روحاني مصر على وضع نهاية للموقف المتأزم مع أميركا وسباق محموم للحيلولة دون فشل محتمل للمحادثات بين البلدين
روحاني مصر على وضع نهاية للموقف المتأزم مع أميركا وسباق محموم للحيلولة دون فشل محتمل للمحادثات بين البلدين
واشنطن وطهران لديهما قائمة طويلة من عناصر انعدام الثقة بينهما
واشنطن: شهير شهيد ثالث*
أشار تقرير في صحيفة «وول ستريت جورنال» في 13 يوليو (تموز) إلى نية إدارة أوباما الضغط من أجل إجراء مفاوضات مباشرة مع طهران. وبحسب التقرير، سيأتي ذلك «عقب إشارات إيجابية عامة وخاصة يبعث بها الرئيس المنتخب حسن روحاني حول رغبته في الحوار مع المجتمع الدولي حول القضية النووية».
ونقل التقرير أيضا عن مسؤول بارز قوله: «نحن منفتحون على محادثات مباشرة، ونرغب في تعزيز ذلك بأي صورة ممكنة».
يذكر أن تاريخ العلاقات الأميركية - الإيرانية يغص بالكثير من المحادثات الفاشلة، سواء كانت سرية أو علنية. لكن رغم العلاقات العدائية بين الدولتين منذ تشكيل جمهورية إيران الإسلامية، فقد كانت هناك عروض لفتح حوار من أحد الطرفين أو كليهما، بدءا من رحلة سرية لروبرت ماكفرلين، مبعوث الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان الخاص إلى طهران عام 1986، إلى اقتراح إيران غير الرسمي بعقد «صفقة كبرى» عام 2003، إلى تعاون إيران مع الأميركان في إسقاط طالبان عام 2001، وعرض الرئيس أوباما «لبداية جديدة» في تهنئته الإيرانيين عام 2009 بالعام الجديد، والتي كانت جميعها مؤشرات على أن كلا الطرفين على استعداد لتسوية منازعاتهما.
بيد أنه حتى الآن لم يتمكن البلدان من العثور على طريقة للخروج من مستنقع عدم التفاوض وعدم التسوية. هذا النمط لم يكن موجودا بين الولايات المتحدة وخصومها، حتى في الحرب الباردة، عندما حافظت واشنطن على العلاقات الدبلوماسية مع الكتلة الشيوعية.
لا توجد مساحة للخوض في الأسباب التي أدت إلى تشكيل هذه العلاقة النادرة، بل سنذكر العوامل الرئيسة التي أعاقت إجراء عملية التفاوض دائمة وذات مغزى يمكن أن تذكر لفترة وجيزة.
ويشير البعض إلى العداء الإسرائيلي تجاه إيران باعتباره أحد الأسباب التي أدت إلى استمرار العداء بين واشنطن وطهران. ويؤكد الكثيرون أن استمرار العداء بين إيران وإسرائيل، سيمنع التوصل إلى أي اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران. لكن على الرغم من أن إقامة علاقات طبيعية مرة أخرى بين الولايات المتحدة وإيران أمر بعيد المنال طالما ظلت إيران وإسرائيل متمسكتين بموقفهما العدائي تجاه بعضهما البعض، فإن هناك فارقا بين إجراء محادثات ذات مغزى واستعادة العلاقات. محادثات يمكن أن تساعد في تخفيف حدة التوتر وتؤدي إلى إيجاد الحلول للقضايا الصعبة مثل النزاع بشأن البرنامج النووي الإيراني دون أن يؤدي بالضرورة إلى إعادة تأسيس علاقات فورية بين البلدين.
وبصرف النظر عن دور إسرائيل، فهناك توترات بين الولايات المتحدة وإيران ستعمل على استمرار العلاقات العدائية بين البلدين. فانعدام الثقة العميق أحد العوامل الرئيسة التي تعرقل تشكيل حوار هادف بين الولايات المتحدة وإيران. فكلا الطرفين لديه قائمة طويلة من العناصر التي شكلت انعدام الثقة فيما بينها.
في حالة إيران، يبقى دور أميركا المعروف في انقلاب عام 1953 والإطاحة بمحمد مصدق، رئيس الوزراء المحبوب والمنتخب ديمقراطيا في إيران، أمرا أساسيا لبداية النقاش بانعدام الثقة تجاه الولايات المتحدة.
وفي حالة الأميركيين كان الاستيلاء على سفارتهم في طهران عام 1979 من قبل طلبة متشددين، واحتجاز 52 أميركيا كرهائن لمدة 444 يوما مؤشرا على بداية الشك وانعدام الثقة تجاه الحكومة الإيرانية.
هذه العقلية السامة، المشبعة بالشك والريبة، خلقت تحيزا متكررا حال دون تشكيل بيئة مناسبة لمفاوضات بناءة.
العقبة الأخرى أمام الحوار هي أنشطة المتشددين في كلا الجانبين. هذه العناصر تعمل بشكل مستمر على تخريب العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران وتصعيد مستوى العداء بين الحكومتين. وقد حاول الفصيل المتشدد بشكل دائم تعريف المحادثات مع الولايات المتحدة باعتبارها خطا أحمر للنظام، على الرغم من تصريح آية الله خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية في مارس (آذار) الماضي أنه «لا يعارض» إجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة على الرغم من أنه «غير متفائل» أيضا. يتمثل العامل التالي الذي يعرقل مواصلة المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران في الدور الذي يلعبه الاعتزاز بالنفس في سياسات إيران وحقيقة أن صناع السياسة الأميركيين يتجاهلون هذا الأمر تماما. الشعب الإيراني معروف باعتزازه بنفسه. ولهذه السمة جذور متأصلة في تاريخ إيران المديد وتأثيرها الجيوسياسي طويل الأمد في المنطقة. تلعب فكرة الاعتزاز بالنفس دورا متغلغلا في سياسات إيران. كان الاعتزاز بالنفس هو الذي أعطى حافزا للخطط الطموحة للشاه.
يهيمن على اللغة التي يستخدمها الأميركيون التهديدات والترويع، في حين ترتكز سياساتهم تجاه إيران على الإكراه. يغلق هذا الأسلوب الأبواب أمام إجراء محادثات دائمة. إن الطرف الإيراني ليس متقبلا لهذه اللغة، ومن ثم فإنه إما يتخذ رد فعل غير عقلاني أو ينسحب من المفاوضات.
بالنسبة للساسة الغربيين عادة ما يتم اتخاذ القرارات السياسية في إطار هيكل تحليلات تكاليف وأرباح، لذلك، ليس من الواضح بالنسبة لهم كيف يمكن أن يلعب الاعتزاز بالنفس دورا حاسما في وضع السياسات.
لقد أكد خبراء بارزون في الشأن الإيراني، مثل جورج بيروكوفيتش وشهرام تشوبين، أن الاعتزاز الوطني يحرك البرنامج النووي لإيران. كذلك صرح من قبل وزير الخارجية الإيراني الأسبق، كمال خرازي، بأنه «ليس بمقدور أي حكومة في إيران التنازل عن قضية أكسبتها اعتزازا وطنيا».
وبوضع كل هذا في الاعتبار، فإنه في حالة الرغبة في عقد أي محادثات مباشرة بين الحكومتين، ينبغي الإشارة إلى مسألة انعدام الثقة والتعويض عنها. وقد تفيد الاستعانة بوسيط، على دراية بالثقافتين الإيرانية والغربية، في مواصلة المحادثات. سوف يتمثل دور الوسيط في علاج أوجه سوء الفهم الدائمة بين الطرفين. ويمكن أن يشغل هذا الدور طرفا ثالثا أو مجموعة من الأفراد.
ونظرا لأن المتعنتين من الطرفين باتوا أكثر نشاطا مع اقتراب موعد عقد المحادثات المباشرة، فإن مشاهدة خطواتهم المعقدة ربما تسهم في إنقاذ المفاوضات من الفشل.
وسوف تفضي لغة التهديد والترويع إلى إخفاق المحادثات، مثلما حدث ذلك بشكل متكرر في الماضي. ومن الجدير بالانتباه أن القيادة الإيرانية ربطت بشكل دائم البرنامج النووي بالاعتزاز الوطني، ومن ثم ضمان أن المفاوضين الإيرانيين لا يمكنهم التراجع أو تقديم تنازلات أخرى تحت الإكراه.
وفي النهاية، مثلما أخبر دبلوماسي إيراني سابق هذا الكاتب، ينبغي أن يكون الطرفان مستعدين «لمنح الكثير من أجل الحصول على الكثير».
إن الفرصة التي ظهرت الآن لحل الأزمة المتعلقة ببرنامج إيران النووي جديدة، حيث إنها لم تكن متاحة على مدى الأعوام الثمانية الماضية، وتكمن في أن حسن روحاني مصر على وضع نهاية لهذا الموقف المتأزم.
وبالنظر إلى اقتصاد إيران المتعثر وانتصار روحاني الساحق على منافسيه المحافظين، فإن المرشد الأعلى لإيران لن يضع حواجز تقف كحجرة عثرة في طريق سياساته التصالحية. لقد رسم روحاني الخطوط بوضوح قائلا: «ينبغي أن نوقف العقوبات، ويجب أن نحذف ملف إيران من طاولة مفاوضات الأمم المتحدة». وفي حالة ما لم يمنح روحاني الفرصة لتخفيف العقوبات المفروضة على إيران مقابل بعض التنازلات في برنامجها النووي، فسوف ينظم المتشددون، ربما خلال الأشهر القليلة المقبلة ومع تدهور اقتصاد إيران بصورة أكبر، حملة شاملة ضده. وفي نهاية المطاف سوف يقومون بتهميش دوره ثم شل حركته.
إن حقيقة اتخاذ الولايات المتحدة رد فعل سريعا تجاه انتخاب روحاني تعتبر مدعاة للتفاؤل، ودليلا على أن الأميركيين أدركوا إلحاح القضية.
* محلل سياسي وصحافي حر متخصص في الشؤون الإيرانية