كتاب .... "التحولات الطبقية في الضفة والقطاع" لغازي الصوراني
كتاب
"التحولات الطبقية في الضفة والقطاع" لغازي الصوراني
143 ألف موظف في حكومة "فتح"
يقابلهم 30 ألف موظف في حكومة "حماس"
بقلم سامي حسن
في كتابه "التحولات الاجتماعية والطبقية في الضفة الغربية وقطاع غزة" - "رؤية نقدية" (دمشق - 2010) يصف الأستاذ غازي الصوراني المجتمع الفلسطيني بأنه تشكيلة اجتماعية - اقتصادية رأسمالية هامشية وطرفية ترتبط بعلاقة تبعية مع الاحتلال الإسرائيلي، مشيراً إلى أن تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي أدت إلى تشوه العلاقات الاجتماعية أو التركيبة الطبقية. فما يطفو على سطح المجتمع الفلسطيني من مظاهر التقدم الشكلي والكمي لا يعكس جوهره كمجتمع شبه تقليدي يتميز باستمرار الدور المهيمن للعائلة في العديد من النشاطات الاقتصادية، وبتداخل أنماطه الاجتماعية التقليدية وتحالفها مع البيروقراطية الحاكمة.
في رصده لأوضاع الطبقات الاجتماعية المختلفة (البورجوازية الكبيرة والصغيرة والعمال والفلاحين) في الضفة الغربية وقطاع غزة، وما طرأ عليها من تحولات منذ عام 1967 حتى يومنا هذا، وانعكاسات ذلك على المجتمع الفلسطيني والمشروع الوطني، يشير الصوراني، إلى أن البورجوازية الكبيرة في الضفة وغزة، بشرائحها المختلفة (كومبرادورية وزراعية وعقارية وصناعية ومصرفية ومالية) هي بورجوازية رثة تهيمن عليها شريحة الكومبرادور المتحالفة مع بيروقراطية السلطة، التي استغلت موقعها فأثرت وصارت جزءاً من البورجوازية المرتبطة مصالحها بمصالح الاحتلال الإسرائيلي. وهو ما يفسر الهبوط السياسي للسلطة الفلسطينية بشقيها في الضفة وغزة. كما يشير إلى أن الرأسمالية بكل شرائحها هي محل منافسة بين حكومتي رام الله وغزة، حيث تسعيان لاستمالتها، بينما تديران الظهر لغالبية المجتمع الفلسطيني الغارق في الفقر والبطالة (معدل الفقر في الضفة حوالى 24% وفي غزة حوالى 56% بينما تبلغ نسبة البطالة في الضفة حوالي 20% وفي غزة حوالي 40%). وهو أمر غير مستغرب من حكومتين تلتزمان بقواعد وأسس النظام الرأسمالي والسوق الحر.
أما بالنسبة للبورجوازية الصغيرة، وهي الطبقة الأكبر فينطبق عليها ما ينطبق على مثيلاتها في الدول العربية، من تذبذب في أوضاعها ومواقعها ومواقفها، وإذا نجح البعض من أفرادها في الحصول على دخل جيد، أو التحول نحو صفوف البورجوازية إلا أن الأوضاع الاقتصادية لمعظم أفرادها (حوالى 93%) هي في حالة سيئة حالها حال أوضاع العمال والفلاحين.
ويخلص الصوراني إلى أنه "بالرغم من المتغيرات التي أصابت البنية الاقتصادية الاجتماعية الفلسطينية طوال الفترة الممتدة منذ عام 1967 حتى اليوم، إلا أن هذه التحولات لم تستطع تجاوز، أو إلغاء علاقات الإنتاج ما قبل الرأسمالية، وشبه الرأسمالية القائمة بل عززتها وأبقت عليها، بفعل عوامل خارجية تتمثل في السياسات الإسرائيلية تجاه الاقتصاد الفلسطيني من ناحية، وعوامل داخلية فلسطينية تتمثل في مجموعة المصالح الطبقية التقليدية والمستحدثة الطفيلية الحريصة على إبقاء العلاقات القديمة وعدم تجاوزها".
إذاً، يمكن القول، أن من أهم ملامح التحولات في البنية الاجتماعية ما بعد قيام السلطة وحتى الآن: إثراء العديد من القيادات السياسية في السلطة، ونشوء شريحة بيروقراطية - كومبرادورية نافذة في القرار السياسي ومرتهنة بالتمويل الأميركي الأوروبي ومتساوقة، بشكل أو بآخر، بهذا القدر أو ذاك، مع الرؤية السياسية الإسرائيلية، وتزايد مظاهر الانحطاط، وهيمنة ثقافة الانتهازية والمحسوبية، وتفاقم ظاهرة الاستهلاك في المجتمع الفلسطيني، واستمرار التخلف الاجتماعي وهيمنة القيم والأفكار القديمة التقليدية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وما ترتب على ذلك من نتائج سلبية اجتماعية ونفسية وأخلاقية وتربوية، وصعود الإسلام السياسي على حساب تفكيك المجتمع المدني بمكوناته النقابية والسياسية.
إن قراءة كتاب الأستاذ غازي الصوراني توضح مدى الدمار والتخريب الذي لحق بالمجتمع الفلسطيني والمشروع الوطني بسبب اتفاق أوسلو وتشكيل السلطة الفلسطينية والصراع بين "فتح" و"حماس". فما جرى منذ الانقسام الفلسطيني عام 2007 على حد تعبير الصوراني "شكل نقيضاً لكل من صيرورة التحرر الوطني، والتطور الاجتماعي، حيث سادت حالة من الاستبداد والقمع والتخلف الاجتماعي والركود الاقتصادي، كرست واقعاً أقرب إلى الإحباط، واليأس، وانسداد الأفق، ليس بالنسبة للعملية السياسية فحسب بل أيضاً بالنسبة للأوضاع للاجتماعية والحريات العامة، وحرية الرأي". إذاً، فكتاب الصوراني يقدم مساهمة كبيرة لفهم حقيقة مواقف وسياسات سلطتي رام الله وغزة، ويزيل الغشاوة عن أعين الذين ما زالوا يراهنون عليهما. فالفرق بينهما ليس في الجوهر وإنما في الدرجة، والجوهر هو أن كليهما مستبد، متساوق، بهذا القدر أو ذاك مع التسوية المطروحة ومستعد لتقديم التنازلات السياسية المطلوبة، متورط بالفساد، متحالف مع رموزه ممن لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بالمشروع الوطني (سماسرة، رموز حقبة ما قبل أوسلو المتعاونة مع الاحتلال، التجار المستغلون للأوضاع السيئة، ومنهم تجار الأنفاق في غزة)، فما يهم السلطتين والحركتين هو المصالح الضيقة والفئوية لهما (ما يفسر عدم التوصل لحل ينهي الانقسام) بينما لا تعيران اهتماماً لمعاناة غالبية المجتمع الفلسطيني، الذي يجري ابتزازه من خلال لقمة العيش لضمان استمرار ولائه، الأمر الذي يفسر استقطاب حركتي "فتح" و"حماس" لقطاع كبير من المجتمع الفلسطيني (تمثل حكومة رام الله رب عمل لحوالى 143 ألف موظف، وحكومة "حماس" رب عمل لحوالى 30 ألف موظف).
في الوقت نفسه يكشف كتاب الصوراني الدور السلبي الذي تقوم به المنظمات غير الحكومية، ويشير إلى ترهل قوى اليسار بسبب سياساتها الانتهازية الممالئة للسلطة. إن الوضع الراهن كما يقول الصوراني "يشير إلى أن السياسة باتت فناً للفوضى، أو الموت البطيء بدلاً من فن إدارة الصراع الوطني والاجتماعي، وهي حالة يمكن أن تؤدي إلى نكبة أشد خطراً وعمقاً من نكبة 48". لذلك يختم كتابه بالقول: "إن المرحلة الراهنة، بكل محدداتها ومتغيراتها الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية، تشير بوضوح إلى أن آفاق النضال القطري الفلسطيني مسدودة، مهما كانت بطولة المناضلين وجدية القادة، فكيف إذا كانت البنية والنهج يعانيان من أزمات مستعصية مرتبطة إما باليمين السياسي (فتح) أو باليمين الديني السياسي (حماس) أو بكليهما معاً، الأمر الذي يفرض على القوى اليسارية أن تخرج من أوهام "الحل المرحلي" وتعيد صياغة الرؤية الإستراتيجية التي تستند على النضال من أجل تحقيق هدف إقامة فلسطين الديموقراطية لكل سكانها كجزء لا يتجزأ من الدولة العربية والمجتمع العربي الاشتراكي".
(كاتب فلسطيني)