تقارير..الأردن وطن بديل ويدير التعددية؟....في الحرب السورية، الخطوط المهمة ليست حمراء... الإسلاميون من الديني الى الدنيوي.....نهاية "لبنان الكبير"

قراءة استراتيجية: لماذا سورية بكل هذه الأهمية؟... لبنان في قلب العاصفة

تاريخ الإضافة الثلاثاء 28 أيار 2013 - 11:10 ص    عدد الزيارات 1706    القسم دولية

        


في الحرب السورية، الخطوط المهمة ليست حمراء
النهار..بقلم فؤاد عجمي ..باحث في معهد هوفر التابع لجامعة ستانفورد الاميركية... ترجمة نسرين ناضر

 

رسمُ الخرائط على عجل ليس فكرة جيدة إلا في حالات نادرة. غير أن الجهات الاستعمارية استعجلت وضع الخرائط في العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى، وقد فُرِضَت الحدود التي رسمها هؤلاء على الروابط القبلية والدينية القديمة التي تعود إلى ما قبل نشوء الدول الجديدة بوقت طويل.

اليوم، يبرز جلياً أن تلك الحدود هي ضربٌ من الحماقة، فالحرب في سوريا لا تهدّد سلامة الأراضي السورية وحسب إنما أيضاً سلامة الأراضي في البلدان المجاورة.
ربما كان من التفاؤل، ويا للأسف، أن نتخيّل يوماً أن القتال بين النظام العلوي والثورة التي يقودها السنّة في سوريا، سيبقى محصوراً داخل البلاد. فسوريا هي محور الهلال الخصيب ومرآته في آنٍ واحد، وتصدّعاتها المذهبية والإثنية تعيد إنتاج نفسها في الدول العربية المجاورة. فيما يفكّر الرئيس أوباما، اللامبالي بطريقة غريبة، في ما يمكن أن يفعله في سوريا - لا بل إذا كان سيفعل شيئاً في الأصل - حريٌ به أن ينشغل بتشوّش الخطوط التي رُسِمت في الرمال العربية قبل عقود، أكثر من اهتمامه بالخطوط الحمر التي وضعها بنفسه.
على الخريطة، تقع طرابلس الكائنة على ساحل البحر المتوسط، ضمن الحدود اللبنانية، وتُعتبَر ثاني أكبر مدينة في لبنان. لكن لطالما دارت المدينة، ذات الانتماء السنّي القوي مع وجود أقلية علوية، في فلك مدينة حمص السورية. ولذلك لا يخفى على أحد أن طرابلس تشهد الآن نزاعاً دموياً بين جزئَيها السنّي والعلوي، وقد بات ضبط الأوضاع فيها مستعصياً. يعتبر الجهاديون والدعاة السنّة أن المعركة في سوريا هي معركتهم، ويرون فيها فرصة لطرد العلويين من وسطهم واستعادة السيطرة السنّية.
ولننظر إلى العراق، الكيان المصطنع الأساسي في المنطقة، عند الحدود الشرقية مع سوريا. اليوم، تقف الحكومة العراقية، التي يقودها الشيعة لأول مرة منذ ألف عام، إلى جانب الديكتاتورية العلوية في دمشق. وفي غرب العراق، حرّكت الثورة السورية محافظة الأنبار ومدينة الموصل اللتين تُعتبران معقلاً للسنّة. فالقبائل نفسها تعيش في جهتَي الحدود الفاصلة بين البلدَين. ولا يكترث المهرِّبون والتجّار، والآن المحاربون السنّة، مطلقاً لتلك الحدود.
قلبت الحرب الأميركية الأمور رأساً على عقب في العراق؛ فقد خسرت الأقلية السنّية أمام الشيعة، ودفعها هذا التبدّل في أوضاعها نحو اتّخاذ موقف عدواني. وقد كانت الثورة السورية، حيث انتفض السنّة ضد أقلية علوية، بمثابة نعمة هبطت على السنّة في العراق. فهؤلاء مستاؤون إلى أقصى الحدود من حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي الذين يرون فيه عميلاً للثيوقراطية الإيرانية، بعدما أمضى ربع قرن في المنفى في سوريا وإيران. إذاً على الرغم من أن النظام السوري بذل قصارى جهده لتقويض المنظومة الجديدة في بغداد - شكّلت سوريا بين عامَي 2003 و2009 محطة عبور للجهاديين المتوجّهين إلى العراق لمحاربة الأميركيين والشيعة - تمدّ حكومة المالكي، بواسطة المال النفطي، وبدفع من القوة التي يتمتع بها حزب "الدعوة" الشيعي، الديكتاتور السوري بشريان حياة.
كلما التهمَ الشيعة في العراق شيئاً، ازدادت شهيتهم أكثر. فقد طُبِّقت قوانين مكافحة الإرهاب وأحكام اجتثاث البعث بعشوائية ضد السنّة، وتحوّلت قوات الأمن والشرطة أدوات في قبضة حكومة المالكي. يقبع الآلاف في السجون بتهم ملفَّقة، وقد اندلعت احتجاجات في المدن السنّية. وصبّ النزاع السوري الزيت على النار. فإذا كان السنّة بحاجة إلى إثبات بأن الائتلاف الشيعي في المنطقة (الذي يتألّف من إيران، والدولة العراقية، والنظام العلوي في دمشق و"حزب الله" في لبنان) مصمّم على سلبهم مكانتهم التاريخية في العراق، فقد كان انحياز الحكومة العراقية إلى جانب بشار الأسد كفيلاً بأن يُقدّم لهم هذا الإثبات.
كانت مسألة وقت فقط قبل أن تضخّ الحرب الأهلية السورية، التي اكتسبت شغفاً جعلها بمنزلة دعوة دينية، حياةً جديدة في هذه النزاعات الألفية. إذاً يتدفّق المحاربون الشيعة من العراق ولبنان إلى سوريا اليوم، لحماية مقام السيدة زينب في ضواحي دمشق الشرقية، كما يقولون. يسهل على حسن نصرالله، أمين عام "حزب الله"، إرسال مقاتلين شباب إلى دمشق وإلباس دعمه للديكتاتور السوري عباءة الواجب الديني.
قال نصرالله في 30 نيسان الماضي إن المجموعات الإرهابية هدّدت بغزو المقام وتدميره، محذّراً "ستكون لهذه الجريمة إن حصلت تداعيات كبيرة جداً. إن الدول التي تدعم هذه المجموعات تتحمّل مسؤولية هذه الجريمة لو حصلت".
لا يخفي نصرالله نيّاته. فهو لم يتوانَ عن إعلان حرب مذهبية في سوريا، قائلاً "لسوريا في المنطقة والعالم أصدقاء حقيقيون لن يسمحوا لها أن تسقط بيد أميركا أو إسرائيل أو الجماعات التكفيرية". لقد أساء نصرالله، على غرار المالكي في بغداد، إلى السنّة في بلاده. ووجّه دعاة سنّة في بيروت وصيدا وطرابلس، دعوات للتحرّك دفاعاً عن الثورة السورية.
وقد ظهر الانقسام حول سوريا في استطلاع أجراه معهد "بيو"، وكشفت نتائجه التي نُشِرت في الأول من أيار الجاري، أن 91 في المئة من الشيعة في لبنان يؤيّدون الأسد، في حين يعارضه ثمانية في المئة. أما النسبة لدى السنّة فهي العكس تماماً: سبعة في المئة يؤيّدون الأسد، ويعارضه 92 في المئة. إنه انقسام شديد فعلاً في بلد صغير يعاني من رهاب الاحتجاز!
تختلف تداعيات الحرب السورية بين دول الجوار. فالأردن عالق، من دون أن يكون قد اختار ذلك بنفسه، في النزاع مع تمدّد تبعات الأحداث في جنوب سوريا عبر الحدود. تشير التقديرات إلى أن 500 ألف سوري عبروا في اتّجاه الأردن، أي ما نسبته عشرة في المئة من سكّان البلاد. ينتمي سكّان الأردن بغالبيتهم الكبرى إلى الطائفة السنّية، ولذلك استطاعت البلاد تجنّب رياح الثأر التي تهب عبر العراق ولبنان. لكن للأردن انقساماته الخاصة، بين النظام الملكي العلماني وجماعة "الإخوان المسلمين" القوية. فالإخوان يستثمرون طاقاتهم من أجل نجاح الثورة في سوريا، في حين أن النظام الملكي شديد الارتباك والتوتّر. فهو لا يستطيع إغلاق حدوده في وجه السوريين، ويتخبّط لمواجهة العبء الاقتصادي الهائل الذي يضاف إلى ندرة الموارد التي يعاني منها. ينتظر الأردن الخلاص - أي المساعدة من دول الخليج والولايات المتحدة - ويصلّي كي تنتهي هذه الحرب الخارجة من الجحيم.
لا شك في أنه لإسرائيل، الدولة المجاورة الأخرى، وضعها الخاص. ففي البداية اعتمدت بحكمة، سياسة الإهمال الحميد للقتال في سوريا إنما مع الحفاظ على اليقظة الشديدة. لم تبدِ تعاطفاً مع الديكتاتورية السورية، إلا أنها لم تكن تعتقد أن الثوار سيكونون جيراناً أفضل لها في حال وصلوا إلى السلطة. فمن جهة، حافظ النظام الديكتاتوري، في ظل الأسد ووالده من قبله، على السلام على الحدود الإسرائيلية-السورية. ومن جهة أخرى عمل السوريون أيضاً على تأجيج التشنّجات على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، وأتاحوا لإيران الوصول إلى المتوسط، على مسافة قريبة جداً، وتالياً خطرة، من إسرائيل. كانت الحكمة تقتضي البقاء بمنأى عن النيران السورية.
لكن الهجومَين الجويين اللذين يقال إن إسرائيل نفّذتهما فوق دمشق اخيرا أظهرا حدود الصبر الإسرائيلي. وقد استهدفا مستودعات للصواريخ الإيرانية التي كانت مُعدّة لنقلها إلى "حزب الله". يبلغ مدى هذه الصواريخ 200 ميل، ويمكن أن تحمل رأساً حربية زنته نصف طن. لقد أثبت الإسرائيليون أنهم لن يتهاونوا في الدفاع عن "خطهم الأحمر" ومنع تجاوزه. فهم لن يسمحوا لـ"حزب الله" بامتلاك هذا النوع من السلطة على أمنهم.
على الرغم من عدم الاستقرار الشديد، لا أظن أن حدود "الهلال الخصيب" ستزول. لن ينفصل غرب العراق وينضم إلى سوريا، وطرابلس أيضاً لن تصبح جزءاً منها. لكن من شأن سوريا، في حال وصول الأكثرية السنية إلى الحكم، أن تكتب قواعد السياسة في المنطقة من جديد.
قد تنتهي عسكرة المجتمع السوري التي عاثت خراباً في ذلك البلد. وبعد التحرّر من الاستبداد، يمكن أن تشيّد الطبقة الوسطى في سوريا أسس دولة أكثر انفتاحاً ورأفة. سوريا أرض تجّار وتجارة، وهنا يكمن الأمل بولادة وطن أفضل من قلب هذا الدمار.
ولبنان أيضاً قد يحصل على فرصة لسلوك مسار سوي. فسلطة "حزب الله" هناك مستمدّة إلى حد كبير من سلطة النظام الديكتاتوري في سوريا. إذا حصل تحوّل في سوريا، يجب أن يتغيّر لبنان أيضاً، ويمكن أن تُحجَّم قوة "حزب الله". لن تكون المنطقة على موعد مع الطوباوية بعد سقوط الطغيان السوري، لكن لا شك في أن سياسة أفضل قد تترسّخ في سوريا وجوارها المباشر.
اللافت في هذا النزاع المطوَّل، الذي يدخل الآن عامه الثاني، هو لامبالاة الولايات المتحدة. لقد تُرِكَت منطقة خاضعة تقليدياً للتأثير الأميركي، وحيدةً لتتدبّر أمورها بنفسها.
بالطبع، ليست هذه العداوات المذهبية من النوع الذي تناسبه اللمسة الخارجية. وليس أوباما من تسبّب بكل هذا الغضب، ولا يمكن تالياً إلقاؤه عند عتبة بابه. بيد أن عدم استعداد إدارته للقطيعة مع الأسد في شكل حاسم، ساهم في سلوك الثورة السورية اتجاهاً راديكالياً. كان المشهد ليتغيّر لو قدّمت الولايات المتحدة المساعدة. فلو فُرِضت منطقة حظر جوي قرب الحدود مع تركيا، لشكّلت ملاذاً للثوار وساهمت في مؤازرتهم. ولو اتُّخِذ قرار مبكر بتسليح الثورة، لخاض الثوّار معركتهم على قدم من المساواة مع النظام. أبدى أربعة من مستشاري الرئيس الأساسيين في الشؤون الخارجية خلال ولايته الأولى، تأييدهم لتزويد الثوار بالأسلحة، وهم وزيرة الخارجية هيلاري رودهام كلينتون، ووزير الدفاع ليون بانيتا، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه)، ديفيد بترايوس، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارتن دمبسي. لكن الرئيس تجاوزهم، وتبيّن أن حذره هذا لا ينفع في نزاع بهذه الحدّة.
بدلاً من ذلك، عمد أوباما، أمام أنظار العالم، إلى رسم خط أحمر يتمحور حول استعمال الأسلحة الكيميائية، وحذّر من أن حساباته ستتغيّر إذا استُخدِمت هذه الأسلحة أو جرى نقلها. وهكذا وضع صدقيّته في يدَي الديكتاتور السوري، وتراجع، وسط عاصفة من صنعه، خلف التأويلات التي يعطيها المحامون.
الآن يشهد الشرق الأوسط الكبير والعالم الإسلامي اللذان اعتادا حملات الإنقاذ الأميركية (الكويت عام 1991، والبوسنة عام 1995، وكوسوفو عام 1999، وأفغانستان عام 2001، والعراق عام 2003، وليبيا عام 2011) انحسار نفوذ الولايات المتحدة وتراجعها عن تحمّل مسؤولياتها. لقد انكفأ أوباما في وجه مذبحة كبيرة، ولا بد من الإقرار بأن الكونغرس والرأي العام منحاه بطاقة خضراء. لقد سئمت أميركا حروب الشرق الأوسط.
أصيب الثوّار السوريون الذين كانوا واثقين من أن الجنود الأميركيين سيصلون بعد هذه المجزرة أو تلك، بخيبة أمل قاسية. مأساة السوريين أن ثورتهم وقعت في عهد رئيس أميركي يتخّذ من الحذر عنواناً، وقد شهد على مخاطر التدخّل، وتغاضى عن عواقب الانكفاء.

 

الإسلاميون من الديني الى الدنيوي
النهار...بقلم ماجد كيالي

 

ما يحدث في مصر وتونس، بغضّ النظر عن مشكلاته، وتداعياته، يؤكد خروج التيارات الإسلامية من دائرة القداسة التي حاولت زعمها، وهي في المعارضة، بادّعائها الحصري تمثيل الاسلام، الى دائرة العادية، وإلى دائرة السياسة، التي تتضمّن الانشغال بمصالح البشر ونزواتهم وانحيازاتهم وتعصّباتهم، حيث لا فرق في الصراعات التي تدور على السلطة والهيمنة والمصالح، بين إسلامي وغير اسلامي، يساري أو يميني، فهكذا هي السياسة.
في غضون ذلك ها نحن نشهد، أيضاً، بزوغ تعدّدية وتنوّع، واختلافات وتباينات، داخل التيارات الإسلامية، ذاتها، بعد أن انفتحت على المجتمع وغرقت في السياسة، في ظلّ مناخات الحرية التي اتاحتها ثورات "الربيع العربي"، بحيث بتنا إزاء تيارات إسلامية تتنازع في ما بينها، وحتى تكفّر بعضها بعضا، بسبب اختلافاتها على السلطة والهيمنة والمصالح، وكيفية إدارة شؤون البشر، وكلها مسائل دنيوية وليست دينية.
لكن هذا كله رغم فجاجته، والفوضى الناجمة عنه، في كثير من الأحيان، يبدو وكأنه بمثابة الطريق الإجباري لتحويل التيارات الدينية الى تيارات مدنية، بإنضاج إدراكاتها للواقع، أي للاقتصاد والمجتمع والسياسة والثقافة، وحقائق العصر، وبالتالي ترشيد سياساتها، وتحويلها من أحزاب تعيش في السماء، إلى أحزاب تعيش على الأرض.
هذا الكلام يرى في الدعوة إلى عزل التيارات الإسلامية، أو إقصائها، كما يدعو بعض "المتطرّفين" من يساريين أو علمانيين أو قوميين، أمراً خاطئاً، وعبثياً، فضلاً عن أنه يتناقض مع الحرية، والديموقراطية، ناهيك عن أن ذلك لا يساهم في تطبيع هذه التيارات مع الواقع، ولا يدفع نحو تشكيل حياة سياسية حقيقية.
لاشكّ في أن ثمة من يبرّر دعوة كهذه بالتخوّف من هذه التيارات، بدعوى ميل معظمها لانتهاج الوصاية على الدين، واحتكار الحقيقة، وتكفير الآخر، والنزوع إلى العنف، والإكراه، لفرض رؤاها على المجتمع. لكن أليس هذا ماقامت به الأنظمة القومية واليسارية والعلمانية؟ أليس هذا ماتحاوله معظم هذه التيارات التي لم تصل إلى الحكم بعد؟ والقصد أن المعضلة لا تكمن في التيارات الدينية، فحسب، وإنما تشمل، أيضاً، الأحزاب والتيارات اليسارية والعلمانية والقومية، التي تتعامل مع أيدلوجياتها المغلقة باعتبارها بمثابة أديان أخرى، والتي بات مناصروها بمثابة طوائف هوياتية منطوية على ذاتها.
والحال فإن وضع الأحزاب الإسلامية في دائرة الاختبار في السياسة، وحتى في الحكم، من شأنه وحده ان يطبّعها، ويكشف عاديّتها، وحقيقتها، كأحزاب يديرها بشر عاديون، يمكن ان يخطئوا وأن يصيبوا، بحيث يتم تقويمهم على هذا الأساس، من قبل مجتمعاتهم، لمحاسبتهم في الدنيا، إضافة إلى حساب يوم "الآخرة". 

 

 نهاية "لبنان الكبير"
النهار...بقلم جهاد الزين

 

في لبنان... في السنتين الأولييْن ونيف من الصراع في سوريا، كان دعم "تيار المستقبل"  بالسلاح والعتاد للمعارضين السوريين شبهَ علنيٍّ، فيما كان دعم "حزب الله" للنظام في سوريا سرّيا. الآن انقلبت الأدوار.

بعد خطاب أمين عام "حزب الله" يوم السبت المنصرم أصبح دعم "حزب الله" للنظام السوري علنيا ورسمياً بينما أصبح دعم "تيار المستقبل" (ومحيطه) شبهَ سرّي!
"تيار المستقبل" من شبه العلنية إلى شبه السرية بالسلاح والعتاد، و"حزب الله" من السرية المطلقة إلى العلنية المطلقة بالسلاح والعتاد والأهم بالمقاتلين.
كان انطباعي وأنا أسمع خطاب أمين عام "حزب الله" أننا وصلنا إلى هاوية أعمق في الصراع. ها نحن في سوريا ولبنان داخل حرب أهلية صافية سنية شيعية. كأنما كل ما سبق من تاريخ حديث في العقود الأخيرة كان "تدريبا" ممهِّداً للوصول إلى هذه اللحظة-الذروة في الأدوار. كان شعوراً بهَوْلٍ منتَظَر منذ انطلقتْ نذرُهُ من "انفصال" طرابلس وأريافها المسلمة عن لبنان والتحاقِها ب"الثورة" السورية. مع خطاب الأمين العام أمس الأول التحق البقاع الشمالي رسميا بالحرب في سوريا. هكذا هو لبنان اليوم عمليا: بلا شمال ساحلي سني وبلا شمال بقاعي شيعي. وإذا شئنا الصورة الرمزية الأوسع: عاد جبل لبنان (مع منطقة الأشرفية من بيروت) عمليا وحده هو لبنان السياسي... ولتهنأ الحركة الوطنية السورية بفرعيها السني والعلوي بهذا الإنجاز: لقد استعادت سوريا كل المناطق التي ألحقها الاستعمار الفرنسي قسرا بِ"لبنان الكبير". ليس فقط الأقضية الأربعة بل كل جبل عامل وطرابلس وعكار.
ولْتهنَأ القوى المسيطرة على الأكثرية السنّية والأكثرية الشيعية في "لبنان الكبير" السابق: لقد أمّنتْ هذه القوى في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين – ولوْ بصيغة حربٍ أهلية- إعادةَ هذه "المناطق المسلوبة" من سوريا في أواخر الربع الأول من القرن العشرين... إعادتَها إلى الكيان السوري الأوسع. الفارق الوحيد بعد تسعين عاما هو أن جدودنا السُنّة والشيعة رفضوا إلحاقهم بلبنان الكبير("جدودنا" في حالتي الشخصية بالمعنى الحرفي) بينما نحن الأحفاد غير المنتمين إلى الأحزاب المسيطرة على طوائفنا لا نريد الالتحاق بالكيان السوري... نريد البقاء في "لبنان الكبير".
نحن في قعرٍ جديد عميق بادئ في الهاوية التي أحدثها الزلزال السوري في لبنان.
طائفة سُنّية مجيّشة بروافد تمتد من اليمن إلى الأنبار بتعبئة ضد "الشيعيّة" المعاصرة بقيادة إيرانية، مضافا عليها تعبئة ضد الطابع العلوي للنظام السوري.
طائفيّة شيعيّة نجح "حزب الله" في تكوين وتربية مجتمعٍ معسكَرٍ واسعٍ داخلها وتشرب ماءها من تحوّلات وبنى جديدة في العقود الأربعة الأخيرة منذ قيام الثورة الإيرانية إلى سقوط صدام حسين. وعلى هذا المستوى ثمة قوى جديدة لم تكن موجودة خلال "سايكس بيكو" الأول قبل تسعين عاما. فإيران كانت لاعبا بعيدا عنه بقوة الحاجز العثماني منذ القرن السادس عشر. بينما بالنسبة لتركيا اللاعب العائد كان "سايكس بيكو" الأول مؤامرةً عليها، بينما في "سايكس بيكو" الحالي قد تكون شريكةً جديدة في الصراع على المشرق السوري العراقي بصورةٍ من الصور  أو ربما ضحية متجدّدة له؟
الذي أريد أن ألفت نظرَ قرّاء هذا المقال له، أنني هنا لا أجادل "تيار المستقبل" ولا "حزب الله" في ما يفعلانه ويوغلان في فعله. فهما لا يفعلان في صراع إقليمي ودولي بهذا الحجم سوى ما لا يمكن إلا أن يفعلاه، الأول كتنظيم سعودي ذي شعبية واسعة وتحالفات في محيطه والثاني كتنظيم إيراني ذي شعبية واسعة. يحمل كلٌ منهما سمة "بلد المنشأ": الأول قوة مدنية دينية سلفية مدعومة بتقاليد عقود من توظيف القوة المالية في مشاريع تعبئة والثاني قوة أمنية عسكرية تحمل كفاءة اللمسة الإيرانية في التنظيم السري.
ليس ما يفعله هذان التنظيمان هو الذي أناقشه ولكن النتائج المتمادية للدرجة الخطرة المعلنة التي بلغاها بنا باعتبار أن مايفعلانه هو ما "يفعله" كل السُنة وكل الشيعة. وهذا ليس صحيحا أيا تكن شعبيّتهما وشعبية الملتحقين بهما أو الناشطين في بيئتهما.
أريد أن أذكّر بأمرين:
الأول هو أن تجارب إطلاق أصوات خارج التنظيم أو التنظيمات المسيطرة على الطوائف خلال الحرب الأهلية السابقة... كلها فاشلة.
الثاني أن تجارب تجميع هذا الجهاز الطائفي لشخصيات معارضة لتنظيم طائفي آخر هي تجارب ليس فقط فاشلة بل بائسة أيضا إن لم أقل وخيمة بحيث كثيرا ما تحوّل (وليس دائما) إلى باب رزق فردي وحضور شكلي.
ما العمل إذن؟ لا عمل... سوى انتظار أقدارنا باعتبار أننا نعيش في "محطة قطار" وليس في وطن. على الأقل أنا أتصرّف على هذا الأساس مع ضرورة لفت انتباهكم أيها القراء الكرام إلى أن العيش على محطة قطار هو عيش ممتع من حيث تنوّعُهُ الحياتي والثقافي وإثارته وانفتاحه على الخارج...

 

 

اردوغان يزور دول شمال أفريقيا مطلع حزيران
المستقبل..(ا ف ب)
يقوم رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان بزيارة رسمية الى المغرب "ذات أهداف اقتصادية بالأساس" في الثالث والرابع من حزيران المقبل، على ما أفاد أمس مصدر ديبلوماسي.
وتأتي زيارة أردوغان ضمن جولة في شمال أفريقيا تشمل المغرب والجزائر وتونس، حيث تبدأ في الثالث من حزيران وتنتهي في السادس منه.
ويتضمن برنامج الزيارة "إمكانية اللقاء بالعاهل المغربي الملك محمد السادس ولقاء مع رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران وحضور لقاء اقتصادي مغربي ـ تركي في الدار البيضاء، إضافة الى تكريم أردوغان بمنحه دكتوراه فخرية".
ومن المنتظر أن يرافق أردوغان في زيارته ما يقرب من 300 رجل أعمال يمثلون شركات تصنيع وتصدير منتجات في قطاعات مختلفة، حيث سيشاركون في اللقاء الاقتصادي المغربي التركي في الدار البيضاء الى جانب نظرائهم المغاربة.
 
انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أمام حائط مسدود
المستقبل...(اف ب)
أعرب الاروبيون بعد لقاء مع وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو أمس الاثنين في بروكسل عن أسفهم لان عملية انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي ما زالت في طريق مسدود بسبب رفض انقرة الوفاء بالتزاماتها.
وقال المجلس في بيان ان "الاتحاد الاوروبي يلاحظ مع الاسف وعلى الرغم من المطالب المتكررة بان تركيا لا تزال ترفض الوفاء بالتزاماتها". واضاف ان "الاتحاد الاوروبي يلاحظ ايضا ان تركيا لم تحقق اي تقدم على صعيد تطبيع علاقاتها مع جمهورية قبرص" حيث لا تزال قواتها تحتل القسم الشمالي منه منذ 1974. الا ان الاتحاد الاوروبي اعرب عن استعداده للقيام بمبادرة.
وصرح وزير الخارجية الايرلندي شيمون غيلمور الذي تتولى بلاده رئاسة الاجتماعات الوزارية للاتحاد الاوروبي حتى 30 حزيران في مؤتمر صحافي "نأمل بان نباشر في حزيران (المقبل) فصلاً جديداً من المفاوضات، هو الفصل 22 المتعلق بالسياسة الاقليمية".
الا ان المفوض الاوروبي المكلف شؤون التوسع ستيفان فولي شدد على ضرورة ان تبدي تركيا حسن نية. وقال ان "مفتاح تحقيق تقدم في المفاوضات هو اتفاق اعادة القبول الذي تم التوصل اليه مع الاتحاد الاوروبي" والذي يتعين على تركيا ان توقعه حتى يبدأ مفعوله.
ويشار إلى أن هذا الاتفاق اساسي لتسهيل مكافحة الهجرة السرية الى الاتحاد الاوروبي، لان تركيا باتت من نقاط العبور الى اليونان. في المقابل، فان الاتحاد الاوروبي يوافق على تسهيل منح تاشيرات الدخول الى الاتراك.
وكانت تركيا وقعت بالاحرف الاولى على الاتفاق في 2012.
ولم يخف وزير الخارجية التركي امتعاضه ازاء توقف العملية. وقال خلال المؤتمر الصحافي مع غيلمور وفولي ان "تفتح زهرة واحدة لا يكفي للقول بان الربيع حل". واكد ان "17 من اصل 35 فصلا متوقفة لدوافع سياسية. علينا حلحلة العملية لانه بهذه الوتيرة يلزمنا خمسون عاما للانتهاء".
وطالب داود اوغلو بفتح الفصول المتعلقة بالعلاقات الخارجية "نعتقد اننا بحاجة الى افاق استراتيجية جديدة في علاقاتنا". وتابع ان "الاتحاد الاوروبي لن يكتمل من دون تركيا لانه لن يكون هناك امتداد استراتيجي وجغرافي".
 
 لبنان في قلب العاصفة
الحياة...فوزي زيدان * كاتب لبناني
تعيش منطقة الشرق الأوسط، منذ سنوات عدة، أزمات متواصلة تهدد استقرارها ووحدة دولها وترابط مكوناتها الطائفية والعرقية. وانغمست الدول الكبرى، خصوصاً الولايات المتحدة وروسيا في هذه الأزمات من أجل تعزيز مواقعها ونفوذها في الإقليم، الغني بثرواته النفطية والاستراتيجي بموقعه الجغرافي، ما أدى إلى ربط قضايا دوله الداخلية بصراع القوى الخارجية الكبرى، الأمر الذي أفقدها وهجها وقوتها. وخير مثل على ذلك الأزمة السورية التي بدأت منذ أكثر من سنتين باحتجاجات محدودة، تطالب بالحرية والعدالة والمساواة وتداول السلطة، تعامل معها النظام بشدة وقسوة بدلاً من تفهمها واستيعابها، ما أعطى المجال لدول إقليمية ودولية بالتدخل، إما لدعم النظام المتسلط ومده بالسلاح الثقيل والمال والخبراء والمقاتلين، وإما لمساندة الانتفاضة السلمية المحقة ومدها بكل مقومات الصمود والتصدي، من دعم مالي وعسكري، وتسهيل دخول المجاهدين إلى الداخل السوري. الأمر الذي ساهم في تحويل الانتفاضة من حركة سلمية إلى ثورة عسكرية، بالتالي إلى تدمير سورية وسقوط عشرات آلاف القتلى والجرحى ونزوح مئات الآلاف خارج ديارهم.
ولا تبالي الدول الإقليمية والدولية بمعاناة الشعب السوري، ولا تحرك ساكناً لمساعدته على تخطي أزمته، بل استغلت مأساته لتصفية حساباتها على أرضه، وتعزيز أوراقها التفاوضية على ملفاتها الحيوية. فالولايات المتحدة تبتعد عن الانخراط العسكري في سورية، خوفاً من رمالها المتحركة، وتكتفي بدعم الثورة بكثير من الكلام وقليل من الأفعال، فهي ترفض مد الثوار بالسلاح النوعي، لكنها لا تمانع من تزويدهم أسلحة غير فتاكة، لا تطاول الدبابات الثقيلة والمقاتلات الحربية. وتبتغي من وراء ذلك إطالة الحرب لأن تفكك سورية، وإنهاك قواتها العسكرية، وإضعاف قدراتها القتالية، وتدمير اقتصادها وبناها الفوقية والتحتية، وانحلال مؤسّساتها، يضعف النفوذ السوري في الإقليم من جهة، ويخدم إسرائيل والمشروع الأميركي التفتيتي للمنطقة من جهة أخرى.
ويقع دعم روسيا لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في خانة استعادة الدور النافذ الذي كانت تحظى به في النصف الثاني من القرن الماضي، والتصدي للنفوذ الأميركي الكبير في الإقليم، وفرض معادلة جديدة للنفوذ فيه، تحظى بموجبها بدور فاعل ومؤثر في سياسات الإقليم، وحصة محترمة من ثرواته الطبيعية، وترسيخ موقع قدم لها في سورية، آخر معاقلها في المنطقة العربية، خصوصاً على شواطئ البحر المتوسط، وإبعاد جمهورياتها المجاورة التي يعتنق معظم سكانها الديانة الإسلامية عن خطر امتداد الثورة إليها.
أما إيران، فإنها تدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد من منطلقَين ديني وسياسي، فعائلة الأسد التي تحكم سورية منذ أربعين سنة تعتنق المذهب العلوي المتفرع من المذهب الشيعي، وهي في تحالف قوي مع إيران، وفتحت لها المجال أمام التبشير بالمذهب الشيعي وولاية الفقيه لدى السوريين السنّة، وإقامة الحسينيات في مناطقهم. أما في الجانب السياسي، فكانت العلاقة بين البلدين، أيام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، شبه متكافئة، وقائمة على المصالح المشتركة. وقد استخدم الأسد الأب هذه العلاقة للتهويل على دول الخليج، خصوصاً المملكة العربية السعودية، من الخطر الإيراني، وابتزازها سياسياً ومالياً. واسـتطاعت إيـران أن توسـع نـفوذها في عهد الأسد الابن، الذي يفتقد حنكة أبيه ودهاءه، بحيث أصبحت سورية بمثابة محافظة إيرانية يتحكم بقرارها حكام طهران، ومركز ثقل لإيران وموقعاً مهماً في قلب الإقليم. وتسعى إيران من خلال دعمها للأسد الحفاظ على نفوذها في سورية، بالتالي لبنان والعراق، واستخدامه في عملية التفاوض مع الغرب في شـأن ملفـها الـنووي وتقـاسم النفوذ في المنطقة.
وتلعب تركيا، وهي دولة إقليمية كبرى مثل إيران، دوراً بارزاً في دعم الثورة السورية، من خلال تسهيل مرور السلاح، والمعونات الإنسانية، والمقاتلين العرب والأجانب إلى الداخل السوري، والسماح بدخول النازحين الـسوريين إليها وتقديم المساعدات لهم. ولا يعادل دعمها اللوجيستي والإنساني الكبيرين دعمها العسكري المحدود، نتيجة ارتباطها بحلف الناتو الذي ينأى بنفسه عن الأزمة السورية، ومعارضة أحزابها العلمانية، وتركيبتها الطائفية والعرقية، ومعلوم أن العلويين الأتراك يرتبطون ارتباطاً وثيقاً بعلويي سورية ويشكلون حوالى 10 في المئة من الشعب التركي، ويقطنون مناطق الحدود مع سورية. ولتركيا أهداف عدة من دعمها الثورة السورية، منها إعادة أمجاد الماضي، واحتواء السنّة العرب، وتثبيت موقعها السياسي القوي في الإقليم، وفتح الأسواق العربية أمام صادراتها.
وتعيش المنطقة مخـاضاً عـسيراً، نـتيجة ما تحمله تطورات الحرب الدائرة في سورية، من ارتدادات علـى دول الجوار، خصوصاً لبنان، نتيجة انقسام شعبه، الـمنقسـم أصـلاً على مـلفات وطنـية رئيــسة، على الـموقـف من الأزمة السـورية، وانخـراط بعض مكوناته فيها، إما داعماً للنظام أو مسانداً للثورة ضده. وأدى انخراط «حزب الله» في القتال إلى جانب النظام، بأوامر مباشرة من إيران، إلى زج لبنان في الأزمـة السـورية، وتـعـريـض سـلمه الأهـلي للـخطر ووحدة مكونتيه الإسلاميتين إلى مزيد من التفكك.
 ماذا تريد إيران؟
وتسعى إيران، من خلال انخراطها في الحرب السورية، إلى فرض نفسها لاعباً رئيساً على الساحة السورية، لا يستقيم أي حل للأزمة هناك إلا من خلال مشاركتها الآخرين في هذا الحل. كما تستبق التغيير في خريطة الإقليم، الذي بدأ يزداد الكلام عنه وعن استبدال اتفاقية سايس – بيكو، بخرائط جديدة ودويلات طائفية وإثنية مستحدثة، بتوافق أميركي – روسي على تقاسم مناطق الثروة والنفوذ، خصوصاً بعد اكتشاف النفط والغاز على طول شاطئ الإقليم، بمساعدتها النظام السوري على السيطرة على مدينة القصير وريفها، من أجل ربط الساحل السوري العلوي بدمشق والبقاع اللبناني الشيعي، ما يمكّن الأسد من إقامة الدولة العلوية في وسط سورية. وتشكل هذه الدولة مع العراق ذات الغالبية الشيعية والذي تحكمه حكومة موالية لإيران، ولبنان الذي يسيطر على قراره وساحته «حزب الله» الشيعي وهو بمثابة ذراع إيران العسكرية في المنطقة، منطقة نفوذ واسعة لإيران وجزءاً أساسياً من الهلال الشيعي، الذي تجهد لإقامته.
وتداعيات مخطط التفتيت والتقسيم خطرة على كل دول المنطقة، المحملة بأثقال الانقسامات الطائفية والمذهبية والعرقية، والمهيأة مكوناتها الأقلوية للتجاوب مع هذا المخطط، نتيجة ما تعانيه من قهر وتسلط وإبعاد واستباحة حقوق وكرامات. ولن يكون لبنان في منأى عن هذا المخطط، خصوصاً أنه يعيش وحدة وطنية هشّة بين المسلمين والمسيحيين، وانقساماً حاداً بين السنّة والشيعة على الموقف من الأزمة السورية، وقضايا وطنية منها، اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وسلاح «حزب الله» واستقواء الشيعة به، وإخلاله بالتوازنات القائمة، وسيطرته على قرار الدولة ومؤسّساتها. ولن يكون لبنان بعيداً عن مخطط التقسيم في ما لو نجح في سورية والعراق وغيرهما من دول المنطقة، خصوصاً أن المسيحيين باتوا مهيئين لمثل هذا الاحتمال، نتيجة ما يعتبرونه تهميشاً لدورهم في القرارات المصيرية، وتباعدهم الفكري والثقافي عن المسلمين، وتزايد أعداد المسلمين.
ونجاة لبنان من تداعيات العاصفة التي تعصف بالإقليم أمر في غاية الصعوبة، نتيجة ترابط قضاياه بالأزمة السورية وقضايا الإقليم. وهو يشهد، إلى حين جلاء الأمور، هدوءاً حذراً، واستقراراً أمنياً هشّاً، وخطاباً سياسياً مشحوناً بسموم الطائفية والمذهبية والمناطقية، وأزمة مفتوحة على إقرار قانون انتخابات جديد، وعجزاً عن تأليف حكومة جديدة، وتعطيلاً للمؤسّسات الدستورية والأمنية والإدارية.
 
قراءة استراتيجية: لماذا سورية بكل هذه الأهمية؟
الحياة..محمد سيد رصاص * كاتب سوري
كانت سورية مفتاح المنطقة للغزاة والفاتحين، فعند سقوطها كانت المنطقة بأكملها تسقط بعدها بعدد من السنين لا يتجاوز أصابع اليدين، مثلما حصل مع الاسكندر المقدوني ثم المسلمين إثر معركة اليرموك، أو أكثر قليلاً بحد لا يتجاوز ثلث قرن (الرومان حين سقطت سورية بيدهم عام 64 قبل الميلاد ثم مصر في 31 قبل الميلاد)، فيما كان الزمن أقل مع السلطان سليم الأول بعد معركة مرج دابق عام 1516 إذ سقطت مصر والحجاز في العام التالي ثم العراق عام 1534، وفي عام 1918 كان تداعي الدولة العثمانية بعد سقوط دمشق في 1 تشرين الأول (أكتوبر) 1918 بيد الحلفاء لا يتجاوز تسعة وعشرين يوماً حين وقعت صكوك الاستسلام في جزيرة مودروس، فيما هذا لم يحصل لدى انفلات بغداد والقدس من يديها عام 1917 ولا القاهرة في 1882. وفي عام 1955 لم يكن انحياز سورية الى عبدالناصر سبباً فقط في موت حلف بغداد وإنما أيضاً بعد الوحدة المصرية- السورية في 22 شباط (فبراير) 1958 كان طريقاً أدى إلى سقوط نوري السعيد في 14 تموز (يوليو) 1958 وعدنان مندريس في 27 أيار (مايو) 1960 بانقلابين في بغداد وأنقرة فقدا الحكم وحياتهما بعدهما، فيما لم تؤد الهيمنة الأميركية على القاهرة منذ 1974، ثم سقوط بغداد بيد واشنطن في 9 نيسان (ابريل) 2003، إلى استقرار المنطقة بيد الأميركي، ما دامت دمشق خارج هذا السياق.
في عام2011، كان نشوب الأزمة السورية منذ 18 آذار (مارس) في درعا سبباً في أزمة دولية هي الأولى منذ انتهاء الحرب الباردة عام 1989، لم تستطع أن تقود إليها، لا حرب 1999 للناتو في صربيا وكوسوفو «الحديقة الخلفية للروس» منذ أيام القياصرة ثم السوفيات ولا غزو الأميركيين للعراق عام 2003.
في 4 تشرين الأول 2011 في قاعة مجلس الأمن في نيويورك أعلن الفيتو الروسي- الصيني المزدوج بداية مجابهة حلف موسكو- بكين، مدعوماً بدول مجموعة البريكس (الهند – البرازيل - جنوب أفريقيا)، مع حلف الناتو الذي يضم دول ضفتي الأطلسي بزعامة الولايات المتحدة وصولاً إلى جناحه الجنوبي الشرقي ممثلاً في تركيا، والذي كان في قمته في نيسان 1990، غداة انتصاره على حلف وارسو، قد وسع نطاق عملياته أبعد من القارة الأوروبية، وهو ما رأيناه في أفغانستان 2001 مثلاً من خلال قوات «ايساف».
خلال عامي 2012 و2013 ترادف الصراع الدولي (على سورية) و (في سورية) بين معسكري العالم هذا، وهو تطور استقطابي على ما يبدو قد كسر القطبية الأحادية العالمية لواشنطن البادئة في عام 1989، مع مجابهة إقليمية بين تركيا والخليج، بدعم من التحالف الغربي بزعامة واشنطن، وبين إيران، المتلاقية في الصراع (على سورية) و (في سورية) مع محور موسكو- بكين، والمدعومة بحكومة نوري المالكي في بغداد و «حزب الله» المسيطر على مقدرات الأمور في بلاد الأرز، مع حيادية مترددة للقاهرة.
هنا، كانت دمشق منصة لإعلان صراع دولي- إقليمي بين معسكرين من طابقين دولي وإقليمي، مع امتدادات سورية محلية لكل منهما. لم تكن بغداد هكذا في عام 2003 على رغم الاعتراض الروسي- الفرنسي- الألماني على غزو العراق واحتلاله، ولم تتشجع موسكو على تحويل أرض الرافدين إلى ميدان للصراع مع واشنطن على رغم انفكاك التحالف الأميركي – الإيراني في آب (أغسطس) 2005 مع استئناف طهران برنامجها في تخصيب اليورانيوم وهو التحالف الذي ظلل غزو العراق واحتلاله ثم صياغة «العراق الجديد» عبر «مجلس الحكم» الذي أنشأه بول بريمر في 13 تموز 2003 وكان في تركيبته صورة مصغرة عن تقاسم النفوذ بين واشنطن وطهران. يبدو أن الضعف الأميركي منذ الأزمة المالية- الاقتصادية في أيلول (سبتمبر) 2008، ثم فشل الأميركيين في احتواء التمدد الإيراني في أعوام 2007 -2011، قد شجع الروس والصينيين على محاولة كسر القطب الواحد الأميركي للعالم من خلال مجابهة واشنطن في الأرض السورية منذ ذلك الفيتو في 4 تشرين الأول 2011 ثم المتكرر في 4 شباط 2012 و19 تموز 2012، قبل أن تقبل واشنطن بالأمر الواقع الدولي- الإقليمي المستجد وتقر في اتفاقية موسكو في 7 أيار 2013 بمفتاحية موسكو في حل الأزمة السورية.
 دلالات متعددة
هذه المنصة الدمشقية ليست فقط صراعاً في سورية لقوى دولية وإقليمية وإنما هي كذلك وفي الوقت نفسه صراع على سورية: كان (الصراع في سورية) من أجل تثبيت كتفي واشنطن لكسر القطبية الأحادية الأميركية للعالم، وهو ما تم إعلانه من خلال اتفاقية موسكو التي هي ورقة نعي للقطبية الأحادية وورقة ولادة لعالم متعدد الأقطاب. وليس من دون دلالة أن يعلن ذلك بعد لقاء لوزير الخارجية الأميركي مع فلاديمير بوتين في الكرملين. أيضاً، فإن هذا (الصراع في سورية) هو بالنسبة الى طهران ميدان لإثبات وتكريس ما حققته من نفوذ وامتداد إقليمي بين كابول والشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط انطلاقاً من البوابة البغدادية في أعوام 2007-2011. من جهة ثانية، يبدو أن (الصراع على سورية) هو بسبب كونها مفتاحاً للمنطقة، بالنسبة الى الروس كامتداد إلى البحر المتوسط، وبالنسبة الى الإيرانيين بوصفها أيضاً سيطرتهم على بغداد وهيمنتهم على الحكومة هناك.
هذا الأمر بالنسبة الى الروس والإيرانيين لا يقتصر على الميدان الجغرا - سياسي، وإنما له شق اقتصادي من خلال اهتمام روسي باكتشافات الغاز في الشاطئ الشرقي للمتوسط والتي وصلت عند شركة غاز بروم للتوقيع على عقود للشراكة في استثمار حقول الغاز الإسرائيلية، ويبدو أن هناك مؤشرات على اهتمامات لدى موسكو تجاه الحقول السورية واللبنانية عند الشاطئ الممتد من الإسكندرون إلى غزة.
عند طهران نيات معلنة عن مشروع لمد خط لأنبوب غاز إيراني يمتد للساحل السوري عبر الأراضي العراقية، فيما هناك اهتمام تقليدي في بلاد الرافدين باعتبار الساحل السوري مرفأ للعراقيين ومصباً لأنابيب نفط العراق انطلاقاً من شعور كان يعبّر عنه نوري السعيد وصدام حسين بأن العراق «يشبه الزجاجة ذات الفتحة الضيقة»، وهو ما دفع الأول إلى طرح مشروع الهلال الخصيب، واهتمام الثاني الكثيف بسورية الذي تجسد في انخراط عملي في أحداث 1979-1982 إلى حدود طرحه آنذاك مشروع «حكومة سورية موقتة»، يكون مقرها بغداد، على المعارضين في «التجمع الوطني الديموقراطي» أثناء تفكيرهم بـ «جبهة عريضة» مع (الإخوان) و(بعث العراق)، كما أن هذا البحث عن نافذة بحرية عراقية هو السبب الذي دفع صدام الى شن الحرب على إيران في 1980 ثم غزوه للكويت عام 1990.
هذا الانخراط الكثيف للروس والإيرانيين في الصراع السوري له أيضاً أوجه دفاعية وقائية على الصعيد الاقتصادي: مع تهديد إيران المستمر بإغلاق مضيق هرمز، ومع اضطرابات اليمن والصومال والقرصنة البحرية، ومع عدم قدرة قناة السويس على أن تعبرها ناقلات نفط وغاز عملاقة، هناك مؤشرات على أن هناك تفكيراً عند دول الخليج الخمس (عدا عُمان، بالطبع) نحو جعل الساحل السوري مصباً لأنابيب النفط والغاز الخليجيين، وفي جعله مرفأ لبضائع الخليج في الاستيراد والتصدير، ويبدو أن التكلفة الاقتصادية أقل من الطرق البحرية إذا استعملت القطارات والشاحنات وهي كذلك أسرع.
يريد الروس والإيرانيون منع حصول ذلك من خلال تثبيت كلمتهم في سورية عبر الصراع المستعر الآن في وعلى الأرض السورية.
وعند موسكو هاجس كبير بأن استغناء أوروبا عن الغاز الروسي، الذي يزودها الآن بثلث احتياجاتها، واستبداله بغاز خليجي يصل بسرعة وبتكلفة أقل عبر الساحل السوري، أو عبر أنابيب تصل من الخليج عبر الأردن وسورية وتركيا الى الأراضي الأوروبية، سيجعل روسيا في موقع الضعيف أمام الغرب ويجعلها غير قادرة على التحكم بعصب الاقتصاد الأوروبي، الذي يتهيأ منذ الآن ويخطط لاتجاهات نحو الاستغناء أو التقليل من واردات الغاز الروسية.
من المرجح أن الأتراك يريدون جعل أراضيهم ملتقى أنابيب الغاز والنفط الخليجية، إضافة الى أنابيب غاز ونفط القوقاز وآسيا الوسطى السوفياتية السابقة، لتكون تركيا ممراً لها نحو القارة الأوروبية، وهذا على الأرجح سبب انخراطهم الكثيف في الصراع السوري، إضافة إلى حلمهم بجعل دمشق و «شام شريف» مفتاحاً للمنطقة يشبه مرج دابق عام 1516 لتكون اسطنبول من جديد زعامة العالم الإسلامي السنّي، وهو ما يقلق، الى حدّ ما، الرياض والقاهرة، ويثير بالتأكيد القشعريرة في طهران.
 
 
الأردن وطن بديل ويدير التعددية؟
الحياة..مهند مبيضين ** كاتب اردني
لا حدود اليوم في الأردن لهواجس المجتمع، التي يحق للأردنيين تحسُّب نتائجها، فالثابت أن السكان الأصليين يبدون اليوم في عدد أقل من مجمل السكان العام الذين جاؤوا للدولة بعد استقلالها في موجات متعددة من اللجوء والنزوح.
ومع أن الدولة ليست في خطر أمني محدق، ولديها كل ادوات القوة، وهي التي اختبرت في محطات عدة وثبت أنها قادرة على عبور تحدياتها، إلا أن قاعدة الدولة الاجتماعية الأولى في خطر، فالمجتمع يواجه اليوم مشكلة وعلى الدولة أن تحميه، في الوقت الذي يظل المجتمع مطالباً أيضاً بالدفاع عن نفسه، وما دام الأردن بلد الفرص مهما كان عمق الرقم الوطني وتاريخه، فلا مشكلة أن يتقدم فيه الناس أياً كان أصلهم وفصلهم، بشرط وجود صيغة انتماء وطني وولائي سليم.
ولكن، هل يقبل الأردنيون جميعاً، بالتحول لوطن متعدد الأصول والثقافات، وتصبح الدولة أشبه بإدارة كبرى للتعدد والتنوع داخل منظومة محددة؟
لنتذكر هنا أن مبادرات وخطابات السياسيين الأردنيين ومحاضراتهم التي دائماً تقول بذلك ولو بطريق غير مباشر، فنلحظ الحديث عن وطن يتساوى فيه الناس، ووطن يطبق فيه القانون دونما تمايز، بمعنى أننا ننتقل نحو خطاب المواطنة، لكن هذا الأمر على أرض الواقع يفشل ويواجه بهواجس متعددة، ليس أقلها أن من يقفون ضد التوطين يرون بدعوة المواطنة والمساواة، قالباً جديداً لتحقيق مبدأ الوطن البديل من دون كلفة. وهنا، يجب التذكير أن مشكلة الآخرين يجب أن لا تكون مشكلة عنوانها أو حلها على حساب الأردنيين، الذين يرون أنهم اليوم يعبرون نحو أفق جديد لشكل الدولة، في وقت يستشعر الكل أن المطلوب من الأردن أخيراً تصفية القضية الفلسطينية على حسابه.
هنا يبرز سؤال اجتماعي سياسي بحت، هل تتغير شرعية الدولة بتغير قاعدتها الاجتماعية؟ الجواب نعم، ففي مثل هذه الحالة المقبلة التي يمكن أن يذهب إليها الأردن، يرى علم الاجتماع السياسي، أن شرعية الدولة لا يقررها أسلوب قيامها وأصولها التاريخية، وإنما مضمونها التمثيلي، وهنا فالدولة ستكون دولة المجموع الاجتماعي وهي تمثل جميع الخاضعين لسيادتها ويقدمون لها ولاءهم.
يدرك الأردنيون حجم التغيير الذي يتجهون إليه، ويعون جيداً أن الزمان يمر بتغيرات لا يمكن تجاهل آثارها، ولكن التحدي يكمن في قدرة الدولة على إعادة توزيع سلطتها وسيادتها الكاملة من دون أن يكون هناك مناطق منزوعة السيادة، وهو ما يمثله تمرد بعض المناطق احياناً على القانون في صور عنف مجتمعي متعددة، وجلها تعود اسبابها لاسباب اقتصادية أو ضعف الحكم المحلي، وما يجعل الناس يطلبون التعامل مع الملك مباشرة وليس مع الحكومات.
لكن، كيف يقرأ كثير من الأردنيين مسألة الشرعية؟ إنها في أعين مواطني الدولة العربية بعامة والأردنية منها، لا تأتي من كون الدولة كياناً ممثلاً لإرادتهم في الدفاع عن استقلالهم وسيادتهم في وجه خطر خارجي محتمل، وليست فقط الكيان الذي تتجسد فيه سيادتهم الذاتية على أنفسهم وثرواتهم وحسب، أو أنها تمثل عمقاً تاريخياً ما، وإنما تأتي من واقع وإحساس الكثير من الأردنيين أن هذا الدولة تدار عبر سلطة تعود إليهم، هنا يسأل كثيرون، ما معنى أن تتمركز الوظائف العليا الممثلة لمحافظة ما بيد عائلة واحدة أو عائلتين؟ هنا يصبح المواطنون العاديون بحاجة الى وطن أكثر عدالة في التمثيل وفي توزيع الحقوق والإنصاف؟!
 
 
 
 
 

المصدر: مصادر مختلفة


السابق

الاحتلال يهدم منازل في الأغوار ويعتقل4 فلسطينيين... مجندات إسرائيليات يقتحمن "الأقصى" ....تدريب الجبهة الداخلية في إسرائيل ولا اكتراث بصفارات الإنذار والحياة عادية

التالي

"حزب الله" محاصَر في القصير ومقاتلوه يستغيثون...."المرصد السوري" يحصي 141 قتيلاً لـ"حزب الله" بينهم 97 في القصير منذ بدء الهجوم عليها.....طهران تتحدث عن إجراءات لحماية البقاع و"العتبات المقدسة" وتهدد بفتح "جبهة الجولان"...قيادي بارز في «حزب الله» لـ «الراي»: سنكون حاضرين في القصير ... وما بعد بعد القصير...«إخوان» الأردن: قصف القصير بما تعرضت له الضاحية الجنوبية....الحلبي أكد لـ «الراي» احتجاز 40 سورياً في ضاحية بيروت الجنوبية

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,503,115

عدد الزوار: 6,993,775

المتواجدون الآن: 65