تقارير......صورة المسلمين في صربيا وكوسوفو: التنافس على التمثيل يبرز التباين بين الداخل والخارج.....تحمل المغاربة العائدين من سوريا....المحادثات النووية مع إيران: الدبلوماسية وضغط العامل الزمني.....فيما وراء الكلمات: الأسباب والتبعات والعلاجات لخطاب الكراهية الذي تتبناه السلطة الفلسطينية

أكراد سورية لا يريدون الانفصال نحارب النظام و«النصرة» ونخشى مجازر....حواجز دمشق: مدينة تحاصِر نفسها

تاريخ الإضافة الإثنين 30 أيلول 2013 - 7:32 ص    عدد الزيارات 1849    القسم دولية

        


 

أكراد سورية لا يريدون الانفصال نحارب النظام و«النصرة» ونخشى مجازر
الحياة...فيكين شيتيريان
كان زعيم حزب الاتحاد الديموقراطي صالح مسلم محمّد، الذي يعدّ أقوى سياسي في الأحزاب الكردية السورية، موجوداً في مدينة جنيف لعقد اجتماعات مع منظمات دولية بهدف تفسير وجهة نظره. يسيطر هذا الحزب المرتبط في شكل وثيق بحزب العمّال الكردستاني على المناطق التي يسكنها الأكراد شمال سورية وهو يحظى بقوة مقاتلة منضبطة جداً مؤلفة من بضعة آلاف من الجنود. وأخبرني حين التقيتُه أنّ المنظمات «تحصل أحياناً على معلومات من المجموعات السورية-الكردية الأخرى التي تحاول أن تعطي صورة سلبية عنّا. أتينا إلى هنا من أجل عرض وجهة نظرنا وكي نقدّم وقائع من الميدان». وحين سألتُه عن كيفية تقويمه للدور الذي تؤديه الأمم المتحدّة في النزاع السوري، ضحك وأجاب: «في منتصف تسعينات القرن الماضي، كانت منظمة الأمم المتحدّة على وشك التوقّف عن العمل حين رفضت الولايات المتحدّة دفع مستحقاتها. فهل أجبتك عن سؤالك؟»...
وُلد صالح مسلم محمّد في مدينة كوباني أو عين العرب عام 1951. يقول: «هل تعلم أنّ الأرمن هم من أسسوا مدينة كوباني؟»... «كوباني هو اسم ألماني (شركة السكك الحديدية كو بان). كانت هذه القرية عبارة عن محطة للقطارات بناها الألمان عام 1912 كجزء من خطوط السكك الحديدية التي تربط بين برلين وبغداد. ومن ثمّ عام 1915، تحوّلت إلى قرية عقب وصول اللاجئين الأرمن إليها بعد أن فروا من المجازر. ومن ثمّ قدم إليها الأكراد من القرى المجاورة. حين كبرتُ، أذكر أنّه كان ثمة ثلاث كنائس أرمنية في القرية، إلا أنها انتقلت إلى أرمينيا في ستينات القرن الماضي».
تابع دراسته الابتدائية في مدينة دمشق وأنهى المرحلة الثانوية في مدينة حلب. وانتقل إلى اسطنبول حيث درس في جامعة اسطنبول التقنية وتخصّص في الهندسة الكيميائية وبعدها توجّه إلى المملكة العربية السعودية للعمل. كان صالح مسلم محمّد ينتمي إلى جيل جذبته السياسة الكردية المستوحاة من نضال مصطفى البارزاني. وهو رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي منذ عام 2010.
وكان السؤال الأول الذي طرحته عليه هو التالي: هل يعدّ حزب الاتحاد الديموقراطي في حالة حرب؟ وفي حالة كان كذلك، فمع من؟
«نحن في حالة حرب منذ أن تأسس الحزب عام 2003 أولاً ضد النظام. كان حينها النظام السوري على علاقة جيدة بتركيا. وقد دفعنا ثمناً باهظاً على الصعيد البشري إذ قُتل أحمد حسين الملقّب بأبي جودي على يد الاستخبارات العسكرية تحت التعذيب عام 2004 وفي السنة نفسها تمّ اغتيال شيلان كوباني وأصدقائه في الموصل على يد المخابرات وعام 2008 قُتل عثمان سليمان تحت التعذيب فضلاً عن أمثلة عدة أخرى. كما أنه تمّ اعتقالي وتعذيبي أيضاً. وتوجّب علينا أن نناضل ضد الأحزاب الكردية السورية الأخرى التي اعتبرت بأننا نسعى وراء المشاكل، إلا أننا ثوار ولم نستسلم».
قبل أن أسأله عن الاتهامات الموجهة إلى حزب الاتحاد الديموقراطي بأنه يتعامل مع السلطات السورية، قال: «نحن الحزب الكردي الوحيد الذي حارب النظام في حي الأشرفية والشيخ مقصود» الواقعين في مدينة حلب واللذين تسكنهما أكثرية كردية. وأضاف: «خلال مواجهة واحدة عام 2011 قُتل 61 جندياً تابعاً للنظام فيما بلغ عدد ضحايانا وعدد المدنيين الذين سقطوا 47 شخصاً».
وتابع: «في 19 تموز (يوليو) 2012، نجحنا في السيطرة على المناطق الكردية وعلى فرض حكم ذاتي. فانسحبت قوات النظام منها. إلا أننا وقعنا اليوم في مشكلة أخرى ألا وهي محاربة المجموعات السلفية-الجهادية.
«نحن حالياً نحارب قوات النظام و «جبهة النصرة» ونخشى من حصول جرائم جماعية ضد المدنيين الذين يقطنون في حي الأشرفية والشيخ مقصود اللذين يتعرضان بشكل مستمر للقصف واللذين يقعان تحت حصار الجهاديين. نحن ندعو المجتمع الدولي إلى التدخّل لمنع حصول مجازر.
قاطعتُه لأسأله: «هل تمّ تنـسـيق انـسحاب قوات النظام في تموز 2012 مع حـزب الاتحاد الديموقراطي؟»، فأجاب: «إنها مزاعم خاطئة. نحن نمارس ضغوطاً على قوات النظام التي لم تـكن تحـظى بالوسائل التي تخوّلها فتح جـبهة جـديدة ضدنا. فهم لم يـنسوا كيف ثار الأكراد يـداً واحـدة خـلال انتـفاضـة القامشلي عام 2004. وفي رأس العين، حيث نصف السكان هم من الأكراد والنصف الآخر من العرب، دخلنا إلى الأحياء الكردية فحسب. كان العرب هناك يدعمون النظام. ومن ثمّ دخلت المجموعات الجهادية وبدأت بقتل الناس وحين بدأت بمهاجمة المـناطق الكـرديـة حاربـناها وأخرجنـاها من القرية».
وعما اذا كانت العلاقات بين المعارضة السورية عند تشكيل الائتلاف الوطني السوري وبين وحدات حماية الشعب صعبة، وكيف تطوّرت الأمور منذ تشكّل الائتلاف، قال:
«دعني أبدأ من البداية. حين بدأت الثورة السورية، كنا نبحث عن ائتلاف استراتيجي. أرسينا لجنة تنسيق (هي لجنة التنسيق الوطنية للتغيير الديموقراطي) مع الحزب الشيوعي ومع حزب العمل الشيوعي ومع المكتب السياسي التابع للحزب الشيوعي ومع الاتحاد الاشتراكي. كانوا هم من أطلقوا نضالاً طويلاً ضد النظام وفرضوا تمثيلاً لهم في المجتمع. يقوم مشروعنا على الإطاحة بالنظام من خلال الوسائل السلمية ونبذ العنف والتغيير الديموقراطي. ومن ثمّ، تمّ إرساء معارضة مزيفة في اسطنبول تحظى بدعم أميركي-تركي وتحصل على تمويل قطري. إلا أنها تحوّلت في الواقع إلى معارضة داخلية لا تحظى بتمثيل ومعارضة منفية لا تحظى بوجود على الأرض».
وأضاف: «كان النظام يريد عسكرة الثورة لأنه كان يملك الأفضلية العسكرية، فأطلق سراح بضعة آلاف من السلفيين والجهاديين من سجن صيدنايا (وهو سجن معروف بسوء سمعته قرب دمشق). ونجحوا في ذلك. من يتحدث عن الديموقراطية اليوم؟ حتى أكثر الكتائب المقاتلة اعتدالاً تطالب بالخلافة الآن».
وخلال حديثنا الذي دام ساعة، تحدّث صالح مسلم محمد عن «فلسفة عبدالله أوجلان التي تعتبر مرجعاً لحزب الاتحاد الديموقراطي. ويمكن وصف هذه المرجعية العقائدية بأنها لينينية تمّ تكييفها مع نضال التحرير الوطني الذي تأثر بشكل كبير بالفصائل اليسارية لمنظمة التحرير الفلسطينية في سبعينات القرن الماضي. ولم تكن لهذا النظام العقائدي نقاط مشتركة مع معظم المجموعات المقاتلة المعارضة السورية التي نشأت ضمن ثقافة سياسية سلفية-جهادية».
كان المجلس الوطني السوري بين يدي جماعة «الإخوان المسلمين» وتحت سيطرة تركيا. حين تأسس الائتلاف وانتقل إلى القاهرة ظننا أنه سيشكّل بنية مستقلة. لكن في النهاية تحوّل إلى هيئة غير واضحة الملامح تفتقر إلى التجانس مع العلم أنها عادت إلى اسطنبول».
وسألتُه: «هل تتفهم مخاوف المعارضة السورية من أن يكون حزب الاتحاد الديموقراطي يحضّر للانفصال؟»، فأجاب، «لا أساس لهذه المخاوف فما من حزب كردي واحد في سورية يدعو إلى الانفصال. إنّ المطالبة بحقوقنا لا تعني أننا نريد الانفصال». ثمّ سألته: «لكنك لا تأتي على ذكر شمال سورية، بل تتحدّث عن غرب كردستان. أليست هذه إشارة سياسية؟». فأجاب انّ غرب كردستان ليس «مصطلحاً سياسياً بل جغرافي. كان بعض الأشخاص يريدوننا أن ننسى هويتنا الكردية».
وسألتُه: «هل حزب الاتحاد الديموقراطي هو حزب سوري أم كردي؟» وبعد أن ضحك قال: «إنه حزب كردي وسوري وشــرق أوسـطـي. كان حزبنا يضمّ عرباً وآشوريين وتركماناً. نحن نتبع فلسفة أوجلان وكل شـخص مـقـتنع بها يـسـتطيع الانـضمام إلى حزبنا».
وعن الظروف التي أدت إلى قيامه بالزيارتين الأخيرتين إلى اسطنبول قال: «لا نبادل الشعب التركي أي ضغينة. نحن نتقاسم مع تركيا حدوداً على طول 900 كيلومتر حيث يتواجد سكان أكراد على الجهتين. عبّرنا عن قلقنا من أن تكون تركيا تقدّم الدعم اللوجستي إلى المجموعات الجهادية مثل جماعة «جبهة النصرة» التي رفضوا وجودها. كما أننا تحدّثنا عن تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطقنا».
وسألته هل مهّد بدء المفاوضات بين قيادة حزب العمال الكردستاني وأنقرة الطريق لهذه الزيارة؟ فقال: «لم يتغير أي شيء بالنسبة إلينا. إلا أنّ ذلك ساهم في تغيير الموقف الكردي تجاهنا. حين يتفاوضون مع الأكراد الموجودين في تركيا، لا يمكنهم الطلب من الائتلاف السوري عدم التفاوض مع الأكراد السوريين».
وحين سألتُه عن شركائه في المفاوضات من الجانب التركي، لم يجب بوضوح مكتفياً بالقول إنها تجري على مستوى مستشار وزير الخارجية ومن دون أن يذكر أسماء. إلا أنّه أضاف أنه لم يستبعد القيام بزيارة ثالثة.
 
حواجز دمشق: مدينة تحاصِر نفسها
الحياة...مازن عزي
يطول الانتظار على الحاجز لساعات، والرتل المصطف خلفاً يزداد مع الوقت. لا أحد يجرؤ على الاحتجاج ولا حتى على اطلاق بوق السيارة في حالة الإسعاف! فقد يستدعي ذلك غضبَ الضابط المناوب...
تَرفَعُ الشمس الحرارة في صيف دمشق الملتهب إلى ما يقارب 40 درجة مئوية، تكفي لصهر الناس المُنتَظِرين في سياراتهم. غالباً ما تُطفَأ المحركاتُ توفيراً للوقود الثمين والنادر هذه الأيام، العَرَقُ يَسيلُ على الوجوه العابسة والغاضبة، والصمت الثقيل يَسمَحُ بمراقبة أصوات الانفجارات القريبة، وتبادل التكهنات عن مواقعها.
الأرتال الطويلة جداً تَتَكون على حدود العاصمة السورية؛ على مداخلها المفتوحة القليلة المتبقية. المداخل الفرعية والثـانوية غالباً ما أغلقت بأكوام التراب والسواتر الرملية والدبابات. لا شيء يمر إلا عبر الشرايين الرئيسة المفتوحة، وأحياناً لا شيء يمر على الإطلاق.
تبدو عاصمة الأمويين اليوم وكأنها استعادت عبر الحواجز بواباتها السبع القديمة، لا يمكن إلا المقارنة، فالنظام عَمَدَ إلى إحكام إغلاقها، من دون ريفها وغوطتيها، وعادت لتكون أشبه بالمدينة-الدولة. المدينة التي باسمها ما زال النظام يسيطر عملياً على سورية.
تظهر إحدى وظائف الحواجز التابعة للنظام السوري في إيجاد درع بشري محيط بالعاصمة، مُكوَّن من آلاف البشر المنتظرين لحظياً في الاتجاهين، دخولاً وخروجاً. درع بشري يَمنَعُ مقاتلي المعارضة في الريف من الهجوم، على أو عبر هذه المنافذ المحدودة. الخيارات تبدو ضعيفة للدخول إلى المدينة المُحَصَّنَة.
حواجز دمشق ساحة يومية لكلّ أصناف العبث، وما يشهده حاجز «الثنايا» (الريف الشمالي لدمشق) في شكل متكرر عيّنة على المأساة المتواصلة؛ في ذات يوم، كان السير قد توقف تقريباً عند الحاجز، ليتفاجأ المارّة بمشهد شاحنة كبيرة (كميون) وقد أُفرِغَت حمولتها من الرمل الأبيض قرب الحاجز وبإشراف الجنود، بحجّة البحث عن أسلحة محتملة، فما كان من سائقها لاحقاً إلا إعادة تحميل أطنان عدة من الرمل بمفرده بواسطة الرفش. إنه العبث، حيث لا معنى لأي فعل في سورية اليوم.
يكتنف وضع الحواجز الغموض أحياناً، فلا قاعدة يمكن أن تسري على الحاجز نفسه مع الوقت. هكذا، أحياناً قد يكون مزاج الضابط المناوب جيداً، مما يجعل الطريق ينفتح فجأة من دون تفتيش، وأحياناً أخرى لا تجدي كل التوسلات في منع الجندي من إنزال امرأة أو طفل من الباص لأنهم من مدينة داريا مثلاً.
هناك العشرات من المدن المحظورة على حواجز النظام، إذ يكفي فقط أن تكون من مدينة ثائرة كداريا أو دوما في ريف دمشق حتى تكون مشبوهاً. يتطلب ذلك النزول من وسيلة النقل مهما كانت، والانتظار ريثما يتم التأكد من الإسم في قوائم لا تنتهي، بما يتضمن ذلك من إهانة وسوء معاملة قد تؤدي إلى الاعتقال التعسفي. تُضيّقُ هذه العملية الانتقائية مجال السكان «المشبوهين» إلى حدودها المناطقية والجغرافية. قد يشمل هذا الإجراء مناطق أكثر هدوءاً، مثل مدينة شهبا في محافظة السويداء التي أصبحت من المدن المغضوب عليها لبعض الوقت.
هناك تعميم آخر يتعلق بالعائلات، إذ يكفي أن تكون من عائلة بيازيد من درعا أو البيطار من اللاذقية على سبيل المثال حتى تتعرض للتوقيف على أي حاجز.
تبدو هذه التعميمات أصيلة ومن طبيعة النظام الشمولي السوري، إذ إن العقاب والاعتقال من الأجهزة الأمنية للنظام ينتقل من حيّز الاشتباه بالمشاركة في الجريمة «الموصوفة»، إلى حيّزِ العدوّ الموضوعي. في هذه اللحظة، يبدو معظم الريف الدمشقي، وبعض مناطق دمشق الداخلية، كأعداء موضوعيين للنظام. تُعتبر ميزة خلق هؤلاء الأعداء إحدى أهم سمات الشمولية السورية التي تَبدّت في السنتين الماضيتين. تَمَكّنَ النظام خلالها من تحويل معظم سكان سورية «السنّة» إلى أعداء محتملين، لينتقلوا لاحقاً وبالسهولة نفسها إلى خانة العملاء والإرهابيين.
للحواجز في سورية مهمة أخرى غير التفتيش عن المتفجرات والسلاح وضبط المطلوبين للأجهزة الأمنية: منع إدخال الغذاء إلى المدن المحاصرة. تبدو هذه المهمة هي الأكثر غرابة، خنق دمشق بالحواجز هو حصار لريفها المتمرد ومنع الغذاء والدواء عنه. ريف دمشق وغوطتها التي طالما غذّت دمشق وشَكّلت خزّانها الغذائي يُمنَعُ اليوم عنها حتى الخبز.
أحد أبناء ضواحي داريا، وهو موظف في هيئة حكومية، نُقِلَ مَقرّ عملهِ أخيراً إلى خارج منطقته، مما يضطره للعبور يومياً على الحواجز. الرجل يَعجَزُ منذ فترة عن إدخال رغيف خبز واحد لإطعام أولاده، ذلك أن التفتيش الدقيق يمنع مرور أيَّة مواد غذائية إلى منطقة سكنه. المفارقة هنا تكمن بأن هذا الأب وسواه يستطيعون أكل ما يشتهونه في دمشق، ولكن ليس بإمكانهم إطعام أبنائهم في الريف القريب، سوى بما يتيسر من فتات الخبز المبلول، وكأس من البرغل المسلوق لكل منهم يومياً. الأمر نفسه ينطبق على كامل الغوطة الشرقية التي أتمّت عامها الأول من الحصار.
الداخل الدمشقي مُقطع الأوصال أيضاً، فمعظم الأحياء مفصولة عن بعضها بمئات الحواجز التي تختلف مرجعياتها من الجيش والأجهزة الأمنية المتنوعة إلى «جيش الدفاع الوطني» و «اللجان الشعبية». يطول الانتظار للتنقل بواسطة السيارة ساعات طويلة. الكثير من الناس عادوا للمشي وركوب الدراجات الهوائية. محافظةُ دمشق ولأسباب أمنية، لم يرقها ذلك فأصدرت قراراً مطلع العام الجاري يقضى بمصادرة الدراجات الهوائية ومنعها. تكفلت الحواجز الداخلية بذلك.
اليوم في دمشق، وعلى حدود خريطة الحواجز، تتكشفُ قلعةٌ حصينةٌ، يزداد إغلاقها فتنعزل عما عداها ويختنق محيطها. تتضاءل مساحتها إلى حدودها الدنيا: مدينة تُحاصِرُ نفسها.
 
 
صورة المسلمين في صربيا وكوسوفو: التنافس على التمثيل يبرز التباين بين الداخل والخارج
الحياة...محمد م. الارناؤوط
يتميّز البلقان باحتضان تجربة مهمة في العالم الإسلامي ألا وهي وجود مؤسسة مستقلة (أو يفترض أن تكون كذلك) تمثل المسلمين أمام دولة بغالبية مسيحية أو علمانية، وترعى شؤونهم الدينية (تعيين الأئمة ورعاية الجوامع) والثقافية (إنشاء مدارس وكليات جامعية وإصدار مجلات) والاجتماعية (تقديم المساعدة للمحتاجين). وقد بدأت هذه التجربة مع البوسنة في 1883 بعد أن أضحت خاضعة للنمسا والمجر وتوسّعت مع تشكل مملكة يوغسلافيا في 1918 حيث أصبحت تمثل المسلمين في كل أرجاء الدولة (بشناق وألبان وأتراك)، واستمرت هذه المؤسسة بتمثيل المسلمين بعد تشكّل جمهورية يوغسلافيا تحت حكم الحزب الشيوعي في 1945. وعلى هذا النحو أيضاً برزت مؤسسات مشابهة في الدول المجاورة (ألبانيا وبلغاريا واليونان).
وبالمقارنة مع يوغسلافيا الملكية تلونت هذه المؤسسة مع يوغسلافيا الفيديرالية فأصبحت تتكون من مشيخات تمثل إلى حد ما الجمهوريات القائمة على أساس قومي، ولذلك فإنها استقلت عن «المؤسسة الأم» كما استقلت الجمهوريات عن «يوغسلافيا الأم». وبرزت مؤسسات إسلامية «مستقلة» تعزز استقلال البوسنة ومكدونيا وكوسوفا، في حين أنه بعد انفصال الجبل الأسود عن صربيا في 2006 «استقلت» المؤسسة التي تمثل المسلمين في الجبل الأسود وأصدرت صربيا في 2007 بعد أن غدت وحدها قانوناً للمؤسسات الدينية يحتم وجود مؤسسة واحدة تمثل كل ديانة.
ولكن الصراع على تمثيل المسلمين في صربيا (حوالى 3 في المئة من مجمل السكان)، والتباين بين الداخل والخارج أدى إلى انقسام المسلمين مؤسستين متصارعتين: «الجماعة الإسلامية الصربية» بزعامة رئيس العلماء آدم زيلكيتش التي تتخذ من بلغراد مقراً لها و «الجماعة الإسلامية في صربيا» التي تتخذ من نوفي بازار (عاصمة السنجق) مقراً لها. وعلى حين أن الأولى (التي يقودها «رئيس العلماء» زيلكتيتش) كانت تحظى بدعم الدولة باعتبار أن ولاءها لصربيا كانت الثانية برئاسة الشيخ معمر زوركوليتش تعتبر نفسها تابعة للمركز الروحي للبشناق (ساراييفو) و «رئيس العلماء» هناك الشيخ مصطفى تسريتش، مما جعل الخلاف والصراع بينهما مجرد انعكاس للعلاقات السياسية غير المستقرة بين بلغراد وساراييفو.
ومع تحسن العلاقات بين تركيا الأردوغانية وصربيا خلال سنوات «تصفير المشاكل» سعت أنقرة إلى أن يكون مسلمو صربيا قاعدة للعلاقات الجديدة مع بلغراد، على اعتبار أن «الإسلام التركي» أضمن لصربيا من «الإسلام الراديكالي» الجديد الذي أخذ يفد إلى صربيا من الخارج، وأوشكت في 2011 على توحيد الجماعتين المتصارعتين في جماعة واحدة تمثل المسلمين أمام الدولة، بشرط ألا يترشح لرئاستها زيلكيتش ولا زوركوليتش، إلا أن هذا الأمر فشل في اللحظة الأخيرة لاعتبارات خارجية. ونظراً لأن الشيخ زوركوليتش فقد الدعم الأكبر من البوسنة بعد أن انتهت ولاية «رئيس العلماء» مصطفى تسريتش في صيف 2012 وغادر إلى الأردن للعمل في إحدى الجامعات، يلاحظ أن الدور التركي الجديد دفع زوركوليتش إلى إصدار بيان عنيف في 28 آب (أغسطس) الماضي يتهم فيه تركيا باستقطاب أنصاره من خلال دفع رواتب شهرية مغرية لهم (500 يورو).
أما الوضع في جنوب صربيا المجاور لكوسوفو، حيث الغالبية العظمى من المسلمين من الألبان، فهو يشابه بقية صربيا. فعلى رغم أن عدد المسلمين هناك لا يتجاوز مئة ألف يتوزعون على ثلاث محافظات (بريشيفو وبويانوفاتس ومدفيجا) إلا أنهم من الناحية المؤسساتية أصبحوا ينقسمون بين ثلاث مؤسسات تدعي كل واحدة تمثيلهم بالإضافة إلى الجماعة الراديكالية الصغيرة التي جاءت بأفكارها من الخارج. فهناك قسم من المسلمين يتبع «رئيس العلماء» زيلكيتش باعتباره يملك سلطة تعيين المدرسين لتدريس مادة «التربية الدينية» في المدارس الحكومية، وهناك «مجلس» للمسلمين يتبع «الجماعة الإسلامية في كوسوفو» التي تعتبر هذا الإقليم امتداداً لـ «جمهورية كوسوفو» من الناحية الإثنية والدينية، على حين أنه تأسست أخيراً جماعة ثالثة مستقلة عن بلغراد وبريشتينا (الجماعة الإسلامية لبريشيفو وبويانوفانس ومدفيجا) برئاسة الشيخ نجم الدين صاقب الذي أصدر في 29 آب الماضي بياناً قويا دان فيه «التدخل الخارجي»، وبالتحديد تدخل «الجماعة الإسلامية في كوسوفو» في «التنظيم الديني لوادي بريشيفو.
الأنظار تتجه في الأيام الأخيرة إلى «الجماعة الإسلامية في كوسوفو» التي تمثل المسلمين في دولة بغالبية مسلمة كبيرة (95 في المئة) بسبب الخلافات بمناسبة الانتخابات في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل التي تعكس التداخلات السياسية والخارجية أيضاً. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس «الجماعة الإسلامية في كوسوفو» الذي يحظى بلقب المفتي العام يجرى انتخابه من قبل «المجلس الأعلى» الذي يضم ممثلين للأئمة والعاملين في المعاهد التعليمية التابعة للجماعة (كلية الدارسات الإسلامية والمدرسة الشرعية) لمدة 5 سنوات ولفترتين متتاليتين بحسب «دستور الجماعة الإسلامية في كوسوفو» الذي أقرّ في 2002 وانتخب على أساسه الشيخ نعيم ترنافا خلفاً للشيخ رجب بويا (القائم بأعمال السفير الكوسوفي في الرياض حالياً).
وقد بدأ التصدع داخل المؤسسة بشكل مفاجئ في شهر رمضان المنصرم عندما لمّح الشيخ ترنافا إلى رغبته في التمديد لولاية ثالثة، بينما عارض ذلك بشدة جابر حميدي رئيس «المجلس الأعلى» والأستاذ في كلية الدراسات الإسلامية على اعتبار أنه يتعارض بشكل صريح مع دستور الجماعة وأعلن نفسه مرشحاً للانتخابات المقبلة. ونظراً لأن مشاركة الشيخ ترنافا في الانتخابات المقبلة تتطلب تعديل الدستور، وهذا لا يمكن إلا من خلال «المجلس الأعلى»، فقد رفض د. حميدي طلب أنصار الشيخ ترنافا إدراج تعديل الدستور في بند «ما يستجد من أمور» في اجتماع «المجلس الأعلى» الذي عقد في 20 آب الماضي وأعلن اختتام الاجتماع بعد ثماني ساعات من النقاش المتوتر في حماية الشرطة الكوسوفية. إلا أن أنصار الشيخ ترنافا بقوا مجتمعين وأعلنوا عزل د. حميدي عن رئاسة «المجلس الأعلى» وهو ما اعتبره د. حميدي بمثابة «انقلاب» على الشرعية، مما جعل الخلاف بين الطرفين ينتقل للخارج ويستقطب المؤيدين والمعارضين لكل طرف.
وفي الحقيقة يبدو أن الخلاف لم يعد داخلياً بل سياسياً وخارجياً أيضاً يعكس الاستقطاب السياسي في كوسوفو والتنافس الخارجي على الإسلام في كوسوفو. فعندما كان حزب «الرابطة الكوسوفية الديموقراطية» الذي أسسه إبراهيم روغوفا يمثل الحزب الرئيس في كوسوفو كان هناك تناغم مع الشيخ رجب بويا، بينما عندما تولى الحكم «الحزب الديموقراطي الكوسوفي» برئاسة هاشم ثاتشي زاد تأثير الحزب خلال وجود الشيخ ترنافا على رأس المؤسسة، وهو ما يمكن إدراجه في سعي الحزب خلال السنوات الأخيرة للسيطرة على المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ومنها «الجماعة الإسلامية في كوسوفو».
ومن هنا يلاحظ في وسائل الإعلام الكوسوفية ومنظمات المجتمع المدني أن د. جابر حميدي يحظى بدعم المجتمع المدني لكونه يمثل يمثل «الإسلام المعتدل» في مواجهة «الإسلام السلفي» الذي تعاظم خلال السنوات العشر الأخيرة، أي خلال وجود الشيخ ترنافا على رأس «الجماعة الإسلامية في كوسوفو» كما تذهب إلى ذلك الصحافة المعارضة له. وفي المقابل يحظى الشيخ ترنافا بدعم قوي من التحالف الحكومي الحالي (الحزب الديموقراطي الكوسوفي وتحالف كوسوفو الجديدة الذي يرأسه رجل الأعمال بهجت باتسولي) ودعم خارجي (تركي الخ)، ولذلك فأن تعديل الدستور مسألة محسومة لمصلحته.
ولكن ما يؤسف له أن الخلاف بين الطرفين أصبح مناسبة في الصحافة الكوسوفية والخارجية لإطلاق الفضائح الشخصية والأكاديمية لبعض الشخصيات في «الجماعة الإسلامية في كوسوفو»، وهو ما يعطي صورة قاتمة عن من يمثلون الإسلام والمسلمين. والسيناريو الأسوأ أن يحل في كوسوفو ما حلّ في صربيا، أي أن ينقسم تمثيل المسلمين بين عدة مؤسسات لأنه لا يوجد أصلاً في كوسوفو قانون ينظم وجود الجماعات الدينية.
 
المحادثات النووية مع إيران: الدبلوماسية وضغط العامل الزمني
أولي هاينونن و سايمون هندرسون
أولي هاينونن هو زميل أقدم في مركز بيلفر في كلية كندي في جامعة هارفارد ونائب المدير العام السابق للضمانات في «الوكالة الدولية للطاقة الذرية». سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن
يبدو أن الجهود الرامية لحل الأزمة الدولية طويلة الأجل الناجمة عن إخفاق إيران في تفسير جوانب من برنامجها النووي تكتسب زخماً يوماً بعد يوم. فالرئيس الإيراني حسن روحاني في نيويورك هذا الأسبوع لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهناك توقعات شائعة بأنه قد يجتمع هناك مع الرئيس أوباما. وقد أشار المرشد الأعلى علي خامنئي عن دعمه لروحاني في إبرام اتفاق، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية والمالية، مشيراً في الأسبوع الماضي بأن الآن هو الوقت المناسب لـ "الليونة البطولية".
إن المفاهيم الدولية حول هدف البرنامج النووي تخالف تماماً ادعاء خامنئي في 17 أيلول/سبتمبر: "نحن بالتأكيد لا نسعى لامتلاك [أسلحة نووية]". وحتى إنكار روحاني في مقابلة أجراها مع شبكة "إن بي سي" في 19 أيلول/سبتمبر كان أكثر وضوحاً: "[إيران] لم تسع يوماً لحيازة قنبلة نووية ونحن لن نفعل ذلك". ولا تتفق هذه التعليقات مع تلك الصادرة عن رئيس «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» يوكيا أمانو، الذي قال لمجلس محافظي «الوكالة الدولية» في 9 أيلول/سبتمبر إن "إيران لا تقدم التعاون اللازم لتمكيننا من تقديم ضمانات موثوقة حول عدم وجود مواد وأنشطة نووية غير معلنة... ونظراً إلى طابع ومدى مصداقية معلومات موثوقة متاحة للوكالة حول أبعاد عسكرية محتملة للبرنامج النووي الإيراني، يبقى ضرورياً وملحاً بالنسبة إلى إيران الانخراط معنا حول مضمون مخاوفنا".
لقد أثارت التقارير المنتظمة الصادرة عن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بشأن أنشطة طهران أربعة مخاوف رئيسية:
1.      تواصل إيران تخصيب اليورانيوم بكميات تتجاوز كثيراً متطلباتها الحالية والمستقبلية لبرنامج نووي سلمي.
2.    قدرة إيران على تجاوز التزاماتها الدولية بإنتاج كميات كافية من اليورانيوم المستخدم لصنع أسلحة نووية يمكن أن تقاس الآن ببضعة أسابيع - وربما وقتاً أقل مما يحتاجه المجتمع الدولي للاتفاق على رد دبلوماسي أو عسكري مناسب.
3.      تُحقق إيران كذلك تقدماً نحو الحصول على البلوتونيوم، وهو مادة انفجارية نووية أخرى.
4.      عملت إيران على ما يبدو على جوانب من تصميمات الأسلحة النووية.
مخاوف محددة
إذا دخلت واشنطن في حوار مع إيران عبر المسار الدبلوماسي أو المفاوضات الإضافية، فينبغي أن تضع في اعتبارها عدة مخاوف محددة بشأن البرنامج النووي:
زيادة أعداد أجهزة الطرد المركزي من النوع أي آر-1. يبلغ إجمالي عدد أجهزة الطرد المركبة الآن 19000 جهاز. 2000   منها في محطة مدفونة على عمق كبير تحت جبل في فوردو، والباقي في ناتانز، حيث يتم تغطية المحطة الرئيسية بالخرسانة والتراب. ويجري تركيب المزيد من أجهزة أي آر-1 بمعدل 600 جهاز شهرياً تقريباً. وتعمل هذه الأجهزة على تخصيب اليورانيوم في شكل غاز سادس فلوريد اليورانيوم. وهي مُرتبة في شكل وحدات تضم ثمانية عشر شلالاً، وكل وحدة تضم نحو 3000 جهاز طرد مركزي؛ وسوف يكون لمحطة نطنز ستة وحدات كهذه في غضون الأشهر القليلة القادمة.
وتعمل إيران في الوقت الحالي على تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20 في المائة من النظائر الانشطارية يو-235، التي تشكل عادة 0.7 في المائة فقط من اليورانيوم الطبيعي. والمخطط المعتاد لتخصيب اليورانيوم هو رفع نسبة التركيز من 0.7 في المائة إلى 3.5 في المائة، ومن ثم من 3.5 في المائة إلى 20 في المائة. وللحصول على يورانيوم يُستخدم في الأسلحة النووية - والذي يحتوي على 90 في المائة يو-235 - يقوم المخطط المعتاد على تخصيب بنسب تتراوح من 20 في المائة إلى 60 في المائة، ومن ثم من 60 في المائة إلى 90 في المائة. ومع ذلك فإن العدد الضخم من أجهزة الطرد المركزي التي تملكها إيران تُمكنها من التخصيب مباشرة من 20 في المائة إلى نسبة 90 في المائة باستخدام "الشلالات الترادفية"، حيث يقوم شلال ثانٍ بمعالجة "الذيول" أو النفايات ويعيد إدخالها إلى الشلال الأول، مما يزيد من فعالية عملية التخصيب.
ومن خلال استخدام الشلالات الترادفية في أربع وحدات فقط في محطة نطنز، تستطيع إيران إنتاج 45 كيلوغرام من سادس فلوريد اليورانيوم المخصب إلى نسبة 90 في المائة في غضون أسبوعين. إن تحويل سادس فلوريد اليورانيوم إلى يورانيوم معدني يخفض من وزنه إلى نحو 30 كيلوغرام، أو بما يزيد بكيلوغرامين عن مقدار الـ 28 كيلوغرام التي تعتبرها «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» "كمية كبيرة"، وهي الكمية اللازمة لتصنيع جهاز انفجاري نووي. وعند أخذ كل شئ في الإعتبار، سوف تحتاج إيران إلى شهر أو شهرين لإكمال العملية المباشرة المعروفة لتحويل غاز سادس فلوريد اليورانيوم إلى معدن، وتصنيع مكونات جهاز انفجاري، وتجميع سلاح. وسوف تحدث الخطوات الأخيرة على الأرجح خارج نطنز وفوردو في مواقع غير معروفة لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية». ورغم أن الوكالة تفتش على منشآت إيران كل أسبوع إلى أسبوعين، إلا أنها ستحتاج إلى وقت إضافي لتأكيد وتقديم تقرير إلى المجتمع الدولي فيما إذا كانت إيران تنتهك اتفاقيات الضمانات التي أبرمتها. وكما أظهر الاستخدام الأخير للأسلحة الكيميائية في سوريا، سيتطلب المزيد من الوقت لكي يتم مناقشة الرد والاتفاق عليه.
المخزون المتزايد لدى إيران من سادس فلوريد اليورانيوم المخصب إلى نسبة 20 في المائة. يشير أحدث تقرير صادر عن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إلى أن مخزون إيران من سادس فلوريد اليورانيوم المخصب إلى 20 في المائة يبلغ نحو 180 كيلوغرام. فمنذ عام 2007 أنتج النظام نحو 350 كيلوغرام من هذه المادة - وقد جرى تحويل 40 كيلوغرام منها إلى ألواح وقود لمفاعل نووي، بينما ظل الباقي في شكل سادس فلوريد اليورانيوم أو شكل أكسيد أو شكل نفايات. ورغم ورود تقارير تفيد عكس ذلك، إلا أنه يمكن إعادة معالجة اليورانيوم المؤكسد وإرجاعه إلى شكل صالح للاستخدام خلال أسبوعين.
وخلال خطاب ألقاه في الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2012، صرح رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بأنه بمجرد أن تمتلك إيران 250 كيلوغرام من سادس فلوريد اليورانيوم المخصب إلى 20 في المائة، فسوف تستطيع بسرعة إنتاج مواد صالحة للاستخدام في الأسلحة بما يكفي لصنع قنبلة نووية. ومبدئياً، أمام إيران طريقان لإنتاج تلك الكمية: إعادة تحويل الأكسيد إلى سادس فلوريد اليورانيوم، أو استخدام وحدتَيْ شلالات لإنتاج المزيد من اليورانيوم المخصب إلى 20 في المائة من سادس فلوريد اليورانيوم المخصب إلى 3.5 في المائة، وهو ما يمكنها إنتاجه بمعدل 90 كغم شهرياً.
محطة أجهزة الطرد المركزي التي ربما تكون منيعة في فوردو. تُستخدم هذه المنشأة الجبلية لتخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة. ومع الشلالات الترادفية لأجهزة الطرد المركزي أي آر-1، تستطيع فوردو إنتاج 20 كغم من سادس فلوريد اليورانيوم المخصب إلى 90 في المائة في الشهر، أو ما هو أكبر من "كمية كبيرة" كل شهرين.
استخدام أجهزة الطرد المركزي آي آر-2م الأكثر تقدماً. تم تركيب أكثر من 1000 من هذه الأجهزة في محطة نطنز، حيث من المخطط إنشاء وحدة أجهزة طرد مركزي تضم 3000 جهاز. وأجهزة الطرد المركزي هذه أفضل من أجهزة الطرد المركزي أي آر-1س، حيث إنها أكثر فعالية منها بست مرات من الناحية النظرية، أما من الناحية الفعلية فهي أكثر فعالية بأربع مرات فقط بسبب مشاكل في الحصول على أفضل المواد. وعلى أي حال، فإن النجاح في استكمال وحدة تضم 3000 جهاز طرد مركزي من طراز آي آر-2م سوف تفتح سلسلة جديدة من سيناريوهات تجاوز العتبة النووية.
احتمال بأن لدى إيران محطات طرد مركزي غير مفصح عنها. كان مصنع فوردو سرياً إلى أن كشفت إيران أنه كان قيد الإنشاء لعدة سنوات. وتأخذ طهران وجهة نظر مختلفة عن تلك التي يتبعها الكثيرون في المجتمع الدولي حول متى تتطلب التزاماتها التعاهدية إعلانها عن وجود منشآت نووية.
مفاعل المياه الثقيلة في أراك. إذا دخل هذا المفاعل حيز التشغيل، فبإمكانه أن يمنح إيران مصدراً للبلوتونيوم، وهي مادة انفجارية نووية أقوى من اليورانيوم نظراً لصغر الكتلة الحرجة المطلوبة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العمل العسكري ضد مفاعل جاهز للعمل بالمياه الثقيلة يخاطر حدوث عواقب بيئية كارثية، وهذا ليس هو الحال بالنسبة لتفجير محطة لتخصيب اليورانيوم.
العمل على تصنيع الأسلحة. أخفقت إيران في التعاون مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» لحل المسائل المتعلقة بقيامها بتصميم قنبلة ذرية ذات انفجار داخلي. وهذا عامل مؤثر للحكم على صدق مزاعم طهران بأنها لم تهدف أبداً إلى امتلاك أسلحة نووية.
مخزون اليورانيوم. لدى إيران كميات هائلة من المواد الأولية تفوق بكثير ما قد تحتاجه لتزويد الوقود لأنشطتها النووية السلمية. وقد أنتجت محطتها لتحويل اليورانيوم في أصفهان ما يقرب من 550 طن من سادس فلوريد اليورانيوم المخصب بنسبة 0.7 في المائة، وقد تم تحويل 120 طن فقط منها إلى نطنز للتخصيب. وعلاوة على ذلك، لا يتعين على إيران أن تعلن عن مقدار المعدن الخام شبه المعالج، والمعروف باسم الكعكة الصفراء، الذي تمتلكه، لأن ضمانات «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» لا تنطبق على المواد المستخرجة في إيران. وسوف تنتج المناجم في ساغاند Saghand وغشين Gchine أكثر من 50 طن سنوياً عندما تعمل بكامل طاقتها. ورغم أن ذلك لن يكون كافياً لإنتاج الوقود اللازم لمفاعل الطاقة النووية الوحيد في إيران الكائن في بوشهر، والذي تسلمت إيران عمليات تشغيله، إلا أن روسيا التزمت بتزويد جميع وقود تلك المنشأة بموجب عقد [أبرمته مع إيران].
الدبلوماسية وتجاوز العتبة النووية
من بين التحديات في التفاوض مع إيران هو تحقيق قبول واسع لأي اتفاق. وفي مقابلة أجراها الرئيس الأمريكي مع "تيلموندو" في 17 أيلول/سبتمبر، صرح باراك أوباما بأنه لكي تحقق المحادثات النجاح المرجو منها، على إيران "أن تظهر للمجتمع الدولي أنها لا تحاول تحويل القوة النووية إلى أسلحة". لكن مصطلح "التحويل إلى أسلحة" يشوبه الغموض، حيث تتراوح التعريفات ما بين تصنيع جهاز أولي إلى رأس حربي متقدم. كما يناقش المراقبون مقدار الوقت الذي ستحتاجه إيران لاختبار أي جهاز انفجاري نووي عقب الحصول على كمية كبيرة من اليورانيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة، ومقدار الوقت المطلوب بعد ذلك لجعل هذا الجهاز قابل للتوصيل عن طريق صاروخ، مثل "شهاب 3" الموجود حالياً في مخزونها. وهذا الصاروخ هو شكل مختلف من النوع الذي تستخدمه باكستان في قوتها النووية الاستراتيجية - وكانت إيران قد حصلت أصلاً من باكستان على تقنية الطرد المركزي [التي تستخدمها].
وبالإضافة إلى المخاوف بشأن مدى سرعة إنتاج إيران لكمية كبيرة من المواد المتفجرة النووية، فإن الوقت يمر وعقارب الساعة لا تتوقف: إذ يتناقض الفاصل الزمني الذي ترى إسرائيل أنها تستطيع أن تتخذ عنده إجراءاً عسكرياً فعالاً ضد المنشآت النووية الإيرانية وتأخير البرنامج. ومثلها مثل بلدان أخرى، تشعر إسرائيل بتهديد مباشر من احتمال نشر إيران لصواريخ تحمل رؤوساً نووية والميزات التي ستحصل عليها إذا نُظر إليها على أنها دولة تمتلك أسلحة نووية. وفي 17 أيلول/سبتمبر، وقبل قيامه برحلته الخاصة لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، صرح رئيس الوزراء نتنياهو بأن هناك أربع خطوات يتطلب من طهران القيام بها: "وقف جميع عمليات تخصيب اليورانيوم، إزالة جميع اليورانيوم المخصب، غلق [محطة تخصيب فوردو قرب] قم، ووقف مسار البلوتونيوم".
وباختصار، أصبح المشهد مهيئاً للدبلوماسية، ولكن الوقت المتاح للتوصل إلى اتفاق آخذ في النفاد بسرعة. وفي ضوء المخاوف المتنامية بشأن قدرة واشنطن على العمل بفاعلية في الشرق الأوسط - سواء دبلوماسياً أم عسكرياً - فسوف يراقب حلفاء الولايات المتحدة عن كثب أي اتصالات تجري في نيويورك.
 
فيما وراء الكلمات: الأسباب والتبعات والعلاجات لخطاب الكراهية الذي تتبناه السلطة الفلسطينية
ديفيد بولوك
ديفيد بولوك هو زميل كوفمان في معهد واشنطن، يركز على الديناميات السياسية لدول الشرق الأوسط. وقد شغل سابقاً منصب كبير المستشارين لمنطقة الشرق الأوسط الكبير في وزارة الخارجية الأمريكية، وكان يقدم المشورة في مجال السياسات بشأن قضايا الديمقراطية والإصلاح في المنطقة، مع التركيز بصورة خاصة على حقوق المرأة. وساعد أيضاً على إطلاق "مبادرة الديمقراطية النسائية العراقية" و"المجلس النسائي الأمريكي الأفغاني" في الوزارة بكلفة بلغت 15 مليون دولار، وعمل مباشرة مع مؤيدي هذه المبادرات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
مواجهة خطاب الكراهية الرسمي : لماذا، ولماذا الآن؟
أُثيرت مسألة خطاب الكراهية والتحريض عدة مرات في محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال السنوات العشرين الماضية. ويشكك بعض كبار المسؤولين الإسرائيليين والعديد من الإسرائيليين العاديين في مصداقية أي اتفاق مع القادة الفلسطينيين الذين لا يزالون يشيدون بالإرهابيين من على شاشات التلفزيون الرسمي، وينكرون شرعية إسرائيل، ويدعون أن جميع أراضي إسرائيل ملكاً لهم. ويقول بعض كبار المسؤولين الفلسطينيين والعديد من الفلسطينيين العاديين إن لديهم كل الحق في التعبير عن تلك "الأحلام"، حتى لو يتعيّن عليهم التوصل إلى حل وسط مع إسرائيل في الوقت الراهن - ويشككون في صدق إسرائيل عندما يستنكر بعض مستوطنيها وحاخاماتها وحتى وزرائها فكرة الاستقلال الفلسطيني.
وفي أعقاب استئناف محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين في المدة الأخيرة، سيكون من المهم أكثر من أي وقت مضى أن يتم التعامل مع هذه المسألة بشكل مباشر. وسيكون ذلك الطريق الوحيد لضمان أن هذه المفاوضات وأي اتفاقات تتمخض عنها لا تقع ضحية لنفس الاتهامات والعداوات المتبادلة التي قوضت بشكل قاتل جميع الجهود السابقة. لكن هذه المرة، وعلى عكس أي مرة أخرى في الماضي، يجب مجابهة خطاب التحريض والكراهية مقدماً وبشكل مباشر، وعدم إهماله أو تنحيته على هوامش الدبلوماسية. وإذا أثبتت محادثات السلام المتكاملة الحالية بأنها جسراً بعيداً جداً للتواصل، فسيكون الأمر الأكثر أهمية هو مواجهة هذه المسألة الجوهرية الكامنة وراء التحريض بحيث يمكن إعادة بناء الثقة المتبادلة وحسن النية بشق الأنفس باعتبارها أساس طويل الأجل للسلام في المستقبل.
الخلفية الأخيرة
في مطلع عام 2013، عمل انكشاف خطاب الكراهية المعادي للسامية الذي ألقاه الرئيس المصري السابق محمد مرسي على تركيز انتباه الرئاسة الأمريكية على هذه المسألة في السياق الإقليمي الأوسع نطاقاً. ففي 16 كانون الثاني/يناير 2013، قال متحدث باسم البيت الأبيض رداً على تعليقات مرسي "نحن نرفض تماماً هذه التصريحات مثلما نفعل مع أي لغة تتبنى الكراهية الدينية" - مضيفاً أن "هذا النوع من الخطاب قد تم استخدامه في هذه المنطقة لأمد طويل وهو معاكس لأهداف السلام". وبعد أسابيع قليلة، أوضح دبلوماسي غربي رائد في المنطقة هذه الحالة بمزيد من القوة والوضوح عندما قال: "إنني على يقين تام من أنه لو كان هناك شيء يتعين على الفلسطينيين القيام به لإحياء عملية السلام وإقناع الإسرائيليين بأن لديهم شريك، فإن ذلك الشيء يرتبط بالتحريض".
ثم في شباط/فبراير 2013، نشرت دراسة أكاديمية ممولة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية بيانات تظهر أن الكتب الدراسية الفلسطينية تتضمن توصيفات سلبية جداً (84 في المائة) لليهود ولإسرائيل. وقد أخبر نائب وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه (بوغي) يعلون الأمم المتحدة أن التحريض "هو السبب الرئيسي وراء عدم قدرتنا على التحرك إلى الأمام" نحو السلام. وكان نائب وزير الدفاع هذا قد أمضى السنوات الأربع الماضية يشرف على تحقيق على مستوى مجلس الوزراء في قضايا التحريض الفلسطينية. كما أعرب الوزير يعلون نفسه في ملاحظات علنية أدلى بها في واشنطن في حزيران/يونيو عن شكوكه في أن أي محادثات سلام مع الفلسطينيين سوف تنجح "طالما أنهم يعلّمون أطفالهم كرهننا وقتلنا".
وتوفر مثل هذه الحوادث خلفية مناسبة لهذه الدراسة، التي تبحث في ظاهرة التحريض والخطابات الملهبة للمشاعر ذات الصلة في المحضر الرسمي العام للسلطة الفلسطينية. وهذا النوع من التحريض يعادل تقريباً مفهوم الأمريكيين لخطاب الكراهية، رغم أن مصطلح التحريض يستخدم بين الحين والآخر بشكل أكثر ضيقاً أو أوسع نطاقاً: فهدفه على النطاق الأضيق هو التركيز على التحريض المباشر على الإرهاب أو العنف أو نشاطات إجرامية أخرى؛ أو بشكل أوسع نطاقاً تضمين تعبيرات تنم عن العداء السياسي بالإضافة إلى التعصبات العرقية أو الدينية أو غيرها.
لكن تعريف التحريض أو خطاب الكراهية بشكل دقيق علمياً هو أمر عقيم، وهذا يرجع تحديداً لأنهما يتقاطعان ويغطيان طيفاً واسعاً من السلوكيات اللفظية والرمزية. ويظهر خطاب السلطة الفلسطينية في السنوات الأخيرة عدداً منخفضاً نسبياً من التعبيرات الذائعة التي تحض على الكراهية الدينية. ولكنه يكشف أيضاً العديد من الرسائل الرسمية التي تتعارض مع هدف السلام، وفقاً لوصف الناطق باسم البيت الأبيض.
واللافت للنظر أن القانون والممارسات الدولية يوفران سوابق على أن التحريض اللفظي من قبل المسؤولين الحكوميين، حتى دون أي فعل مادي (أو سلطة للأمر به) من جانبهم قد يعاقب بقضاء فترات طويلة في السجن - أو حتى بالإعدام. بيد أنه على الساحة الإسرائيلية الفلسطينية، لم تحظ هذه المشكلة سوى باهتمام متفرق أو شكلي من جانب الحكومة.
ومن المسلّم به أن من ينكرون أهمية التحريض في هذا الصراع قد يكونوا مدفوعين برغبة صادقة للتحرك إلى ما وراء مسائل من "مجرد" التهدئة، والانتقال إلى قضايا أكثر تحديداً حول التسوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن التحليل المقدم هنا يفرض نهجاً معاكساً وهو: أنه فقط من خلال مواجهة التحريض الآن، في بداية أي مفاوضات سلام جديدة، سيكون التقدم أقل استحالة مما كان عليه خلال العقد الماضي على الأقل. لقد أصبح الإسرائيليون والفلسطينيون يتعاملون مع هذه المسألة بجدية أكبر، وهذا وحده سبب كافٍ يدفع أي صانع سلام مستقبلي من خارج المنطقة إلى القيام بالشيء ذاته.
الجانب الفلسطيني من المعادلة
هناك اعتقاد واسع الانتشار بأن الحكومة الفلسطينية تريد حل الدولتين لإنهاء الصراع، لأن ذلك سيحتم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة لأول مرة في التاريخ. ووفقاً لهذه الصيغة، سوف تتعايش تلك الدولة في سلام مع إسرائيل المجاورة. ومع ذلك، فالأمر الآخر الأقل ذيوعاً هو احتمال عدم رغبة الحكومة الفلسطينية حقاً بحل الدولتين، لأنه سيتعين عليها التخلي عن حلم السيطرة على جميع أراضي فلسطين التاريخية.
ورغم أن تلك الرؤية ربما تكون مغايرة، إلا أن هذا الافتراض الأخير صحيح جزئياً على الأقل. إذ ترفض حكومة «حماس» في غزة بصراحة تامة وبصورة رسمية فكرة السلام مع إسرائيل من الأساس. وبدلاً من ذلك، يتمثل الهدف المعلن لـ «حماس» بحل الدولة الواحدة : دولة إسلامية في فلسطين من النهر إلى البحر، من نهر [الأردن] إلى البحر [الأبيض المتوسط​​]، بما في ذلك جميع الأراضي التي تشكل الآن دولة إسرائيل. ولا توجد المقايضة الشهيرة "أرض مقابل السلام " في العرف [السياسي] لـ «حماس»، بل إن التحريض ضد احتمالات السلام مع إسرائيل هو جزءاً لا يتجزأ من إيديولوجيتها وسلوكها.
ومن ثم فإن تركيز الاستقصاء المفيد لهذه المسألة يقتصر على السلطة الفلسطينية (أو "دولة فلسطين" الجديدة، كما تسمي نفسها منذ التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر 2012) في الضفة الغربية، بقيادة الرئيس محمود عباس وحركة «فتح» التي يتزعمها. وقد صرح عباس بأنه يقبل حدود عام 1967 باعتبارها تميز فلسطين "الآن وإلى الأبد". لكن بعض كبار المسؤولين الآخرين في السلطة الفلسطينية وحركة «فتح» يرفضون علانية فكرة السلام الدائم مع إسرائيل ويقرون بأنهم يطمحون إلى تدميرها، كما عبر عن ذلك عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» عباس زكي في مقابلة تلفزيونية في أيلول/سبتمبر 2011:
عندما نقول إن الاستيطان ينبغي أن يقوم على حدود [1967]، فإن الرئيس عباس يدرك وكذلك ندرك نحن أيضاً والجميع يعلم أن الهدف الأكبر لا يمكن تحقيقه دفعة واحدة. فإذا انسحبت اسرائيل... فما الذي سيحدث لإسرائيل؟ سوف تصل إلى نهايتها... نتنياهو، ليبرمان، أوباما، وجميع هؤلاء السافلين.... إذا قلنا إننا نريد محو إسرائيل - فهذا صعب جداً. فليس من السياسة أن نقول ذلك. لا تقولوا هذه الأشياء للعالم. لكن احتفظوا بها لأنفسكم.
لقد كان هذا المسؤول الكبير في الحزب الحاكم في السلطة الفلسطينية يتفوه بخطاب الكراهية الروتيني لحكومته تجاه إسرائيل - الذي يُنشر في الصحف الرسمية وعلى مواقع الإنترنت والبث [السمعي/المرئي] كل يوم تقريباً - بعيداً عن الخطاب الرسمي، وهو ما يعكس النوايا الحقيقية للحكومة. وعلاوة على ذلك، فإن هذه الرسائل المستمرة التي تنكر شرعية إسرائيل وتؤكد الادعاءات بالأحقية في حيفا ويافا وغيرها من المدن الإسرائيلية، تربط الفلسطينيين برفض السلام الدائم. ومثلما صرح بذلك فيصل الحسيني - الذي كان في فترة ما يعتبر على نطاق واسع بأنه من بين قادة السلطة الفلسطينية الأكثر اعتدالاً - قبل وقت قصير من وفاته عام 2001: "يجب أن تستمر أعيننا في التركيز على الهدف الأسمى. والخطر الحقيقي هو إنني قد أنساه، وبينما أتقدم باتجاه هدفي قصير الأجل ربما أدير ظهري لهدفي طويل الأجل، وهو تحرير فلسطين من النهر إلى البحر".
من المهم أن نتفحص التصريحات والوثائق والرسائل الإعلامية للسلطة الفلسطينية الرسمية، ولا سيما على مدى السنوات الأربع الماضية، للحكم على موقفها الحقيقي حول هذه المسألة الجوهرية. هل هدفها، استناداً إلى تصريحاتها، هو حل الدولتين - أي سلام دائم مع إسرائيل؟ أم هدفها هو "حل على مرحلتين": دولة فلسطينية في المرحلة الأولى، لا تتجه نحو السلام، بل نحو القضاء النهائي على إسرائيل؟ واستناداً إلى هذا التقييم، يخلص التقرير إلى أن مجرد تغيير الرسالة، دون تغيير عقلية الراسل، ربما يكون ممارسة محفوفة بالمخاطر في خداع الذات.
 
تحمل المغاربة العائدين من سوريا
ڤيش سكثيفيل
ڤيش سكثيفيل هي زميلة الجيل القادم في معهد واشنطن.
نشر تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» مقطع فيديو الأسبوع الماضي بعنوان "المغرب: مملكة الفساد والاستبداد" المنسوب لـ تنظيم «القاعدة». فبالإضافة إلى حثه للشباب المغاربة على الانضمام إلى الجهاد يندد الفيديو بالملك محمد السادس؛ ويعد هذا النشر واحداً من العديد من الخطابات العلنية التي يبدو أنها تعكس حملة متصاعدة ضد حاكم البلاد. ويأتي توقيت هذا الفيديو ليزيد من حالة عدم الاستقرار في وقت بالغ الحساسية. فقبل نشر الفيديو بأسبوع واحد، وعلى خلفية الاضطرابات المتزايدة في منطقة الساحل غير الآمنة، اعتقلت الحكومة العديد من العملاء الجهاديين في المدن الشمالية فاس ومكناس وتاونات والبلدة الساحلية الجنوبية تزنيت. وفي غضون ذلك، يسافر المقاتلون المغاربة إلى سوريا بأعداد أكبر ويشكلون مجموعاتهم الجهادية الخاصة، الأمر الذي يثير مخاوف بشأن ما يمكن أن يقومون به بمجرد عودتهم إلى بلادهم.
الفيديو والرد
يبدأ الفيديو الذي أصدرته "مؤسسة الأندلس للإنتاج الإعلامي"، وهي شبكة وسائل إعلام تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، ببيان عن الأرباح التي يحصل عليها الملك وفساده المزعوم؛ ويستشهد مقطع الفيديو بموقع ويكيليكس والكتاب غير القصصي بعنوان "الملك المفترس" للمؤلفيْن كاترين غراسييه واريك لوران. ثم ينتقل الفيديو إلى التطرق إلى أصدقاء الملك المقربين منير الماجدي وفؤاد عالي الهمة، ويتهمهما بإدامة الاحتكارات وشبكات المحسوبية التي تفقر البلاد بينما يسمحان للملك بأن يصبح واحداً من أغنى الملوك في العالم. ويوضح المنتجون هذه النقطة من خلال عرض صور للأحياء المغربية الفقيرة مع تفاصيل من مقالة نشرتها مجلة "فوربس" عام 2009 وصفت فيها الثروة الهائلة للعاهل المغربي.
ثم يهاجم الفيديو علاقات القصر مع إسرائيل على مدى العقود العديدة الماضية في عهد الملك محمد ووالده الراحل. كما يدين مشاركة المغرب في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإرهاب، وقيام الرباط بسجن المحتجزين المنقولين من معتقل خليج غوانتانامو، وإغلاق مدارس تعليم القرآن الكريم للشيخ السلفي محمد المغراوي في مراكش، والإدعاء بأن القصر يقمع الاسلاميين. وينتهي الفيديو بصور وشهادات للحراقة المغاربة (الأفراد الذين يحاولون الهجرة إلى أوروبا بطريقة غير شرعية على متن قوارب بدائية، وغالباً ما يموتون في هذه العملية)، حيث يعرضهم مع مشاهد لتدريبات تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» ونداء من زعيم «التنظيم» الجزائري عبد المالك درودكال إلى "الهجرة في سبيل الله تعالى بدلاً من [الهجرة] إلى أوروبا".
وبشكل إجمالي، يعكس الفيديو حملة مزعجة ضد الملك ويجب التعامل مع جذورها. بيد أن إجابة الحكومة حتى الآن غير استهدافية وتقوم على رد الفعل. ولم يعد هذا الفيديو متاحاً في وسائل الإعلام الاجتماعي المغربية الرئيسية على الإنترنت، كما تم اعتقال صحفي علماني يساري متهم بوضع رابط إلى الفيديو في إحدى المقالات ووجهت إليه تهمة التآمر مع المتطرفين. وقد لفت الاعتقال انتباه الجمهور أكثر من الفيديو نفسه في حين لم يفعل شيئاً لمعالجة قضايا الأمن القومي المتأصلة. ويعكس رد فعل القصر مخاوفه على الأرجح (وربما شعوره بالدهشة) جراء عدد المغاربة الذين ينضمون إلى القتال في سوريا، حيث كان يسود اعتقاد بأن المملكة محصنة نسبياً من مسألة المقاتلين الأجانب والعائدين الجهاديين.
جيوب التطرف المتنامية
يشكل الأجانب شريحة متزايدة من المعارضة السورية، بما في ذلك الجماعة السلفية "كتائب أحرار الشام"، والجماعة المرتبطة بـ تنظيم «القاعدة» "جبهة النصرة"، والتيار المركزي "الجيش السوري الحر". فأعداد المقاتلين المغاربة والجزائريين آخذة في التزايد، ويقدّر عدد المقاتلين التونسيين بعدة مئات، كما أن الثوار الليبيين السابقين تبنوا منذ فترة طويلة قضية المعارضة السورية. وعلى الرغم أنه من الصعب التأكد من الأعداد الدقيقة للمقاتلين المغاربة في سوريا، إلا أنه يعتقد بأن عددهم اليوم يتراوح ما بين 50 و 100 مقاتل.
إن التطرف في الجزائر وتونس والدول المغربية الأخرى آخذ في الصعود، حيث يحتفظ الجهاديون بمعاقل في أجزاء من بلادهم بينما ينتقل آخرون إلى سوريا. ومع ذلك، كان تواجد الجهاديين في المغرب في أدنى مستوياته نسبياً بسبب سياسة عدم التسامح التي انتهجتها الحكومة ضد هذه الحركات، والتي نفذتها من خلال معدلات الاعتقالات والسجن المرتفعة. وقد دفع ذلك المتطرفين المغاربة إلى البحث عن ملاذات آمنة في أماكن أخرى، مثل الجزائر وسوريا.
وفي الشهر الماضي، أعلن إبراهيم بن شقرون (الملقب أبو أحمد المهاجر) - وهو معتقل مغربي سابق في غوانتانامو الذي يتخذ الآن من سوريا مقراً له - عن إنشاء "حركة شام الإسلام"، وهي منظمة جهادية جديدة تتكون من المغاربة بشكل كامل. ووفقاً للخبير عبد الله رامي، لا تهدف المجموعة إلى تجنيد مقاتلين للقتال في سوريا فحسب، بل إلى إقامة منظمة جهادية داخل المغرب نفسها أيضاً: "على الرغم من أن اسم [الجماعة] يشير إلى سوريا وساحة معركتها هي سوريا، إلا أن غالبية أعضاء الجماعة هم مغاربة. وقد أُعلن أيضاً عن إقامة الجماعة في ريف اللاذقية، حيث يتمركز معظم الجهاديين المغاربة الذين يذهبون إلى سوريا". وفي الواقع، يستغل بن شقرون مكانته في سوريا - من خلال تواجده في ميدان المعركة وصلاته مع الجماعات الإرهابية الكبرى في المنطقة على حد سواء - لكي يظهر كزعيم للحركة الجهادية السلفية المغربية. ويرجح أنه سيسعى في مرحلة ما إلى تطبيق الدروس المستفادة والشبكات التي أقامها في سوريا على وطنه في المغرب.
ولقي عدة مقاتلين مغاربة آخرين مصرعهم أو تعرضوا للاعتقالات في سوريا خلال الأشهر الأخيرة. فقد تم تجنيد معتقل غوانتانامو السابق محمد العلمي (الذي يعرف أيضاً باسم أبو حمزة المغربي) للمرة الأولى في "الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة" قبل انضمامه إلى "كتائب أحرار الشام" ثم إلى جماعة بن شقرون؛ وقد لقي حتفه في ميدان المعركة في آب/أغسطس. وفي مطلع هذا الشهر، قُتل أحد عشر مقاتلاً من "الجيش السوري الحر" من إقليم الحوز المغربي وذلك أثناء اشتباكات مع قوات موالية للنظام. وكانوا قد انضموا إلى "الجيش السوري الحر" في أيار/مايو؛ وأحدهم هو نجل مسؤول مغربي سابق. وفي حادثة أخرى، تم اعتقال ثلاثة شبان مغاربة على الحدود بين سوريا وتركيا وإعادتهم إلى وطنهم بعد محاولتهم الانضمام إلى الجهاد؛ ويجري التحقيق معهم حالياً من قبل "الفرقة الوطنية للشرطة القضائية".
إن تداعيات ما يجري في سوريا سيكون لها تبعات إضافية على الأمن المغربي عندما يعود المقاتلون المتطرفون إلى وطنهم. ويرجح أن يحاول بعض العائدين إقامة خلايا جديدة في المغرب، أو تجنيد آخرين داخل الأحياء الفقيرة في المدن، أو الانتقال إلى مشاريع في الساحل، أو تجنيد أشخاص في الصحراء الغربية أو مخيمات اللاجئين في جنوب غرب الجزائر. ومما لا شك فيه أن العديد من الثوار السوريين الأصليين سوف يشجعون على هذا الخروج، لأنهم يميلون إلى استنكار الآراء المحافظة بشكل حاد التي يتبناها المقاتلون الأجانب وهم مشغولون بنفوذهم القوي المحتمل في حالة سقوط نظام الأسد.
التداعيات للسياسة الأمريكية
من أجل المساعدة على استئصال هذه المشكلة المتفاقمة، يجب على واشنطن أن تشجع المغرب على صياغة سياسات لتخليص المقاتلين العائدين من التطرف والراديكالية. وهذا يعني جمع المعلومات والمعطيات عن "حركة شام الإسلام" وغيرها من الحركات الجهادية الوليدة، وكذلك استجواب المعتقلين حول العوامل التي دفعتهم إلى مغادرة المغرب والانضمام إلى الحرب السورية. ويستطيع القصر أيضاً أن يعرض حوافز لإقناع الأعداد المتنامية - ولكنها لا تزال ضمن نطاق السيطرة - من العائدين الجهاديين للتخلي عن أسلوب حياتهم، ومواجهة العوامل التي دفعتهم إلى الرحيل. وأولئك الذين يبدون فعلياً راغبين في العودة إلى الحياة الطبيعية ينبغي منحهم درجة من العفو، حتى لو ظلوا تحت الرقابة السرية.
وفي الوقت نفسه، ينبغي على الحكومة المغربية أن تتجنب اتخاذ أعمال وحشية ضد العائدين، مثل الاعتقال إلى أجل غير مسمى أو التعذيب أو النفي إلى "مواقع غير معلومة". وهناك ملاحظتان تبرران الابتعاد عن تلك التدابير. الأولى، تم إدخال بعض شرائح الحركة السلفية الجهادية - التي تورطت من قبل في هجمات الدار البيضاء الإرهابية في عام 2003 - إلى الساحة السياسية من خلال اتفاق بين النظام الملكي و"حزب النهضة والفضيلة"، وهو فصيل إسلامي معتدل. وقد ثبت حتى الآن أن هذا الإجراء فعال في تجريد المتطرفين من الراديكالية. والملاحظة الثانية، أن بعض الجهاديين المغاربة الحاليين كانوا ضمن معتقلي غوانتانامو، لذا فإن مظالمهم تتشكل جزئياً على الأقل من واقع تلك التجربة.
يجب على واشنطن أيضاً أن تحث المغرب والجزائر على التعاون في مسألة الأمن الحدودي. وعلى وجه التحديد، ينبغي عليهما تبادل أفضل الممارسات والاستخبارات حول العائدين من سوريا في كل منهما - وهي قضية يمكن معالجتها بدون استثارة نزاعهما طويل الأمد بشأن قضية أمنية رئيسية أخرى، وهي حركة متمردي "البوليساريو" في الصحراء الغربية.
وأخيراً، رغم أن فيديو تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» يثير قلق الملك من دون شك، إلا أنه ينبغي على واشنطن أن تنصح القصر أن يركز وقته وموارده وميزانيته الضعيفة ورأسماله السياسي المحدود على المشكلة الفعلية بدلاً من اعتقاله صحفيين. إن عدد المقاتلين المغاربة في سوريا منخفض مقارنة بأولئك الذين قدموا من الجزائر وتونس، لذا فإن الحكومة لا يزال أمامها متسع من الوقت لوأد المشكلة في مهدها واتباع استراتيجيات وقائية ومبتكرة للحد من الإرهاب داخل حدودها وبين مواطنيها.
 
 

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,683,939

عدد الزوار: 6,961,179

المتواجدون الآن: 64