ماذا حدث بين ميقاتي وكلينتون خلال 18 دقيقة؟

لبنان: قصة التحوّل من لقاء روحيّ رباعيّ ... إلى قمّة

تاريخ الإضافة الأربعاء 28 أيلول 2011 - 6:05 ص    عدد الزيارات 3052    القسم محلية

        


جورج شاهين.. بيروت

تشهد دار الفتوى قبل ظهر اليوم قمّة روحيّة على مستوى قادة الطوائف والمذاهب الإسلاميّة والمسيحيّة كافّة لتشكّل نسخة ثانية عن القمّة التي كانت بكركي استضافتها في 12 أيّار الماضي بعد اسابيع على انتخاب البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بطريركا مارونيّا لأنطاكيا وسائر المشرق.

وهذه القمّة التي دعا إليها مفتي الجمهورية محمد رشيد قبّاني وأرادها أن تكون موسّعة على مستوى رؤساء الطوائف اللبنانية كافّة بناء لاقتراح الراعي، لم يكن مقرّرا أن تكون كذلك. ولهذا قصّة تحكي التطوّرات التي رافقتها منذ ولادة الفكرة الى لحظة البدء بتحضير مشروع البيان الختامي والاستعدادات الجارية لإخلاء دار الفتوى اليوم إلّا من المدعوّين من كلّ طوائف لبنان ومذاهبه وفريق إداريّ وإعلاميّ يواكبها.

الراعي اقترحها رباعيّة

في عِلم المطّلعين أنّه بعد عودة البطريرك الراعي من زيارته الباريسيّة على وقع ما تركته مواقفه من تردّدات وتفسيرات وردّات فعل في أكثر من اتّجاه داخليّ وإقليميّ ودينيّ ودنيويّ، تلقّى قبّاني اتّصالا من الراعي مقترحا عَقد قمّة روحيّة على مستوى رؤساء الطوائف الأربعة الرئيسة للتداول في جديد التطوّرات، وإنّ لديه كلاما يريد أن يقوله للقيادات الروحية لما له من أهمّيته، وخصوصا لجَبه ردّات الفعل التي لم يرتَح اليها، ملمّحا إلى الحاجة لمثل هذه القمّة في هذه الظروف.

وكان الاتّصال مناسبة ليذكّر الراعي قبّاني خلاله بما كان تقرّر في قمّة بكركي لجهة القرار الذي اتّخذ بالإجماع، والقاضي بـ"التوافق على مبدأ عقد لقاءات دوريّة للقمّة الروحيّة، والتوجّه بمبادرة روحيّة وطنيّة لمعالجة الخلافات السياسيّة الداخليّة". وأضاف: "لا بدّ من لقاء يعقد على هذا المستوى لما فيه خير لبنان واللبنانيّين". وشدّد على أهمّية ان تستضيف دار الفتوى هذا اللقاء "على قاعدة مبدأ المداورة الذي أقرّ في اللقاء الأوّل".

وأبدى قبّاني ارتياحه لخطوة الراعي من زاوية "أنّ البطريرك أبدى تفهّما فوريّا لردّة الفعل الإسلاميّة والسُنّية تحديدا، على ما جاء على لسانه في زيارته الباريسيّة، وأنّه كان لا بدّ للبطريرك من أن يبادر الى مثل هذه الخطوة سريعا لتدارك ما حصل وحصره وشرح مواقفه والظروف التي قادته اليها وترميم العلاقات بين اللبنانيّين".

... وقبّاني يقترح التوسيع

وعاد المفتي على ما يبدو إلى فريق عمله ومعاونيه سريعا ليبلّغهم مضمون الخطوة البطريركية وأهدافها، مبديا ارتياحه إليها، خصوصا أنّها ستكون مناسبة لمناقشة الخلفيّات التي بنى عليها الراعي مواقفه الأخيرة، وليؤكّد ثوابت دار الإفتاء التي لم "تبلع" بعضا من هذه المواقف. وعاد أحدهم بالذاكرة الى كلّ أشكال التعاون التي قامت بين الأنظمة السنّية والمسيحيّين في المنطقة وأعطى مثالا على ما كان قائما في العراق خلال عهد الرئيس صدّام حسين، حيث كان نائب رئيس الجمهورية ووزير خارجيته لعقود من الزمن مسيحيّا وهو طارق حنا عزيز، إلى ما هنالك من الملاحظات التي لا تلتقي في شكلها ومضمونها مع مخاوف سيّد الصرح البطريركي. كما لفت أحدهم الى "الرعاية السُنّية التي وفّرتها دار الفتوى وتيّار "المستقبل" للجيش اللبناني في حرب نهر البارد في مواجهة مظاهر الإرهاب وصولا الى المواجهة التي تخوضها الدولة الإسلاميّة الكبرى المملكة العربية السعودية ضدّ الإرهاب في العالم".

لكنّ الفكرة تطوّرت لدى قبّاني نتيجة المشاورات التي أجراها مع اكثر من مرجعية، ففاتح الراعي الأربعاء الماضي بأهمّية تطوير الفكرة وتوسيعها لتشمل القيادات الروحيّة للمذاهب اللبنانية كافّة، خصوصا أنّ البلاد تعيش ظروفا صعبة، وأنّ قمّة روحية جامعة قد يكون لها تأثير فاعل في أجواء البلاد وتؤكّد أهمّية ان يواجه القادة الروحيّون بالإجماع كلّ مشاريع الفتنة المذهبيّة التي تطلّ بقرونها من وقت لآخر.

ولم يطل الأمر بالراعي ليوافق تاركا لقبّاني توجيه الدعوة التي يراها مناسبة باسم دار الفتوى منوّها بالفكرة، مبديا الاستعداد لكلّ ما يطلب منه، واتّفقا على ان يكون مشروع بيان القمّة الختامي في عهدة أعضاء لجنة الحوار المسيحيّ – الإسلاميّ الذين اعتادوا التحضير لمثل هذه المناسبات، على أن يتشاوروا مع القيادات الروحية لوضع مسوّدة بيان على طاولة القمّة لدى انعقادها.

وهكذا، وجّه قبّاني الدعوات شخصيّا وهاتفيّا الى القيادات الروحيّة المسيحية والإسلامية، شارحا للخطوة والظروف التي أملتها، متمنّيا على الجميع "المشاركة فيها لِما فيه خير لبنان واللبنانيّين". ولقيَ لدى الجميع ترحيبا وارتياحا.

عناوين البيان الختاميّ

وفي المعلومات انّ اعضاء اللجنة التي تُعدّ مشروع البيان الختامي ولا سيّما "عتّالها" الأبرز محمّد السمّاك قد بدأ بوضع الخطوط العريضة للبيان بالتنسيق مع القيادات الروحيّة في غياب الممثل المارونيّ في اللجنة الأمير حارث شهاب لوجوده في أوروبّا، إلّا أنّه على خط الاتّصالات. وقال أحد أعضاء اللجنة انّها تسعى لبيان يجمع الثوابت الوطنية التي تلتقي حولها القيادات الروحية بعناوينها الأساسية والمبادىء الكيانية التي تؤهّل لبنان ليكون جديرا بحمل رسالة احترام التنوّع الديني والتعدّد المذهبي في إطار الالتزام الوطنيّ حسب ما جاء في مقدّمة البيان الأوّل لقمّة بكركي.

وفي المعلومات انّ البيان سيتناول فقرات عدّة تشدّد على الوحدة الوطنيّة ومبدأ العيش الواحد والسعي الى تمتين الوحدة الوطنية، وتحذّر من التشرذم الداخلي الذي من شأنه ان يضعف مناعة لبنان ويطعن في صدقيّة رسالته، واعتبار الدولة اللبنانية مصدر قوّة للبنانيّين جميعا والحاضنة لهم، ممّا يفرض على المواطنين توطيد ثقتهم بها، ودعم مؤسّساتها، ودعوة القيادات السياسيّة الى الارتفاع في اختلافاتها وتباين وجهات نظرها، لغة ومضمونا، وسيلة وهدفا، الى المستوى الذي يمكّن لبنان من مواجهة الصعوبات السياسيّة والاقتصادية التي يواجهها.

ويشدّد البيان على التزام ثقافة الحوار الذي يحترم وجهات النظر المختلفة مهما تباعدت، والتزام لبنان ميثاقه الوطنيّ واتّفاق الطائف والمواثيق العربية والدولية في إطار جامعة الدول العربية ومنظمة الامم المتحدة، مما يجنّبه الدخول في الخلافات والصراعات والمحاور الاقليمية والخارجية مباشرة أو مداورة. كذلك سيشدّد البيان على الاحتكام الى المؤسّسات الدستورية من دون سواها لمعالجة أيّ خلاف، والاعتماد على الجيش اللبناني وقوى الأمن الشرعيّة وحدها للمحافظة على الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظّمة، وتأكيد سيادة لبنان وحرّيته واستقلاله، وحقّ الدولة في تحرير أراضيها التي تحتلّها إسرائيل، والتنويه بدور قوّات "اليونيفيل" في جنوب لبنان التي تعمل بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 1701.

وسيهيب البيان بالأمم المتّحدة ومجلس الأمن الدولي استجابة طلب اعلان فلسطين دولة كاملة العضويّة، هذه الدولة التي تحتضن حقوق الشعب الفلسطيني، وخصوصا حقّ العودة الى وطنه وطنا دائما لجميع الفلسطينيّين داخل الأراضي المحتلّة وفي الشتات، وهذا ما يتلاقى مع إرادة اللبنانيّين الجامعة في رفض التوطين بكلّ أشكاله.

التاريخ يعيد نفسه!

إلّا أنّ التاريخ أبى إلّا أن يعيد نفسه، وتبلّغ أعضاء اللجنة انّ نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان لفت نظر أعضائها عبر ممثل المجلس في اللجنة الى اهمّية الانتباه الى بعض ما سيتضمّنه البيان الختامي مجدّدا الطرح الذي رافق القمّة الأولى، وتحديدا حول ثلاثيّة "الجيش والشعب والمقاومة" مخافة ان تتكرّر تجربة القمّة الأولى عندما تحفّظ قبلان على مضمون الفقرتين السادسة والسابعة من البيان بعد ساعات على صدوره. وفي المعلومات انّ هناك سعيا لترتيب الفقرات بما يضمن التجاوب مع رغبة قبلان، إذ إنّ اللغة العربية مليئة بالمخارج اللغوية والتعابير السحريّة التي يمكن ان تؤدّي الرسالة المطلوبة.

 

هذا ما أبلغه الراعي إلى جعجع؟

طارق ترشيشي

لم ينقطع بعد حبل التفسيرات والتأويلات للمواقف التي يطلقها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي منذ زيارته الأخيرة لباريس التي عبّر فيها عن مخاوف على مصير المسيحيّين في لبنان وسوريا في حال سقوط النظام السوريّ، وذلك من أجل الوقوف على حقيقة أبعادها والخلفيّات.

واللافت حتى الآن أنّ هذه المواقف البطريركية قوبلت بترحيب لدى الاكثرية بكلّ مكوّناتها السياسية من جهة، وباستغراب أو معارضة لدى فريق 14 آذار بكلّ مكوّناته من جهة ثانية، الى درجة أنّ بعض أطراف هذا الفريق بدأوا يجاهرون بمعارضتهم تلك المواقف، فيما بعض آخر يردّ عليها بتورية من خلال التأكيد أنّ لا خوف على الأقلّيات في حال سقوط النظام السوريّ، من مثل ما قال رئيس كتلة "المستقبل" الرئيس فؤاد السنيورة.

غير أنّ فريقا آخر من السياسيّين يقول إنّ مواقف الراعي تشكّل حدَثا كبيرا في اتّجاهين:

ـ الأول، تعميق المشكلة المسيحيّة ـ المسيحيّة، بحيث إنّ الكنيسة ستشهد مشكلة داخليّة، ويمكن ان تظهر بوادرها في الاجتماع الشهري لمجلس المطارنة الموارنة الأسبوع المقبل.

ـ الثاني، أنّ مواقف الراعي شكّلت "إضافة نوعيّة" لرئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون وحلفائه في الأكثرية، بحيث إنّ البطريرك بدا من خلالها أقرب الى هذا الفريق من الفريق الآخر.

والواقع أنّ سيّد بكركي لم ينطلق في مواقفه من فراغ وإنّما استند إلى توجيهات فاتيكانيّة، وقيل إنّه أوفد أحد المقرّبين منه في الآونة الأخيرة الى رئيس حزب "القوّات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع ناقلا إليه رسالة شفويّة يشرح فيها الظروف والحيثيات التي املَت عليه اتّخاذ المواقف الاخيرة التي لم يرتَح لها جعجع وقيادات مسيحيّة منتمية الى فريق 14 آذار.

وقد أبلغ الراعي الى جعجع بواسطة هذا الموفد أنّ مواقفه هذه إنّما انطلقت من توجيهات فاتيكانيّة مبنيّة على قراءة أجرتها دولة الفاتيكان للمتغيّرات التي تشهدها المنطقة العربيّة، وخرجت من خلالها باستنتاج مفاده أنّ هذه المتغيّرات ستؤول الى تقسيم جديد للمنطقة لن يكون فيه للمسيحيّين دولة، بخلاف اتّفاقية سايكس ـ بيكو التي كانت أمّنت لهم مثل هذه الدولة، ولذلك لا يمكن المسيحيّين أن يقفوا مكتوفين إزاء ما يجري في سوريا والمنطقة، وإنّ عليهم أن يرفعوا الصوت لكي يحافظوا على وجودهم الى جانب بقيّة الأقلّيات، لأنّ رياح المتغيّرات الجارية قد تأتي على حسابهم، وهذا ما عليهم ان يتداركوه بعدم الانسياق وراءها.

وتفيد المعلومات أنّ جعجع أبلغ الى الموفد البطريركي أنّه يتفهّم توجّهات البطريرك الراعي الجديدة، بل إنّ لديه معطيات مماثلة، ولكنّه لا يستطيع أن يجري استدارة سياسيّة سريعة لأنّ الفريق الآخر لا يمكن أن يقبله بسهولة، وإنّ الأمر يستلزم وقتا لديه حتى يتمكّن من إجراء التموضع السياسيّ الذي ينسجم مع مواقف البطريركية المارونيّة المستجدّة، وأكثر من ذلك، اعترف جعجع للموفد البطريركي بأنّه لا يثق ببعض الضمانات التي يعبّر عنها البعض من حلفاء وغير حلفاء حول مستقبل المسيحيّين في لبنان وسوريا في حال حصول أيّ متغيّرات دراماتيكية في سوريا، وإنّه في النهاية سيتّخذ المواقف والخيارات التي تمليها عليه التوجّهات البطريركية ومصلحة المسيحيّين.

على أنّ هذه المعطيات توافرت لدى أقطاب كبار في فريق الأكثريّة، واستغرب بعضهم توقّعات جعجع بعدم قبوله لدى هذا الفريق في حال التزامه خيارات بكركي التي بدأت تتناغم، وربّما تتوافق مع توجّهات فريق الأكثرية إزاء المتغيّرات العربية عموما والوضع في سوريا خصوصا، وعلّق أحدهم على توقّعات جعجع، مؤكّدا أنّها في غير محلّها، وقال: "إنّنا مستعدّون لقبوله".

وإلى ذلك، يقول قطب أكثريّ، إنّه وبغَضّ النظر عن الآراء القائلة بأنّ وثيقة الوفاق الوطني المعروفة بـ"اتّفاق الطائف" أفقدت المسيحيّين دولتهم المشرقيّة، أو لم تفقدهم إيّاها، فإنّ هذا الاتّفاق لم يغيّر في ما أرسته اتّفاقية سايكس – بيكو التي تمّت بين فرنسا وبريطانيا في عشرينات القرن الماضي إثر هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى وخروجها من شبه الجزيرة العربية بعد حكم دام اكثر من أربعمئة عام. إذ أدّى "الطائف" الى قيام حكم المشاركة في لبنان بجعل السلطة التنفيذيّة في مجلس الوزراء المكوّن من كلّ القوى والأطياف السياسية والطائفية والمذهبية، بديلا من حكم كان حصريّا في يد رئيس الجمهورية فقط، حيث كانت السلطة التنفيذيّة مَنوطة به وحده، وهذه الصيغة من الحكم لم تلغِ الوجود المسيحيّ ودوره في لبنان، وما زال المسيحيّون فاعلين في المشاركة في القرار الوطني وفي حكم البلاد الى جانب الآخرين، وذلك على رغم وجود آراء تقول بعكس ذلك. ويرى سياسيّون أنّه تقع على عاتق القيادات المسيحيّة أدوار مهمّة يمكنهم ان يلعبوها بالتعاون مع الآخرين في الأيّام والاسابيع والاشهر المقبلة وفي غير اتّجاه محلّي وإقليمي ودولي من أجل تغيير اتّجاهات الريح، بما يضمن مصير كلّ الاقلّيات في المنطقة.

فالتغيير الذي حصل في العراق لم يحُل دون ما تعرّض له المسيحيّون ولا يزالون من اعتداءات وتهجير. والثورة المصريّة التي لم ترسُ على برّ نهائيّ بعد، لم تثبت حتى الآن أنّها ثورة تحفظ الأقلّية المسيحيّة في مصر، هذه الأقلّية التي عاشت ايّام حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك قلقا كبيرا، خصوصا في سنواته وأيّامه الأخيرة، ما تزال تعيش هذا القلق نتيجة تعرّضها على مستوى الاشخاص والمراكز الدينية لحوادث متعدّدة بعد سقوط مبارك، وهي تبحث في ظلّ الثورة عن الوسيلة التي يمكن أن تشكّل شبكة أمان لها مع النظام الذي ستنتجه هذه الثورة بعد الانتخابات المقرّرة في وقت لاحق من الخريف الجاري.

أمّا المسيحيّون في سوريا فإنّه يؤرقهم ما يتعرّضون له من مضايقات واعتداءات، ومن شعارات طائفيّة ومذهبية وتهديد بالتهجير يردّده المتظاهرون ضدّ النظام، خصوصا في المدن والبلدات السورية المتنوّعة الانتماءات الدينية.

ثمّة من يقول إنّ الوضع المسيحيّ في لبنان والشرق يحتاج الى "سينودوس سياسيّ" يبحث في مصيره، في ضوء المتغيّرات التي تشهدها المنطقة، ويبدو أنّ هناك أفكارا عدّة مطروحة في هذه الاتّجاه خلف الكواليس، وربّما تتبلور عمليّا في وقت ليس ببعيد.

جريدة اللواء 27/9/2011

قمّة دار الفتوى اليوم: ثوابت وطنية تنهي الإصطفافات والتوترات
ماذا حدث بين ميقاتي وكلينتون خلال 18 دقيقة؟
الراعي يُلغي لقاءات واشنطن ··· ونحاس يتوقّع عدم تمويل المحكمة

  الرئيسان سليمان وبري والبطريرك الراعي في المصيلح قبل مأدبة الغداء (تصوير: سامر زعيتر)

تشهد دار الفتوى عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم، حدثاً روحياً وطنياً، يشكل محطة جامعة للمبادئ والمنطلقات والثوابت التي يلتقي حولها اللبنانيون، وتشكل ايضاً ارضاً صلبة للاستقرار العام الذي يتطلع اليه الشعب اللبناني، في ظروف بالغة التعقيد تحيط بلبنان، سواء منها بتحولات ما عرف <بالربيع العربي> او معركة انتزاع الاعتراف الدولي بدولة فلسطين في مجلس الامن والامم المتحدة

 

· وتأتي القمة الروحية الاسلامية، المسيحية التي اكتفى البيان المقتضب الصادر عن دار الفتوى بالاشارة الى زمانها ومكانها، مؤكداً حضور رؤساء الطوائف الروحية في لبنان، في ظل محاولات تجري من هنا وهناك لبناء تحالفات او تفاهمات ثنائية، او داخل الجماعة الواحدة، بحثاً عن خيارات انتخابية او سياسية ضمن طروحات تعيد البلد عشرات السنوات الى الوراء، كما اكد مرجع حكومي سابق لـ<اللواء>·

وبالتزامن، كشف دبلوماسي لبناني ان الجانب الاميركي الذي ابلغ الوفد اللبناني خلال الاجتماع بين الرئيس نجيب ميقاتي والوزيرة هيلاري كلينتون تفهمه للاحراجات التي تواجهها الحكومة ازاء قضايا داخلية لبنانية واقليمية سورية، اكد استمرار تقديم المساعدات العسكرية واللوجستية والتدريبات للقوات المسلحة اللبنانية والقوى الامنية·

ولفت المصدر الدبلوماسي ان الرئيس ميقاتي خرج مرتاحاً من لقاء كلينتون، مشيراً الى ان الاهم لديه كان تفهم الادارة الاميركية لخصوصية الموقف اللبناني والاكتفاء بحياديته ازاء القضايا المطروحة·

واذ شددت كلينتون على ضرورة استمرار لبنان في احترام التزاماته الدولية بما يؤمن استقراره ووحدته، فان الرئيس ميقاتي اكد امامها استمرار الحكومة في تنفيذ الالتزامات وشرح اولويات الحكومة في العمل على تحقيق الاستقرار في لبنان وابعاده عن تأثيرات الاوضاع الخارجية، كما جدد المطالبة بدعم اميركي لتنفيذ المهام المطلوبة منه لا سيما ازاء القرار 1701·

وبحسب مصادر الوفد اللبناني، فإن كلينتون لاحظت ان الاولويات التي طرحها الرئيس ميقاتي في عمل حكومته صحيحة وتقع في مصلحة لبنان العليا، مشيرة الى ان الموقف اللبناني الاخير في مجلس الامن ذكي ونتفهمه لجهة تحييد نفسه عن التطورات الحاصلة، واملت بأن تفي الحكومة بتمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لانه لا يجوز بقاء غياب الدولة، ويجب ان يشعر المواطن اللبناني بالاستقرار والعدالة·

غير ان مصادر دبلوماسية شاركت في الاجتماع كشفت ان الاجتماع لم يتعد 18 دقيقة، وان الوزيرة الاميركية تحدثت بلغة جازمة عن ضرورة التزام لبنان بما يعلن على لسان مسؤوليه·

وخاطبت الوفد اللبناني قائلة: <اننا سمعنا كثيراً من الاقوال عن الالتزام بالقرارات الدولية وتمويل المحكمة وعن عدم انتقائية القرارات·· اننا في هذه اللحظة نريد افعالاً ونريد التزاماً وتمويلاً للمحكمة والتزاماً بتنفيذ القرار 1701 الذي يتعلق بالسلاح>·

اما في الشأن السوري، فإن المصادر عينها كشفت أن كلينتون حذّرت على نحو غير مباشر الحكومة اللبنانية بقولها <ان انحياز الدولة اللبنانية لسوريا يحدث ضررا كبيراً بكم، أي بلبنان>·

وكشفت المصادر أن كلينتون التي تحدثت بلغة صارمة سبق لها ورفضت عقد لقاء على انفراد مع رئيس الحكومة، سبق أن طلبه قبل سفره واثناء وجوده في نيويورك، متذرعة بضيق الوقت·

وما لم توضحه باستضافة الوزيرة الأميركية، اوضحه مساعدها لشؤون الشرق الأوسط السفير جيفري فيلتمان، حيث قال في اللقاء: <اذا صدر عن مجلس الأمن قرار باتخاذ عقوبات ضد سوريا فعلى لبنان أن يلتزم بها، وإذا لم يلتزم فانه بالتأكيد سيتأذى>·

وختمت المصادر قائلة أن اللقاء على وجه الاجمال لم يكن مريحاً بين الجانبين اللبناني والاميركي·

اما وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الذي التقاه ميقاتي أيضاً، فقد أكّد من جهته على أهمية استقرار لبنان وضرورة تحييده عن تداعيات المنطقة، إضافة إلى تأكيده الاستمرار بدعم الجيش اللبناني·

وشملت لقاءات ميقاتي الذي اتصل ليلاً بالرئيس ميشال سليمان لوضعه في اجوائها، الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي الذي حثه على تسريع عقد جلسة لمجلس الأمن لبحث موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة باعتبار أن لبنان يرأس الدورة الحالية للمجلس·

تمويل المحكمة وبالنسبة إلى تمويل المحكمة، ومع تأكيد الوزير محمّد الصفدي، أن مجلس الوزراء سيتطرق في جلسة إلى قضية تمويل المحكمة، فان المعطيات التي افصح عنها وزير العمل شربل نحاس في مجلس ضيق، تفيد انه استناداً إلى قناعاته والمعطيات المتوافرة لديه فهو لا يتوقع ان يجري تمويل المحكمة من ضمن الحصة اللبنانية·

وعزا الوزير نحاس وفق مصدر التقاه اعتقاده بأن تمويل المحكمة يتعارض كلياً وجذرياً مع مجمل فلسفة <حزب الله> من موضوع المحكمة، مع الإشارة إلى ان التيار الوطني الحر> وعلى لسان رئيسه ميشال عون أكد صراحة أنه لن يسير في قضية تمويل المحكمة إذا طرحت في مجلس الوزراء حتى لو مشى بالتمويل وزراء <حزب الله> تحديداً·

جولة الراعي الجنوبية في غضون ذلك·، بقيت جولة البطريرك الراعي في الجنوب، والتي اختتمت أمس، تشكل الحدث السياسي والروحي، خصوصاً وأن رئيس المجلس النيابي نبيه بري خصّه بلفتة مهمة تمثلت بغداء نوعي جمع الى مائدته في المصيلح أركان الدولة، وإن غاب منهم الرئيس ميقاتي لوجوده في نيويورك حيث يرأس اليوم جلسة لمجلس الأمن تناقش فيها مواضيع تخص منطقة الشرق الأوسط، ويلقي خلالها كلمة، فيما شارك في المأدبة الرئيس سليمان ونواب كتلتي التحرير والتنمية والوفاء للمقاومة·

وجاء غداء المصيلح، والذي سبقته خلوة ثنائية بين الرئيس بري والراعي، ثم تحولت إلى ثلاثية بانضمام الرئيس سليمان إليها، ليؤكد <الشركة والمحبة> شعاراً وحضوراً، كما أعلن الراعي الذي أوضح أن زيارته الرعوية اكتسبت بعدي الشهادة لحقيقة العيش المشترك الواحد والالتزام، معتبراً أن اللبنانيين أصبحوا جاهزين للحوار بعد 36 سنة من التضحية والاختبارات·

أما الرئيس بري، فقد أشار في كلمته الترحيبية، إلى أوجه الشبه بين الإمام موسى الصدر والبطريرك الراعي، مكرراً ثوابته من الحوار والعيش المشترك والطائف والالتزام بالقرار 1701 والاحتلال الاسرائيلي، مجدداً الحرص على الحوار دون شروط، على أن يكون حواراً مفتوحاً على القضايا الوطنية الأساسية، وحواراً من أجل الوصول إلى استراتيجية وطنية للدفاع، وحواراً لوضع حلول جذرية لأزمتنا الاقتصادية والاجتماعية، وبالأساس حوار من أجل بناء الثقة في ما بيننا·

ملابسات وإذا كانت جولة الراعي إلى الجنوب قد انتهت عملياً أمس، فإن ما تخللها من التباسات يمكن أن يكون له تداعيات، سواء في ما جرى في غداء المصيلح، أو في استقباله في خلوات البياضة، إذ أنه كان لافتاً بالنسبة للغداء غياب الرئيس فؤاد السنيورة والنائب السيدة بهية الحريري، وراجت معلومات أن المقاطعة هي للرئيس بري وليس للراعي، إلا ان اوساط الرئيس السنيورة اوضحت ان سبب اعتذاره مرده الى ما رافق زيارة الراعي الى صيدا، حيث اعتذر الاخير عن قبول دعوة وجهت اليه للغداء في منزل آل الحريري في مجدليون، فيما هو قبل دعوة الشيخ محمد يزبك الى الغداء اثناء زيارته للبقاع، ثم دعوة الرئيس بري الى المصيلح·

وترددت معلومات في هذا السياق، الى ان الراعي كان اعتذر ايضا عن دعوة وجهها اليه رئيس جبهة <النضال الوطني> النائب وليد جنبلاط للغداء في المختارة عندما زار الشوف، وان الاخير كان يحضر لان تكون زيارة الراعي شبيهة بزيارة البطريرك نصر الله صفير للجبل في العام 2001، وانه عندما رفض الراعي ذلك، آثر جنبلاط الابتعاد عن المنطقة بحجة زيارة مقررة له الى موسكو·

تجدر الاشارة، في هذا الاطار، الى البيان الذي اصدره الشيخ فندي جمال الدين شجاع، احد كبار مشايخ خلوات البياضة الذي انتقد فيه ما اعلنه الشيخ غالب قيس من انتقادات لمواقف الراعي، اثناء استقباله في حاصبيا، معتبرا (اي الشيخ شجاع) انها مواقف تسيء الى الموقف العام لطائفة الموحدين الدروز، وكذلك محاولة وزير الشؤون الاجتماعية وائل ابو فاعور، الذي صوب كلام الشيخ قيس بالتأكيد ان زيارة الراعي هي استكمال لمصالحة الجبل التي كرسها البطريرك صفير·

والى هذين الالتباسين، كان لافتا <اعلان البطريركية المارونية عن الغاء زيارة واشنطن ضمن محطات جولة الراعي في الولايات المتحدة الاميركية التي تقرر ان تبدأ في الرابع من تشرين الاول المقبل، وتستمر لغاية 24 من الشهر نفسه، بعدما كانت مقررة في 30 ايلول الحالي؛·

وعزت مصادر مطلعة ذلك، الى ان الادارة الاميركية تريد توجيه رسالة الى البطريرك الراعي، مفادها انها لا تؤيد مواقفه الاخيرة، وانه لهذا السبب رفض الرئيس الاميركي اوباما او وزيرة خارجيته تحديد موعد لاستقباله، علما ان الراعي كان ابلغ السفيرة الاميركية مورا كونيللي ان زيارته لها طابع رعوي وليست سياسية·

القمة الروحية ومهما كان من امر الغاء محطة واشنطن، فإن دار الفتوى ستشهد اليوم قمة روحية اسلامية - مسيحية تأتي استكمالا للقمة الروحية التي عقدت في بكركي على اثر انتخاب الراعي، كما تأتي في سياق زيارة البطريرك الماروني لدار الفتوى، لرد زيارة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، الذي بعث بدعوات شخصية إلى رؤساء الطوائف الاسلامية والمسيحية لمشاركته في هذه اللغة·

وبحسب معلومات <اللـــواء> فإنه تقرر أن يشارك مع كل رئيس طائفة شخصان، بالاضافة إلى أعضاء لجنة الحوار الاسلامي - المسيحي· الذين عملوا خلال الفترة السابقة على اعداد ورقة عمل القمة التي تتضمن الخطوط العريضة التي يلتقي عليها اللبنانيون، وهي تركز على نقاط رئيسية، منها: دعم الدولة ومؤسساتها، التمسك باتفاق الطائف، التركيز على العيش المشترك، والدعوة للحوار بين الأطراف·

وفيما فهم ان الاتصالات يفترضوا أن تحسم قبل ظهر اليوم، جزئتين تتعلقان بموضوع المحكمة الدولية والمقاومة والسلاح الشرعي، أكدت مصادر مطلعة ان القمة ستتجنب الإشارة إلى مواقف الراعي الباريسية، إلا انها ستؤكد بأن الصيغة الوطنية هي الضمانة لبناء البلد، وليس التحالفات الثنائية أو الثلاثية·


المصدر: جريدة الجمهورية اللبنانية

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 156,137,918

عدد الزوار: 7,016,527

المتواجدون الآن: 54