تقارير:واشنطن: «حزب الله» انتظَرَ طويلاً عبارة: قَدِّم سلاحَك!...خطّة أنان «موت بطيء» للنظام السوري...عن الجسر الذي سيصل ما قطعته إسرائيل جغرافياً....حرب استعادة هجليج تجدّد الصراع بين شمال السودان وجنوبه

الاختلاف على قانون الانتخاب يشجّع بري على المبادرة ومخاوف من اعتماد «الفرز والضم» لتسويق الدوائر الصغرى

تاريخ الإضافة الثلاثاء 24 نيسان 2012 - 7:30 ص    عدد الزيارات 2391    التعليقات 0    القسم عربية

        


الاختلاف على قانون الانتخاب يشجّع بري على المبادرة ومخاوف من اعتماد «الفرز والضم» لتسويق الدوائر الصغرى
الحياة...بيروت - محمد شقير
 

طغت المواقف من قانون الانتخاب الجديد على مداخلات النواب في جلسات المناقشة العامة للحكومة اللبنانية وأظهرت صعوبة التوافق عليه، ليس بسبب التباعد في وجهات النظر حول الخطوط العريضة التي يجب أن تدرج في صلب القانون، وإنما لإصرار المعارضة المتمثلة بقوى 14 آذار على ايجاد حل لمسألة سلاح «حزب الله» الذي يشكل عائقاً -كما تقول مصادرها- أمام توفير الظروف المواتية لإنجاز الاستحقاق الانتخابي الذي يقرر مصير معركة رئاسة الجمهورية في ربيع العام 2014 بعيداً من ممارسة الضغوط التي يمكن ان تؤثر سلباً في حرية الناخبين.

ولعل ربط مسألة السلاح غير الشرعي بإجراء الانتخابات النيابية يبقى عائقاً أمام اتمامها في موعدها في ظل انقطاع الحوار الداخلي حول إيجاد تسوية رضائية له، اضافة الى ان من السابق لأوانه الخوض في قانون الانتخاب الجديد، طالما ان الأحداث الجارية في المنطقة، وخصوصاً في سورية، ما زالت في مسار التأزم في ضوء الدور الموكل الى المراقبين الدوليين لمراقبة وقف إطلاق النار فيها والذي يدفع في اتجاه تدويل أزمتها مع احتــــمال زيــــادة عدد المراقبين استجابة لما ورد في خطة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان.

فالمواقف من قانون الانتخاب تتوزع بين المشروع الأرثوذكسي الذي يتيح لكل طائفة انتخاب ممثليها في البرلمان مع انه لم يعد قابلاً للحياة باعتباره يساهم في تطييف العملية الانتخابية ويتعارض وروحية وثيقة الوفاق الوطني الذي أنتجها اتفاق الطائف، وبين جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة باعتماد النظام النسبي أو تقسيمه الى دوائر عدة شرط تطبيق النسبية من دون إسقاط الرغبة التي أبداها البعض بتأييد مشروع الوزير السابق فؤاد بطرس الذي يجمع تحت سقف واحد بين النظامين الأكثري والنسبي، والتي أظهرها البعض الآخر بتعويم قانون العام 1960 انطلاقاً من إدخال بنود تجميلية عليه.

سليمان مع مشروع شربل

ومع ان رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان يبدي حماسة لتأييد المشروع الذي أعده وزير الداخلية والبلديات مروان شربل والرامي الى اعتماد النظام النسبي بعد إعادة النظر في تقسيم الدوائر الانتخابية بذريعة انه يطمح الى تسجيل انتصار له قبل انتهاء ولايته بأنه كان وراء اقرار قانون انتخاب جديد يمهد لإصلاح النظام السياسي، فإن هناك من يعتقد، كما تقول مصادر وزارية، بأنه لن يبدل موقفه وانه يترك للتاريخ ان يسجل له انه أول من تصدى لقانون الانتخاب الحالي لمصلحة آخر يؤمن التمثيل المتوازن ويحقق الانصهار الوطني.

وتؤكد المصادر نفسها أن الرئيس سليمان يعترض على اعادة النظر في قانون 1960 لجهة تقسيم الدوائر الكبرى فيه الى دوائر صغرى، ولن يتوانى عن تسجيل موقف اعتراضي، لكنه لن يقاوم اعتماد مثل هذا المشروع في حال حظي بموافقة الغالبية في البرلمان.

وتعتبر المصادر عينها ان اعتماد الدوائر الصغرى يمكن أن يعيد الى الأذهان ما أقدم عليه رئيس الجمهورية الراحل كميل شمعون، عندما قسم لبنان دوائر صغرى أدت في انتخابات عام 1957 الى إسقاط أبرز القيادات السياسية المعارضة له، مشيرة الى ان المشكلة في تسويق مثل هذا القانون تقوم على إعادة النظر في التقسيم المعتمد حالياً للدوائر الانتخابية باتجاه إخضاعه الى لعبة الضم والفرز، وكأن قانون الانتخاب في حاجة الى استحداث «دوائر عقارية» جديدة لهذه الغاية.

لذلك، ترى المصادر ان مصير الدوائر لن يكون أحسن حالاً من المشروع الأرثوذكسي الذي تقرر دفنه سياسياً قبل أن يبصر النور على رغم ان من يروج له يحاول أن يوهم الشارع المسيحي بأنه يتيح للناخب فيه أن يكون صوته فاعلاً في انتخاب معظم النواب المسيحيين في البرلمان.

وميقاتي يعارضه

وتؤكد المصادر ان مشروع الوزير شربل يلقى اعتراضاً في داخل مجلس الوزراء بدءاً برئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يميل الى تبني مشروع الوزير بطرس، وانتهاء بوزراء «جبهة النضال الوطني» بزعامة وليد جنبلاط الذين يتعاملون معه على أنه استنسابي وانتقائي ولا يمت بصلة الى النظام النسبي، طالما انه لا يقوم على روحية إصلاحية بسبب تغييبه لمجموعة من الإصلاحات أبرزها: خفض سن الاقتراع من 21 الى 18 عاماً، وإنشاء الهيئة المدنية لمراقبة ديموقراطية الانتخابات، وتمكين اللبنانيين المقيمين في الخارج من الاقتراع في أماكن تواجدهم.

وبكلام آخر، فإن وزراء «جبهة النضال» لا يعترضون على مشروع الوزير شربل بمقدار ما انهم يشيرون الى ان هناك من يريد تجويفه من الإصلاحات في الإبقاء على النظام النسبي، اضافة الى انهم يدركون أيضاً أن أي قانون جديد للانتخاب يجب أن يأخذ في الاعتبار إفساح المجال أمام إصلاح النظام السياسي بدلاً من الاستقواء به لإلغاء طرف أساسي في البلد أو للحد من تأثيره في الحياة السياسية أو لقطع الطريق على أن تكون هناك قوة راجحة في البرلمان.

وعليه، يطمح رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» ميشال عون، من خلال تأييده النظام النسبي، الى الاستقواء بحلفائه لإضعاف هذا الفريق أو لإلغاء فريق آخر. وهو ينطلق من أنه وحلفاءه يتمتعون بقدرة انتخابية تؤمن وصولهم الى البرلمان بغالبية مطلقة وبذلك يستطيع التخلص من «عقدة» في مجلس الوزراء اسمها «جبهة النضال الوطني»، علماً أن من بين حلفائه مَن ليس في هذا التوجه ولديه ملاحظات على أداء وزراء «التيار الوطني الحر»...

كما ان عون يريد أن يسخر قدرة حلفائه لخدمة مشروعه انطلاقاً من اقرار قانون انتخاب يأتي على قياس طموحاته، مع أنه لا يساهم في تنفيس الاحتقان بمقدار ما انه يزيد من وطأته على الحياة السياسية. اضافة الى انه يريد ان يثأر من تيار «المستقبل» بذريعة انه قطع عليه الطريق للوصول الى سدة الرئاسة الأولى، وهو يتلطى، وفق مصادر وزارية، بمجموعات من الشعارات تحت عنوان محاربة الهدر والفساد.

قانون 1960 مع تعديلات

ومع ان القرار النهائي لأي قانون يعود الى البرلمان، بصرف النظر عن الموقف منه في مجلس الوزراء، فإن الكفة الراجحة تبقى لقانون 1960 بعد إدخال تعديلات عليه، والسبب يكمن في معارضة جنبلاط لأي قانون آخر في ظل الاحتقان السائد في البلد من جهة، وفي مقاومة القوى الرئيسة في المعارضة لأي قانون يأخذ بالنظام النسبي في ظل الاختلاف على سلاح «حزب الله».

فجنبلاط لا يتزعم «جمعية خيرية»، ومن يعتقد، نقلاً عن المصادر الوزارية، بأنه سيمرر قانون انتخاب للآخرين سيكتشف بأن رهانه ليس في محله، وسيلعب الدور الضاغط لمنع أي قانون من إتاحة المجال لفريق لإلغاء الآخر أو لإضعافه، ناهــــيك بأن جــــنبلاط ليــــس من النـــوع الذي يطلب منه بأن يجير صوته في مجلس الوزراء لــمن يخطــــط في داخل الأكثرية لإضعاف قوته الراجحة في البرلمان، أي ان يوافق سلفاً على قانون سيكون على قياس شخص بدلاً من أن يؤتى به ليكون على قياس الوطن بجميع طوائفه وأحزابه وتياراته.

ولعل كل هذه المخاوف المحكومة بلعبة توازن الرعب، تحضّ مجلس الوزراء على التريث في اعادة إدراج قانون الانتخاب الجديد على بساط البحث لأنه لا يريد التسرع في إتمام معاملات الطلاق السياسي بين جنبلاط ومعظم الأطراف في الحكومة، مع ان وجود وزراء «جبهة النضال» فيها أخذ يقلق «التيار الوطني»... على خلفية الاختلاف في التعاطي مع الملفات العالقة، أكانت سياسية أم إدارية.

وبطبيعة الحال، فإن مجلس الوزراء في جلسته الصباحية بعد غد الأربعاء، سيقارب قانون الانتخاب من زاوية الإسراع في وضع آلية بالتوافق بين وزارتي الداخلية والخارجية تتيح للبنانيين في الخارج الاقتراع في أماكن تواجدهم، خصوصاً بعدما تبين لرئيس الجمهورية في جولته الأخيرة على الاغتراب اللبناني في استراليا، أن هناك ضرورة لإزالة الصدأ عن السفارات والقنصليات اللبنانية في الخارج باعتبارها تشكل في أوضاعها الراهنة عائقاً أمام استيعاب المغتربين وحضهم على المشاركة في الانتخابات النيابية.

إلا أن إزالة الصدأ عن السفارات تستدعي أولاً تفعيل السفارات والقنصليات في الخارج من خلال الإسراع في ملء الشواغر وإنشاء مكاتب خاصة تتولى تنظيم اقتراع المغتربين، خصوصاً انه لم تتخذ تدابير في هذا المجال...

هل يلتقط بري المبادرة؟

ويبقى السؤال: أين يقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري من مشاريع قانون الانتخاب الجديد، ومدى صحة انه يستعد للتقدم من البرلمان باقتراح قانون يقضي بتعديل الدستور بما يسمح بإجراء الانتخابات النيابية على أساس جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة بدلاً مما هو منصوص عليه في خصوص أنها تجرى على أساس المحافظة دائرة انتخابية بعد إعادة النظر في التقسيمات الإدارية، إضافة الى استحداث مجلس للشيوخ يتزامن انتخابه مع انتخاب مجلس نيابي غير طائفي بدلاً من أن تأتي مثل هذه الخطوة بعد انتخابه؟

في الإجابة عن السؤال، يقول مقربون من بري، إنه التقط مجموعة من الإشارات المتناقضة التي وردت في مداخلات النواب من قانون الانتخاب الجديد، وهذا ما يدفعه الى التفكير في مبادرة يمكن أن تساعد على تقريب وجهات النظر، لا سيما انه يعتقد بأن ميزان القوى في مجلس الوزراء يعوق التوافق على مشروع قانون موحد، وبالتالي فإن المشكلة ستنتقل حتماً الى البرلمان حتى لو حوَّلت الحكومة المشروعَ الذي يلقى تأييد غالبية أعضاء مجلس الوزراء، باعتبار ان قانوناً بهذا الحجم لا يُقَرُّ بالتصويت وانما بالتوافق لأنه يكتسب روحية ميثاقية.

ويؤكد المقربون أنفسهم، أنه يصعب التوصل الى قانون انتخاب يرضي الجميع، وأن بري يحاول القيام بدور حواري لعله ينتج تأييداً لقانون تدعمه الأكثرية في المعارضة والموالاة انما على قاعدة تبديد الهواجس والمخاوف التي عبر عنها البعض في جلسات المناقشة العامة.

ويضيف هؤلاء ان بري ينطلق في مبادرته من جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة باعتماد النظام النسبي، لكنه لن يسارع الى وضع اقتراحه على نار حامية بغية التسبب بإحراج هذا الطرف أو ذاك وانما يتوخى منه فتح الباب أمام حوار واسع ينطلق ليشمل الجميع.

لا نية للالتفاف على الحوار

ويتابع المقربون ان بري لا يتوخى الالتفاف على دعوة رئيس الجمهورية الى استئناف الحوار، وانما يريد أن يضع حداً لـ «حوار الطرشان» من خلال تبادل المواقف من قانون الانتخاب من دون الجلوس الى طاولة واحدة للتوافق على القانون الأنسب، مؤكدين ان بري سيوسع اتصالاته لتشمل الجميع، وانه سيقرر في ضوء ما سيتوصل اليه، طبيعةَ الخطوة اللاحقة لتحركه، مع انه يرى في لبنان دائرة واحدة القانون الأفضل.

ويستبعد المقربون ان تكون لدى بري، من خلال مطالبته بإنشاء مجلس للشيوخ، نية بـ «رشوة» حليفه جنبلاط لدفعه الى إعادة النظر في موقفه لمصلحة جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، ويؤكدون ان رئيس المجلس يأخذ بهواجس جنبلاط، وأيضاً بهواجس الآخرين ومخاوفهم، وهو يراهن على اجتذاب مواقف مؤيدة لمشروعه، وبالتالي يدرك جيداً أن لقانون الانتخاب قوة ميثاقية وليست رقمية تحتم عليه تجنب الدخول في تحدٍّ مع أحد.

 

 

حرب استعادة هجليج تجدّد الصراع بين شمال السودان وجنوبه
الحياة...خيري عمر *

على رغم تمهيد اتفاق السلام الشامل العام 2005 الطريق لوقف أطول حرب أهلية في قارة أفريقيا، شهد السودان تقلبات عميقة أدت إلى إعلان استقلال جنوب السودان وتزايد عدم الاستقرار السياسي، كما شهدت تلك الفترة الكثير من الانتكاسات والخلافات بين الجانبين، تطورت الى حرب شاملة، بعد إعلان برلمان دولة السودان الحرب على حكومة الجنوب حتى استعادة المناطق الحدودية أو حتى الجنوب ذاته.

ونشبت الأزمة السياسية الحالية بعد إغلاق حكومة جنوب السودان في كانون الثاني (يناير) الماضي أنابيب النفط التي تنقل الخام إلى الشمال بعد تصاعد الخلافات بشأن رسوم العبور والتي تطورت بدخول «الجيش الشعبي» إلى منطقة «هجليج» واستمرار التوتر في ولاية «جنوب النيل الأزرق»، ومن ثم، فإن حرب استعادة تلك المنطقة تثير التساؤل حول مستقبل استقرار العلاقة بين البلدين. فالصراع المسلح على مناطق التخوم الحدودية بين البلدين، وبخاصة في منطقة «هجليج» القريبة من منطقة «أبيي»، سببه الخلاف على ترسيم الحدود واقتسام الثروة النفطية وسياسة تصديرها عبر ميناء «بورتسودان»، وترتب على المعارك، التي نشبت نهاية آذار (مارس) الماضي، وفي 10 نيسان (أبريل) الجاري سيطرة قوات جنوب السودان (الجيش الشعبي) على المنطقة، وهو ما يشكل عمق 40 ميلاً داخل الأراضي الشمالية وذلك للسيطرة على حقل «هجليج» النفطي، كما هددت حكومة الجنوب بالسيطرة على «ابيي»، فأعلنت دولة السودان التعبئة العامة وعلقت زيارة الرئيس عمر البشير إلى جوبا، واستعادت منطقة هجليج أو الجزء الأكبر منها. وعموماً، لا يخرج الصراع على هجليج عن السياق العام للصراع بين الطرفين، حيث يشكل الخلاف حول تبعية المناطق الحدودية محور المشكلات السياسية المتعلقة باستغلال الأراضي، فبينما تستند حكومة السودان إلى الحدود الإدارية في كانون الثاني (يناير) 1956، فإن حكومة جنوب السودان تستند الى خرائط بريطانية تعود الى العام 1905 وتاريخ تنقل السكان وتحركاتهم ورفض ضم المنطقة للشمال في العام 1979. وفي الوقت الحالي، يسود دولتي السودان وجنوب السودان حال من القلق والتوتر السياسي، بسبب تنامي الأزمات السياسية خلال الشهور الماضية تكشف في مجملها عن ضعف نضج المسار السياسي، وذلك على رغم المرور بفترة انتقالية منذ مطلع 2005 والمضي في تطبيق اتفاقية السلام الشامل، إذ كان من المتوقع هدوء الصراع السياسي الذي شمل كل أنحاء السودان منذ الاستقلال في مطلع 1956، وربما ترجع الأزمة الحالية إلى عدم حسم الكثير من الخلافات في مفاوضات نيفاشا، وترك تسويتها للجنة مشتركة يتم تشكيلها وفقاً لبروتوكول «أبيي»، ما يفتح المجال أمام إعادة تفسير الاتفاقيات وفقاً للأوضاع السياسية القائمة.



الحرب الأهلية

ويمكن مناقشة احتمالات الحرب الأهلية في إطار مدى ما يعرف بفشل الدولة أو استمرار التخلف السياسي المزمن في البلدين، خصوصاً ما يتعلق بتطور الصراع السياسي منذ استقلال جنوب السودان وهشاشة المؤسسات السياسية، ما يعد أمراً كاشفاً عن سيولة شروط الاستقلال وترسخ الصعوبات التي تواجه التسويات السلمية والتكامل السياسي والاقتصادي. وترجع هذه الصعوبات عموماً إلى هشاشة البنية التحتية في البلدين وعدم حدوث الانتقال السياسي في السودان منذ الاستقلال، وهو ما يعرف بأزمة بناء الدولة، ولازمت هذه التشوهات نشأة دولة الجنوب، حيث لم تستطع الحركة الشعبية تطوير الاندماج الوطني والتعبير عن مصالح الجماعات الإثنية، كما أن انقسام السودان إلى دولتين ترتبت عليه أزمة الشرعية السياسية لدى حكومة الشمال (ثورة الإنقاذ)، فعلى رغم إعلان استقلال الجنوب، ركنت حكومة السودان للخطاب الثوري، فاعتبر «البشير» أن الثورة مستمرة وقادرة على حلِّ مشكلات السودان، وذلك على رغم تواضع الأداء على مدى عشرين عاماً، وبهذا المعنى لم تطرح أفكار جديدة، لتظل الأوضاع السياسية على جمودها، سواء ما يتعلق بمسار مفاوضات الدوحة (دارفور) أو في ما يتعلق بضيق مسارات الحوار بين الحكومة والمعارضة.

وفي ما يتعلق بدولة الجنوب، تدفع المشكلات الداخلية لإثارة المشكلات مع دولة السودان، خصوصاً أن حكومة الجنوب ظلت عاجزة عن استيعاب التنوع العرقي للجنوبيين في مؤسسات الدولة، وهو ما يؤدي إلى صراعات عرقية وإثنية ممتدة، تجعلها في حالة مضطربة.

وبتحليل الخطاب السياسي لكل من البلدين تجاه الأزمة الحالية، يمكن القول إنه يتماثل مع فلسفة التعبئة السياسية وقت نشوب الحرب الأهلية، فقد أعلنت حكومة السودان التوجه نحو إلغاء الاتفاقات مع دولة الجنوب وإعلان التعبئة العامة وتسخير كل إمكانات البلاد لرد «عدوان» الجيش الشعبي، وبجانب هذه الإجراءات، تم الإعداد لتعبئة حزبية استخدمت فيها مصطلحات «النفرة الشعبية»، وهي حالة لازمت الحرب الأهلية وساهمت في تكوين معسكرات تدريب المتطوعين وفي التعامل مع مسألة «هجليج» بالطريقة ذاتها التي تعاملت بها مع تحرير توريت في أيلول (سبتمبر) 2002، أما حكومة الجنوب فركزت على تثبيت المكتسبات التي حققتها وتعمل على تعزيزها بتوسيع جبهة النزاع والعمل للحصول على إسناد دولي يقر بالأوضاع القائمة وترسيم الحدود في ظلها والتهديد بتوسيع نطاق الصراع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.

أزمة الدولة

مع إعلان استقلال دولة جنوب السودان في تموز (يوليو) 2011 واجه دولتي السودان نوعان من المشكلات؛ النوع الأول منها، حيث يواجه كل منهما مشكلات داخلية مزمنة، تتمثل في ضعف القدرات السياسية والاقتصادية وتفاقم أزمة الاندماج الوطني، وقد انعكست هذه المشكلات في الخلاف بين الأحزاب السياسية والجماعات الإثنية حول مسائل المشاركة في السلطة وتقاسم الثروة.

وكان من الملاحظ أنه رغم تغير حدود دولة السودان والإعلان عن دولة جديدة، لم تجر انتخابات تشريعية جديدة تكسب النظام السياسي شرعية سياسية ترتكز على الأوضاع الجديدة مما كان عاملاً رئيسياً في تفاقم التوتر فيما بين الأحزاب والجماعات الإثنية في البلدين، وهنا يمكن الإشارة إلى أن انتخابات نيسان (ابريل) 2010 فقدت شرعيتها باستقلال جنوب السودان، ومن ثم، فإن عدم إجراء انتخابات جديدة ساهم في التباعد ما بين «المؤتمر الوطني» (الحزب الحاكم) وبين الأحزاب الأخرى وتحالف المعارضة (التجمع الوطني الديمقراطي)، وعلى غرار ذلك، تطبق الحركة الشعبية في جنوب السودان سياسة استيعاب للكيانات السياسية للتوحد خلف مشروع «السودان الجديد» من دون وضوح أفق للمسار السياسي، سواء من حيث الترتيب لانتخابات تشريعية أو وضع صيغة للتعبير عن التنوع السياسي والاجتماعي.

في هذا السياق يمكن القول، إن استمرار التوتر السياسي في دولة السودان سيؤدي الى مزيد من التباعد بين الحكومة والمعارضة، بحيث يصير الجدل السياسي حول مدى شرعية السلطة الحاكمة (المؤتمر الوطني) بعد «انفصال الجنوب»، وهو ما يضعف تماسك الدولة، حيث تبلورت مطالب تحالف المعارضة في ضرورة إجراء انتخابات عامة تعبر الدولة وفقاً للحدود الجديدة وكتابة دستور جديد، وفي هذا السياق ترى أن الحكومة القائمة لا تحظي بالشرعية السياسية، وأن تحالف المعارضة سيعمل على إسقاطها. يمكن تفسير مقولات المعارضة السودانية هذه بأنها تثير نوعاً من عدم الاستقرار السياسي.

أما النوع الثاني من المشكلات، فهو ما يتعلق بالسياسة الخارجية والتي لا تتعلق فقط بصياغة السياسة الخارجية مع دول الجوار، لكنها تتعلق أيضاً بصياغة العلاقات الثنائية سيلفا كير.jpg والترتيب لحدوث انتقال سياسي من حقبة الحرب الأهلية وبناء علاقات سلمية وتطوير المصالح المشتركة. وهناك عامل آخر يضعف فرص الاستقرار، هو ما يرتبط بتزايد التوتر في دول الجوار، سواء للطبيعة المزمنة للصراعات في دول القرن الأفريقي أو التغيرات التي تشهدها بلدان شمال أفريقيا، وهذا ما يؤثر سلباً في الأوضاع السياسية لدولتي السودان، بسبب ضعف تأثير دول الجوار في كبح الأزمة الداخلية في السودان. وعموماً، يمكن القول إن تفاقم الأزمة السياسية في السودان، يعد كاشفاً عن تواضع الإنجازات السياسية وتناقض المسار السياسي، وهو ما يضع البلدين في حلقة مفرغة، تنعكس آثارها على دول الجوار، لذلك يصير من المطلوب في المرحلة الحالية إعادة النظر في كثير من السياسات والبدء بإجراء انتخابات حرة كبديل عن التحضير لحرب طويلة.

* كاتب مصري

 

 

 

 

 

عن الجسر الذي سيصل ما قطعته إسرائيل جغرافياً
الحياة...* كاتب فلسطيني
 

لم تحترم إسرائيل اتفاق الهدنة الموقَّع مع مصر في 24/2/1949؛ الذي أنهى جولة الحرب الأولى بينهما، وذلك عندما أغارت قوة إسرائيلية بقيادة إسحق رابين على قرية أم رشرش المصرية واحتلتها في 10 آذار (مارس) من العام نفسه. وفي العام 1952 دشنت إسرائيل ميناء كبيراً على أنقاض القرية بعدما هوَّدت اسمها ليصير إيلات. على أثر تلك العملية العسكرية الاستيطانية الخاطفة، واجهت إسرائيل باكورة الاتهامات، التي صارت تقليداً عربياً لازم وجودها بعد ذلك، بأنها دولة لا ترعى العهود والمواثيق. لكن الأهداف المتوخاة كانت من الأهمية والحساسية، بما يساوي وزيادة أن يتجاهل منظرو المشروع الصهيوني أي قواعد قانونية أو أخلاقية تحول دون الاستيلاء على تلك البلدة. فأم رشرش تقع بين محلتي العقبة الأردنية وطابا المصرية، وبالسيطرة عليها يتحقق لإسرائيل الوليدة وقتها إيجاد موطئ قدم ومنفذ على البحر الأحمر، يصلها بالدول الآسيوية والأفريقية المشاطئة للمحيط الهندي. ولا يقل عن ذلك أهمية وخطورة أنها ستتمكن عبر هذا الموطئ من الفصل الكامل جغرافياً بين مشرق العالم العربي ومغربه.

أصابت تلك الفعلة الإسرائيلية لوجستية الأرض العربية المنبسطة من بحر العرب والخليج شرقاً، إلى ساحل الأطلسي غرباً بضربة استراتيجية مؤلمة. إذ كان احتلال هذه القرية التي لا تكاد تبين إيذاناً بقطع هذا التواصل، الأمر الذي لم يسبق أن جرى على مدار التاريخ ولا أفلح غزو خارجي في إحداثه من قبل. ولذا شكلت محاولة استعادة القرية لمصريتها وعروبتها، أحد مواجد السياسة المصرية وهمومها ومطالبها بين يدي التفاوض السري والعلني مع إسرائيل، ولا سيما قبل توقيع معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية عام 1979. والى لحظتنا هذه ثمة من يطالب في مصر، شعبياً من خلال جمعية أهلية مختصة، ورسمياً بإلحاح أقل وفي مناسبات متفاوتة، بمتابعة هذه القضية واعتبار هذه القرية أرضاً محتلة يتعين استردادها. وفي عام 1985 طالب الرئيس السابق حسني مبارك الإسرائيليين بالتفاوض على هذا الأساس.

على أن بعض العرب الواعين إلى ضرورة وصل ما انقطع من جغرافية وطنهم الكبير بفعل الغزوة الصهيونية، لم ينتظروا إلى أن يلقي التاريخ كلمته الأخيرة حول مصير أم رشرش. وكان الملك السعودي الراحل فهد بن عبدالعزيز في طليعة هؤلاء الغيورين، حين طرح الأخذ بالبديل الممكن، وهو بناء جسر علوي بطول 23 كيلومتراً، يبدأ من رأس نصراني قرب شرم الشيخ مروراً بجزيرة تيران في خليج العقبة لينتهي عند رأس حميد على الشاطئ السعودي شرقاً.

وأثناء زيارة الملك لمصر العام 1988 تم الاتفاق على مبدأ تنفيذ هذه الخطوة الفارقة، بالنظر إلى «... التيقن من جدواها القومية سياسياً واقتصادياً وبيئياً وإمكانية تطبيقها معمارياً». وفي ذلك الحين، نالت الفكرة استحسان «جمعية الطرق العربية»، التي اعتبرت الجسر من أهم المشاريع الإنشائية العربية بسبب دلالاته الوحدوية. وفي السياق ذاته، أكدت ستة مكاتب استشارية عالمية أن هذا المشروع ينطوي على جدوى اقتصادية وأنه سيغطي كلفته في غضون عشرة أعوام لا أكثر. الأمر الذي شجع سبع مجموعات اسـتثمارية دولية على التقدم بعروض لإنشائه في فترة قياسية. بقدر ما كانت هذه المعطيات واعدة ومبشرة، كان موقف الرئيس المصري السابق حسني مبارك مـحبطاً، حين عارض لاحقاً الفكرة برمتها بذريعة أن الجسر سيؤثر سلباً في السياحة في شرم الشيخ.

وسـواء اسـتند ذلـك التبرير إلى قناعة حقيقية لدى مبارك أم كان غطاء لما قيل عن رفض إسرائيلي - أميركي غاضب تجاه هذا المشروع الوحدوي المتميز، فقد كانت النتيجة أن أصيب المشروع والمناظرات الخاصة به بالسكتة السياسية لأكثر من عشرين عاماً. فطبقاً لما باح به فؤاد عبدالعزيز؛ رئيس «جمعية الطرق العربية»، فإن مبارك «كان قد غلق كل الأبواب أمام تلك المناظرات طوال هذه الفترة».

غير أن الآمال بإحياء المشروع راحت تنبعث بفعل اهتمام رئيس الوزراء المصري السابق عصام شرف، الذي وعد بالعمل على تفعيله جدياً بعد مزيد من التحري والبحث. وتأكدت أخيراً صدقية هذا الوعد، بأن أعلنت مصادر رسمية مصرية وسعودية في أوائل آذار (مارس) الماضي تحول تنفيذ مشروع الجسر إلى أولوية سياسية لدى كل من القاهرة والرياض، وذلك «... عوضاً عن بقائه من الأفكار المرجأة والمهجورة ردحاً من الزمن...». ومن خلال التفاصيل التي تسربت عن هذا الإعلان، عرفنا أنه تم الاتفاق على بدء العمل في بناء الجـسر الذي ســيـحمل اسـم المـلك عبـد الله بن عـبدالعزيز منتصف العام 2013. سيكون تدشين هذا الجسر واحداً من أعظم المكتسبات والأصداء العروبية لثورة 25 كانون الثاني (يناير) المصرية بالتعاون مع القيادة السـعـودية. ومما يمكن طرحه في معرض الإشـارة إلى عـوائـده، بـخلاف تخطي لعنة العائق الإسرائيلي الجاثم بين جناحي العالم العربي خلال رحلة تقطعها السيارة في أقل من عشرين دقيقة، أن الجسر سيساعد على انسياب حركة النقل والتجارة، بخاصة في مواسم الحج والعمرة، وكذلك الحال بالنسبة إلى حركة العمالة المصرية والعربية المغاربية إلى دول الخليج.

كما سيساهم في تيسير تدفق الاستثمارات الخليجية في الاتجاه المعاكس، وسيعظم حجم السياحة البينية العربية ولا سيما في منتجع شرم الشيخ. إلى ذلك ونحوه، سيعمل الجسر على وقف نزيف الدم على الطريق البري بين مصر والسعودية، والتقليل من استخدام العبَّارات البحرية الذي عادة ما يصحبه العنت وبعض الأخطار.

صحوة مصرية

ومن المثير واللافت أن يتواكب هذا المسعى ويتزامن مع صحوة مصرية إزاء قضية استرداد أم رشرش. ففي سياق أول حملة انتخابية لمجلس الشعب (البرلمان) المصري بعد ثورة 25 يناير، صرَّح أحد أقطاب حزب «الحرية والعدالة»؛ الجناح السياسي لجماعة «الإخوان المسلمين»، بأن الحزب، الذي يحظى راهناً بالأغلبية البرلمانية، يزمع فتح ملف هذه القضية بالوسائل القانونية في الوقت المناسب. مثل هذه المستجدات يوحي بأن ملف الوصل الجيوستراتيجي بين جناحي الوطن العربي الذي أهمل طويلاً أصبح ضمن شواغل المرحلة، وأغلب الظن أنه لن يسلم من كيد المتربصين والمرجفين لإيداعه قمقم الهجران تارة أخرى. والمؤمل أن يتم دفن هذا الكيد إلى الأبد تحت حجر أساس الجسر في لحظة نرجوها قريبة.

 

 

«حزب الله» انتظَرَ طويلاً عبارة: قَدِّم سلاحَك!

يحتاج الهجوم الذي شنّه فريق 14 آذار على سلاح «حزب الله» في جلسات المناقشة، إلى قراءة نفسية وليس فقط سياسية. إنه في مفهوم علم النفس العيادي انفجار لاحتقان مكبوت منذ 7 أعوام، أو 17 عاماً، أو 27...
الجمهورية...طوني عيسى
قالها فريق 14 آذار بعد تردّد: لا نرفض السلاح فقط، بل أيضاً تجلياته السياسية، أي إجراء الانتخابات النيابية في ظلّه. وفي عبارة أخرى، قرّر هذا الفريق أن يقول "لا" لإنتاج هيكلية دستورية، "غشاء البكارة" فيها هو الديموقراطية... التي يمزّقها السلاح!
كيف تلقّى "حزب الله" هذه الإشارة؟
على رغم العنف الكلامي الذي كان طبيعياً أن يردّ به "الحزب" على 14 آذار تحت قبة البرلمان، يقول العارفون بموقفه إنه لم يكن خائفاً من الحملة. وفي رأي هؤلاء أن "الحزب" يعتبر أن 14 آذار لم تستطع إسقاط السلاح ورفض الانتخابات في ظلّه في العام 2005، عندما كانت في ذروة قوتها الشعبية وتتمتع بدعم دولي وعربي نادر. وهي لم تستطع ذلك أيضاً عندما كانت تمتلك الغالبية النيابية والوزارية وتتمتع بسلطة واسعة على كثير من مؤسسات الدولة وأجهزتها. فكيف لها أن تصبح اليوم، بعدما فقدت السلطة والدعم الخارجي، قادرةً على إسقاط السلاح ومنع حصول الانتخابات قبل إيجاد تسوية في شأنه؟.
"حزب الله" وحلفاؤه يرغبون في تصوير الحملة التي يشنّها فريق 14 آذار وكأنها مجرد تنفيس للاحتقان الناتج عن الخروج من السلطة. ويعطيها "الحزب" أبعاداً تتعلّق بإعادة تلميع الصورة شعبياً مع اقتراب الانتخابات. وهو يعتقد بأن هذه الحملة تعيش ثلاثة أيام فقط، أي أنها تنتهي فور اجتياز النواب عتبة المجلس النيابي لمغادرته. وتالياً يكفي الردّ عليها "موضعياً" خلال الجلسات، وبعد ذلك تعود المياه إلى مجاريها.
أكثر من ذلك، يثق "حزب الله" في أن أي طرف داخلي لن يستطيع نزع سلاحه منه، أيّاً تكن الظروف. فالسلاح موجود بإرادة إقليمية، أي سورية وإيرانية، وهو باقٍ ما دام النظام باقياً في سوريا. ويراهن "حزب الله" على أن النظام في دمشق لن يسقط، وأن الوقائع التي سيحاول "الحزب" تكريسها على الأرض ستجعل الأحكام التي يمكن أن تصدرها المحكمة الدولية، بعد سنوات ربما، شبه معدومة المفاعيل سياسياً. وفي اعتقاده أنّ المحكمة ستستغرق وقتاً طويلاً لإنجاز مهمتها، ما يتيح له الوقت الكافي لإنجاز سيطرته على السلطة، مدعوماً بالحليف الإقليمي.
هل هذا الانطباع لدى "حزب الله" في محلّه؟
واقعياً، يجب أن تعترف 14 آذار بأنها منحت "الحزب" فُرَصاً كان في أمسّ الحاجة إليها لالتقاط الأنفاس وإعادة الاعتبار إلى السلاح. وهي بذلك ساهمت في إتاحة المجال له ليستخدم ورقته الأقوى، وبها استطاع استرداد كل "المكتسبات" التي تمتّع بها قبل آذار 2005.
لم تلعب 14 آذار، على مدى سبع سنوات، ورقتها الأهمّ مع "حزب الله". لم تخاطبه حين كانت في ذروة انتصارها: قَدِّم سلاحَك أوّلاً، وقبل الانتخابات، وإذا تعذّر ذلك فلا نريد انتخابات، كما بدأ يتردّد اليوم في بعض أوساطها! بل هي ركّبت "حلفاً رباعياً" مع السلاح في اللحظة الأولى التي كان فيها الحديد حامياً. وبعد ذلك، بدأ السلاح يستردّ حضوره في الانتخابات النيابية والرئاسية والبلدية وتركيب الحكومات. وأظهر حضوره بالعنف حيث يجب. ويوم 7 أيار 2008، لم تكن 14 آذار في مستوى الحدث أو السلاح. ولم تكن التسويات المخالفة للطبيعة التي وافقت عليها 14 آذار، تحت غطاء الـ"س- س" سوى الضربة القاضية.
لم تَقُل 14 آذار، جدّياً وفي وضوح، ما يجب أن تقوله... وتفعله في ما يتعلّق بالسلاح قبل اليوم. لذلك لا يخافها "حزب الله" الآن، ما دام يحتفظ بالغالبية (موعوداً من وليد جنبلاط)، وما دام النظام في سوريا قادراً على خوض المعارك، والمحكمة تتأنّى في قراءة البنود وتفسيرها...
ولو أعلنت 14 آذار موقفها من السلاح والانتخابات قبل 7 سنوات، وواجهته في 7 أيار ومثيلاتها الكثيرات، لربما كانت تغيّرت أشياء عدة في لبنان، ولكان اضطرّ أصحاب السلاح وأصحابهم إلى أن يصدّقوا 14 آذار... ويصدّقوا على مطلبها. لكن ذلك لم يحصل.
فهل تأخّرت 14 آذار إلى حدّ فقدانها المبادرة... أم انّ المتغيّرات المتوقعة إقليمياً ستمنحها حظاً جديداً لتعويض الخسائر؟
 
واشنطن: خطّة أنان «موت بطيء» للنظام السوري
تؤكّد أوساط ديبلوماسية أوروبّية في بيروت، أنّ وقف النار في سوريا لن يصمُد طويلاً في ظلّ المراقبين الدوليّين إذا لم يقترن بتسوية سياسية بين طرفَي النزاع، في حين يعتبر أنصار النظام أنّ تطبيق خطّة الموفد الأممي - العربي كوفي أنان بكاملها، «هزيمة سياسية» للرئيس بشّار الأسد.
الجمهورية...صبحي منذر ياغي
وترى الأوساط نفسها أنّ الأزمة السورية شهدت تطوّرات متسارعة أظهرت حقيقة دخولها المسار الدولي، وخروجها من النفق المحلّي والإقليمي، خصوصاً مع صدور قرار مجلس الأمن المتعلّق بهذه الأزمة، والذي نصّ على إرسال المراقبين الدوليّين، في الوقت الذي بدا واضحاً أنّ روسيا تكرّست لاعباً أساسيّاً في مسار هذه الأزمة السوريّة.
فخّ التدويل
وتشير مصادر أوروبّية إلى أنّ "النظام السوري سقط من دون أن يدري في "فخّ التدويل"، جرّاء عدم تلقّفه المبادرات والمساعي العربية في بدايات الثورة السوريّة، والتي أطلقتها الجامعة العربية ومؤتمر وزراء الخارجية العرب. وتعتبر أنّ التدويل لا يفيد النظام السوري، كونه لا يندرج في مصلحته ومصلحة بقائه، بل يدخله في متاهات دولية وتشعّبات تزيد من أزمته وتضعه في مواجهة العالم وهو يدرك ذلك، خصوصاً أنّ هذا النظام ينوء بأثقال معارضة دولية كبرى، بسبب ممارساته ضدّ شعبه وأبنائه ومعارضيه.
ولم تنفِ الأوساط أنّ الروس لعبوا دوراً فاعلاً لمصلحة النظام السوري من حيث دمغ قرار مجلس الأمن بشروطهم وملاحظاتهم، وأنّ إيران تمكّنت هي الأخرى من استعادة دورها في سوريا، بالتزامن مع عودة استئناف المفاوضات الدولية معها، حول البرنامج النووي.
إتّفاق واختلاف
وتوضح المصادر نفسها أنّ أنان ينطلق في خطته، مستفيداً من التقارب الروسي - الأميركي في دعم هذه الخطة، وإن كانت مساحات الاختلاف وتباين وجهات النظر كبيرة وشاسعة بين موسكو وواشنطن، إلّا أنّ الثابت هو أنّ الأميركيّين أدركوا استحالة إسقاط النظام السوري بالوسائل العسكرية، مقابل استحالة قدرة هذا النظام على سحق المعارضة، والقضاء على عمليّاتها العسكرية الجوّالة التي تتكرّر في أكثر من منطقة سورية، بعدما بات "الجيش السوري الحر"، ومعه العناصر الأخرى السوريّة المسلّحة، يتّبعون في مواجهة الجيش النظامي و"الشبّيحة"، تكتيك "حرب العصابات"، وقد أظهر هذا النمط الجديد فاعليته من النواحي العسكرية والنفسية.
حرب أهليّة
فإذا كان الروس، يستعجلون إيجاد الحلّ والمخرج السلمي للأزمة في سوريا، ويبدون مخاوفهم من خطورة بقاء سوريا في أتون النار، والتي يخشون أن تمتدّ لتتحوّل حرباً أهليّة، تعرّض استقرار المنطقة للخطر، فإنّ الأميركيّين رأوا في خطة أنان ما يشبه "الموت البطيء" للنظام في سوريا، لأنّهم في النهاية مع إسقاط الأسد بطريقة أقلّ كلفة، لا تستوجب تدخُّلاً ولا تورُّطاً ولا أثماناً، ولِمَ الاستعجال في وقت بدأ النظام السوري يدخل مرحلة الاستنزاف والتآكل الداخلي؟
وُلِدت ميتة
وتكشف المصادر عن خلاف بين الولايات المتحدة الأميركية وبعض دول الخليج على النظرة إلى خطّة أنان. فإذا كان الأميركيّون يعتبرون أنّ الخطّة تشكّل أفضل الممكن في ظلّ صعوبة إزالة هذا النظام، فإنّ السعودية ومعها قطر تعتبران أنّ هذه الخطة مصيرها الفشل، وهي في الأساس "ولدت ميتة". أمّا تركيا فترى أنّ المطلوب ليس إيجاد حلّ يساهم في إطالة أمد بقاء نظام الأسد، بل يعجّل في ترحيله للقيام بخطوات أخرى من وحي المبادرات العربية، يكون عنوانها العمل لإيجاد بديل للأسد في سياق مرحلة انتقالية تكون بداية النهاية. وتنقل أوساط عن مصادر في تركيا، أنّ التوتّر القائم بين اسطنبول وطهران، من شأنه أن يؤخّر في نجاح مبادرة أنان، وبالتالي في التخفيف من وهجها وفاعليّتها، خصوصاً أنّ تركيا تدرك أنّها أوّل من سيسدّد الضربة القاضية لهذا النظام في حال تقرّر فعلاً إسقاطه.

المصدر: مصادر مختلفة

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,584,134

عدد الزوار: 6,956,142

المتواجدون الآن: 60