواقف المسؤولين السعوديين على ألسنة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز وولي عهده يومها الملك الحالي عبدالله بن عبد العزيز ووزير الخارجية سعود الفيصل، وتعليقات الصحف السعودية. ووثّق أحاديثه الى وسائل الاعلام السعودية تحديداً مما أضفى على المجلدات الثلاثة مهمة مزدوجة: توثيق لحراك الديبلوماسيتين اللبنانية والسعودية (نص كامل لمحضر اللقاء الذي جمع بشير الجميل ليل 1 و2 تموز (يوليو) 1982 مع سعود الفيصل بحضور الشاذلي القليبي الأمين العام لجامعة الدول العربية يومها ووزير الدولة الكويتي عبد العزيز حسين في قصر المؤتمرات في الطائف).

ويورد الخطوط الكبرى السياسية للمملكة العربية السعودية والقائمة تحت شعار «لا إفراط ولا تفريط»، فكتب انها «تتحرك في دوائر ثلاث: الأمم المتحدة، منظمة المؤتمر الاسلامي وجامعة الدول العربية، وأنها تقف ضد الشيوعية والصهيونية، وأولت وتولي لبنان عطفاً خاصاً قام على مساعدته والتدخل لأجله في أزمات عديدة، دون أن يمنعها ذلك من تأديبه في بعض الفترات إبان الحرب الأهلية، فأغلقت سفارتها، وقاطعت بضائع مصدرة من لبنان، واعتكفت سياسياً عن مساندته لأسبابها الخاصة، خاصة في فترة احتلال السوفيات لافغانستان والحرب العراقية الايرانية وتدهور سعر النفط، مما أبقى أزمة لبنان وحروبه تحت بند تقطيع الوقت، وتعبئة الفراغ باستطلاعات الوفود، والوسطاء، وتوقعات الصحف، وأطلق العنان للوعود الدولية بضرورة إيجاد حل للنزاع الفلسطيني–الاسرائيلي، في حين كان وزير خارجية لبنان الدكتور إيلي سالم يبث شكواه من «الاميركيين الذين قطعوا الحبل فينا»».

* صحافية لبنانية

 

 

خلاف أنقرة مع المالكي بالأصالة ومع إيران بالوكالة حول العراق
الحياة..أنقرة - يوسف الشريف
 

ليس هناك الكثير من الذكريات الطيبة التي تجمع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مع أنقرة، وليست الأزمة الأخيرة المتمثلة في تبادل الاتهامات بالطائفية والتدخل في الشؤون الداخلية للعراق بينه وبين نظيره التركي رجب طيب أردوغان سوى تعبير عن طبيعة العلاقة الحقيقية بين الطرفين والتي حاولت أنقرة – التي تعتبر المالكي امتداداً واضحاً للنفوذ الإيراني في العراق - أكثر من مرة إخفاءها والتغطية عليها من أجل مصالحها الاقتصادية في العراق ومن أجل الحفاظ على استراتيجية المسافة الواحدة من جميع مكونات الطيف العراقي لإبراز الفرق بين المقاربة التركية والمقاربة الإيرانية في العراق. إذ لا يمكن أردوغان أن ينسى كيف تصرف المالكي معه في أول اختبار جمعهما عام 2007، حين كانت حكومة أردوغان تواجه أخطر امتحان لها إذ كانت تحارب على جبهات عدة، فمن ناحية كان الجيش يعد لانقلاب عسكري من خلال إقامة دعوى لحل حزب أردوغان الحاكم، ومن جهة أخرى كان حزب العمال الكردستاني يكثف هجماته الدموية على مخافر الجيش التركي على الحدود العراقية التركية في هجمات لم تخل من رائحة تواطؤ – أو على الأقل تخاذل – قيادات عسكرية تركية، ضغطت بكل قوتها حينها على حكومة أردوغان من أجل إرسال الجيش إلى شمال العراق ودخوله في مستنقع جديد هناك رداً على تلك الهجمات التي بدت مفتعلة توقيتاً وتأثيراً، كل ذلك حدث فيما كانت علاقات أنقرة مع واشنطن ما زالت تحت رحمة المحافظين الجدد الذين لم يخف صقورهم حينها رغبتهم في التخلص من «الإسلاميين» في تركيا.

في ذلك الظرف العصيب حاولت أنقرة الاستنجاد بالحكومة العراقية من أجل مساعدتها في لجم حزب العمال الكردستاني، والتعاون ولو صورياً مع حكومة أردوغان في المجال الأمني وتوقيع اتفاق تعاون أمني من أجل تخفيف الضغوط العسكرية على أردوغان وتحــييد خيار إرسال الجيش إلى شمال العراق. حينها خرج المالكي ليتذكر سيادة العراق ويحذر من إرسال الجيش التركي، وطرح التفاوض على الاتفاق الأمني بهدوء ومن دون استعجال في إطار زمني مفتوح لم يكن لدى أنقرة مجال لتحمله وانتظار مراحله، بل إن المالكي (الذي وصفه مسعود البرزاني في زيارته الأخيرة لواشنطن بالديكتاتور) حاول أن يعطي تركيا درسـاً في الديموقراطية مطالباً أردوغان بحل القضية الكردية سلمياً.

مع ذلك وبعد أن تجاوزت أنقرة تلك الأزمة، سعت لتحسين علاقاتها مع بغداد لأسباب عدة من بينها: العامل الاقتصادي والفائدة التجارية التي ستعود على الشركات التجارية والصناعية التركية نتيجة العمل مع سوق العراق، وكذلك من باب السعي إلى موازنة الدور الإيراني في العراق، وهنا فإن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو لطالما تغنى بأن تركيا بإمكانها التحدث والتواصل بثقة مع مختلف الفصائل العراقية من دون استثناء، بينما بعض جيران العراق – في إشارة واضحة إلى طهران – لا يستطيعون التحدث إلا مع حلفائهم العراقيين، وأن المسؤولين الأتراك يمكنهم زيارة البصرة و كربلاء كما الموصل وبغداد وأربيل من دون حساسية أو مشاكل، فيما مسؤولو «بعض جيران العراق» لا يستطيعون زيارة الموصل وعشائرها أو الأنبار، وأن الدور التركي في العراق مبني أساساً على مساعدته على إعادة بناء بنيته التحتية وتحقيق الرفاهية لمواطنه وضمان الاستقرار له من خلال إشراك جميع مكوناته من دون استثناء في الحكم وحل الخلافات بينها بعيداً من العنف، بينما يقتصر دور «آخرين» على تسليح الحلفاء وتمويلهم وزيادة العداوة مع الخصوم. وما كان لهذه المعادلة التي يتحدث عنها داود أوغلو أن تتحقق على الأرض من دون مد الجسور مع المالكي بصفته رئيساً للوزراء.

وبينما كان المسؤولون العرب يترددون في زيارة بغداد ويحجمون عنها، وإذا ما زاروها رفضوا الإقامة على أرضها لأكثر من يوم واحد، فإن الرئيس التركي عبدالله غل ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو تعمدا في زياراتهما اصطحاب زوجتيهما والإقامة ليلة في بغداد من أجل بث رسالة دعم وثقة بحكومة المالكي. بل إن رئيس الوزراء أردوغان تجنب زيارة مدينة كركوك والأقلية التركمانية هناك بناء على موقف من المالكي الذي اعتبر أي زيارة تركية رسمية لكركوك دعماً للأقلية التركمانية وتدخلاً في الشأن العراقي.

الشعرة الأخيرة

على رغم ذلك، كان المالكي يتصرف مع أنقرة على وقع إيقاع العلاقات التركية - الايرانية والتركية - السورية، وكانت الانتخابات البرلمانية العراقية في 2010 هي الشعرة الأخيرة التي انقطعت بين أنقرة والمالكي بعد تأييد تركيا تحالف قائمة العراقية بزعامة أياد علاوي وتجنيد الدعم لها، وذلك لسببين، الأول رداً على سياسات المالكي تجاه تركيا، وثانياً رغبة من أنقرة في أن يحكم تحالف علماني العراق من أجل تجاوز خطر الحرب الطائفية الذي كان وما زال يهدد العراق.

وعلى رغم فوز قائمة العراقية بزعامة أياد علاوي، فوجئت أنقرة بتفاهم إيراني - أميركي على تولي المالكي الحكومة من جديد، لتأمين خروج «نظيف وسليم» للقوات الأميركية من العراق نهاية 2011، أي أن تولي المالكي منصبه الحالي وفق المفهوم التركي جاء بناء على صفقة دولية تمت خلالها مراعاة المصالح الإيرانية والأميركية وليس مصالح الشعب العراقي أو احترام نتائج الانتخابات التي يفترض أنها ما يميز العراق الديموقراطي الجديد عن تاريخه السابق. عندها، طلبت أنقرة من قائمة العراقية وكل من أياد علاوي ونائب الرئيس طارق الهاشمي العمل كمعارضة قوية في البرلمان، لكن فشل حلفاء أنقرة العراقيين في تشكيل جبهة معارضة قوية، واستئثار المالكي – بدعم واضح من طهران – بمعظم مؤسسات الحكم وبالأخص الأمنية منها، أديا إلى إحباط جهود تركيا لعودة الاستقرار والتوازن في التمثيل الطائفي والسياسي إلى العراق، وهو ما مهد لبداية فترة من البرود بين العاصمتين.

وتفاقمت الأزمة مع المالكي بعد قراره تصفية جبهة المعارضة واستصدار قرار القبض على الهاشمي في قضية دعم للإرهاب، والهاشمي هو الحليف الأقرب لأنقرة التي أقنعته عام 2005 بالمشاركة في الانتخابات بالنيابة عن العراقيين السنّة، ودفع ثمن موقفه هذا من دم إخوته وأقاربه الذين اغتالهم تنظيم القاعدة. تبع ذلك – أو بالتوازي معه - تضييق من الحكومة العراقية على الشركات التركية وحركة النقل التركية لبضائعها عبر العراق، إذ إن طول الأزمة السورية، وإغلاق الطرق البرية عبر سورية أمام البضائع والتجارة التركية أثرا في الاقتصاد التركي نوعاً ما.

وسعى المالكي هنا كي لا يكون العراق منفذاً بديلاً للشاحنات التركية إلى الخليج، في موقف غير مبرر، وإنما يصب في مصلحة دعم السلطات الحاكمة في سورية، من دون الالتفات إلى العائدات الجمركية التي قد يستفيد منها العراق نتيجة تحويل خط سير الشاحنات التركية إلى أراضيه.

كما كان واضحاً أن تصعيد المالكي تصريحاته في إطار رده على أردوغان الذي اتهمه بالأنانية السياسية وإثارة الطائفية، جاء متزامناً مع التوتر الذي شاب العلاقة بين أنقرة وطهران على خلفية الملف السوري، فهذا الاتهام التركي للمالكي ليس بجديد ولكن الجديد هو رد المالكي وتصعيده (سبق أن اتهم أردوغان المالكي بالطائفية نهاية العام الماضي، لكن أحزاباً شيعية عراقية تدخلت للوساطة سريعاً ولم يصعد المالكي حينها).

هذا الخلاف الذي وصل حد تهديد طهران بإقصاء تركيا من الوساطة حول ملفها النووي وتحويل مكان المفاوضات مع دول خمسة زائدة واحدة من اسطنبول إلى بغداد أو بكين، جعل أنقرة ترى في حديث المالكي رسالة إيرانية بلغة عربية عراقية، وكأنه يتحدث بالنيابة عن طهران ودمشق معاً، فكان رد أردوغان أن تركيا لن تسمح للمالكي بالاستعراض، وامتد الخلاف إلى تبادل العاصمتين رسالتي احتجاج عبر السفيرين.

الاستراتيجية التركية تجاه كل من العراق وسورية خلال السنوات الخمس الأخيرة كانت تركز على توثيق العلاقات مع هاتين الدولتين من أجل موازنة النفوذ الإيراني في المنطقة واستعادة العراق دوره العروبي من جديد (إضافة طبعاً إلى المصالح الاقتصادية التي أنعشت الاقتصاد التركي)، لكن التطورات تسير بعكس هذا التمني التركي، وما عاد ممكناً إخفاء المشاعر الحقيقية مهما سعت أنقرة إلى تجنب مواجهة مباشرة. وعلى الأغلب فإن الخلاف والسجال بين أنقرة والمالكي سيستمران ما دامت الأولى ترى في سياسات الثاني هدماً لاستراتيجيتها في العراق، وطالما رأت فيه ناقل رسائل إيرانية وسورية.

 

تعتبرهم أعداءها وتخشى أن تؤدي تحركاتهم إلى تهديد نفوذها
طهران تحذر خصوم المالكي من تحسين العلاقات مع الدول العربية
ائتلاف "دولة القانون" يعتبر بارزاني "عدوه الأول" ويتهم دول "الخليجي" بتقوية موقفه وموقعه
السياسة..بغداد - باسل محمد: دخلت إيران بصورة غير مسبوقة على خط الخلافات السياسية بين "ائتلاف دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي من جهة, ورئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني وزعيم ائتلاف "العراقية" اياد علاوي من جهة ثانية.
وكشفت تقارير داخلية لـ"حزب الدعوة" الذي يترأسه المالكي ان ايران لن تسمح بعد اليوم بأي مواقف عدائية تصدر عن أطراف سياسية عراقية, ولن تقبل تحركات هذه الاطراف باتجاه دول اقليمية, وتحديداً السعودية وقطر والامارات, لأنها ستعتبر كل ذلك محاولة لتشكيل جبهة معادية للنفوذ الإيراني في العراق.
وذكرت التقارير انه خلال زيارة المالكي طهران, الأسبوع الماضي, تم وضع ستراتيجيات مشتركة لمواجهة خصوم العلاقات العراقية - الايرانية المتينة داخل العراق, وان اي تصريحات تصدر عن نواب وسياسيين عراقيين ضد ايران ستصنف على انها عمل بالوكالة عن دول اقليمية تريد تقويض الترابط العراقي - الايراني في المنطقة.
وبحسب التقارير, فإن طهران توصلت إلى قناعة بأن أعداء المالكي السياسيين هم اعداء لها, وحذرت بارزاني من التحول الى حليف لدول مجلس التعاون الخليجي في مواجهتها, سيما في ظل زيارتيه إلى الامارات وقطر واتصالاته الوثيقة مع المسؤولين السعوديين.
واتهمت التقارير نفسها السعودية وقطر والكويت والامارات باستخدام ملف الاقتصاد لتشجيع بارزاني على الانفصال وإقامة دولة مستقلة, في تحد لسلطة المالكي.
وفي هذا السياق, قال القيادي في "حزب الوفاق الوطني" (بزعامة علاوي) فخري حسين لـ"السياسة", أمس, ان اتهامات الفريق المحيط بالمالكي ضد بارزاني والتدخل الايراني في الخلافات العراقية, يعكسان حقيقة واحدة وهي ان طهران لا تريد أي علاقات بين العراق ودول عربية واقليمية, سيما تركيا, بنفس مستوى العلاقات العراقية الايرانية, كما انها تعارض تحقيق التوازن داخل مؤسسات الدولة العراقية لأن كل ذلك يهدد نفوذها الستراتيجي في الجسم السياسي والأمني والاقتصادي العراقي.
من جهته, قال النائب عن ائتلاف "دولة القانون" جواد كاظم مسافر لـ"السياسة" ان التقارب بين بارزاني وبين دول الخليج العربي يأتي متزامناً مع تصاعد الخلافات بين بارزاني والمالكي, ولذلك فإن "توقيت هذا التقارب هو عمل سياسي هدفه إضعاف المالكي وإسقاطه من رئاسة الحكومة".
واضاف ان هذا التقارب الخليجي مع بارزاني مهما كانت مستوياته "لن يستطيع النيل من النفوذ الايراني داخل العراق لأن هذا النفوذ قوي بقوة العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والدينية التي تربط بين البلدين".
ورأى النائب ان تقارب بارزاني مع دول الخليج العربية يمثل ورقة ضغط سياسية على المالكي, ويؤشر على أن الزعيم الكردي ربما يحاول تهيئة الظروف الاقليمية لإعلان دولة كردية مستقلة, محذراً بارزاني من ان العلاقات مع الدول هي من اختصاص الحكومة المركزية في بغداد برئاسة المالكي.
في موازاة ذلك, تصاعدت في الساعات الاخيرة التصريحات الصادرة عن نواب من "ائتلاف دولة القانون", التي وصفت بارزاني بأنه الخصم رقم واحد للمالكي, بعد اقل من ثمان واربعين ساعة على اجتماع اربيل التشاوري الذي ضم بارزاني وعلاوي ورجل الدين الشيعي مقتدى الصدر والرئيس جلال طالباني ورئيس البرلمان أسامة النجيفي يوم السبت الماضي.
في المقابل, قال النائب عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة بارزاني في برلمان اقليم كردستان آسو كريم لـ"السياسة" ان بارزاني حريص للغاية على علاقات متينة مع دول مجلس التعاون الخليجي لأن ذلك يشكل دعماً اقتصادياً حيوياً للاقليم وللعراق, نافياً ان يكون هناك هدف سياسي من التقارب مع دول الخليج باتجاه تقويض النفوذ الايراني وإضعاف موقف المالكي.
وذكر بدور بارزاني المهم في الاطاحة بالديكتاتور صدام حسين وبناء النظام الديمقراطي بعد ابريل العام 2003, متهماً المالكي بأنه خالف ما اتفق عليه سياسياً ودستورياً وخرج عن روح الشراكة الحقيقية في الحكم.
وأكد كريم ان قلق الفريق المحيط بالمالكي من تحركات بارزاني غير مبرر ولا أساس له, مشيراً الى ان الاتهامات الموجهة ضد بارزاني هدفها تهميش الدور والثقل الذي يتمتع به رئيس اقليم كردستان على المستويين العراقي والاقليمي.

          

ترقب في واشنطن لخطوة أوباما المقبلة حيال سورية
جريدة الرأي...واشنطن - من حسين عبد الحسين
تكثر التكهنات في واشنطن حول الخطوة المقبلة التي ستتخذها الولايات المتحدة في التعامل مع الوضع في سورية، فيما تترقب الاوساط المعنية جلسة مغلقة يعقدها مسؤولون كبار في البيت الابيض مع الصحافيين، اليوم، حول الوجهة الاميركية المقبلة.
في هذا السياق، قالت المسؤولة في «مجلس الامن القومي» عن شؤون اوروبا اليزابيث شيروود راندل انه "لا توجد خطط رسمية داخل تحالف الاطلسي للدفاع عن تركيا في وجه العنف الذي يأتيها من سورية، رغم ان تركيا تدرس امكانية اللجوء الى فصل الدفاع المشترك للتحالف".
تصريحات راندل جاءت على هامش ندوة عقدتها في "مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية"، اول من امس، بعنوان "اعادة احياء الاطلسي: من لشبونة الى شيكاغو". ومن المتوقع ان يعقد التحالف قمة في مدينة شيكاغو الاميركية الشهر الحالي، هي الاولى له منذ الاخيرة التي عقدها في مدينة لشبونة البرتغالية في العام 2010. ومع ان القمة ستتمحور حول مواضيع افغانستان وموازنة التحالف في ظل خطط التقشف اوروبا، الا ان المسؤولين الاميركيين يتوقعون ان تكون هناك مشاورات حول الوضع في سورية، على هامش اعمال القمة.
وقالت راندل ان «(الادميرال جايمس ستافريديس) قائدنا الاعلى للقوات المتحالفة يمكنه وضع كمية محدودة من الخطط للتعامل مع اي طارئ في سورية». لكن حتى الان، اضافت راندل: "لم يكن هناك اي طلب رسمي... لم يكن هناك طلب رسمي من الاتراك لعقد مشاورات (داخل التحالف) من اجل سيناريو حسب البند الرابع او البند الخامس".
ويدعو البند الرابع الدول الاعضاء في التحالف الى التشاور في حال تعرضت للتهديد سلامة اراضي او استقلال او امن اي من الدول الاعضاء، فيما يعتبر البند الخامس ان اي اعتداء مسلح ضد اي عضو او اكثر هو بمثابة اعتداء على الجميع ويوجب تحركا عسكريا مشتركا من قبل الجميع للدفاع.
وكانت تركيا اعتبرت حوادث اطلاق نار من قبل قوات الرئيس بشار الاسد في اتجاه اراضيها بمثابة اعتداء مسلح عليها. كذلك سبق ان عبّر المسؤولون الترك عن خوفهم من تبعات هجرة السوريين المدنيين الفارين من عنف قوات الاسد واللاجئين الى تركيا.
من ناحيته، كتب المعلق ريتشارد كوهين في صحيفة «واشنطن بوست» ان «الخطوة الاميركية المقبلة هي السعي داخل مجلس الامن الى استصدار قانون يحظر تصدير الاسلحة الى كل الاطراف السورية».
وحذّر من ازدياد التطرف داخل الثورة السورية في حال طال بقاء الاسد بسبب احجام القوى العالمية عن التدخل للحسم لمصلحة الثوار. وكتب ان «الثورة السورية قد تتحول الى شيء مريب، فكلما طالت، مات اشخاص اكثر وزادت امكانية تمدد العنف الى الدول المجاورة". واضاف ان الخطة المطروحة حاليا داخل اروقة القرار في واشنطن، تقضي بانتظار حصول ما هو "محسوم حصوله، اي فشل خطة كوفي انان، وبعد ذلك حصول الفشل المتوقع لفرض حظر اسلحة سيساهم في اضعاف المعارضة اكثر بكثير من اضعاف الاسد"، متسائلا: «كيف للفشل الدولي المتكرر في سورية ان يؤدي الى نجاح؟»

 

 

في أعقاب موجة الربيع العربي التي انطلقت شرارتها من هناك

حريات الإسلاميين في تونس الجديدة تُحدِث انقساماً في البلاد
موقع إيلاف...أشرف أبو جلالة من القاهرة
اختلاف في الآراء بين التونسيين حول الممارسات الدينية
تعيش تونس اليوم بعد ثورة الياسمين التي مرت بها، وبعد التغيرات التي طرأت عليها، حالة من الانقسام بين فئات الشعب، حيث أصبح شباب اليوم يمارسون حياتهم الدينية بشكل مختلف تماما عمّا عاشه أهلهم، وسط تساؤلات عن المستقبل الإسلامي والسياسي في البلاد.
القاهرة: تعيش تونس، التي كانت مهداً لموجة الربيع العربي التي غمرت فيما بعد عدة بلدان عربية، حالة من الانقسام الإسلامي، على خلفية ظهور رؤيتين بشأن الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه البلاد في المستقبل، إحداهما علمانية ومعتدلة والأخرى أصولية.
ولفتت في هذا الصدد صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إلى تضارب الرؤى بين هذا الشاب الصغير الذي يدعى إبراهيم وبين أبيه، صالح عمارة، في ما يتعلق بموقف الإسلام من الديمقراطية والانتخابات. ونقلت عن الابن قوله "حرية الديمقراطية مطلقة. ونحن لا نقبل ذلك، لأن الحرية في ديننا مقتصرة على الحرية التي يمنحها لك الله".
وعلى العكس، يشعر الأب بحالة من الإحباط الشديد، نتيجة تكون تلك الرؤية لدى ابنه في مرحلة ما بعد ثورة الياسمين. وأعقبت الصحيفة بقولها إن الأمر تصاعد لحد أن الأب والأم بدآ يمتثلان إلى القيود الجديدة التي فرضها عليهما الابن الذي يبلغ من العمر 27 عاماً – حيث توقفا بالفعل عن مشاهدة المسلسلات التلفزيونية والأوبرا في التلفزيون نظراً للقدر الكبير من المحتوى الجنسي الذي تشمله تلك المواد.
ومع هذا، أكد الأب أن ابنه يمضي كذلك لما هو أبعد من ذلك بكثير، بعدما قرر إطلاق اللحية، رغم أنها قد تحدّ من فرص حصوله على عمل. وأضاف " وإن أصر إبراهيم على أن تقوم زوجته الجامعية علمانية المنشأ بتغطية شعرها وارتداء قفازات يد، فهذا شأن خاص به. لكن كيف له أن يرفض إجراء انتخابات حرة، وتلك هي النتيجة التي تعتبر أفضل ما تمخض عن ثورة الياسمين التونسية ؟".
ثم مضت الصحيفة تقول إن تونس تقف الآن منقسمة ين رؤيتين لمستقبلها، بعد مرور عام على الثورة التي أطاحت ببن علي وجعلته يلوذ بالفرار إلى المملكة العربية السعودية. وأضافت الصحيفة أن مواجهات الشوارع التي شهدتها البلاد العام الماضي تحولت إلى نوع مختلف من العراك، بعد نشوب مواجهات أكثر حميمية بدأت تواجه فيها كثير من العائلات العديد من التساؤلات الأساسية بشأن الهوية.
حيث بدأ يشعر الآباء العلمانيون، الذين فوجئوا بتغطية بناتهم رؤوسهن في الأماكن العامة، بالقلق من احتمالية وقوع أبنائهم فريسة للتطرف والتشدد. في حين نشأ سجال بين الأسر معتدلة التدين بشأن القرارات التي اتخذها أبناؤهم لإطلاق لحاهم والاعتراض على جوانب الحياة التونسية التي كانوا يتعاملون معها دائماً بشكل طبيعي مثل النبيذ والبيرة وملابس البكيني على الشواطئ وأفلام هوليوود في التلفاز.
وتابعت الصحيفة بقولها إن التساؤل الذي بات يفرض نفسه الآن في كافة أرجاء البلاد هو: هل يمكن وينبغي أن يتم الإبقاء على المزيج التونسي الذي يجمع بين الممارسات والقيم الإسلامية والغربية بموجب أجواء الحرية الجديدة في البلاد، أم قد تطلق تلك الأجواء العنان لتطرف ديني يهدد بدفع البلاد التي يقطنها 10 ملايين شخص صوب نوع جديد من الدكتاتورية ؟
وبعد مرور 16 شهراً على إضرام بائع الفاكهة التونسي، محمد بوعزيزي، النار في نفسه، لتشتعل مع تلك الحادثة موجة من الثورات في جميع أنحاء العالم العربي، تعيش تونس أجواء أفضل من الحاصلة في بلدان أخرى أطيح فيها بحكامها.
ولفتت في هذا السياق إلى بدء عودة السياح إلى الشواطئ التونسية مرة أخرى، وهدوء الأجواء نسبياً في الشوارع، وإجراء انتخابات نزيهة أوصلت إلى السلطة تحالفا من الأحزاب الإسلامية والعلمانية بقيادة حزب النهضة الذي يؤكد اعتداله في كل خطوة يقوم بها – رغم عدم تصديق كثير من العائلات العلمانية لأي كلمة يقولها.
لكن الصحيفة أوضحت في الإطار عينه أنه لا تزال هناك ندرة في الوظائف، وأنّ شعور اليأس الذي قاد للثورة بدأ يخفت قليلاً، وبالكاد يمر يوم دون حدوث نوع من أنواع المواجهات بين الإسلاميين والتونسيين العلمانيين. وبدأ يهدد الخلاف المتزايد بشأن الدين، في دولة يقطنها مسلمون بنسبة 100 % تقريباً، بإدخال تونس في فوضى.
ونقلت الصحيفة عن مصطفى بن جعفر، الذي يترأس المجلس الوطني التأسيسي، قوله "لم نحظ بحرية أو ديمقراطية على مدار 30 عاماً. وموقفنا اليوم هش وحساس للغاية لأننا محاصرون بين قوتين – واحدة تريد تقدماً وأخرى تريد العودة في الوقت المناسب".
وتابع بن جعفر حديثه بالقول: "وللحرية دائماً ثمنها. فكانت تتواجد تلك الحركات المتطرفة قبل الثورة، لكنها كانت خاملة. أما اليوم، فقد بات كل شيء علنياً، والحمد لله على ذلك".
ونوهت الصحيفة أيضاً بأن أنصار التيار السلفي، ومنهم الشاب إبراهيم عمارة، غير راضين بمجرد ممارستهم لحقهم الجديد في التظاهر. وقالت إن إبراهيم يخبر أسرته بضرورة تطبيق الشريعة، وجعل القرآن هو القانون السائد في الأرض، مؤكداً أنه "إذا حاولت الدولة إسكاتنا، فإننا سنستخدم عدة وسائل منها العنف أيضاً".
كما أعرب شقيق إبراهيم الأكبر، وهو شاب يدعى أحمد، ويبلغ من العمر 29 عاماً، عن اندهاشه واستغرابه من موقف شقيقه المتحول، مضيفاً أنه "كان كالشبان الطبيعيين، ويعتاد الذهاب إلى النوادي، والحفلات، وأنه لم يكن يقصر نشاطه على الصلاة فحسب طوال الوقت. وأنا من جانبي أعتبر أكثر انفتاحاً منه. لأنني ما زالت أعتقد أن بمقدورنا الحصول على هذا التوازن، بين أن نكون غربيين وإسلاميين في الوقت ذاته".
ثم انتقلت الصحيفة للحديث عن محور آخر متعلق بظهور مخاوف جديدة من التيار المتشدد، وضربت المثال هنا بمشاعر القلق التي بدأت تهيمن على زوجين يدعيان عدنان عايد وهدى شريف، بعد عودتهما لتونس قادمين من اليابان قبل الثورة بعام، فرغم سعادتها في البداية بسقوط نظام حكم الرئيس زين العابدين بن علي، إلا أنهما باتا قلقين الآن من تنامي الانقسامات. وقالت شريف التي تبلغ من العمر 42 عاماً :" كلنا مسلمون، لكننا بدأنا ننفصل وننقسم إلى أنواع مختلفة ومتعددة من المسلمين".
وأكدت الصحيفة أن التظاهرات العنيفة التي قام بها السلفيون، رغم قلتها، في الأشهر التي سبقت انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وفي الأشهر التي تلتها، قد تسببت بإثارة ذعر كثير من التونسيين. وتحدث شريف في هذا السياق عن صديق تعرفه، وهو متعلم تعليماً جيداً، وكيف عاقبته والدته لمجرد تصويته لحزب علماني، حيث قالت له "لقد قمت بالتصويت ضد الله". وأعقبت شريف حديثها بالقول: "كيف لك أن تتصدى لذلك؟ وكيف لك أن تعلم الناس بشأن نموذجنا الإسلامي المعتدل بينما تخبر الأحزاب السياسية الناخبين بأن نهجهم هو الوحيد الذي يؤدي للجنة".
وقال علي غايدي طالب جامعي:" وما لا يدركه العلمانيون هو أنه حتى الناس الذين يرتدون النقاب يقرأون الكتب. ويخاف هؤلاء الناس بشكل كبير من أن لا يرى المتطرفون أننا جميعاً تونسيون. فنحن سنظل معتدلين، كما كنا من قبل على الدوام".
وهي النبرة نفسها التي تحدثت بها شريف ومجموعة من أصدقائها، رغم انتشار القيم الإسلامية المتشددة، بعدة نواح. وأضافت شريف "سعت الرسالة العلمانية لاستهداف النخبة. فنحن خاطبنا العقل، أما الإسلاميون فوجهوا خطابهم للقلب. حيث تحدثوا عن الأمانة والإيمان والعدالة وكذلك عن الوظائف. ونحن كنا مخطئين تماماً".
وقال عياض بن عاشور الذي كان يدير اللجنة الدستورية في البلاد:"بدأ يفقد الناس صبرهم، وهم في انتظار الحصول على وظائف. والخطر هو احتمالية أن تقود التظاهرات إلى فوضى، من الممكن أن تعيدنا مرة أخرى إلى عصر الدكتاتوريات. لكن قمع الائتلاف الحاكم الأشخاص المتطرفين، قد يكسب وقتاً لإعادة بناء الاقتصاد. ولا يمتلك المتطرفون في تونس جذوراً اجتماعيةً عميقةً كما هي الحال في مصر. والمواطنون التوانسة العاديون يمتلكون بالفعل ديمقراطية في رؤوسهم".
ثم تحدثت الصحيفة عن نموذج آخر لشخص يدعى سمير العيوني، ويبلغ من العمر الآن 50 عاماً، حيث عاش معظم حياته في ثلاثة عوالم مختلفة : في المسجد وفي تونس العلمانية وفي الدهاليز السرية لحزب النهضة. وأوردت عنه قوله إنه قد اتضح أن الثورة نشبت في الأساس لأغراض سلمية لأن تونس تختلف عن غيرها من البلدان.
وتابع حديثه بالقول :" قضت المعارضة العلمانية وحزبنا سنوات عديدة في السجن. ونحن لم نخرج لنغير بعضنا البعض. فهذه ليست دولة إسلامية، بل دولة تونسية".
ورغم إدراك سمير أن بلاده ما يزال أمامها وقت طويل قبل أن تتمكن من بلوغ غاياتها، إلا أنه عاود ليقول "أصبحت حراً لأول مرة بعد 50 عاماً، وبات بمقدوري أن أتنفس". وعاودت هدى شريف لتقول :" علينا أن نبقى في تونس الآن وأن نتصدى لخصومنا المتشددين دينياً. فأنا أريد أن ينشأ أولادي هنا في وطني". فيما قال إبراهيم عمارة "سيصل كل مسلم لمرحلتنا وسيصبح مثلنا. ومهمتنا هي هداية الآخرين، وإن لم يسمحوا لنا بالتعبير عن أنفسنا، فسيتعين علينا أن نقاتل".

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,200,724

عدد الزوار: 6,982,684

المتواجدون الآن: 81