جون كيري وفرصته السورية الثانية

تاريخ الإضافة الأربعاء 6 آذار 2013 - 6:09 ص    عدد الزيارات 806    التعليقات 0

        


جون كيري وفرصته السورية الثانية
بقلم فؤاد عجمي....باحث في جامعة ستانفورد الاميركية ترجمة نسرين ناضر

 

فيما تدخل الحرب التي انحدرت بسوريا إلى أدنى المستويات وتكاد تؤدّي إلى تقسيمها، عامها الثالث، لا يزال الائتلاف غير المتبلور المعروف بـ"أصدقاء سوريا" يحوم خارج المسرح الحقيقي للأحداث.

الديموقراطيات الغربية والحكومات العربية المعتدلة والمنظمات الدولية التي تشكّل هذا الائتلاف هي فعلاً صديقة للمعارضة في وجه النظام المستبدّ لبشار الأسد، إنما من مسافة بعيدة. فهؤلاء الأصدقاء يستعدّون دائماً لعقد اجتماعات جديدة، ويضعون مجموعة تلو الأخرى من المعايير، ثم يرتأون أن المعارضة لم تحقّق مستوى كافياً من التعدّدية والتفاني الديموقراطي كي تستحقّ الدعم الحقيقي والكامل من الائتلاف.
يعد كيري من جهته ببداية جديدة، فقد أعلن "نحن مصمّمون على عدم ترك المعارضة السورية معلّقة في الهواء فيما تتساءل أين هو الدعم أو إذا كان سيأتي. نحن عازمون على تغيير الحسابات على الأرض بالنسبة إلى الرئيس الأسد".
بيد أن حظر السلاح الذي تفرضه أوروبا لا يزال قائماً، كما أن السياسة الأميركية لا تزال تقتصر على المساعدات "غير القاتلة". إذا أكمل كيري من المكان الذي وقفت عنده وزيرة الخارجية السابقة، لا يلوح في الأفق أي خلاص للشعب السوري. فطوال عامَين دمويين لقي خلالهما عشرات الآلاف مصرعهم، طبّقت هيلاري كلينتون ديبلوماسية "القيادة من الخلف" وهدرت الوقت في التعامل مع الثورة السورية.
إلا أنه ظهرت في الآونة الأخيرة أنباء تفيد بأن كلينتون، وهذه نقطة إيجابية تُسجَّل في رصيدها، أيّدت مع وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان ومدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي)، تسليح المعارضة السورية العام الماضي، لكنهم خضعوا لقرار الرئيس الذي لم يرد تحمّل أي أعباء جديدة في ساحة حرب عربية. نحتار في أمرنا أمام معلومة من هذا النوع، أو نتساءل عن مدى جدّيتها. لم يستقل أحد من حيث المبدأ.
بالنسبة إلى كيري، هناك عبء إضافي ملقى على كاهله، ويتمثّل في دوره في السياسة الأميركية الكارثية التي انتهجتها إدارة أوباما في التعامل مع دمشق لدى تسلّمها السلطة. كان مستشارو أوباما مقتنعين بأن سياسة بوش تسبّبت باستثارة عداء النظام في دمشق، من دون أن يكون هناك من داعٍ لذلك، وبأنه بإمكان الأميركيين إبعاد النظام السوري عن طهران. ولهذه الغاية، تمّت التضحية بـ"ثورة الأرز" في لبنان على مذبح الانخراط مع الحاكم السوري.
تُقدّم برقيات "ويكيليكس" الصادرة من دمشق في العامَين 2009 و2010، برهاناً على الاهتمام الذي أبدته الولايات المتحدة تجاه بشار الأسد. فقد قيل له إن "ديبلوماسية الحرية" التي انتهجها الرئيس بوش، أصبحت من الماضي. وأخذ كيري الذي كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، على عاتقه تأدية دور المحاوِر مع الديكتاتور السوري. كان كيري جزءاً من الجوقة التي رأت أن ثمة أملاً في التحاور مع نجل حافظ الأسد، الرجل العسكري البعثي الذي سيطر على السلطة في سوريا عام 1970. فقد رأوا في بشار، وزوجته الأنيقة البريطانية المولد، ثناثياً عصرياً مصمماً على تحقيق الانفتاح في نظام ديكتاتوري رتيب وعقيم.
يقول كيري مدافعاً عن نفسه إنه أراد فقط اختبار النيات السورية، وإنه سلك مساراً مشاه من قبله ديبلوماسيون مخضرمون مثل هنري كيسينجر وجيمس بايكر: فشلت سياسة عزل دمشق، وقد جرّب "الانخراط".
كان هذا في الماضي، إنما ليس تماماً. يريد جون كيري تغيير حسابات الأسد، لكن الطاغية يعرف ما يريد ويدرك قواعد الحرب المذهبية المروِّعة التي أشعل شرارتها. من أجل إسقاط النظام، يجب أن تكون هناك قطيعة كبيرة مع السلبية التي سادت في العامَين الماضيين. لقد فرض المأزق على الأرض تقسيم البلاد بحكم الأمر الواقع: يدور نزاع لوضع اليد على دمشق، فيما يسيطر النظام على الساحل والجبال العلوية، وتحكم المعارضة سيطرتها في الشمال والجزء الشرقي من البلاد. الأمة السورية تتفكّك.
إذا كان كيري يريد إنهاء المأزق، عليه أن يصمّم على تأمين الوسائل. والوعد حول تأمين مساعدات مباشرة "غير قاتلة" إلى المعارضة، هو خطوة في الاتجاه الصحيح. كانت المساعدات الإنسانية التي ترسلها الولايات المتحدة تُمرَّر سابقاً عبر النظام أو البلدان المجاورة. أما الآن فسيكون هناك دفعٌ من أجل تمكين المعارضة بواسطة الدعم المالي والمعدّات.
لكن لا بديل من المساعدات العسكرية التي من شأنها أن تتصدّى للقوة النارية الفتّاكة التي يستخدمها نظام الأسد، وتؤدّي إلى تعطيلها. يجب أن نتخلّص من الحجّة التي نتذرّع بها للقول بأننا لا نستطيع تسليح الثورة ومساعدتها على تحقيق النصر لأن الجهاديين يُسيطرون الآن في صفوف الثوار.
القول بأن شعباً مستعدّاً لدفع كل هذه الأثمان الباهظة من أجل حريته، وتحدّي المقاتلات وصواريخ سكود، متلهّف للانزلاق تحت نير المقاتلين القادمين من ليبيا والشيشان، هو ادّعاء خاطئ تماماً. صحيح أن "جبهة النصرة"، وهي عبارة عن مجموعة من الجهاديين غير السوريين تعتبرها الولايات المتحدة تنظيماً إرهابياً، أدخلت السلاح والمال إلى المعركة. لكن تقصير الأفرقاء الذين كانوا يملكون القدرة على قلب الموازين لمصلحة الثورة وتنازلهم عن تأدية دورهم هو الذي أفسح في المجال أمام ظهور "جبهة النصرة".
وقد تبيّن أن السلبية الأميركية معدية. فقد انكفأت قوى أخرى أيضاً. صُوِّر الجيش السوري المتداعي وكأنه قوّة جبّارة، إلى درجة أن قوات الدولة التركية الأكثر تفوّقاً إلى حد كبير تغاضت عن الاستفزازات السورية المتكرّرة، ووجب اللجوء إلى صواريخ "باتريوت" التي أرسلها حلف شمال الأطلسي (الناتو)، للدفاع عن الحدود السورية-التركية.
وقد ترتّبت عن هذه السلبية عواقب وخيمة على الدول العربية السنية أيضاً. فالمعركة للسيطرة على دمشق، وشبح النصر الذي قد تحقّقه إيران في دعمها للأسد في النزاع السنّي-الشيعي الكبير، يثيران ذعر الأنظمة العربية المعتدلة. لكن هذه الأنظمة لم تبذل أيضاً كل ما بوسعها في هذه المعركة، والسبب الأساسي هو أن الولايات المتحدة لم تكن حاضرة لقيادتها في هذا المجال.
هذا هو "الشرق"، الذي يشم رائحة القوة والضعف، ويحس بنيات الغرباء وبمدى قوتهم. سوريا هي المكان الذي قد تتحطّم فيه إرادة إيران.
تحذّر الولايات المتحدة إيران، بوتيرة تكاد تكون يومية، من عواقب التحدّي الذي تظهره وسعيها لامتلاك أسلحة نووية. لكن هل من الممكن أن الثيوقراطيين الإيرانيين لا يأبهون كثيراً للسلطة الأميركية لأنهم يلمسون السلبية الأميركية على مقربة منهم؟

آمال كبيرة: مستقبل الإنفراج الإيراني–السعودي...

 الثلاثاء 18 حزيران 2024 - 8:17 ص

آمال كبيرة: مستقبل الإنفراج الإيراني–السعودي... مجموعات الازمات الدولية..طهران/ الرياض/واشنطن/برو… تتمة »

عدد الزيارات: 161,808,404

عدد الزوار: 7,214,977

المتواجدون الآن: 82