مالي: ماذا عن الطوارق؟

تاريخ الإضافة الثلاثاء 19 شباط 2013 - 6:22 ص    عدد الزيارات 704    التعليقات 0

        

 

مالي: ماذا عن الطوارق؟
ترجمة: حسين جواد قبيسي*
تحت عنوان «Un peuple dans la tourmente» نشرت صحيفة «لكسبرس» بتاريخ 25/01/2013 على موقعها الإلكتروني (L’Express.fr)  التحقيق التالي الذي أجراه الصحافي الفرنسي بوريس تيولاي, BorisThiolay ميدانياً. وفي ما يلي ترجمته.
يفخر رجال الطوارق بأنفسهم وهم يتلفّعون بحجابٍ يستر وجوههم، فلا تبين منه إلا عيونهم، ويعتمرون لفَّةً من القماش النيلي اللون، وجلابيب باللون النيلي نفسه، تصل إلى أخامص أقدامهم، فيُسمّيهم الغربيون «الرجال الزرق». والطوارق كلمة بربريّة تعني «الانعزاليون»، ويبلغ تعداد الطوارق جميعاً حوالى المليون ونصف المليون نسمة يعيشون متفرقين بين خمس دول: النيجر حيث يبلغ تعدادهم 800 ألف نسمة ومالي 500 ألف نسمة، والباقي في الجزائر وبوركينا فاسو وليبيا. ويجمع بين مختلف جماعات الطوارق اتّحادٌ سياسي إقليمي. والطوارق شعب بربري ما زال يعيش حياة البداوة، وعاش على مدى مئات السنين من تجارة القوافل بين أطراف الصحراء، فكان الطوارق قطّاع طرق يهاجمون القوافل وينهبونها.
ينقسم مجتمع الطوارق إلى ثلاث مراتب، أرفعها مرتبة النبلاء تليها مرتبة رجال الدين وأخيراً مرتبة العبيد. فالطوارق شعب أبيض مارس - على غرار ما فعلت شعوب المنطقة جميعاً - استعباد السود منذ زمن بعيد. وغالباً ما يؤخذ على الطوارق استمرارهم في ممارسة هذا التقليد القديم. كما لا يزال بعض جماعات الطوارق يمارسون تقليداً يعود إلى ما قبل الإسلام، فالمرأة في المجتمع الطوارقي سافرة تتمتّع بحرية تحسدها عليها المرأة المسلمة في مجتمعات أخرى. ومع أن تواتر حالات الجفاف الذي يُصيب المنطقة منذ العام 1973، وتناقص قطعان الماشية، أدّى إلى تراجع حياة البداوة، واندثار تقليدٍ يقضي بأن تكون المرأة هي مالكة الخيمة والقطيع، فإن حياة التنقّل ما زالت غالبة في معيشة الطوارق، وما زال المبيت في الخيمة أو في العراء عادة مفضَّلة، على الرغم من أن بعض شبّان الطوارق يمارسون ركوب الدراجات النارية والسيارات المتينة.
بدو «عاطلون عن العمل» ومتمرّدون
يعيش الطوارق هذا التقسيم بين جماعاتهم المختلفة، منذ أن بدأت أفريقيا تنقسم إلى دول مستقلة وذات حدود، في الستينيّات، كما عانى الطوارق من الفترة التي كانت فيها هذه الدول خاضعة للاستعمار، وقد فُرِض عليهم أن يكونوا طوارق نيجيريّين وطوارق جزائريّين أو ماليّين أو ليبيّين.. وهكذا وجدوا أنفسهم يعيشون على حدود هذه الدول الوليدة، وعند أطراف الصحراء، في مناطق شاسعة بعيدة من العواصم وغير قابلة للرقابة. وغالباً ما يقاومون موظفين حكوميّين قادمين من مناطق أخرى بُغيةَ فرض سلطة الحكومة المركزية عليهم. وفي تلك الفترة من الزمن، كان الطوارق في شمال مالي يشعرون وكأن هناك من لا يعرفونه ويأتي إليهم ليستعمرهم. لكن النظام الاشتراكي في عهد الرئيس موديبو كيتا (1960 - 1968) كان يرى في الطوارق فئة اجتماعية إقطاعية يجب اتّخاذ إجراءات معيَّنة تجاهها. فما كان من قبائل «أدرار» في منطقة كيدال، إلا أن تمرّدت في العام 1963 على النظام المركزي. وكان ردّ السلطات المالية على هذا التمرّد قمعياً دموياً. ومنذ ذلك الوقت، وتمرّد الطوارق في شمال مالي وشمال النيجر يتكرّر بين الفينة والفينة(1992، 1994 - 1996، 2006) وفي كلّ مرّة كانت تخرج المفاوضات بين الطوارق والحكومة باتفاقٍ يقضي بالمزيد من تطوير منطقة الطوارق ومنحها مزيداً من الحكم الذاتي. وفي واقع الأمر كانت تلك المفاوضات تنتهي باتفاقيات جانبية تلعب فيها المحسوبية والمال وأنصاف الحلول الدور الرئيس.
في السنوات الثلاثين الماضية، أصاب مجتمع الطوارق تغيّرات عميقة؛ فبعد خسارة الكثير من قطعان الماشية بسبب الجفاف، تحوَّل قسمٌ كبير من الطوارق إلى العيش في المدن الصحراوية، بعدما فشلوا في التكيّف مع العيش في ضواحي مدن الساحل الصحراوي. كما هاجر آلاف العاطلين عن العمل منهم إلى ليبيا من أجل العمل في الصناعات النفطية، سعياً وراء الكسب المادي.
في الثمانينيّات هبَّت رياح التمرّد على يد «العاطلين عن العمل»، هؤلاء الذين لم يدَّخر العقيد معمَّر القذافي جهداً لتأليبهم ضدّ الحكومة المركزية وفقاً للسياسة التي كان يتَّبعها الرئيس الليبي لزعزعة الأوضاع في البلدان المجاورة له. هكذا، دخلت أفواج من الطوارق في صفوف الجبهة الإسلامية وتعلّمت حمل السلاح واستخدامه. حتى أن واحداً منهم ويُدعى إياد آغا غالي يتولّى اليوم قيادة التنظيم الإسلامي «أنصار الدين»، وكان في العام 1982 قد حارب في لبنان، كما حارب في تشاد، تحت قيادة ليبيّة.
شمال مالي ساحة حرب
كان لـ «قدامى المحاربين» هؤلاء دور بارز في الأحداث المأسوية التي جرت مطلع العام 2012. وبعد انهيار نظام القذافي عادوا مع المئات من مناصريهم المقاتلين إلى شمال مالي، حيث رجّحوا كفة التوازن العسكري وباتت لهم الغلبة والتفوّق على الجيش المالي. وسرعان ما فرَّ من الجيش النظامي المالي عدد كبير من الجنود الطوارق كانوا يشكّلون فيه نخبة تدرَّبت على الأميركيّين والفرنسيّين، والتحقوا بالمتمرّدين في الشمال، حيث تشكَّلت «الحركة الوطنية لتحرير إقليم أزواد» في شهر يناير/ كانون الثاني 2012، وهي حركة انفصالية «علمانية» تحالفت مع عدوّها السابق، تنظيم «أنصار الدين»، أي الجماعة الإسلامية المتحالفة مع تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي».
في 6 أبريل (نيسان) 2012، أعلنت «الحركة الوطنية لتحرير أزواد» إقليم أزواد، الذي تعادل مساحته ثلثي مساحة مالي، إقليماً مستقلاً. لكن الأمم المتّحدة سارعت إلى رفض الاعتراف بشرعية هذا الإعلان. كذلك، فإن مقاتلي الحركة سرعان ما مُنِيوا بهزيمة عسكرية وطُردوا من مدن كيدال وتمبكتو وغاو على يد مسلَّحي «أنصار الدين» و«تنظيم القاعدة» و«حركة الجهاد والوحدة في أفريقيا الغربية». ومذّاك، أخذت هذه التنظيمات الثلاثة تطبِّق الشريعة الإسلامية وتبعث الرعب في قلوب أبناء المنطقة، في حين تراجعت «الحركة الوطنية لتحرير أزواد» عن مطلبها الانفصالي وعن المطالبة باستقلال الإقليم، في محاولةٍ منها للعب دور في أيّ مفاوضات تجري لاحقاً؛ حتى أنها أبدت استعدادها لمساعدة القوّة الفرنسية التي شنَّت عملية «سرفال» (Serval) لطرد الجهاديّين الإسلاميّين من شمال مالي، والتي ما زالت لم تُـفـلِـح في إنجاز مهمّتها. في حين أعلن الجناح المعتدل في تنظيم «أنصار الدين» تمرّده على القيادي إياد آغا غالي، وأنشأ «حركة أزواد الإسلامية» التي أعلنت رفضها لأيّ شكلٍ من أشكال التطرّف والإرهاب»، وتعهَّدت بمكافحته.
* كاتب في مؤسسة الفكر العربي
- نشرة أفق

A Gaza Ceasefire..

 الأحد 9 حزيران 2024 - 6:33 م

A Gaza Ceasefire... The ceasefire deal the U.S. has tabled represents the best – and perhaps last… تتمة »

عدد الزيارات: 160,852,425

عدد الزوار: 7,179,937

المتواجدون الآن: 127