استعادة أجواء الانتخابات الإيرانية 2009: الاحتجاج بالتكبير والضوء وأبواق السيارات
غداً انتخابات رئاسية في ايران.
هل تختلف عن سابقتها قبل أربع سنوات حين انتشر الدخان في طهران احتجاجاً على ما أكد الاصلاحيون أنه تزوير أتى بأحمدي نجاد رئيساً؟
هنا استعادة لاجواء انتخابات العام 2009 وتفاصيل عاشتها الكاتبة في العاصمة الايرانية ومدن أخرى.
<حزيران (يونيو) 2009، انقلبت الأجواء في طهران بعد إعلان النتائج، في فترة الحملة الانتخابية كانت الحماسة شديدة، وتركت لمؤيدي كل طرف حرية التعبير، ولم يسجل ما يعكر الجو المرح والمليء بالآمال لمناصري المرشحين مير حسين موسوي ومهدي كروبي المحسوبَيْن على التيار الإصلاحي، ورضائي ومحمود أحمدي نجاد من التيار المحافظ.
كان ثمة يقين لدى مؤيدي موسوي من نجاحه، فقد جمع حوله الشباب الراغبين في التغيير، وكانت تلك الرغبة الدافعَ الأول لتأييده أكثر من شخصه نفسه، الذي كان عرضة لانتقادات شتى من مناصريه، لكنه كان أملهم الوحيد.
تظاهرات الاحتجاج لم تستمر طويلاً، وبين حديث عن قمع شديد وآخر عن قمع لم يتجاوز الضرب بالهراوات والغاز المسيل بالدموع، إلى القتل، في ما ندر (عدد القتلى تراوح بين الثلاثين والسبعين)، وشائعات عن تدخل حزب الله اللبناني ليصوب الرصاص على المتظاهرين «لرفض الشرطة الإيرانية الانصياع لأوامر إطلاق الرصاص»، كان المشهد غامضاً حتى للذين يقطنون طهران.
طهران التي كانت حولي لم تكن نفسها على شاشات التلفزيون.
السبت 13 حزيران:
بعد إعلان النتائج، كان شارع كشاورز في مركز العاصمة الإيرانية يعج ظهراً بعناصر الجيش والشرطة. لم تبد ملامح اضطرابات من أي نوع في اليوم المشمس. كل شيء على ما يرام، لكن العاصفة كانت قد عبرت قبل ساعات... بعد الظهر في ميدان هفت تير، مركز طهران، حشد من الشباب يتدافعون ويتعاركون، وآخرون يركضون، وبعضهم يسير في تظاهرة محدودة. كان عدم وجود رجال أمن بملابس رسمية أمراً لافتاً للانتباه. في الجهة الأخرى كان السير عادياً، كأن لا شيء يجري، فيما على «مدرس» الطريق الذي يربط مركز المدينة بشمالها، كانت مجموعة من الشباب من مؤيدي موسوي تحرق الإطارات من دون أن يعيق ذلك حركة المرور.
الأحد 14:
يتم تناقل الأخبار بسرعة. في منزل قرب شارع شريعتي شمال طهران، اتصالات لا تتوقف بين مجموعة من الإيرانيين من أهل الفن والثقافة ندرك منها أنه عند تمام العاشرة ليلاً ستنطلق حناجر الناس في كل مكان بالقول «الله أكبر» و«الموت للديكتاتور». تم ذلك بالفعل قبل العاشرة، وكانت الأصوات تتعالى وتزداد حدة مع الوقت. تطور جديد.
الإثنين15:
تظاهرة كبرى في وسط المدينة.
الثلثاء 16:
تسلّم رضا وثيقة هامة عبر بريده الإلكتروني، وكذلك إعلاناً يحذر: نراقب كل تحركاتكم واتصالاتكم! أبرزَ الوثيقة مؤكداً بثقة: «هذه هي النسب الحقيقية للنتائج ولكل المرشحين». تبيِّن الوثيقة التي تبادلها مؤيدو موسوي، والتي قالوا إن مرشد الجمهورية تسلمها من وزارة الداخلية والتي عليها كل الأختام اللازمة والتواقيع، عدد الأصوات التي نالها كل مرشح. فيها يأتي أحمدي نجاد في المرتبة الثالثة بعد موسوي وكروبي.
هذا ما يسمع باستمرار هنا، ومنذ يوم السبت حين أعلنت النتائج الرسمية للانتخابات الإيرانية. «موسوي كان فائزاً» يؤكد كل هؤلاء الذين صوتوا له، «لقد تسلّم النتيجة بعد منتصف الليل، ولكنه فوجئ بتغيير كل شيء حوالى الثالثة صباحاً».
تكثر الأقاويل والإشاعات والتأكيدات... لكن لا أحد يعرف تماماً ما يجري.
بهمن كان يستعد بحماسة الشباب للمشاركة في التظاهرة لليوم الثاني على التوالي. يعتقد تماماً بكل ما يسمع حول أحقية مرشحه في الوصول إلى الحكم: «لن يتلاعبوا بنا، نريد التغيير وسنستمر»، يقول ملوحاً بذراعه التي تحمل الشريطة الخضراء.
لادان (58 عاماً) لا تقل عنه حماسة، لقد ترددَتْ بعضَ الشيء قبل الموافقة على دعوة صديقة إياها للمشاركة في تظاهرة المليون الأولى لدعم موسوي يوم الإثنين، ثم حسمت أمرها وذهبت. «في البدء كنا نسير بهدوء وبارتياح، وشيئاً فشيئاً كان السير يصعب، لازدياد عدد المشاركين»، تقول وعيناها تلتمعان وصوتها يعلو: «معظمهم من الشباب والنساء، نعم لقد كان عدد النساء كبيراً، وكبيراً جداً». عنّفَتْ صديقتُها أحد الرجال الواقفين على الرصيف مراقباً ما يحدث، هازئة من «سلبيته»، وسألت آخر يجاورها عن عمله، فقد لحظت أن المشاركين هم من جميع الطبقات، حتى الشعبية (المعروفة بتأييدها للرئيس المنتهية ولايته الآن أحمدي نجاد). الرجل قال إنه موظف (لم يذكر المكان، ربما حذَراً)، وإنه هنا بالصدفة، فهذا طريق عودته إلى منزله، إذ تعذر عليه إيجاد تاكسي، وحين سئل لمَ لمْ يمش على الرصيف المجاور إذاً؟ لم يحر جواباً!
قرر موسوي إلغاء التظاهرة المقررة لهذا اليوم (بعد منعها رسمياً)، لكن الشباب قرروا التظاهر على رغم الحظر وقرار زعيمهم، لكنهم لم يذهبوا إلى المكان المقرر، لأن الفريق الآخر (أنصار أحمدي نجاد) كانوا هناك بالآلاف.
ما زال نداء «الله أكبر» كل مساء في شمال طهران، حي البورجوازية. لمَ هذا الخيار من أناس لا يَبدون متعلقين بالدين، وبالإسلام خاصة، ويعلنون باستمرار عن عدم تعلقهم هذا؟ هل لمحاربة النظام بشعاراته؟ هل لأن لا أحد يستطيع إيقافهم عند التلفظ بهذا النداء؟ كل شيء متداخل ومعقد هنا. صديقة علمانية شرحت لي: «الإيرانيون مؤمنون في دواخلهم، وهم مسلمون في أعماقهم، وهذا رغم المظاهر ورغم آرائهم التي قد توحي بالعكس، هم فقط سئموا ما تفرضه الجمهورية الإسلامية عليهم. إنه نوع من رد الفعل. هم يرفضون كل ما هو إسلامي». أتذكر ما قيل لي في شهر رمضان وأنا ألحظ أعداد المفطرين علناً: «كثير من الناس وتدريجاً، باتوا لا يصومون، كرد فعل على النظام».
الأربعاء 17:
صديقة إيرانية من مدينة مشهد (28 عاماً) تتصل للاطمئنان عليّ وتقول: «في مشهد الأمن مستتب، الناس هنا يحبون أحمدي نجاد وانتخبوه. لا أعلم لمَ يثيرون كل هذا الضجيج في طهران؟! إنهم لا يستطيعون رؤية الناس في المدن الصغيرة وفي القرى، هؤلاء الذين يحبون أحمدي نجاد. أنا لا أحبه ولا أحب الثلاثة الآخرين كذلك، لكنني صوتُّ له بعد مشاهدة المناظرات. لا أعلم لمَ لا يرضون بالنتائج، إن السيد أحمدي نجاد يتمتع بالأغلبية، وعليهم قبول ذلك وأخذ الناس بالاعتبار في بقية إيران. أعتقد أن أميركا وبعض الدول الأوربية الأخرى تحرضهم. أترين لمَ نحب سورية ولبنان ونفرقها عن بقية العرب؟ لقد كان الرئيس السوري أول من هنأ أحمدي نجاد بالفوز، وهذا مهم. إن العلاقات بين بلدينا جيدة جداً».
التسوق عادي في أحد أحياء شمال طهران. فتاة شابة تتسوق الخضار تضع على معصمها الشريطة الخضراء فيما تضع أخرى حجاباً أخضر. اختفت صور المرشحين إلا من بعضٍ متناثِرٍ هنا وهناك على الأرض.
شاهدة عيان تسرد وهي ترتجف أنها رأت في مركز المدينة الباسيج يبحثون عن شاب هارب وكانوا يخربون ويكسرون منزل رجل ظنوا أنه كان يؤويه. وأطلقوا عيارات نارية. وتظن أنهم قضوا عليه. لكنها لم تره.
الخميس 18:
صيحات «الله أكبر» قبل العاشرة مساء من كل يوم خفت حدتُها ومدتها. تظاهرة قيل إنها ضمت أكثر من مليون ونصف المليون، وإنها لم تدم طويلا وفرقت في ساعتين. كيف يمكن تفريق أكثر من مليون ونصف المليون في أقل من ساعتين؟ الأخبار تتضارب عن مدى عنف قمع التظاهرات وعن مدى الحشود، الكل ينتظر خطبة المرشد غداً قبل صلاة الجمعة. مشارِكة في التظاهرات تقول إن مؤيدي أحمدي نجاد قدِموا إلى نفس المكان الذي سيجتمع فيه مناصرو موسوي، وتؤكد أنها شخصياً لم تر أي اشتباكات بين المجموعتين ولا أي قمع.
صديق يعود من أصفهان ويذكر أن الوضع عادي عدا تظاهرة صغيرة فُرِّقت بقوة وسريعاً، وأن رجالاً بملابس مدنية كانوا يراقبون كل التحركات، وأن امرأة بجوارها طفل أطلقت العنان لزمور سيارتها فاقترب منها أحدهم وصفعها وقام آخر بنزع نمرة السيارة، فأخذت تصرخ وتطالبه بإعادتها، معلنة أنها كانت تزمر ليس للاحتجاج كما دأب أنصار موسوي على الفعل مؤخراً، بل لتحث السيارة التي أمامها على الانطلاق.
ذكر صديق فرنسي سائح أنه في نقاش بينه وبين شاب حول الأوضاع أمام كأس من الشاي في أحد مقاهي بازار أصفهان، تساءل الأخير بهدوء: «لمَ يثور هؤلاء الشباب؟! ونحو أي حرية يسعون؟ أهي حرية شرب الخمرة ومعاشرة الفتيات كما يفعل شباب الغرب؟ ماذا سيحقق لهم ذلك؟؟».
الجمعة 19:
في «بازار الجمعة» يفترش البائعون، ومنهم من آسيا الوسطى، أرض موقف سيارات بطابقين، عارضين كل ما يخطر في البال، من الملعقة إلى السجادة مروراً بالمخطوطات والمصوغات. في الأحوال العادية، من العسير أن تخطو خطوة واحدة، لكثرة المترددين. اليوم نتجول بيسر، عدد من الرجال بملابس مدنية يراقبون الناس بعيون متيقظة. يتدخل اثنان منهما لدى رؤيتهما رجلاً أجنبياً يصور امرأة تبيع أقمشة مزركشة وأوشحة، يسألونه عن الترخيص. في العادة الكل يصور الكل في إيران ولا أحد يعترض، فلا تحرُّجَ من الصورة، بحيث يمكن تصوير الناس من دون إذنهم، حتى وإن لم يطلبوا هم أنفسهم ذلك. سحب الرجل آلة التصوير من يد المصور وبدأ يضغط على أزرارها محاولاً رؤية ما صوره. تدخلت مرافقة له وشرحت لهما أن هذا «مجرد» سائح ولن يعود لهذا «الفعلة»! تركوه وشأنه وأعادوا له الآلة بعد جدال قصير.
في مركز المدينة تم قطع جزء من شارع انقلاب بحواجز من الشرطة العادية وشرطة المرور. بعد الثانية عشرة ظهراً اشتدت حركة المرور في تلك المنطقة وقرب ميدان فردوسي، وتوقفَتْ في أحد الشوارع المؤدية إليه حافلات كانت استُخدمت لجلب المصلين إلى جامعة طهران حيث سيلقي المرشد خطبته.
في التاكسي الذي وجدته بصعوبة، كان السائق يستمع لإذاعة إيران. مذيع في قمة الحماسة يمهد لكلمة المرشد ويستحث الجماهير بصوت هادر غاضب وبالعبارات الحماسية الدائمة «الموت لأميركا، الموت لإنكلترا، الموت لإسرائيل». يبدأ المرشد بالكلام فيوجه السائق كل اهتمامه. في أحياء طهران الشمالية لا صوت سوى صوت المرشد يتردد من المذياع والتلفزيون. أعلن المرشد تأييده النتائج، وموقفه الحازم من التظاهرات، وتأكيده على أن جميع المرشحين هم من أبناء الثورة ولا أحد خارجها. بعد موقفه هذا «المخيب للآمال»، خشيةٌ واحتمالات عدة لما سيحدث السبت.
تُسمع صيحات ليلاً من بعض المنازل بقوة أكثر «الله أكبر»، دامت عشر دقائق.
السبت 20:
في إحدى القرى التي تبعد حوالى مئتي كيلومتر شمالي غرب طهران، صور المرشحين ما زالت موجودة وتهيمن صور أحمدي نجاد. على الطريق المؤدية إلى قلعة «لمبسر» الإسماعيلية الأثرية، يقف عجوز سبعيني على مفترق ينتظر وسيلة نقل. نتوقف ونقلّه معنا. أسأله عن الانتخابات، يبتسم ويجيب: «نعم انتخبت». «أحمدي نجاد بالتأكيد» يضيف وابتسامته تتسع لفضولي. «والآخرون؟» أسأله، «الجميع هنا انتخبوه، الجميع». أهي حقيقة أم خوف من قول الحقيقة؟
بعد زيارتنا القلعة، سيارة أمن كانت تنتظرنا لمعرفة غرضنا. لم يضايقونا وكانوا في منتهى التهذيب.
كان مزارعو الرز من رجال ونساء في تلك المنطقة، منهمكين في زرع شتلات الرز ويبدون بعيدين عن مشاكل العاصمة.
مدخل طهران الغربي الشديد الازدحام في المساء، لا سيما اعتباراً من الخامسة، لم تكـن هذه حاله اليوم. الطرق التي تلتف حول مركز المدينة تبدو عادية، باستثناء خلوّها من ازدحام السيارات. الأخبار في التلفزيون تشير إلى قتلى وجرحى في تظاهرة اليوم.
عشرون دقيقة من صيحات «الله أكبر».
الأحد 21:
مناصِرة لموسوي تقول إنها مَنعت بصعوبة ابنتها الشابة من المشاركة في تظاهرات البارحة. «الوضع خطير الآن» وهم يطلقـــون الرصاص. تقــــول إنها كانت تقــــوم بدور الحارس الشخصي لابنتها وترافقــــها في التظاهرات لمنعـــها من التهـــــور وتعريض نفسها للخطر. وتتحدث عــــن خشيتها من وصول حركة كردية معارضة «خطرة» إلى العاصمة. وتعلن تسلمها بيان موسوي لحث مؤيديه على متابعة الاحتجاج والإضراب في حال توقيفه.
شاب في السابعة عشرة يقول لوالده إنه سئم هذا النظرة التي «يرانا بها الآخرون» في الخارج ويريد تغييرها. لا يعجبه مظهر أحمدي نجاد.
امراة أربعينية من التيار الملكي تقطن مركز المدينة تقول إن رجلاً من الباسيج قرع بابهم ليلاً ولم تفتح له. تتساءل عما يحصل في المدن الأخرى: «فلا أحد يعرف»، تعترف «بشعبية ما» للرئيس الحالي، وتقول إنها تعتقد أن الملكيين صوتوا له «لتسير الأمور نحو الأسوأ وتنقلب ضده»، وترى أن «شرخاً قد حدث بين الشيعة ولن يردم بسهولة». والدتها تعلق: «ها هم يتجرعون الكأس التي جرعناها». وتتحدث عن خوفها من وصول أعضاء من «مجاهدي خلق» إلى العاصمة.
واحدة تقول لم أسمع عن تظاهرة اليوم وأخرى تؤكد وجودها.
أمام «مسرح المدينة» في مركز طهران، مجموعة رجال بملابس مدنية وأخرى مرقطة ومعهم الهراوات. على بعد أمتار قليلة السير عادي والحركة أيضاً.
أمامنا سيارة حشر فيها عناصر من الباسيج وآخرون بالملابس السوداء والأقنعة من شرطة مكافحة الشغب.
مساء، نصف ساعة من التكبيرات في حي فرمانية الشمالي ومعها «الموت للديكتاتور»، حماسة أكبر من الأيام السابقة.
الإثنين 22:
ألف من المتظاهرين، والحرس الثوري يعلن أنه سيتدخل من الآن فصاعداً.
مساء، نصف ساعة من الصراخ.
الثلثاء 23:
الوضع عادي في هفت تير وكريمخان زند ولا شيء يدل على وجود تظاهرات.
أحدهم يقول لي إن الناس تخرج ليلاً وتضيء الشموع على السطوح.
لا نسمع في وسائل الإعلام أي شيء عما يجري في المدن الأخرى وكأن إيران اختصرت في طهران.
هتاف بدأ قبل العاشرة ليلاً بدقائق. صوت أنثوي شاب هتف وأعاد الهتاف وكان وحيداً، أصر وتابع وما لبثت أصوات أخرى أن تبعته هي الأخرى، ولمدة ثلاثين دقيقة. في مركز المدينة كان اليوم هادئاً من الصباح والحركة عادية، وتابعت على هذا المنوال.
الأربعاء 24:
ساحة هفت تير هادئة في الرابعة والنصف عصراً، وتجمع أمام البرلمان، حيث سيخطب خامنئي. حتى التاسعة ليلاً مركز المدينة هادئ رغم محاولات تفريق التجمع المكون من حوالى مئتي شخص وفق نشرات إخبارية عدة.
إيرانية قالت لي إنه قيل لها إن العدد كان ثلاثة آلاف، وحين قلت إن كل النشرات أكدت على 200 فقط، ردت بأنهم كانوا ثلاثة آلاف ولكن متفرقين!
الخميس 25:
حديث مع شيرين حول «موت الجمهورية» بعد ما حدث من «تزوير»، فثمة أرقام حقيقية حــــصلت عليها سفارة بريطانيا أكدت حدوث تلاعــب كبير. لا تُعرف كيفية تمكن السفارة من تحديد الأرقام، وثمة شك بالوثيقة. شابة عصرية تذمرت من التدخل الخارجي في أمور البلاد والتحدث عن التلاعب في محطة «بي بي سي» بالفارسية، ردت عليها معارِضة: «ولمَ يتدخلون هم (أي الإيرانيون) في فلسطين؟؟؟ ويدفعون الأموال لذلك؟».
يعلن البعض خوفهم من الباسيج ومن الوشايات عند ترداد الهتافات ليلاً من منازلهم.
الجمعة 26:
سائق التاكسي يعلن لي أنه لا يحب لا رفسنجاني ولا بقية المرشحين. هو يحب الشاه فقط.
تظاهرات لم تستمر بسبب الرصاص والضرب.
السبت 27 والأحد 28:
نداءات «الله أكبر» أقل في شمال طهران.
الإثنين 29 مركز المدينة:
في محل، يسألني البائع الشاب ذو اللحية القصيرة بالإنكليزية وبتهذيب إن كان في إمكانه معرفة جنسيتي، ثم إن كنت سائحة، ومنذ كم من الوقت أنا في إيران، ثم عن رأيي في إيران؟ كيف أراها؟ وماذا زرت؟ عددت كل ما زرته شمالاً وغرباً وجنوباً وشرقاً، نسيت منطقة بحر الخزر (قزوين) لأنها لم تؤثر فيَّ كثيراً حين زرتها، فسألني مباشرة إن كنت قد زرتها. رددت بلهجة منتصرة: نعم!!
كنت أعلم تماماً ما سيجري! فقبل أن أزور تلك المنطقة الشمالية وحين كنت أسأل عما شاهدته، وهو كثير ولا أذكره، يقال لي فوراً: «وبحر الخزر؟»، «وشالوص؟»، كنت أحرّك رأسي وأنا أقول ليس بعد: «آه يجب الذهاب إنها من أجمل المناطق». ها قد ذهبت ورددت على سائلي، فما كان منه إلا أن قال «وجزيرة كيش؟؟»، وكنت لم أزرها. فعلق» إنها أجمل منطقة في إيران!!. «سألتني عن رأيي في بلدك فما رأيك أنت فيه؟» رددت. ابتسم مع ضيفه وتبادلا النظرات ثم قال: «أحب بلدي جداً، وهو جميل، ولكنني لا أحب الحكومة»، فسألته إن كان « موسوي الهوى؟». نفى «لا، لا أحب أحداً من المرشحين». فقررت معرفة رأيه في خاتمي، الذي يشيد فيه كثر، «ولا هذا!» ردَّ. لعــلك لا تميـــل للنظـــام إذاً، النظام الإسلامي؟ قال «هذا بالضبط»، وأضاف صديقه: «تعجبنا مبادئ الثورة الفرنسية ولا أحب الباسيج وما يفعلون».
بالصدفة في محل آخر لبيع الألبسة النسائية سألني الشاب صاحب المحل وقد تعرف إلي كزبونة، عن رأيي في إيران؟ وقلت: «بلد جميل جداً»، فعلّق: «ولكننا لا نحب الباسيج على الإطلاق».
أما بائع التحف اليهودي العجوز موسى في شارع فردوسي، فكان مريضاً مستلقياً في دكانه المليء بأنواع من التحف، بعضها نادر، ابن أخيه الذي لا يبدو أفضل حالاً كان متكئاً على الحائط يشرب العصير. المستخدم الأفغاني الذي يبدو أكثر تشدداً في الأسعار من صاحب المحل، كان مرناً هذه المرة، «هيا... هيا أريد أن أبيع، وسأخفض لك لأن الوضع متأزم ومقلق ولا أحد يشتري الآن».
كان الشراء مغرياً، لكن ليس مفرحاً كما اعتدناه في طهران.
طهران التي عادت إلى يومياتها العادية بعد هذا اليوم.