مأزق قانون التجنيد في إسرائيل..هل يُجبر "الحريديم" على الانضمام إلى الجيش؟..
مأزق قانون التجنيد في إسرائيل.. هل يُجبر "الحريديم" على الانضمام إلى الجيش؟..
الحرة / خاص – دبي.. القانون الإسرائيلي كان يسمح لـ"الحريدي" الإعفاء من الخدمة العسكرية الإجبارية..
تواجه الحكومة الإسرائيلية ضغوطا متزايدة من قطاعات واسعة في المجتمع الإسرائيلي تطالب بإخضاع اليهود المتدينين "الحريديم" للتجنيد الإجباري أسوة ببقية الإسرائيليين، وفق ما يؤكد محللون لموقع "الحرة". وجاء مشروع قانون التجنيد الإجباري الذي تعتزم الحكومة الإسرائيلية مناقشته هذا الأسبوع، ليزيد من حدة هذه المطالب، خصوصا بعدما نشرت وسائل الإعلام جزءا من التشريع المقترح، الذي يبقي إعفاء "الحريديم" من الانضمام إلى الخدمة العسكرية الإلزامية. وهدد عضو حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس، هذا الأسبوع، بالاستقالة من حكومة الطوارئ، إذا أقر الكنيست التشريع المقترح. فيما وصفه زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد بـ"قانون التهرب". ولم يُكشف بعد عن تفاصيل التشريع المقترح، لكن الأجزاء التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية أشارت إلى أنه سيُبقي على الإعفاء المثير للجدل لليهود المتدينين من الخدمة العسكرية، بل ربما يوسعه. وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فإن مشروع القانون سيمدد إعفاء خريجي المؤسسات التعليمية "الحريدية" لمدة 3 سنوات أخرى، كما سيسمح فقط بعقوبات مالية بدلا من العقوبات الجنائية للمتهربين من التجنيد. ويتضمن مشروع القانون أيضا، رفع السن الذي يصبح فيه الرجال "الحريديم" أكبر من أن يتم تجنيدهم من 26 إلى 35 عاما، الأمر الذي قد يجبرهم على البقاء في المدرسة الدينية لمدة 9 سنوات إضافية، إذا كانوا يرغبون في الاستمرار في تلقي الإعفاءات.
لماذا يرفض "الحريديم" التجنيد؟
كان القانون الإسرائيلي يسمح لكل من انتسب للتعليم الديني الأرثوذكسي المستقل "الحريدي" لمدة لا تقل عن 4 سنوات بالإعفاء من الخدمة العسكرية الإجبارية عند بلوغه سن الثامنة عشر، حسبما يقول لموقع "الحرة" أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، عضو اللجنة المركزية لحزب العمل، مئير مصري. ويعود قرار إعفاء شباب "الحريديم" من التجنيد الإجباري، حال التحاقهم بالمدارس الدينية، إلى تسوية تم التوصل إليها في عهد مؤسس الدولة، ديفيد بن غوريون، في عام 1948، بحسب ما ذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية في تقرير، مشيرة إلى أن هذا الأمر أصبح مثيرا للجدل بشكل متزايد مع توسيع الإعفاءات، بفضل قرار صدر عام 1977.
يرفضون التجنيد في الجيش الإسرائيلي.. من هم اليهود الحريديم؟
انتقد زعيم المعارضة في إسرائيل، يائير لابيد، الأحد، أعضاء الطائفة اليهودية الأرثوذكسية "الحريديم"، قائلا إن العديد منهم لا يعملون، وسيجدون صعوبة في التكيف مع الحياة خارج إسرائيل. ووفق ما تنقله صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن مسؤولين في الجيش الإسرائيلي، فإن عدد طلاب المدارس الدينية في سن التجنيد حاليا يبلغ نحو 66 ألف شاب، تتراوح أعمارهم بين 21 و26 عاما. وفي اتصال هاتفي مع موقع "الحرة"، يقول المحلل السياسي الإسرائيلي، مردخاي كيدار إن رفض طائفة "الحريديم" الالتحاق بالجيش يرجع إلى أسباب تتعلق بسلوكهم الاجتماعي، "إذ ينظرون إلى الدولة باعتبارها علمانية لا تحافظ ولا تطبق الشريعة اليهودية". ويضيف كيدار: "ليس فقط التجنيد ما يمتنعون عنه، هم منغلقون أيضا ولا يشاركون في الحياة العامة"، مشيرا إلى أن "المشكلة الجوهرية تتمثل في انعزالهم عن المجتمع. ولا بد أن يعودوا للانخراط فيه". ولدى الجيش الإسرائيلي وحدات قتالية تراعي تطبيق الشريعة اليهودية من عدم الاختلاط بين الرجال والنساء، وتوفير المأكولات "الكوشر" (الحلال)، بحسب كيدار الذي يقول إن هناك متدينين في إسرائيل يوافقون على التجنيد في الجيش على خلاف "الحريديم".
مدى حاجة الجيش إليهم؟
ويأتي مشروع القانون الحالي في وقت "دقيق" بالنسبة لإسرائيل، بحسب ما يقول محللون لموقع "الحرة"، إذ تم استدعاء آلاف من الجنود للمشاركة في الحرب على قطاع غزة والجبهة الشمالية على حدود لبنان منذ ما يقرب من 6 أشهر. ويؤكد المحلل السياسي الإسرائيلي يوآف شتيرن لموقع "الحرة"، أن "هناك حاجة لتجنيد (الحريديم) في الجيش، ليس كلهم على الأقل الآن، في ظل نقص عدد الجنود في الجيش"، لافتا إلى أنه لهذا السبب "هناك حديث أيضا عن إطالة أمد التجنيد الإجباري، وتبكير موعد تجنيد بعض الشباب". ومؤخرا أعلن الجيش الإسرائيلي عن خطط لإطالة مدة الخدمة العسكرية للمجندين النظاميين وتأخير تقاعد جنود الاحتياط، حسبما ذكرت موقع قناة "آي 24" الإسرائيلية. ويعتبر مئير مصري أن "إشكالية الموضوع لا تكمن في حاجة الجيش إلى مزيد من القوى العاملة، بقدر أهميتها من المنظور الوطني". وهو ما يؤكده أيضا كيدار الذي يقول: "بعض المتدينين المتطرفين ينظرون إلى الدولة كأنها لا تستحق التضحية، لأنها ليست دولة مثالية من الناحية الدينية من وجهة نظرهم". أثار كبير الحاخامات السفارديم في إسرائيل، يتسحاق يوسف، ضجة كبيرة خارج الدائرة المحدودة لمجتمع إسرائيل المتدين، حينما أعلن أن المتدينين المعروفين باسم "الحريديم" قد يغادرون البلاد إذا ما تم تجنيدهم في الجيش، حسبما ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية. وتشكل طائفة "الحريديم" نحو ثُمن سكان إسرائيل، ومن المتوقع أن يمثلوا الربع بحلول عام 2050، بحسب "فاينانشال تايمز". ويقول شتيرن إن "طلاب مجتمع (الحريديم) يشكلون حاليا 25 بالمئة من إجمالي طلاب الصف الأول في إسرائيل. وبعد 20 عاما سيكونون أكثر بكثير؛ وفي هذه الحالة لا يمكن أن يتحمل المجتمع الإسرائيلي عبء تجنيد الجيش دون (الحريديم)". في المقابل، لا يعتقد مصري أن هناك حاجة ماسة في الوقت الحالي لتجنيد شباب "الحريديم"، قائلا إن المساعي الداعية إلى استيعاب "الحريديم" في الجيش تأتي من منطلق المطالبة بتكافؤ الفرص وبالمساواة بين المواطنين، إذ إن هناك أيضا مساعي مشابهة لتجنيد أبناء المكون العربي بشكل أوسع، بهدف إدماجهم في المجتمع.
هل يُجبرون على التجنيد؟
استبعد الخبراء والمحللون خلال حديثهم مع موقع "الحرة" أن يتم إجبار "الحريديم" على التجنيد الإلزامي في إسرائيل. كما اتفقوا على أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لن تكون قادرة على هذه الخطوة، نظرا إلى التداعيات السياسية من رفض "الحريديم" التام، إذ يقول كيدار: "حتى إذا كان هناك قانون يُجبر (الحريديم) على التجنيد، فلا يمكن تجنيدهم بالقوة في كل الأحوال". ويضيف: "هذا إلى جانب أن الائتلافات الحزبية في الكنيست تريد دائما إرضاءهم ومنحهم ميزات اقتصادية، للفوز بتأييدهم، نتيجة حضورهم الكثيف باعتبارهم كتلة سكانية كبيرة جدا". ويرى مصري أن مشروع قانون التجنيد العسكري الذي يمنح الإعفاء سيتم إقراره، و"إلا سوف تنهار الحكومة"، قائلا: "نعم، ليس لدي شك في ذلك. سوف يُجدد القانون، وإلا فسوف تنهار الحكومة". فيما يعتبر شتيرن أن "هذا القانون سوف يصبح نقطة خلاف رئيسية يتم على إثرها تفكيك الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة". ويضيف: "السياسيون قد يستغلون هذا الخلاف، خصوصا في ظل إجماع داخل المجتمع الإسرائيلي، سواء الوسط أو اليسار أو العلمانيين، وربما بعض المتدينين الذين هم ليسوا من (الحريديم)، للذهاب إلى الانتخابات ليس بسبب حماس والحرب بل نتيجة الخلافات الداخلية". وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، الذي بدأ للتو زيارة رسمية للولايات المتحدة، أنه "لن يؤيد" مشروع القانون المقرر عرضه على مجلس الوزراء، الثلاثاء. ولهذا يرى شتيرن أن معارضة وزير الدفاع غالانت لمشروع القانون قد ترجح سيناريو تفكيك الحكومة، "لأنه شخصية مهمة جدا في الائتلاف".