معادلة الأنظمة والأقليات: شخصيات تتحدث عن مصر والعراق وسوريا ولبنان

خواطرُ شيعيّة...قرار دوليّ بتوجيه ضربات مدروسة إلى إيران...مهرجان عاصمة الشمال أو «عاصفة» الشمال؟

تاريخ الإضافة الجمعة 25 تشرين الثاني 2011 - 5:44 ص    عدد الزيارات 2268    القسم محلية

        


 

مهرجان عاصمة الشمال أو «عاصفة» الشمال؟
تتحضّر عاصمة الشمال طرابلس لمنازلة سياسية بامتياز الأحد المقبل حيث بلغت الأمور بين تيار "المستقبل" وتحالف ميقاتي-الصفدي وغيرهما نقطة اللاعودة في سبيل إثبات مرجعية طرابلس السياسية والشعبية بعد مناوشات لم تبلغ مطلقا المواجهة المباشرة.
مرلين وهبة..(جريدة الجمهورية اللبنانية)
.... وإذا كان هاجس الطرفين قائمًا على العصب الشعبي المشدود على وقع تمويل المحكمة الدولية والأحداث في سوريا والتقلّبات السياسية في لبنان في ظلّ سلاح حزب "يستقوي بالله" ليجابه تحدّيات الداخل والخارج، فإنّ الأوساط السياسية تترقّب ما سينتج عن المهرجان الحاشد الذي دعا إليه المستقبل على أرض معرض طرابلس الدولي كردّ طبيعيّ على محاولة ميقاتي استنهاض حالته الشعبيّة من خلال مأدبة الغداء التي أقامها منذ حوالي الأسبوعين على شرف رئيس الجمهوريّة بحضور فعاليّات طرابلسية ضمن مهرجان "مدينة خالية من السيّارات" والذي تخلّله كلام سياسي بامتياز، رغم أنّ المناسبة كانت إنمائية واجتماعية.
الأجواء السياسية في تيّار "المستقبل" توحي باستنفار تنظيمي لرصّ الصفوف على مختلف المستويات، فضلا عن عودة التواصل مع القواعد الشعبيّة بعد تباعد حتّمته الظروف السياسية والأزمة المالية، حيث تقول مصادر التيار لـ "لجمهورية" أنّ الأخير "سيحاول تأمين عدد ضخم جدّا في المعرض للردّ على ميقاتي والتأكيد على أنّ طرابلس والمنية والضنية وعكّار لا تزال أرض المستقبل وملعبه دون منازع والخزّان البشري لقوى 14 آذار رغم كلّ ثقل السلطة ومنافعها. وفي هذا السياق، يكثّف تيار "المستقبل" اجتماعاته ويستنفر قواعده تحضيرا للمنازلة الكبرى. علما أنّ الحدث، وفق المراقبين، ليس بضخامة الحشد البشري المتوقّع، وهذا أمر مفروغ منه، بحضور سعد الحريري أو بغيابه. أمّا لجهّة كثافة الحضور واللغط الذي ساد حيال حضور الحريري شخصيّا أو عدمه، إلّا أنّ الثابت أنّ رئيس "المستقبل" سيتوجّه إلى المشاركين إمّا مباشرة أو عبر شاشة عملاقة في موازاة كلمات لكلّ من: الرئيس فؤاد السنيورة والنائبين سمير الجسر وبطرس حرب كممثلين عن تيّار المستقبل وفريق 14 آذار، وقد تمّ انتقاء الثلاثة بدقّة متناهية كون الخطوات السياسية ينبغي أن تكون محسوبة في سبيل تحقيق أكبر قدر من المكاسب دفعة واحدة.
مصادر مطّلعة أكّدت لـ "الجمهورية" استبعاد فرضيّة حضور سعد الحريري في ظلّ الظروف المتشابكة ليس على المستوى المحلّي فقط، إنّما على صعيد المنطقة وأحداث سوريا تحديدا، حيث برز موقف المستقبل المنحاز بشدّة للتحرّك الشعبي داخل سوريا، بل وكشفت هذه المصادر أيضا، ما هو أعمق من ذلك وله علاقة بالاتّصالات الجارية ما بين الجانبين السوري والسعودي والذي انطلق من باب الانزعاج السعودي غير المعلن من الدور السياسي التركي المطرد في شمال لبنان على خلفيّة تأمين محيط ضاغط على النظام السوري بين شمال لبنان وعلى الحدود التركية المشتركة مع سوريا.
وتشير المصادر إلى أنّ مبادرة سورية – سعودية تتّصل بالشأن اللبناني كانت قيد التحضير في مرحلة ما، تمّ إجهاضها في لحظة حاسمة ولا تستبعد دور حزب الله في هذا المجال كون أيّة تسوية سياسية ستكون على حساب دوره ووزنه وحضوره في المعادلة السياسية بعد الانفتاح السياسي الحاصل مع الحكومة الحالية. وعليه، تتابع المصادر، بأن المملكة السعودية لم تعطِ الضوء الأخضر لحضور الحريري شخصيّا في الوقت الراهن طالما تعيد ترتيب أوراقها بحيث تعكف الآن على حماية الحريري من التجاذبات الإقليمية الحادة حول سوريا والنابعة من موقف جامعة الدول العربية المتشدّد من الأحداث الداخلية في سوريا لا سيما بعد النقاش الإقليمي الدائر حول طموحات إيران وأطماع إسرائيل بشراكة نفطية مع الجوار الأوروبي والتركي وتجاهل لبنان ومصالحه في هذا المجال.
وفي هذا الإطار تردّد بأنّ وليد جنبلاط يستخدم ورقة تمويل المحكمة في سبيل الضغط على الحكومة الحالية المرتبكة بشدة جراء عناد عون ومصير حزب الله المتعلق بهذا الجانب، على رغم أنّ هذه الورقة هي لصالح نجيب ميقاتي من خلال مسعاه لتأمين التمويل، بينما لا تصبّ في مصلحته إذا صدقت التوقّعات بأنّ جنبلاط سيطرح سحب وزرائه من الحكومة في حال عدم إقرار بند التمويل خلال مدّة لا تتجاوز الشهر الواحد. الأمر الذي يقابله همسات متتالية عن حالة إحباط شديد تنتاب ميقاتي على المستوى الشخصي حيث يشدّد على ضرورة التمويل من جهة، ويفاجأ بالتطوّرات المتسارعة في الداخل السوري، وبالتالي هو محكوم بالجغرافيا السياسية ما بين طرابلس وحمص كشكل رمزي لعمق المأزق السوري حاليا وانعكاساته على الداخل اللبناني.
من هنا يكتسب مهرجان "المستقبل" نهار الأحد المقبل أهميّة تتخطى الشمال والأزمة الداخلية في لبنان لتلامس أبعادا إقليمية قائمة على توازنات سياسيّة ستفرض نفسها في مرحلة سياسية متفجّرة بامتياز. 
 
قرار دوليّ بتوجيه ضربات مدروسة إلى إيران
يشعر زائر الأردن هذه الأيّام بحالة الحذر والخوف التي تؤرق وتقلق الشارع الأردني، في ظلّ الربيع العربي الذي أدّى إلى تغيير معالم كثيرة في الشرق الأوسط، ومنها سوريا الجار الأقرب للأردن، خصوصاً وأنّه كانت لكلمة الملك عبدالله الثاني التي دعا فيها الرئيس السوري بشّار الأسد إلى التنحّي تردّدات هامّة لا تزال ترخي بثقلها على العلاقة الوطيدة التي كانت تجمع بين الملك والرئيس.
عمّان ـ فادي عيد..(جريدة الجمهورية اللبنانية)
وعامل الخوف هذا مردّه إلى عدم وضوح الرؤيا وجهل ما يحمله المستقبل للأردن، في ظلّ التغيّرات السريعة والمتلاحقة في الدول المجاورة، واستمراريّة الحراك الشعبي خاصة في المحافظات، على رغم محاولات الحكومة الجديدة احتواء قادة الحراك وتحييد جماعة الإخوان المسلمين عبر صفقة حماس.
"الجمهورية" التقت أمين عام حزب الاتّحاد الوطني في الأردن النائب السابق محمد إرسلان وطرحت معه هواجس أردنية ولبنانية وسوريّة، فأشار إلى أنّ الحركة الإسلاميّة هي التي تقود الحراك الشعبيّ الأردني، حيث بدا واضحاً في بداياته بأنّها قامت بخلق مجموعة من الأذرع الشبابيّة والعشائرية التي قامت بنشاطات مختلفة، إنّما هي تعود لتوجيهات الحركة، وبدأت التظاهرات بمئات الأشخاص وكانت تتركّز في عمان وتخرج من المسجد الحسيني الكبير، ووصلت ذروة هذه التظاهرات خلال الأشهر الثماني الماضية مع قيام الحركة بالحشد الكبير الذي لم يتجاوز عشرة آلاف إنسان. وفيما يخصّ الشعارات، فإنّ أكثرها نادى بمحاربة الفساد وإصلاح النظام، إلّا أنّه مع دخول بعض الشخصيّات الأردنيّة المعارضة أمثال ليث شبيلات ورئيس الوزراء السابق أحمد عبيدات، فإنّ بعض هذه الشعارات تجاوزت الخطوط الحمراء، والمقصود بذلك صلاحيات الملك وفلسفة الحكم الملكي. وكشف عن وجود مؤشّرات تؤكّد أنّ هناك رفضاً قاطعاً لهذه الشعارات المتطرّفة من قبل الشعب الذي يتعاطف بشكل محدود مع بعض المطالب العامّة للحركة الاحتجاجيّة.
وعن دعوة الملك عبدالله الثاني للرئيس الأسد بالتنحّي، اعتبر إرسلان أنّه خلال المقابلة التي تحدّث فيها الملك لل"بي، بي، سي"تمّ استغلال جزئيّة من هذه المقابلة، وبدت وكأنّ الملك يطلب من الأسد التنحّي، ولكن بعد أن نشرت المقابلة كاملة كانت الرسالة مختلفة، حيث قال الملك ضمن سياق المقابلة "إنّني لو كنت مكان بشّار لكنت قد تنحّيت، ولكن بشرط أن يكون هذا التنحّي مقروناً بتهيئة الأجواء لانتقال سلمي للسلطة"، ويأتي هذا الذكر باعتبار أنّ هناك تعاطفاً متزايداً من أوساط الأردنيّين مع المطالب التي ترفعها الثورة السوريّة، وأيضاً هناك غضب من تزايد أعداد القتلى وممارسات السلطات السوريّة. معتبراً أنّ تحرّكات الجامعة العربية لم تأتِ من فراغ، وإنّما جاءت متناسقة مع بعض التوجّهات الدوليّة بخصوص التعامل مع الحالة السوريّة التي أعتقد أنّها لن تعود إلى الوراء، وقد نرى مجموعة من السيناريوهات، حيث إنّ الخلاف قد تجذّر وتعمّق بين مكوّنات الشعب السوري، ونخشى أن تصل الأمور إلى نوع من أنواع الحرب الأهليّة وبعض التدخّلات العسكريّة المحدودة في خلق مناطق آمنة في تركيا والأردن بغية المحافظة على المدنيّين والمنشقّين من الجنود، ونرى بأنّ هذه السيناريوهات ستؤثّر بطريقة أو بأخرى على المعادلات السياسيّة اللبنانية الداخليّة، وخاصة بحجم تأثير "حزب الله" الشريك الثالث على مجريات الأحداث اللبنانية الداخلية، وكذلك الامتداد الاستخباراتي الأمني السوري في الداخل اللبناني. والمشكلة الأكثرتعقيدا التي نخشاها هي أن تقوم إيران، بغية إعطاء بعض الراحة لسوريا، بعمليّات استراتيجيّة محدودة في منطقة الخليج العربي لبعثرة التركيز على القضيّة السوريّة، وهذا السيناريو ينطبق أيضاً على لبنان، وقد يمتدّ إلى بعض الدول العربية، متوقّعاً أن تكون لتركيا بعض التحرّكات للحدّ من تأثير هذه الخطط الاستراتيجية إن وجدت.
واعتبر إرسلان أنّ المجتمع العربيّ، وخاصة في شرق المتوسّط تتداخل فيه مجموعة من الأقلّيات العرقيّة والدينيّة، فأصبح التنوّع ظاهرة متلازمة لهذه المنطقة، وبالتالي فإنّ ما يحفظ حقوق كامل هذه الفئات هي أنظمة ديمقراطيّة تعدّدية تقوم على أساس قبول الآخر على مبدأ دول القانون والمؤسّسات، بحيث لا تحتكر السلطة بأيّ شكل من الأشكال لفئة دينيّة أو عرقيّة بعينها، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي نستطيع من خلالها أن نُشعر فيها هذه الفئات بالأمان والانتماء. وفي ما يخصّ سوريا، فإنّه إذا تمّ تغيير النظام، لا أعتقد بأنّ النظام المقبل سيكون طائفيّاً أو دينيّاً، باعتبار أنّ أكثر من نصف الشارع السوريّ ينتمي إمّا إلى ديانات غير إسلاميّة أو أعراق غير عربيّة، وكذلك وجود فئات كبيرة من العلمانيّين والقوميّين. وقال: نحن نعي حجم السيطرة السوريّة على مجريات الأحداث في الوسط السياسي اللبناني وحساسيّة العلاقة، وبالتالي يبدو أنّ نظرة الأردنيّين دائماً تعذر أيّ موقف لبنانيّ بخصوص الأحداث في المنطقة، مع إيماني العميق بأنّ الشارع اللبناني سيكون له تأثيراته على مجريات الأحداث في الداخل السوريّ على خلفية التداخل السكّاني والحدودي بين البلدين. وفي حال حصول حرب أهليّة في سوريا، فإنّنا نعتقد بأنّ لبنان سيتأثّر بموجات كبيرة من اللاجئين، الأمر الذي سيشكّل عبئاً كبيراً على الدولة التي قد تجد نفسها بشكل أو بآخر متورّطة في طبيعة الصراع المحتمل، وأعتقد في هذا الإطار أنّ سيناريو يوغوسلافيا سيُعاد تطبيقه في سوريا. لافتاً إلى وجود قرار دوليّ بتوجيه ضربات مدروسة قد تستهدف بعض المواقع الحسّاسة التي من شأنها إضعاف هيبة الدولة الإيرانية، باعتبار أنّ الداخل الإيراني قابل للاشتعال بوجود توجّهات سياسيّة مختلفة لبعض الفئات غير الفارسيّة والتي تشكّل أكثر من نصف السكّان، وأيضاً وضع الحرّيات وأسلوب نظام الحكم وغيرها من الأمور التي قد لا تكون في صالح السلطة في إيران، ولهذا فإنّها قد تلجأ إلى إخراج نفسها من تحدّيات المشكلة الداخليّة إلى مشكلة إقليميّة لنيل التفاف أكبر من الداخل الإيراني، وإنّني على ثقة بأنّ السياسات الأميركيّة في المنطقة بدأت تتعاطى بطريقة التعامل بـ"القطعة"، حيث إنّها تفتقر إلى استراتيجيّات واضحة بسبب تفسّخ الثقة بالقيادة السياسيّة الأميركيّة من قبل الحلفاء، حيث إنّ قيادتها أوقعت هذه الدول في كثير من الأخطاء لا سيّما في الملفّين العراقي والأفغاني. 
 
خواطرُ شيعيّة
نصير الاسعد..(جريدة الجمهورية اللبنانية)
ما سُمّي «الهلال الشيعي» ذات يوم، يتدخّل في سوريا منذ اندلاع الثورة دعماً لنظام الأسد.
حتّى قبل أيّام قليلة، كان تدخّل إيران و»حزب الله» معلوماً... إلى أن «اكتُشف» مؤخّراً دخول «جيش المهدي» بقيادة مقتدى الصدر على الخطّ، حيث أرسل مقاتلين وأسلحة إلى سوريا، وخاطب السوريّين داعياً إيّاهم إلى المحافظة على بشّار الأسد.
ومع أنّ الدعم الذي يقدّمه هذا المثلّث للنظام السوريّ ذو طبيعة لوجيستيّة، وهو دعم لا يقدّم ولا يؤخّر كثيراً، فهو تعبيرٌ عن موقف سياسيّ بإزاء ما يجري في الداخل السوريّ.
غيرَ أنّه، وفي موازاة هذا التدخّل داخل سوريا – الضلع الرابع في «الهلال الشيعي» – لوحظَ في الآونة الأخيرة تراجُع أُطروحة وتقدّم أُخرى. فعلى الرغم من استمرار نظام الأسد في التهديد بـ»إحراق المنطقة» ردّاً على تصاعد أزمته وعلى تزايد الضغوط عليه، يبدو واضحاً أنّ تهديدات أطراف «الهلال الشيعي» وإيران بالدرجة الأُولى بتحويل أزمة النظام السوريّ إلى أزمة إقليميّة، أي بفتح حرب إقليمّية، قد تراجعت. وتزامُناً مع تسعير النظام للفتنة المذهبّية عنده، اتّجهت أطراف «الهلال الشيعي» نحو الحديث عن فتن مذهبّية، سنّية – شيعيّة ضمناً، يمكن أنّ تعمّ العالمين العربيّ والإسلامّي في حال سقوط الأسد. وخلاصةُ ذلك هي أنّ الدعم عبر حرب إقليمّية (مع إسرائيل مثلاً) صار غير ممكن فيما التلويح بالفتن يتقدمّ.
وهنا، لا بدّ من فتح القوسين قليلاً، لمخاطبة الدور الشيعيّ عموماً ودور «حزب الله» خصوصاً.
ففي «الثقافة الحسينيّة» لدى الشيعة الإثني عشريّة، أنّ الإمام الحسين بن علي خرجَ على يزيد بن معاوية ليس فقط لأنّه كان يرفض مبايعته، بل كانَ في الأساس خروجاً على حاكم ظالم وفاسد. ولدى وجوده في كربلاء فاوضَ الحسين مع «الطرف الآخر»، غير أنّ ذلك التفاوض انتهى آنذاك بصرخة الإمام الحسين: «(..) يخيّرني ما بين السِلّة والذِلّة فهيهات منّا الذلّة»، أي إنّه إذ جرى تخييره بين استلال السيوف والقتال وبين الاستسلام، اختار القتال. القتال ضدّ الظلم والمذلّة. فهل ثمّة ما هو أقربُ إلى صرخة الحسين من صرخة الشعب السوريّ: «الموت ولا المذلّة»؟
وللتذكير التاريخيّ، فإنّ العديد من علماء المسلمين السنّة يدعمون ثورة الحسين بما هي ثورة ضدّ الظلم والاستبداد والفساد. وهذان القوسان هما من أجل القول إنّ دعم نظام الأسد الظالم ضدّ شعبه المظلوم، ليس فيه أيّ صلة مع «الفكرة الحسينيّة».
وعلى كلّ حال، ليس ما تقدمّ ضمن القوسين، خاتمةً للبحث.
ذلك أنّ الأساس هو التلويح بالفتنة السنيّة – الشيعّية أو التهديد بها. فهل قدَر الشيعة العرب أن يكونوا وقوداً لفتنة في دول الخليج بدفع من إيران؟ هل قدر الشيعة العرب أن يجري دفعهم نحو الفتنة من أجل نظام استبداديّ يتهاوى في سوريا، أو من أجل حسابات إيرانّية معيّنة؟ وهل قدرُ الشيعة اللبنانيّين أن يكونوا مع الظالم ضدّ المظلوم في موضوع اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وموضوع المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان والمُنشأة للاقتصاص من القتلة، وهل قدرُهم أن يكونوا أوّل من يدفع الثمن في حرب إقليميّة، أو أن يكونوا «مجاناً» مع الظالم والمستبدّ؟ وما مصلحتهم في معاداة الشعوب وفي اكتساب عداء من سيأتون بعد الظالم والطاغية؟ وما «الحكمة» في أن يفرض عليهم القطع مع تاريخهم، تاريخ الانتصار للمظلوم، وتاريخ الدور المشرّف في لبنان والمنطقة العربيّة والعالم الإسلاميّ؟
ثمّة من بين كبار الساسة في لبنان من ينقُل أنّ «حزب الله» استطاع أن يجعلَ من الشيعة اللبنانيّين طائفة قلقة وخائفة ومتوتّرة على خلفيّة التطوّرات السوريّة.
وثمّة من بين كبار الساسة هؤلاء مَن يشرح أنّ سلسلة الإشارات السياسيّة التي أعطاها الرئيس نبيه برّي في الآونة الأخيرة تعكسُ قلقاً لديه من التطوّرات السوريّة: من حديثه عن استئناف الحوار، إلى رسالته إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز والتي تطلب دوراً سعوديّاً في سوريا ولبنان... إلى إعلانه المخاوف من حرب أهليّة في البلد.
وفي هذا الإطار ينبغي التشديد على نقاط رئيسيّة.
إنّ دور الشيعة في لبنان هو منع الفتنة المذّهبيّة، وليس أن يتمّ إذكاؤها بهم. بل إنّ دور الشيعة اللبنانيّين أن يكونوا مثالاً للشيعة العرب في درء الفتنة عن المنطقة. والمهمّ أن يدرك الشيعة في لبنان وكلّ الطوائف اللبنانيّة أنّ التحوّلات التي شهدتها المنطقة منذ بداية العام، وسوف تشهدُها الشهور المقبلة، ليست انتصاراً لطائفة... ليست انتصاراً سُنّياً، بل هي انتصار ديموقراطيّ للشعوب، وأنّ نصيب لبنان منه كبير. وفي لبنان بالتحديد، فإنّ «الربيع» لن يكون في أيّ حال من الأحوال غلبة لفريق على آخر. ففي لبنان هناك أسُس تمنعُ من أن يشهد غلبةً سياسيّة أو طائفيّة، بل أسُس تحمي شراكة متكافئة. والأسُس هذه يؤطّرها اتّفاق الطائف. «والربيع» في لبنان هو للدولة والنظام الديموقراطي... والعيش المشترك دائماً. وحقوق الطوائف «واصلة» في الطائف. ويبقى أن تُرسى الدولة وسيادتها.
سقوط نظام الأسد في سوريا ليس انتصاراً لجماعة وهزيمةً لأخرى. إنّه مرحلة جديدة للبنان... كما لسوريا والمنطقة، والمطلوب أن يحصّن لبنان إلى حين حصول «الحدث التأسّسي»الجديد.
يُقال ذلك كلّه «في وجه» من يتصرّف على أساس أنّ سقوط نظام بشّار خسارة للطائفة الشيعيّة، و»في وجه» من يذهب في دعمه للنظام المتهاوي إلى حدود بعيدة. ويُقال ذلك كلّه كي يعي الكلّ أنّ ثمّة فرصة تاريخيّة لمستقبل لبنان بكلّ مكوّناته، فرصة تاريخيّة للبنان بمكوّناته الذاتيّة، على اعتبار أنّ الجانب الأهمّ من أسباب انكشاف لبنان على الخارج بل تلاعب الخارج بالداخل، آيل إلى الانتهاء.
فما يُطمئن الشيعة أو يجب أن يطمئنهم أنّهم طائفة مؤسّسة ومتساوية، وأنّ الدولة الحقيقيّة هي الضمان للجميع.
ذلك كلّه ممّا ورد في السطور السابقة، يصحّ أن يكون مادة مبادرة من أحد... مبادرة لصون البلد من الفتنة في الفترتيّن، الفاصلة عن سقوط نظام الأسد والتي تليه. مبادرة يتمّ على أساسها منذ الآن التبصّر بمرحلة ما بعد الأسد. فمن لهذه المبادرة؟
 
«الربيع العربي» في طبعته الأميركية: حرب بالإسلام والكيانية على العروبة!
طلال سلمان
اختفت أو أخفيت، وبقصد مقصود كلمة «العروبة» من الخطاب السياسي في مختلف أرجاء هذه المنطقة التي كان اسمها وسيبقى «الوطن العربي». فجأة تبدت الانتفاضات أو الثورات أو الحراك الشعبي الذي زلزل هذه المنطقة من العالم فأسقط بعض أنظمة الطغاة وهدد بالسقوط من تبقى منهم، وكأنها بلا هوية جامعة، وسحبت من التداول كل الكلمات والإشارات والرموز التي تدل على الرابط بين الشعوب العربية.
وحدها جامعة الدول العربية حفظت بقصد مقصود لتستخدم ـ من بعد ـ في وظيفة معاكسة لطبيعتها، فإذا مهمتها الجديدة إحالة أي نظام متمرد الى «التأديب» أمام مجلس الأمن الدولي أو أقله الى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبما يؤكد ـ مرة أخرى ـ نفي الهوية العربية الجامعة بين الشعوب المنتفضة والمرجعية «القومية» المفترضة ممثلة بالمؤسسة العجوز التي طالما شكلت أرض اللقاء السياسي بين أنظمة مختلفة لدول يجمعها الرابط القومي، أي العربي.
على أن ذلك كله لم يمنع القادة والخبراء والكتاب والمعلقين وعلماء الدين وشيوخه المسيسين والمذيعين من استخدام تعبير «الربيع العربي» في أحاديثهم أو مقالاتهم أو خطبهم أو «فتاويهم غب الطلب»، لا سيما وقد جاء هذا التعبير على ألسنة القادة والزعماء في عواصم الغرب، بدءاً من واشنطن، وانتهاء في أستونيا المجهولة باقي الهوية.
وكانت مفارقة طريفة أن يخرج قرار إحالة انتفاضة ليبيا الى مجلس الأمن الدولي تمهيداً «لتكليف» الحلف الأطلسي بإسقاط نظام القذافي وقد غطى رأسه بكوفية بيضاء وعقال من غار كما الفضة.
ثم تبرعت نخبة من المفكرين والأكاديميين وخبراء الأجناس في النفي المطلق لرابطة العروبة بين هذه الشعوب المنتفضة على أنظمة الطغيان، لتؤكد بالمقابل على رابطتين متكاملتين: الإسلامية والكيانية.
الثورة في مصر مصرية بالمطلق، لا يربطها بالانتفاضة في تونس إلا التزامن والتشابه في بعض الشعارات الموجهة ضد الطغيان... أما إسقاط القذافي فأمر من اختصاص من يملك أسرار النفط وأسواقه، ولذلك تولاه الحلف الأطلسي بقرار أميركي.
أما في اليمن، فالانتفاضة يجب أن تستمر، ليس من أجل إسقاط الرئيس بل من أجل إسقاط الجمهورية التي تزعم انها حققت الوحدة، ولا بد من أن تعود اليمن مزقاً، بعضها إمامي، وبعضها الآخر سلطنات، وبعضها الثالث مشيخات، لها كياناتها القبلية المقتتلة الى يوم الدين.
وهناك فإن باستطاعة مجلس التعاون الخليجي أن يبذل مساعيه الحميدة من أجل التغيير السلمي، ثم ان ينتقل الى الشفاعة، وبعدها قد يرفع صوته بالتهديد مع وعود بإغراءات مجزية، فإذا ما تهددت حياة «الطاغية» المنادى بخلعه تولت الرياض الملكية علاجه وتأمين أفضل شروط النقاهة له وصولاً الى الطائرة الخاصة التي أعادته الى قصر الحكم في صنعاء راضياً مرضياً... ليستأنف مجلس التعاون مساعيه من أجل إقناعه بالتخلي عن السلطة.
ولأن سوريا طالما ادعت انها قلب العروبة النابض، واحتفظت براية دولة الوحدة راية وطنية لها، فلا بد من إسقاط هذه الراية والعودة الى العلم القديم، ولا بد من حذف كلمة «العربية» من الاسم الرسمي للدولة ... ولا ضرورة لانتظار إسقاط النظام، بل يمكن الحذف فوراً، بالاستناد الى سابقة علي عبد الله صالح في حذف كلمة «العربية» من الاسم الرسمي لجمهورية اليمن.
أغلب الظن أن أصوات بعض القوى السياسية العائدة من الماضي سترتفع بعد حين في القاهرة مطالبة بحذف كلمة «العربية» من الاسم الرسمي لجمهورية مصر، ولعلها تتطرف فتطالب بإضافة «الإسلامية» أو قد تحرجها الصداقة المستجدة مع الغرب بشقيه الأميركي والأوروبي فتكتفي بحذف الصفة الدالة على الهوية القومية، وان اندفع «المتطرفون» في أوساطها الى المطالبة بالعلم الأخضر يتوسطه الهلال وفي قلبه ثلاثة نجوم.
والأكيد انها ليست مصادفة أن تتزاحم الشعارات الإسلامية مع الشعارات الكيانية في مصادرة هذه الانتفاضات العربية التي تطمح الى إعادة الروح الى الشعوب في الدول التي كانت أنظمتها الدكتاتورية تغيبها وتفرض عليها هويات ليست لها، فهي مزورة أو مستعارة أو مبتدعة.
يحلو لبعض المنجمين في مجالات الفكر السياسي أن يذهبوا في «قراءاتهم» للأحوال السياسية السائدة هذه اللحظة في الوطن العربي الى حد الادعاء بسقوط «العروبة» أو حركة القومية (العربية) التي استولدتها الضرورة والطبيعة معاً مع سقوط الإمبراطورية العثمانية واجتياح الاستعمار الغربي هذه المنطقة.
بل ان بين هؤلاء من عاد الى كتبه العتيقة ومقولاتها التي تدين «القومية» و«تسفّه» «العروبة» وتعتبرها خروجاً على الدين الحنيف و«مؤامرة صليبية» على الإسلام.
لقد حاز الإسلام السياسي الآن رضا الغرب الأميركي بعدما برأ نفسه من شبهة التطرف وطوى إعلام «الجهاد» وتنصل من أسامة بن لادن وسائر «المنظمات الإرهابية» التي استهوتها أو أغوتها تجربة «القاعدة».
إنه «سلام عاقل» متحضر، يؤمن بالديموقراطية، ومستعد لأن يسلك طريق الانتخابات واثقاً من أنه سيفوز بالأكثرية ـ ولو النسبية ـ في أي من تلك الدول التي دمرت الدكتاتورية فيها الوطنية التي هي هي العروبة، بأحزابها ومنظماتها وهيئاتها جميعاً، وان استبقت في بعض الحالات الشعار والتسمية الدالة على العروبة للتمويه وخداع الجماهير.
عادت الى السطح اتهامات قديمة لـ«العروبة» بأنها «بدعة غربية» فبركها الاستعمار الغربي ـ البريطاني الفرنسي أساساً ـ لقتال الإسلام في الخلافة، وبالتالي فقد آن الأوان لعودة الأبناء الضالين الى رشدهم والى هويتهم الأصلية وقد استوثقوا الآن ان «الإسلام هو الحل».
ليس مهماً أن يأتي التبشير بالإسلام السياسي وفيه شيء من الرطانة الأميركية، فمن قبل، لطالما دمغت التنظيمات الإسلامية بالعمل في خدمة بريطانيا وسياستها الاستعمارية في المشرق.
لا يعني هذا إهمال الجانب الآخر من الصورة بالتغافل عما ألحقته الأنظمة التي رفعت ادعاء شعار العروبة من أذى حقيقي لحق بهذا الشعار والمؤمنين به. ويمكن هنا التذكير بأن العروبيين الحقيقيين، لأي من التنظيمات القومية انتموا (حزب البعث، حركة القوميين العرب، الناصريون بتشكيلاتهم المختلفة) هم طلائع ضحايا تلك الأنظمة الدكتاتورية التي موّهت نفسها بشعارات العروبة... بل ان الطغاة الذين حكموا تحت هذه الشعارات جعلوا همهم الأول القضاء على الحزب أو الحركة أو التنظيم الذي كان معبرهم الى السلطة ومصدر شرعيتهم.
ويكفي الرجوع الى مذكرات بعض قدامى البعثيين العراقيين، ممن كانوا رفاقاً لصدام حسين، أو في مواقع قيادية تعلوه رتبة، لتظهير دكتاتورية أولئك الحكام الذين رأوا في أنفسهم البلاد جميعاً، بشعبها ودولتها ومواردها جميعاً.
على هذا فلتسحب خطايا الطغاة وارتكابات نظام الحزب الواحد الذي سرعان ما صار نظام الفرد الواحد على «العروبة» ولتسفه القومية العربية ولتعتبر هي هي مصدر الدكتاتورية والطغيان بما يسهل رفع الشعار الجديد «الإسلام هو الحل» بوصفه الطريق الى المستقبل.
لكن للإسلام طبعات عديدة ... فأي إسلام هو صاحب الحق الشرعي في سلطة الغد: الإخوان أم السلفيون أم الصوفيون؟ الإسلام السعودي أم الإسلام التركي أم إسلام حماس أم إسلام طالبان؟ وأين موقع الإسلام الإيراني من هذه الدعوة وهل يندرج ضمن المنظومة الإسلامية أم تخرجه شيعيته منها؟
في الماضي دفعت الحركة القومية العربية ثمناً باهظاً نتيجة مبالغتها في «التطهر» من الدين عموماً، ومن الإسلام خصوصاً، لتوكيد هويتها الجامعة لأبناء الأمة جميعاً بغض النظر عن تنوعهم الديني أو الطائفي.
ويبدو أن الإسلام السياسي معرّض لأن يباشر صدامه مع مكونات المجتمعات التي يتصدى لقيادتها فور تسلمه السلطة التي ستكشف أن لوثة أميركية قد أصابت شعاره الديني، مما يفقده «طهارة» التدين ويكشف أنه ليس أكثر من شبق للسلطة بأي ثمن وتحت أي شعار، وبغض النظر عن مدى عمق الإيمان بالدين الحنيف لدى الدول التي وفرت له سبيل الوصول وتعهدت بتأمينه حتى يتم إخراج البلاد من هويتها ومن موقعها الأصلي.
معادلة الأنظمة والأقليات: شخصيات تتحدث عن مصر والعراق وسوريا ولبنان
هواجس مسيحيي الشرق بالأرقام.. ولماذا يشعر الأقباط بأنهم «غرباء» عن الثورة؟
مارلين خليفة..(جريدة السفير)
يقف المسيحيون المشرقيون في زمن الثورات العربية على منعطف لا يدركون نهاية الطريق الموصل إليه، فهم من جهة، مواطنون عرب يطمحون الى الحرية والإصلاح والتغيير، ومن جهة ثانية، أقلية دينية تعيش في بحر إسلامي وعربي، ينتج الى جانب الثورات، ظواهر دينية متطرفة، ما يؤدي الى تأجيج مخاوفهم من أن يتوج «الربيع العربي» بأنظمة أصولية تتعامل معهم «كأهل ذمة»، وبالتالي تجعلهم يترحمون على أنظمة الاستبداد.
لا تلقى هذه الهواجس «المشرقية» الصدى المطلوب لدى «الغرب المسيحي» بحسب التوصيف الشائع، فالاتحاد الأوروبي مثلا لم تصل إليه لغاية اليوم الهواجس المشرقية، وإن وصلت فهي لا تلقى صداها. هذه الحقيقة يمكن رصدها من القنوات الدبلوماسية الأوروبية ومن مؤتمرات عدة، وآخرها مؤتمر الاتحاد الأوروبي ومستقبل المسيحيين في الشرق الأوسط، الذي انعقد في جامعة الروح القدس الكسليك في الأسبوع الفائت.
في العقل الأوروبي «أن المسيحيين مساوون للعرب والعرب هم مسلمون»، بحسب كاهن بولوني، قال لـ«السفير» إن ما يهم الأوروبيين «هو ألا تتعرض هذه الأقلية المسيحية في الشرق إلى القتل أو الاضطهاد تجنباً لأي ضرر «معنوي» على دولهم»، أما دور المسيحيين السياسي «فتضمنه الأنظمة الديموقراطية، والأوروبيون على استعداد للتعامل معها مهما كان شكلها».
حتى الديموغرافيا المسيحية المتراجعة بشكل ملموس، لا يبدو أنها تهز وجدان مسيحيي أوروبا. في بيت لحم مثلا كان عدد الكاثوليك 700 فبلغ عددهم 100 بحسب بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، وفي سوريا لا تتعدى نسبتهم الـ6 في المئة، أما في العراق، فقد نقص العدد من مليون و350 ألفا عام 1988 إلى 450 ألفا اليوم، أما حال الأقباط في مصر، فمستمرة بالتدهور السريع بعد «ثورة يناير» بشهادة مطارنة وباحثين ومواطنين أقباط، ومنهم رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان نجيب جبرائيل الذي استدعيَ أثناء وجوده في لبنان يوم السبت الفائت، للتحقيق معه من قبل النيابة العامة في القاهرة في «حوادث ماسبيرو» التي وقعت في العاشر من الشهر الفائت.
يقول جبرائيل لـ«السفير» «يبدو أنه سيتم اتهامي بالمشاركة في تلك الحوادث على الرغم من أنني كرئيس لمنظمة حقوقية كنت أرصد ما يجري فحسب، لكن القصد من ذلك هو إسكات أي صوت قبطي مطالب بحقوق الأقباط».
الربيع العربي» شتاء المسيحيين؟»
أحوال أقباط مصر بعد الثورة، تثير أسئلة مسيحية حذرة في باقي الأقطار العربية، ويقول نجيب جبرائيل لـ«السفير» إن التيارات الدينية في مصر من «الإخوان» و«السلفيين» استطاعت أن تمتطي جواد الثورة محاولة إقصاء القوى الليبرالية وبينهم الأقباط، وقد تعرض هؤلاء منذ «ثورة يناير» ولغاية اليوم إلى أكثر من 16 حادثة، بينها هدم 6 كنائس وقتل أكثر من 20 قبطياً في إمبابة والمقطم، ولا ننسى ما حدث في مذبحة «ماسبيرو» في الشهر الماضي على يد الجيش المصري من هرس وقتل بالرصاص لـ28 قبطياً، ووقوع أكثر من 350 جريحاً برغم أنهم كانوا يقومون بتظاهرة سلمية مطالبين فقط بحرية بناء كنائسهم وعدم الاعتداء على مقدساتهم».
يضيف: «يشعر الأقباط أن الثورة المصرية ليست ثورتهم وأنهم غرباء في وطنهم، ما أدى إلى ازدياد هجرتهم، وقد رصدت منظمتنا الحقوقية هجرة أكثر من 100 ألف قبطي من خيرة الشباب إلى أوروبا وأميركا وأستراليا وكندا خوفاً من المستقبل المجهول الذي ينتظرهم».
ويروي جبرائيل أن المتشددين السلفيين أعلنوا صراحة «أنه لن يُسمح ببناء أي كنيسة في مصر، وإذا هدمت لن يعاد بناؤها، وأن الأقباط لا بد أن يدفعوا الجزية، وأعلن «الإخوان» من جهتهم أنه لا يجوز لأي قبطي الترشح لرئاسة الجمهورية ولا للوظائف الحساسة في البلد، عملاً بالقاعدة الإسلامية أنه لا ولاية لغير المسلم على المسلم، وأيضاً لا توجد في مصر حرية عقيدة، فمن غير المسموح بالتحول الديني إلا إلى الإسلام فحسب».
وعن رأيه بهواجس المسيحيين في سوريا، يجيب «بصراحة أنا أخشى سقوط النظام في سوريا لأن المسيحيين سوف يُضطهدون أكثر».
إلا أن مدير تحرير صحيفة «العالم اليوم» سعد هجرس، وهو من المدافعين عن حقوق الأقباط المصريين، يرفض بحزم استقواء المسيحيين «بالأنظمة الاستبدادية»، كما يصفها، حتى لو كانت علمانية. يقول هجرس «ثبت أن الديكتاتورية والاستبداد هما أكبر العناصر الراعية للطائفية في البلدان العربية كلها، حتى في سوريا، بدليل أن أحد الأسلحة التي يستخدمها النظام هي التلويح بسلاح الطائفية والزعم بأنه إما يبقى هو أو تغرق البلاد في حرب طائفية، وهو الكلام ذاته الذي طالما ردده نظام حسني مبارك».
ويلفت هجرس الانتباه إلى أن الخوف يقع على المسيحيين والمسلمين العرب على حدّ سواء، لكن الخوف مضاعف على المسيحيين نتيجة ارتفاع النغمة الطائفية والعنصرية في العالم العربي بالتوازي مع انتشار المدّ الأصولي الإسلامي ومحاولات عرقلة أو إجهاض الربيع العربي، «والمسؤولية الأساسية، هنا، لا تقع على عاتق المسيحيين إنما على عاتق الأغلبية المسلمة، لأن الاضطهاد يقع من الأغلبية على الأقلية».
من جهته، يقول النائب البطريركي للأقباط الكاثوليك المطران يوحنا كولتا لـ«السفير» إنه «يمكن للتيار الإسلامي أن ينال سلطة ما في المستقبل لكنه لن ينجح لأنه تاريخياً لا توجد دولة دينية نجحت في العالم لا في الشرق ولا في الغرب». ويتوجه للاتحاد الأوروبي قائلاً: «إذا أراد الاتحاد الأوروبي مساعدتنا فليساعد الفقراء المسلمين، تنمية الأقباط تبدأ بتنمية الطبقة الفقيرة المسلمة التي تشكل أكثر من 70 في المئة من المجتمع. المضطهدون من الفقراء المسلمين يفوقون الأقباط عدداً. الاهتمام بالأقباط فحسب هو خطر والاهتمام بالنظام فحسب خطر أيضا، فالاهتمام الأوروبي يجب أن ينصب على الشعب بأكمله من مسلمين ومسيحيين».
مسيحيو سوريا والعراق
هل من مبرر لخوف المسيحيين من ربيع عربي إسلامي يقضي على التعايش، في حين نجحت الأنظمة العلمانية الطابع بالحفاظ على حقوق الأقليات؟ يجيب البطريرك غريغوريوس الثالث لحام ان المسيحيين «ليسوا هدفاً في هذه الثورات، فالهدف هو تبديل أنظمة من أجل حرية أفضل للإنسان العربي المسيحي والمسلم. أما إذا وجد خوف لدى البعض، فمرده الى الصراعات السياسية العربية والإسلامية الإسلامية». وينبه لحام الى أن «الخوف يكمن في حصول فوضى، وألا يكون بديل عربي صحيح عما هو قائم ومسألة الحريات تشغل المسلمين كما المسيحيين وبالتالي من غير المجدي وضع المسيحيين وكأنهم غاية أو كأنهم مستهدفون».
وينفي لحام ما تروجه وسائل إعلامية عربية أو غربية حول موجات تهجير للمسيحيين في بعض المناطق السورية، ويقول لـ«السفير» «هذا الكلام غير صحيح البتة، فبعض المسيحيين في حمص والقصير وبعض المناطق الأخرى انتقلوا الى مناطق أخرى لهم فيها اقارب وذلك بإرادتهم تحسباً منهم لما يمكن أن ينشأ من مناوشات بين الفئات المختلفة». يضيف: «لسان حال المسحيين السوريين أنهم مواطنون كسواهم، ليست لديهم قوة سياسية ولا اسلحة، وهم يقفون الى جانب الإنسان العربي السوري. لكن نحن لدينا أساليب مختلفة لمطالبة الرئيس بشار الأسد والحكومة بما يطالب به المواطنون الآخرون بالكتابة والحوار وما الى ذلك من أساليب سلمية». ويلفت البطريرك لحام النظر الى أن الهجرة المسيحية في سوريا هي أقل من هجرة لبنان، «كانت الهجرة اللبنانية بين العامين 2006 و2010 مليون لبناني أكثريتهم من المسيحيين، في حين أن هجرتهم هي الأقل في العالم العربي، ويبلغ عدد المسيحيين في سوريا زهاء مليون و750 ألفاً، وهم لم يزيدوا كثيراً عن السبعينيات لأن نسبة الإنجاب ضئيلة وكذلك الهجرة، ونسبة المسيحيين اليوم لا تزيد عن 6 في المئة في حين كانت 13 في المئة، لكن تضاؤل النسبة يعود فقط الى عدم الإنجاب وليس إلى أي شيء آخر». ويشير الأمين العام للحزب الديموقراطي الكلداني في العراق، عبد الأحد أفرام ساوار، إلى أن عدد المسيحيين في العراق «نقص بشكل مؤلم، ففي حين وصل الى مليون و350 ألفاً بحسب التعداد السكاني لعام 1988 بات اليوم نتيجة الهجرة 450 ألف نسمة متواجدين في بغداد والموصل والدهوك وأربيل والبصرة وبابل، والعديد من المدن العراقية».
كم هو الخوف مبرر من أنظمة إسلامية متطرفة؟ يقول عبد الأحد أفرام ساوار: «نظام صدام حسين كان مركزياً ومتشدداً وأصاب المسيحيين وغيرهم بالويلات والأذى، وبعد سقوطه جاء الجيش الأميركي وحُل الجيش العراقي وأصبح العراق أرضاً مفتوحة لتصفية الحسابات بين منظمة «القاعدة» والأميركيين، ودخلت العراق مجموعات إرهابية مختلفة استهدفت المسيحيين في شكل خاص لأنهم كانوا الحلقة الأضعف في المجتمع العراقي، وكذلك استهدفت فئات أخرى، لكن المسيحي بدا وكأنه لقمة سائغة»، ويختم «إذا كانت الثورات ستحمل الديموقراطية والحريات، نحن جزء لا يتجزأ منها، لكننا نخاف من إتيان أنظمة أكثر تطرفاً عندئذ تنقلب الآية وتتحول الأحلام الوردية الى كوابيس حالكة والى مآس».
مارلين خليفة

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,707,403

عدد الزوار: 6,962,236

المتواجدون الآن: 56