اليمن: أيّ مستقبل؟

تاريخ الإضافة الجمعة 4 تشرين الثاني 2011 - 6:36 ص    عدد الزيارات 888    التعليقات 0

        

 

 
اليمن: أيّ مستقبل؟
 
د.حسين صفي الدين*
 
 
مع عودة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى صنعاء، بعد فترة علاج في المملكة السعوديّة. أثيرت أسئلة كثيرة حول طبيعة عودته وأهدافها، وحول الدور السعودي الأميركي في هذه الأحداث.
 
عودة ترافقت مع تصعيد عسكريّ، ومعارك في بعض مناطق الجنوب، بين القوّات العسكرية المنشقّة التابعة لمحسن صالح ومسلّحي القاعدة، وكذلك أعمال عسكريّة بادر إليها الحرس الجمهوري بقيادة ابن الرئيس صالح أحمد ضدّ تجمّعات المعارضة في تغر وصنعاء. إنّ الحراك اليمنيّ من أجل التغيير وإسقاط حكم الرئيس صالح وطبيعة القوى المشكّلة للمعارضة، يأتي ضمن تراكمات تاريخيّة لأداء الرئيس وسياساته. في ظلّ أوضاع اقتصاديّة واجتماعيّة مأزومة، وزيادة البطالة والفقر. واليمن في ظلّ حكم صالح عاش في أجواء حروب داخليّة: حربين ضدّ الجنوب، حروب ضدّ الحوثيّين (مع استجرار تدخّل سعوديّ)، وحرب أمنيّة ضدّ القاعدة منذ العام 2000 (بعد حادثة تفجير المدمّرة الأميركيّة "كول")، وما يقارب من أربعماية حرب ثأريّة وقبليّة كان لأجهزة الأمن والجيش دور كبير في تأجيجها.
 
ولا شكّ أنّ واقع الانتفاضات والثورات في أكثر من بلد عربيّ، كان له تأثير بشكل أو بآخر في اندلاع الثورة اليمنية وهذا الحراك العربي، الذي نستطيع وصفه تحت عنوان عمليّة قطع، مع نظام سياسيّ استمرّ لستّة عقود من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية – والذي اتّسم بغياب الديمقراطية (بغَضّ النظر عن طبيعة بنية الأنظمة وتوزّعها بين ملكيّة وجمهورية وإمارات وسلطات) والاستبداد. وغياب تداول السلطة وحكم الفرد، وغياب الحرّية وتعدّد الأحزاب.
 
ولكن يبقى لليمن خصوصيته لموقعه الجغرافي الاستراتيجي. فهو بوّابة باب المندب (على القرن الافريقي) وله ميناءان (ميناء عدن وميناء الحديدة، في خطّ بحريّ تجاريّ لناقلات النفط عبر البحر الأحمر وقناة السويس إلى المتوسط، وحدود بحريّة مع دول القرن الافريقي، أثيوبيا وإرتيريا وجيبوتي والصومال.
 
كذلك حدود برّية مع عمان والمملكة العربية السعودية، وهذان الحدّان شهدا من ثلاثينات القرن الماضي وتسعينياته نزاعات وحروب حول ترسيم الحدود "الحرب السعوديّة اليمنيّة 1934 – التي بنتيجتها خسر اليمن منطقة نجران الشماليّة وجزءاً من جيزان.
 
وفي البحر تعرّض لحرب (مع ارتيريا مدعومة من الكيان الإسرائيلي في أرخبيل حنيش 1996- والذي لم ينتهِ إلّا بتحكيم دوليّ دام لسنوات، من دون أن تتوقّف الأطماع باليمن وأرضه وقراره السياسي.
 
وفي مواجهة هذه الأزمات تتّهم المعارضة الرئيس صالح – وتحمّل مسؤوليّة الأوضاع التي آلت إليها البلاد لسياسات الرئيس – الذي حاول أن يعمل عبر الاستعانة بمؤسّسات الدولة ومقدّراتها لتشكيل قبيلته هو، بمواجهة الواقع القبلي، على حساب الجمهورية ومسارها، وانتهى به الأمر الى تكريس واقع التوريث في الحكم مع ما يستلزم ذلك، من تنازلات – وتحالفات ومضادّات، وصراعات ونزاعات سياسيّة وعسكريّة.
 
فهو افتتح ولايته الرئاسية الأولى عام 1979 بحرب ضدّ جمهورية اليمن الشعبية في الجنوب راح ضحيّتها الآلاف.
 
إنّ إعلان الوحدة بين الشطرين الجنوبي والشمالي كان حادثاً أقلق المملكة السعودية، إذ إنّ الوحدة كانت تعني قوّة إضافية لليمن، هذه الدولة التي كانت قد أصبحت دولة نفطيّة، مع ما يعنيه ذلك من استقلاليّة في القرار السياسيّ ودور مؤثّر على صعيد المنطقة.
 
  
 
اليمن أي مستقبل..
 
 وإذا كان الإعلان عن رفض الوحدة لم يكن ممكنا في العلن - فإنّ التآمر بقي قائما ينتظر الفرص المناسبة، وكانت هذه الفرص ليست بقليلة وجاءت سريعة. فالغزو العراقي للكويت، وموقف جمهورية اليمن الرافض له، والمتضامن مع العراق، شكّل مبررا للسعودية لاتخاذ قرارات مؤذية بحق اليمن، حيث تمّ طرد ما يزيد على (800,000) يمني يعملون في السعودية - مع الأضرار المترتبة على هذا القرار من غياب تدفّق الأموال إلى البلاد، والتي كانت تقدر بـ مليار ونصف د.أ.، وحين كان كلّ يَمني يعمل في الخارج يعيل سبعة أشخاص في الوطن.
كذلك، أخذت دولة الكويت قرارا مشابها - كان ضحيَّته 300000 يمني كانوا يعملون في الكويت. / هي التي اعتبرت أنها قدمت الكثير لليمن/ ضمن التمايزات الخليجية... وكذلك بدأ السعي الحثيث لتقويض الوحدة "وليس النظام" بكل ما أوتيا من قوة وإمكانات مالية وسياسية، وفتحت خطوط في الداخل اليمني لاستغلال الخلافات التي كانت قد بدأت حتى قبل إنجاز الوحدة، فالأطراف المتحالفة أو المقرّبة من السعودية كانت ضد الوحدة لأسباب مختلفة. أحيانا بمقولة أن الجنوب كافر، وبالتالي يجب تطهيره قبل الوحدة. بمعنى أنّ الوحدة تبدأ بحرب ضد الجنوب وتصفية النظام الاشتراكي فيه، وبعدها يتمّ التوحيد، وهذا كان رأي السلفيين، وحزب الإصلاح، والقاعدة/ وبعض القبائل. والشيخ الأحمر الذي كان الحليف الأساسي لحكم علي عبد الله صالح، والذي حاول الأخير إقناعه بضرورة الخروج من حزب المؤتمر الشعبي الأم، وتأسيس حزب جديد (حزب الاصلاح / الاسلامي).
وطلب الرئيس من الشيخ الأحمر تشكيل حزب يكون رديفا لحزب الرئيس (المؤتمر الشعبي العام)، وذلك بغرض معارضة الاتفاقات الوحدوية التي أبرمها الرئيس صالح مع حليفه المستجد في الوحدة - الحزب الاشتراكي اليمني الممثل للجنوب. من أجل تعطيل تلك الاتفاقات وعدم تنفيذها (مذكرات الشيخ عبد الله الأحمر دار الآفاق للطباعة 248)، والهدف من ذلك هو خلق أزمة سياسية بين شريكي الوحدة تهيئ لإعلان الحرب على الجنوب، ترافق ذلك مع تصاعد نشاط القاعدة بالتواطؤ مع السلطة في جملة من أعمال الاغتيال والقتل بحق قيادات الاشتراكي اليمني، وبعض التفجيرات في عدن، وبعض مناطق الجنوب - من دون أي محاسبة.
وهذه الاتجاهات - كانت تستعيد الأيام الأولى لاستقلال الجنوب الذي ومنذ تأسيسه بعد انتصار الجبهة القومية - كان اعتراف جمهورية الشمال بالكيان الجديد على مضض. فقد تمّ جلاء الاستعمار البريطاني من الشطر الجنوبي من اليمن في 30 تشرين الثاني 1967، وأعلنت دولة في الجنوب بزعامة الجبهة القومية. ولم تكن فكرة إقامة دولة في الجنوب واردة في ذهن القيادة في الشمال، وإزاء ذلك انقسمت القيادة في موقفها بين رافِض لقيام الدولة في الجنوب وبين قابل للأمر الواقع.
وهذا القبول جاء في ظروف صعبة عاشها الشمال، بعد انسحاب القوات المصرية، واشتداد هجمات الملكيين ضد الجمهورية، وحصار صنعاء، "فلم يكن بإمكان السلطة الجمهورية في الشمال أن تحارب على جبهتين". [اليمن حقائق ووثائق عشتها- / مؤسسة العفيف صنعاء / سنان أبو لحوم].
وهذا الواقع يتأكد من خلال ما يكشفه الشيخ الأحمر في مذكراته / مرجع مذكور سابقا، مرتجى المتوكل - إنّ اعتراف حكومة الشمال باستغلال الجنوب كان نابعا من مصلحة حكم الشمال في حال سقوط صنعاء بأيدي الملكين / حصار صنعاء 1967/ كي تصبح عدن قاعدة خلفية لمقاومتهم - "وكان الرأي، ألّا يهاجم الجنوب ولا يُعترف به، لكن الأكثرية قالت إنّ الاعتراف بالجنوب فيه حماية للجمهورية فيما لو سقطت صنعاء - فلو سقط النظام الجمهوري في صنعاء ستكون الجمهورية في الجنوب سندا لنا، كما أن عدم الاعتراف معناه أن نجعل لنا خصمين وهذا ليس في صالح الشمال - وعلى هذا الأساس صدر قرار الاعتراف بالنظام في عدن". (مرجع سابق - مذكرات عبد الله الاحمر). في تلك الأجواء السياسية - المعادية للوحدة ولكنها مع الضَم - حصلت الوحدة، وكانت البيئات جاهزة للتصادم، وتغيير المسارات أوصلت إلى الصدام الحتمي. والحرب الأهلية، التي هزم فيها الجنوبيون ونتج عنها تدمير المؤسسات وتسريع وحدات عديدة من الجيش الجنوبي واستبيحت الأراضي والممتلكات. وكانت هذه الحرب وكأنها تتويج لأهداف السلطة في الشمال - وحلفائها القبليين والإسلاميين في ضَم الجنوب - وإسقاط الوحدة.
 
اليمن: أيّ مستقبل؟
إنّ نتائج الحرب (صيف 1994) أرخت بظلال نتائجها على واقع مواطني الجنوب، من غياب أدنى حقوقهم، بفقدان الطبيعة المدنيّة للحكم وإهدار الحقوق وضياع المصالح. ونشأت في وقت متأخّر على الحرب حركة الاحتجاجات الجنوبية، التي أخذت «الحراك الجنوبي» إطارا سياسيّا لها، فكان تصادم بين ثقافة الحكم المدني والحكم القبلي، وهذه الثقافة المدنيّة التي تكرّست عبر عقدين من الحكم المدني الاشتراكي في الجنوب، جعلت الجنوبيّين أكثر تمسّكا بها، وانبروا للدفاع عنها عبر نشاط سياسيّ احتجاجي، وتشكيل أُطر تنظيمية له، وأصبحت لاحقا جزءاً من المعارضة اليمنية الوطنية لحكم علي عبد الله صالح.
كان الحراك الجنوبيّ، أوّل وليد في المعارضة لسياسة علي عبد الله صالح، فمن تحالف وعقد اتفاقيّات الوحدة، إلى التصادم والحرب، نلاحظ أنّ هذا النمط من التحالفات والتصالحات تتبعه الصراعات والخلافات التي كانت من السّمات التي طبعت سياسات علي عبد الله صالح على مدار ثلاثة عقود من حكمه.
فالحركة الإسلامية، كممثل عن الإخوان المسلمين، بزعامة الزنداني، وحزب «الإصلاح» بقيادة عبد الله الأحمر كزعيم من قبيلة حاشد، شكّلا حلفا إسلاميّا - سياسيّا، ثابتا وقويّا وداعما لصالح.
وكذلك، قدّم علي عبد الله صالح الكثير لهما على حساب المؤسّسات الحكوميّة، فالزنداني ومنذ العام 1979 أعطيت له حرّية الحركة في إقامة المدارس، ونشر السلفيّة في كلّ أنحاء البلاد، بما فيها الشمال، حيث مناطق الوجود الزّيدي الأساسي.
وكذلك أطلقت يده في تجنيد المقاتلين والمجاهدين للقتال في أفغانستان، وكان له مكتب في صنعاء يضجّ بالحركة، وكانت له الحرّية المطلقة في العمل والانتقال.
وكذلك عبد الله الأحمر الذي لعب دور العرّاب لسلطة صالح، فبعد أن كان غير موافق على تولّي صالح للرئاسة في العام 1978، عاد وقبل بعد تدخّل سعوديّ، وهو الذي يتمتّع بعلاقة وطيدة مع السعودية منذ أيام والده، وإبّان القمع الذي تعرّضت له زعامة قبيلة حاشد، وتمّ حينها قتل حسين الأحمر المحتجز في قصر الإمام.
هذه العلاقة بقيت مستمرّة وتوارثها أبناء عبد العزيز مع آل الأحمر، وفي أوّل انتخابات برلمانيّة في العام 1971، انتخب عبد الله الأحمر رئيساً للبرلمان وبقي في هذا الموقع حتى وفاته.
وهذان الحليفان لعبا دورا في خلق جسر مصالح، بين نظام صالح والمجاهدين الذين عادوا إلى اليمن في العام 1989 تحت عباءة الزنداني (لم يكن تنظيم المجاهدين قد أخذ تسمية القاعدة في اليمن بعد)، لاستخدام قدراتهم ضدّ الجنوب، حيث سُهِّلت لهم الحركة للقيام ببعض النشاطات الأمنيّة، من تفجيرات وأعمال اغتيال قبل الوحدة وبعدها، حيث تكثّفت هذه العمليّات بتواطؤ الأجهزة الأمنيّة، وحيث كان لمحسن الأحمر الأخ غير الشقيق لصالح دوركبير في رعاية هذه العمليّات الأمنية من تفجير واغتيالات، ساهمت بشكل مباشر، إلى عوامل أخرى، في انفجار الوضع بين طرفي الوحدة.
 
اليمن: أي مستقبل؟
ومن ناحية ثانية، ساهمت قبيلة حاشد وحلفائها القبليين والإسلاميين والقاعديين، بكل حروب صالح الداخلية - ضد الجنوب من ناحية وضد الحوثيين. وهذه العلاقة بدأت تتراجع، عندما برزت إلى السطح مسألة انتقال السلطة التي غلب عليها موضوع التوريث. فعلي عبد الله صالح بدأ بعملية دفع إبنه أحمد الذي عيّن رئيسا للحرس الجمهوري، وكذلك بدأت تعيينات مقرّبين لـ صالح في مواقع أساسية في الأمن والجيش. وكذلك محاولات التملّص من جملة ارتباطات في استحقاقات سياسية داخلية، فتراجع دعم القبائل وزادت مخصّصات الحكم خارج الميزانية بُغية استقطاب بعض المجموعات القبلية والفعاليات السياسية، ما أثار حفيظة الأحمر.
إضافة إلى سياسات علي عبد الله صالح، والتحالفات التي صاغها والتي اتسمت بتناقضاتها. فبعد حرب الجنوب التي خاضها متحالفا مع "حزب الاصلاح" والقاعدة والقبائل، تحالف مع الحوثيين في انتخابات عام 1997. وخلال خمسة أعوام، خاض الحرب ضدهم مُستعيدا تحالفه مع حزب الإصلاح والقاعدة، وهكذا...
ومن ناحية ثانية، فالعلاقة التي حكمت علاقة النظام بالقاعدة حكمها التباس كبير، لأنّ التحالف كان عبر الزنداني والحركة السلفية بشكل عام. فالنظام، وفي الفترة الممتدة بين العام 1989 (عودة المجاهدين إلى اليمن بعد الخروج السوفياتي من أفغانستان) وحتى العام 2001، لم تشهد أي تصادمات، بل على العكس فقد سمح لمسلّحي القاعدة بالتواجد في أكثر من محافظة جنوبية، إبين وتعز وغيرهما... ومن ناحية ثانية، فالقاعدة لم تمارس أي عمل أمني ضد النظام وقوّاته، أو ضد الأميركيين والغرب على ساحة اليمن طيلة تلك الفترة حتى عملية المدمرة كول عام 2000 التي سبقتها. فتحتَ الضغط الأميركي الغربي، إضطرّ النظام (ولكن ليس بحماس) إلى القيام ببعض الأعمال الأمنية ضد القاعدة، وكأنه يدفع إلى المواجهة مع التنظيم دَفعا. ومن جهة أخرى، فالقاعدة بدأت فعلها الأمني كردّة فِعل على عمليات الجيش والأمن اليمنيين، وكذلك العمليات الامنية الأميركية - اليمنية المشتركة، في اغتيال قيادات القاعدة، عبر استخدام الاجواء اليمنية من قبل الاميركيين لطائرات من دون طيّار، (قتل سنان الحارتي - أبو علي الحارتي. في محافظة مأرب بهجوم صاروخي أميركي على سيارته في 3 تشرين 2002).
والعلاقة مع الحوثيين لم تكن أقلّ التباسا، فعلي عبد الله صالح - ومنذ تسلّمه السلطة - أعطى للحركة السلفية الوهابية حرية الحركة في التبشير والدعوة، وقد دخلت الوهابية إلى صعدة معقل الزيدية عبر رجال دين يمنيين انتقلوا إلى الوهابية وتبنوا مشروع التبشير المذهبي، وتم تشييد المساجد والمدارس في ضواحي المديرية بإشراف الشيخ مقبل الوداعي السلفي اليمني.
وبدأت لغة تكفير المحيط الزيدي ترتفع، مترافقة مع غطاء رسمي شكّل حماية لهذه الحركة الوهابية في صعدة. ما أثار ذعر الوسط الزيدي، وتخوّفه من أن هناك مشروعا منظما لإنهاء الحالة المذهبية الزيدية واستئصالها.
هذا المنحى لم يمنع الرئيس صالح من الدخول في مساومات سياسية، ربما لتوازن سياسي ما مع حلفائه (الاصلاح والسلفية)، وربما لمنع تطور التحالف الذي قام بين الحوثيين والحزب الاشتراكي اليمني في أول انتخابات بعد الوحدة 1993، فهو دائما يجيد لعبة التوازنات - عبر التحالفات والتحالفات الموازية مع متخاصمين - وعبر إذكاء الصراعات بين القبائل والمجموعات المختلفة. وفي عهده نشبت حرب 1979 مع اليمن الديموقراطي التي استمرت حتى العام 1982، وذهب ضحيتها من الطرفين أكثر من 20 ألف يمني ويمنية، ونصفهم من الجرحى والمعوقين في حرب 1994 (27 نيسان 1994). وذهب ضحيتها آلاف اليمنيين مع الجنوب في ظل الوحدة. عِلما أنّ حروب الحوثيين هي ستة حروب، من العام 2004 وحتى 2010.
وهناك ما يزيد عن 400 حرب قبلية ثأرية وصراع مسلّح، حصلت في عهد صالح، في مختلف مناطق اليمن. وتقول الدراسات إنّ معظم تلك الحروب والصراعات المسلحة القبلية كانت السلطة وأجهزة الأمن والقوات المسلحة طرفا فيها، كما كان الحال في حروب قراضة بتعز، وزبيد بمحافظة الضالع، وبيت المليكي وذي السفّال بمحافظة إب، ورداع بمحافظة البيضاء، وحرف سفيان بمحافظة عمران، وحروب الكبس في خولان، والحداء في ذمار.
ومن الأسباب التي تورد في أسباب هذه الحروب، الإستبداد السياسي وحكم الفرد ومزاجية القرار، وغياب دولة القانون والمؤسسات، وغياب العدالة، وعدم استقلالية القادة، وعدم خضوع القوات المسلحة لسلطة الحكومة، وجعل سلطة القرار فيها بيد الرئيس وعدد من أفراد أسرته (الفرقة الأولى مدرعات، والقوات الجوية والحرس الجمهوري، والأمن المركزي، وهي ما يعتبر قوات أمن النظام الأساسية)...
اليمن: أيّ مستقبل؟ (جزء أخير)
أمّا العامل الحاسم في كسر العلاقة مع القبائل والسلفيين، فكان موضوع التوريث الذي بدأ صالح العمل عليه وبشكل جدّي، بعد إعادة تصحيح العلاقة مع السعودية، في العام 2000. تثبت إبنه أحمد وعبر محسن الأحمر في مواقع أمنية هامة وحاسمة. وبالتدريج، بدأ يشعر أبناء عبد الله الأحمر بالتهميش. ما ساهم إلى حَد كبير، في تدهور العلاقات، وتاليا التحالف الذي كان قائما، ما دفع بـ شيخ مشايخ حاشد للانضمام إلى صفوف المعارضة.
هكذا، وعلى مدى ثلاثة عقود من حكمه، أنتج معارضة منوّعة في بنيتها، ومختلفة في أهدافها، ولكنها توحدت حول إسقاط حكم حكمه.
وفي غمرة الأحداث المتلاحقة، تمّ التعتيم على الحركة الشبابية خارج إطار الحركة السلفية، والقاعدة، والقبائل، وحتى الحراك الجنوبي، والحركات الشبابية، وقسم كبير من اليمنيين الذين عانوا السياسات الاقتصادية للدولة وغياب التنمية، وتدنّي الأجور وانتشار الفساد على مستوى سلّم السلطة من الرأس حتى أصغر الدوائر، وانتشار الفقر، ودخل الفرد الذي وصل إلى 1,3 دولار يوميّا.
هذه الحركة الشعبية تتحرّك خارج إطار ما هو سائد في التحليلات حول الواقع اليمني، ففي حين أنّ اليمنيين الذين يعودون الى أصول قبلية... نسبتهم تصل إلى 75 في المئة من الشعب اليمني، هناك دراسات تشير إلى أنّ ما يقارب من 62 في المئة من اليمنيين يتحركون خارج القرار القبلي، في ظلّ حيوية ثقافية متقدمة ضمن الاتجاهات القومية واليسارية.
"في ما يسمّى بالشمال، نجد في المدن اليمنية، وخصوصا من اليمن الأسفل والأوسط، من لا يعرف إطلاقاً الأسلوب القبلي. وحتى وإن وجد، فهو صدى فولكلوري. ففي هذه المنطقة يكون الانتماء للأسرة والقرية، أكثر من الانتماء للقبيلة".
"والقول إن أكثر من 60 إلى 65 في المئة من مناطق اليمن لا توجد فيها عصبية قبلية. ليس فيه مبالغة". السفير - 29/12/1992 - من مقال: "عصرنة اليمن بإرساء الديموقراطية"، للدكتور أبو بكر السقاف / أستاذ الفلسفة في جامعة صنعاء.
"أمّا نسبة الـ 35-40، هذه المجموعة تحافظ على مكانة القبيلة، وتحاول فرض قيمتها بمساندة السلطة المتحدة معها، وهذه هي إحدى قضايا الصراع بين قوى التحديث وقوى التخلف".
/المرجع نفسه/
وهذا ما دفع إلى نقاش، وتقييم لتجربة السلطة الجمهورية، التي قدّمت التنازل تلو التنازل للمجموعات القبلية والدينية المذهبية وبعض مراكز القوى، على حساب مؤسسات الدولة ودورها السياسي والأمني والتنموي. فالدولة الجمهورية تخوض معاركها إلى جانب مجموعات قبلية مسلحة / أشبَه بالميليشيا، والقيادات القبلية لها تأثيرها في القرار السياسي في أغلب الأحيان، ولها مكاسبها المالية من خزينة الدولة وفق رغبة الرئيس. وهذا ما خَلخل البنية المؤسسية للنظام، وأصبحت السلطة، والرئيس على رأسها، فريقا ضمن فرقاء متخاصمين، وكلّ واحد له علاقاته الداخلية وسلاحه / وعلاقاته الخارجية والإقليمية (والدولية؟!) وتحالفاته، ومن يدعمه بالمال والسلاح.
إنّ المواجهة التي تخاض اليوم في اليمن، تحت شعار إسقاط النظام ضمن المناخ العام في البلدان العربية، من أجل التغيير وتطوير البنى السياسية، تأخذ خصوصية في هذا البلد العربي. وتحديدا، بطبيعة المعارضة اليمنية واللقاء المشترك وطبيعة القوى المنخرطة فيها، والتي تحاول جاهدة الابتعاد عن الصدام العسكري، الذي يحاول النظام دفع المعارضة إليه، من دون جدوى حتى الآن.
*باحث

الدور الاستراتيجي الذي يؤديه إقليم كردستان في عمليات تنظيم "الدولة الإسلامية" - مفترق طرق في الصراع..

 الإثنين 2 أيلول 2024 - 6:02 ص

الدور الاستراتيجي الذي يؤديه إقليم كردستان في عمليات تنظيم "الدولة الإسلامية" - مفترق طرق في الصراع.… تتمة »

عدد الزيارات: 169,670,597

عدد الزوار: 7,587,747

المتواجدون الآن: 0