مصر تستعيد مشاهد الثورة: جمعة غضب ثانية غداً... والجيش يختفي

تاريخ الإضافة الجمعة 27 كانون الثاني 2012 - 4:39 ص    عدد الزيارات 2267    التعليقات 0    القسم عربية

        


مصر تستعيد مشاهد الثورة: جمعة غضب ثانية غداً... والجيش يختفي
القاهرة - محمد صلاح
 

استعادت مصر أمس الذكرى الأولى لـ «ثورة 25 يناير» ونزل مئات الآلاف إلى ميدان التحرير في القاهرة وميادين أخرى في المحافظات، لكن الحشود التي جمعتها ساحات واحدة قسّمتها الأهداف ما بين مُطالب بـ «إسقاط حكم العسكر» ومُحتفٍ بـ «إنجازات الثورة» مع التطلع إلى استكمالها.

وظهر هذا الانقسام بشكل جلي في ميدان التحرير، مهد الثورة، الذي اقتسمته القوى الإسلامية من إخوان وسلفيين وتيارات شبابية في مشهد لم يخل من توترات. ونُصبت منصات عدة في الميدان أكبرها لجماعة «الإخوان» وحزبها «الحرية والعدالة» تصدرتها لافتة كُتب عليها «العيد الأول لثورة 25 يناير... انجازات ومطالب». وبدت مشاركة «الإخوان» أقرب إلى الاحتفال مع رفع شعار «استكمال مطالب الثورة» من دون أي شعارات مناوئة للمجلس العسكري أو رئيسه المشير حسين طنطاوي، واكتفت اللافتات والكلمات التي أُلقيت على منصات «الإخوان» والسلفيين بتأكيد ضرورة استمرار الثورة والقصاص للشهداء وإعدام قتلتهم، ومنهم الرئيس السابق حسني مبارك، وتطهير مؤسسات الدولة والهجوم على النظام السوري وتأكيد دعم القضية الفلسطينية. كما غلب على الهتافات الطابع الإسلامي بتكرار التكبير لفترات طويلة.

في المقابل، شنّت المنصات التابعة للحركات الشبابية هجوماً حاداً على المجلس العسكري ورئيسه وأعضائه وصل إلى حد المطالبة بمحاكمتهم بتهمة قتل الثوار في الأحداث التي تلت الثورة.

وألغى الجيش فعاليات احتفالية كانت مقررة في الميدان من خلال تنظيم سلاح الطيران عروضاً كرنفالية وإلقاء هدايا على المتظاهرين. ولم يكن واضحاً هل الغاء مشاركة الجيش في الاحتفالات مرتبط باللافتات والهتافات التي أطلقها شباب ائتلافات الثورة وشددت على ضرورة تسليم العسكر الحكم فوراً إلى سلطة مدنية منتخبة عبر تبكير موعد انتخابات الرئاسة أو تكليف رئيس البرلمان القيادي «الإخواني» محمد سعد الكتاتني بإدارة البلاد إلى حين تنظيم انتخابات الرئاسة. وعرض الشباب أشرطة مصوّرة لشهادات مصابين وأهالي شهداء تحدثوا فيها عن انتهاكات تعرضوا لها على يدي الجيش في الفترة الانتقالية.

وأثارت مظاهر الاحتفاء التي أظهرها الإسلاميون استياء قوى مدنية و «شباب الثورة»، ما انعكس توتراً في الميدان خصوصاً بعدما رفع شاب في مواجهة حشود «الإخوان» صورة لمرشد الجماعة السابق الدكتور محمد مهدي عاكف كُتب عليها عبارات قالها المرشد السابق قبل سنوات وعبّر فيها عن أمله بترشيح مبارك لرئاسة الدولة مجدداً. وتكررت المشاحنات بالقرب من منصة «الإخوان» ما دفعهم إلى تطويق حشدهم بدروع بشرية من مناصريهم.

واستمر الانقسام بين الجانبين حتى المساء بعدما أعلنت حركات شبابية عدة، بينها حركة شباب «6 ابريل» الاعتصام في الميدان، إلى حين تسليم السلطة إلى رئيس البرلمان أو إعلان موعد مبكر للانتخابات. ودعت إلى تنظيم تظاهرات غداً أطلقت عليها «جمعة الغضب الثانية»، فيما أعلن الإسلاميون أنهم سيغادرون الميدان بعد المشاركة في إحياء ذكرى الثورة.

وعبّرت قوى مدنية عدة، في بيانات، عن رفضها التام دعوات «الاحتفال بعيد الثورة» واعتبر سياسيون أن المشهد أمس يفترض أن يقنع المجلس العسكري بالرحيل.

وكانت جماعة «الإخوان» دفعت بعشرات الآلاف إلى ميدان التحرير منذ مساء أول من أمس وسيطر أنصارها على مداخله وتولوا تأمينه، وسط غياب تام لقوات الشرطة والجيش من الميدان والشوارع المحيطه به، وحتى الأماكن الحيوية القريبة، ما يشير إلى ثقة العسكر في قدرة الإسلاميين على ضبط الأمور.

وتوافد على ميدان التحرير عدد من الشخصيات العامة، منهم مرشحون محتملون لرئاسة الجمهورية مثل عمرو موسى والدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح والدكتور محمد سليم العوا وحمدين صباحي. كما زار الميدان الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي ورؤساء أحزاب «غد الثورة» الدكتور أيمن نور و «الوسط» أبو العلا ماضي. وأكدوا جميعهم ضرورة الحفاظ على سلمية الثورة.

 

 

ذكرى الثورة المصرية: احتجاج لإسقاط العسكر ... واحتفاء بـ«الإنجازات»
الحياة..القاهرة - أحمد رحيم
 

بدا ميدان التحرير مهد «ثورة 25 يناير» في مصر منقسماً على نفسه في الذكرى الأولى للثورة ما بين محتجين يطالبون بإسقاط المجلس العسكري ومحتفلين بـ «الإنجازات» التي حققتها الثورة حتى الآن.وألغت القوات المسلحة احتفالات كانت مقررة في الميدان بعد هتافات بإسقاط رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي، في وقت تعهد مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان)، في بيان، «استكمال مسيرة الثورة» وشكل وفداً للقاء المتظاهرين في مختلف الميادين.

وكان مئات الآلاف احتشدوا في ميادين عدة في مختلف المحافظات في الذكرى الأولى للثورة. وساد التوتر ميدان التحرير مساء أول من أمس مع توافد «الأضداد» من أنصار التيارات الإسلامية وخصوصاً جماعة «الإخوان المسلمين» التي أعلنت أن مشاركتها في الفعاليات لا تهدف إلى إسقاط حكم العسكر، وأعضاء الائتلافات الشبابية الذين رفعوا مطلباً وحيداً وهو إسقاط المجلس العسكري. وكادت اشتباكات تندلع بين الطرفين بسبب محاولة مجموعة من الشباب منع الإخوان من نصب منصة في الميدان، لكن تمت السيطرة على الموقف.

وظهر الاستنفار بين الطرفين في الهتافات واللافتات التي رفعوها. إذ انقسم الميدان إلى قسمين أحدهما للاحتفال والثاني لـ «الثورة». وسيطر الإسلاميون على مفاصل الميدان كلها وتولوا عملية تأمينه والتدقيق في هويات المارة وتفتيشهم وتمركزوا في المنطقة المواجهة لمسجد عمر مكرم ونصبوا فيها أكبر المنصات، فيما اكتفى الشباب بالمنطقة المواجهة للجامعة الأميركية ونصبوا فيها منصات عدة. وتصدر المشهد عند منصة الإخوان لافتة كبيرة كُتب عليها «العيد الأول لثورة 25 يناير .. إنجازات ومطالب»، فيما طوّق شباب من الجماعة يرتدون قبعات زيّنها شعار الإخوان حشدهم لئلا تحدث احتكاكات مع الآخرين. ومال المتحدثون من على منصة الإخوان إلى «الاعتدال» وحرصوا على عدم الهجوم على المجلس العسكري، ورفعوا شعارات القصاص للشهداء وتطهير مؤسسات الدولة خصوصاً الإعلام وركزوا على التذكير بالقضية الفلسطينية ومساندة الثورتين اليمنية والسورية. وغلب التكبير على هتافات الإخوان وأنصارهم.

وفي المقابل بدت الساحة المواجهة لهم وكأنها «ثورة جديدة»، إذ رفعت فيها لافتات تطالب بإسقاط حكم المجلس العسكري وردد الشباب هتافات من بينها «الشعب يريد إسقاط المشير» و«الشعب أسقط المشير» و«يسقط يسقط حكم العسكر» و«قول ما تخفشي (لا تخف) المجلس لازم يمشي» و«الشعب يريد محاكمة المجلس العسكري» و«يا مشير صح النوم النهارده آخر يوم». واعتلت الساحة لافتات تطالب بالقصاص للشهداء الذين قتلوا في الأحداث التي تلت الثورة وتتهم المجلس العسكري بأنه يشن «ثورة مضادة» وتلمح إلى أن الإسلاميين قفزوا على الثورة منها (الثورة قامت (اندلعت) كي تسقط حكم الديكتاتورية لا أن تقفز عليها الانتهازية) و(لا إخوان ولا برلمان ... الشرعية من الميدان) و(بعد عام من الثورة النظام لم يسقط). ووزع شبان بيانات تطالب المتظاهرين بضرورة الاعتصام لحين تسليم المجلس العسكري السلطة للبرلمان. وعرضوا مشاهد مصورة لشهادات مصابين في أحداث الثورة وأهالي شهدائها.

وتوتر الموقف بين الإسلاميين وشباب الثورة حين رفع شباب في مواجهة الإخوان لافتة لمرشد الجماعة السابق الدكتور مهدي عاكف كُتب عليها (خلي بالك (انتبه) .. مرشد الإخوان: أتمنى ترشيح مبارك للرئاسة وسأمنحه صوتي)، في إشارة إلى حوار أجراه عاكف قبل الثورة مع إحدى المجلات. وهو ما أثار حفيظة بعض شباب الإخوان الذين أرادوا طرد الشاب من تجمعهم لولا تدخل آخرين أثنوهم عن الاحتكاك به كي لا تندلع اشتباكات تفسد الفعاليات في ذكرى الثورة. وحاول مئات من الشباب اقتحام منصة الإخوان احتجاجاً على الفعاليات الاحتفالية في الميدان لولا أن تصدى لهم شباب الإخوان بأن فرضوا طوقاً حول تجمعهم. وتبادل الطرفان الهجوم على وجهة نظر الآخر، إذ انتقد متحدثون من على منصات شباب الثورة القوى الداعية إلى الاحتفال بها، فيما انتقد متحدثون من على منصة الإخوان إنكار «الإنجازات» التي حققتها الثورة ومنها انتخاب أول برلمان في شكل ديموقراطي في تاريخ مصر المعاصر. وفي حين ردد بعض السلفيين هتافات «إسلامية .. إسلامية» ورد الشباب «لا عسكرية ولا دينية ... مدنية مدنية».

وفيما أعلنت حركة شباب «6 أبريل» بدء اعتصام في الميدان، أكدت جماعة «الإخوان المسلمين» أن أعضاءها لن يعتصموا وسينهون مشاركتهم في التظاهرات ليلاً. وقال الناطق باسم حركة «6 أبريل» محمود عفيفي لـ «الحياة» إن أعضاء الحركة سيعتصمون إلى حين تسليم المجلس العسكري السلطة للبرلمان أو تحديد موعد مبكر لفتح باب الترشيح لانتخابات الرئاسة. ونوه عفيفي بمشاركة أطياف واسعة من الشعب المصري في التظاهرات و«إعلانهم سقوط شرعية المجلس العسكري»، معتبراً أن ذلك الأمر أكبر دليل على سقوط دعوات الاحتفال بالثورة.

أما القيادي في حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، علي عبدالفتاح فأكد أن «الجميع متفق على أهمية تحقيق بقية مطالب الثورة، لكن البعض يرى أن الثورة تحتاج إلى ثورة جديدة ونحن نرى أن ما تم إنجازه يمكن البناء عليه ومن ثم نحتفل بما تحقق ونتعهد بتنفيذ بقية المطالب». وقال: «محاولات الثورة على الثورة غير مفيدة، وفكرة الهدم والحرق والتخريب يجب على الكل إدانتها»، مضيفاً: «هناك خلاف بين منهجين تدريجي إصلاحي وانقلابي ثوري، ونرى أن الضغط من أجل الضغط لا طائل منه».

وخلا ميدان التحرير ومحيطه من أي وجود للشرطة أو الجيش لئلا تندلع مواجهات مع المتظاهرين، فيما توافد على الميدان عدد من الشخصيات العامة منهم مرشحون محتملون لرئاسة الجمهورية، هم عمرو موسى والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور محمد سليم العوا وحمدين صباحي، كما زار الميدان الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي ورؤساء أحزاب «غد الثورة» الدكتور أيمن نور و«الوسط» أبو العلا ماضي و«الوفد» السيد البدوي.

وشكل البرلمان لجنة للقاء شباب الثورة وتسليمهم بياناً يؤكد فيه البرلمان أنه «سيستكمل مسيرة الثورة ويحقق كامل أهدافها وأن برلمان الثورة لن يقف أبداً بالشعب المصري في منتصف الطريق، وإنما سيمضي قدماً حتى يحقق انتقالاً كاملاً للسلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية منتخبة وبرلماناً وحكومة ورئيساً بصلاحيات كاملة». وشدد على الاعتزاز بشهداء وضحايا ومصابي الثورة والعمل على القصاص لدمائهم. وقال عضو اللجنة النائب عن حزب «غد الثورة» محمد عوف لـ «الحياة» إنه كان يريد أن يتضمن البيان وعداً بإجراء محاكمات ثورية لقتلة الشهداء، ولكن اعترض زملاء له على اعتبار أن هذا الطرح سيلقى رد فعل شديداً من العالم الخارجي.

 

 

سباق بين مرشحي الرئاسة على قيادة المسيرات
الحياة..القاهرة - أحمد مصطفى
 

جذبت الذكرى الأولى للثورة مرشحين محتملين لرئاسة الجمهورية، في ما بدا سباقاً على «كسب ود الثوار»، قبل شهرين من فتح باب الترشح. لكن تلك المشاركة كانت على شكل «كل على طريقته».

فالصحافي حمدين صباحي لم يتخلَ عن «ثوريته» المعتادة، فوقف أمام الحشود في ضاحية شبرا (غرب القاهرة)، مشدداً على استمرار الثورة، معتبراً أن تظاهرات الأمس «نضال شريف نحو تحقيق أهداف الثورة وشعارها: عيش (خبز) - حرية - عداله اجتماعية»، قبل أن يقود المحتشدين في مسيرات جابت شوارع شبرا لتستقر في ميدان التحرير. وبدا أن صباحي المنتمي إلى التيار الناصري، اختار مسيرة شبرا لما تشتهر به هذه الضاحية من كثافة انتشار الأقباط، كما أنها المكان الأول الذي خرجت منه التظاهرات التي انتهت باشتباكات مع قوات الجيش أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو). ورفعت المسيرة صوراً لـ «الشهداء» ومن بينهم الناشط القبطي مينا دنيال الذي سقط في أحداث ماسبيرو. وأكد صباحي أنه سيعتصم في الميدان إذا ما أراد الشباب ذلك، لأن أهداف الثورة ومطالبها لم تتحقق حتى الآن.

الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى أيضاً رفض أن يخرج من المشهد، فخلع بزته الديبلوماسية وارتدى ثوب «الثائر» ليقود مسيرة ضمّت المئات من ضاحية الدقي وصولاً إلى ميدان التحرير. استبق شباب الثورة وصول موسى برفعهم لافتة توسطت الميدان وحملت صورته وصورة لرئيس الحكومة السابق أحمد شفيق وهاجمت ترشيح منتمين إلى النظام السابق على مقعد الرئاسة. لكن موسى لم يأبه بهذه اللافتة ودخل ميدان التحرير مع مئات من أنصاره ليُرفع على الأكتاف ويهتف وسط أنصاره «تحيا مصر»، مبدياً تفاؤله بالمستقبل وداعياً إلى «استكمال مقوّمات الدولة وبداية إعادة بناء مصر». وسعى موسى إلى استقطاب ود شباب الثورة، فسار على نهجهم الرافض لـ «الاحتفال بـ 25 يناير» معتبراً أنه أيضاً «وقفة لتذكّر يوم تاريخي» و«وقفة حداد على أرواح الشهداء وتحية لأرواحهم التي أزهقت». وقال: «يجب أن نقف عند هذه المناسبة لنتذكر تضحيات الشهداء والجرحى الذين بذلوا دماءهم وأرواحهم من أجل نجاح الثورة، وللتأكيد أن الثورة لم تهزم وما زالت مستمرة».

أما القيادي السابق في جماعة «الإخوان المسلمين» عبدالمنعم أبو الفتوح فلم ينسَ كونه طبيباً، حيث قاد مسيرة سميت «مسيرة الشهداء» والتي انطلقت من ميدان مصطفى محمود في ضاحية المهندسين (جنوب القاهرة) وجابت شوارع الضاحية التي كانت معقلاً لمؤيدي نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وصولاً إلى قلب ميدان التحرير. وأكد أبو الفتوح «إننا جئنا لنستعيد روح 25 يناير ونستكمل ثورتنا».

ومثلما انسحب من سباق الرئاسة، انسحب أيضاً المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي من سباق المسيرات، متعللاً بـ «الإرهاق»، فبعدما ذهب البرادعي إلى مسجد «الاستقامة» في محافظة الجيزة، وهو المسجد نفسه الذي خرج منه البرادعي خلال تظاهرات ما سمي «جمعة الغضب»، وأعلن أنه «سيؤدي صلاة الظهر، قبل أن يقود مسيرة إلى ميدان التحرير»، خرجت المسيرة لتصل إلى ميدان التحرير لكن من دون البرادعي. وأعلن مناصرون له في ما بعد أنه «اعتذر نتيجة الإرهاق».

 

 

هوّة واضحة بين «الإخوانيات» والسلفيّات والليبراليات
الحياة..القاهرة - أمينة خيري
 

بين أطباق الـ «مش» (نوع من الجبنة المحلية) وصحون «الكبدة الاسكندراني» المعززة بأكواب الشاي «في الخمسينة»، من جهة، وزجاجات المياه المعدنية المصحوبة بـ «كرواسون» بالـ «هوت دوغ» أو أصابع الشوكولا المحشوّة بكريمة البندق، من جهة ثانية، هوّة واسعة وفجوة غائرة ظهرت في شكل واضح في قلب ميدان التحرير أمس.

مرة أخرى تتصدر النساء مشهد الصدارة في الميدان في ما يمكن أن يُطلق عليه إما الاحتفال بالثورة والبرلمان المنتخب، أو «أربعاء استعادة الثورة» أو ربما إعادة إشعالها. لكن بين نساء كانون الثاني (يناير) 2011 وكانون الثاني 2012 فروقاً شاسعة، ليس فقط في هدف النزول إلى الميدان، وطريقة التعبير عن الرأي، ولكن أيضاً في «إسكات نداء البطون».

انقسام ميدان التحرير بين تيارات دينية تتغنى بأهازيج وتدق دفوف الاحتفال بمرور عام على الثورة التي أتت إليهم من حيث لم يحتسبوا لاعتلاء سدة الحكم من جهة وتيارات ليبرالية تتراوح بين الثورية والاشتراكية وربما «الأناركية» (الفوضوية) بدا واضحاً كل الوضوح في بزوغ نجم «الجنس الناعم» في الميدان.

فمنذ ساعات الصباح الأولى احتلت شوارع الميدان وطرقاته وأرصفته نساء وفتيات وأطفال من العائلات التابعة والمؤيدة للتيارات السياسية الدينية التي سيطرت على البرلمان في مشهد طغت عليه المظاهر الاحتفالية في شكل واضح. ولأن الجنس الناعم، بالمظهر والإكسسوارات، يفرض نفسه فرضاً على أي ناظر، فقد تتاخمت نساء جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة على احتلال المربعات والدوائر المواجهة لمبنى المجمّع وافترشن الأرض مصطحبات معهن كل لوازم الاحتفال. وعلى رغم تباين ألوان الخمار بين البنّي والبيج والأزرق، فقد اتحدت نساء الإخوان وبناتهن المرتديات الخمار والإسدال في المظهر ومشاعر الفرحة العارمة بهذا اليوم التاريخي.

وتحوّل الاحتفال وقت الظهر إلى ولائم تزاحمت فيها أطباق الجبن الفلاحي «المش» جنباً إلى جنب مع ساندويتشات الكبدة والبيض المسلوق ولم تخل من أطباق الحلو من أرزّ باللبن و «كسكسي» بالسكر واللبن. ورفرت أعلام جماعة الإخوان الخضراء فوق رؤوس المحتفلين والمحتفلات.

وعلى مرمى حجر، أو بالأحرى على مرمى بركة ماء ضمن عشرات البرك التي ملأت أرض الميدان بعد ليلة أول من أمس الممطرة، بزغ كرنفال احتفالي آخر، ولكن هذه المرة طغى عليه لون الوقار والاحتشام. فقد تجاورت نساء وأطفال التيارات السلفية المبتهجة هي الأخرى بالنصر المبين في البرلمان الجديد.

وتشابهت الجبهتان النسائيتان في طغيان مظاهر الفرحة والاحتفال، وتم تداول حبات اليوسفي وعبوات «الحلاوة الطحينية» بين الجبهتين السعيدتين ببدء تأسيس «دولة الخلافة» في الأمة المصرية.

لكن الأمة المصرية ستبقى متعددة التيارات والاتجاهات! ففي الوقت الذي مالت فيه نساء التيارات المحتفلة إلى افتراش الأرض حيناً والتجول بين أرجاء الساحة المواجهة للمجمع بغرض التبضع حيث احتشد عشرات الباعة الجائلين، ظهرت نوعية مختلفة من النساء، ألا وهن نساء التيارات السياسية التي نزلت الميدان بغرض إحياء الثورة من خلال المطالبة بإسقاط المجلس العسكري.

وبدا الاختلاف واضحاً هنا أيضاً. فقد ظهرت سيدات وشابات غير محجبات وحتى المحجبات منهن كن يرتدين ملابس عصرية حديثة. واختفت في هذه الجبهة النسائية تماماً المظاهر الاحتفالية. كما ندر ظهور العائلات بأكملها. واكتفى هذا الجانب النسوي بزجاجات المياه المعدنية وربما القليل من المعجنات والحلوى المغلفة. واختفت تماماً الأعلام الخضراء (الإسلامية) التي ترفرف على رؤوس نساء التيارات الدينية، ولم تظهر في أيدي تلك النساء سوى أعلام مصر بألوانها الأحمر والأبيض والأسود، كما ظهر علم آخر لكن أُفرد على جانبه الأيمن شريط أسود قالت حاملته إنه يمثّل تأبيناً لـ «شهداء ثورة 2011 حتى لا ننساهم في ثورة 2012». وبينما كانت نساء التيارات الليبرالية تطوف الميدان للتذكرة بالشهداء، كانت الزغاريد تنطلق من على منصة الإخوان احتفالاً بعقد قران «أحمد» و «حفصة» من شباب الجماعة، وذلك على أنغام «الله أكبر ولله الحمد» لا تقطعها سوى أصوات متقطعة مبحوحة من فرط الصراخ «يسقط يسقط حكم العسكر».

 

 

شهداء الثورة الحاضر الغائب في ذكراها الأولى
الحياة..القاهرة - أحمد رحيم
 

على رغم الاختلافات والانقسامات التي ظهرت جلياً في ميدان التحرير وميادين عدة بين القوى السياسية والتيارات الشبابية حول إحياء ذكرى «ثورة 25 يناير»، إلا أن القصاص لدماء الشهداء كان مطلباً مشتركاً للجميع. فالقوى التي أرادتها احتفالاً وعلى رأسها الإسلاميون والتيارات التي تبنت الاحتجاج خصوصاً الائتلافات الشبابية رفعت جميعها صوراً لشهداء الثورة خلف منصاتها التي لم تشأ أن تتفق على شيء إلا القصاص. وكان أهالي الشهداء ضيوفاً مشتركين على هذه المنصات التي تخاصمت في الذكرى الأولى للثورة بخصوص اللافتات والهتافات وأيضاً المتحدثين.

واعتلى أهالي الشهداء كل منصات الميدان وتحدثوا عن معاناتهم وشعورهم بالغبن بسبب عدم معاقبة قتلة أبنائهم. وإن كان لم يُسمح لهم بالهتاف بسقوط حكم العسكر من على منصة الإخوان، إذ عطل المنظمون مكبرات الصوت حين هتف واحد من آباء الشهداء من على منصة الإخوان «يسقط يسقط حكم العسكر».

وامتلأ ميدان التحرير أمس بصور الشهداء وكُتب عليها تواريخ استشهادهم والمطالبة بالقصاص من قتلتهم. كما ارتدى شباب كثر أقنعة تحمل ملامح وجوه الشهداء وانتشر في شكل لافت قناع لوجه خالد سعيد الذي كان حادث قتله على يد أفراد من الشرطة مفجّراً لغضب الشباب وبداية لانطلاق احتجاجات ظلّت تتدرج ككرة الثلج إلى أن أثمرت الثورة. ورفعت لافتات ضخمة تمجد الشهداء وتضحياتهم في سبيل إنجاز الثورة مع تعهدات بالقصاص لهم، لكن الخلاف الرئيس بين القوى السياسية تركز في مدى مسؤولية قادة المجلس العسكري عن سقوط قتلى في الأحداث التي تلت الثورة.

ونظمت الائتلافات الشبابية مسيرات عدة إلى ميدان التحرير على رأس كل منها والد أو والدة شهيد منها مسيرة شارك فيها المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح ووائل غنيم والناشط السياسي ممدوح حمزة.

وقال والد الشهيد شهاب حسن شهاب لـ «الحياة»، فيما كان يلتف بصورة ابنه الذي استشهد في «جمعة الغضب» في 28 كانون الثاني (يناير) الماضي: «لن أبرح الميدان حتى أقتص من قتلة ابني... كيف يطلب البعض الاحتفال بالثورة فيما الشباب الذين ضحّوا بدمائهم من أجل هذا اليوم لم تتم معاقبة قتلتهم». وتابع: «على النواب الجدد أن يعلموا أنه لولا دماء الشهداء لما كانوا وصلوا إلى مقاعد البرلمان، ووفاء لهذا الفضل عليهم الإسراع في الضغط من أجل القصاص».


المصدر: جريدة الحياة

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 156,901,795

عدد الزوار: 7,047,544

المتواجدون الآن: 79