سباق أميركي - روسي على ترميم العلاقات مع مصر

تاريخ الإضافة الأحد 10 تشرين الثاني 2013 - 6:01 ص    عدد الزيارات 347    التعليقات 0

        

 

سباق أميركي - روسي على ترميم العلاقات مع مصر
سليم نصار – لندن
كان السفراء العرب في لندن، مع سائر الحضور، يتابعون باعجاب العرض الموسيقي الذي قدمته إحدى الفرق المصرية. وكان واضحاً لجمهور الحاضرين أن الرقصات الفولكلورية والموسيقى الوطنية قد اختيرتا بعناية لتمرير رسائل الحكم العسكري الى المغتربين المصريين وأصدقائهم العرب.
بعد مرور نصف ساعة تقريباً، تبدل مشهد السهرة الموسيقية، ليحل محله العنف والتحدي. ذلك أن مجموعة تابعة لـ "الاخوان المسلمين" نجحت في إقتحام القاعة، وراح أفرادها يهتفون بحياة الرئيس السجين محمد مرسي. وقبل أن تجبرهم شرطة الحراسة على المغادرة، خلعوا قمصانهم الصفر ورموا بها على رؤوس المتفرجين.
ولم تقتصر هذه الحادثة على الجمهور العربي في بريطانيا، وإنما إنتشر نموذجها في غالبية العواصم الاوروبية، نزولاً عند رغبة قيادة "الاخوان المسلمين". ففي باريس مثلاً، دعا "معهد العالم العربي"، الى ندوة يتحدث فيها الكاتب المصري علاء الأسواني، عن تجربته أثناء حكم حسني مبارك. ومع ان فيلم "عمارة يعقوبيان" أعتبر مادة تحريض ساهمت في إنتاج ثورة "الربيع العربي"، إلا أن ذلك الدور لم يشفع بالكاتب الذي إنسحب من الندوة مع سائر الحاضرين. والسبب أن أنصار "الاخوان" في فرنسا تعمدوا تعطيل الندوة، وبادروا الى إطلاق هتافات مهينة ومسيئة الى الاسواني والى مدراء "معهد العالم العربي".
وكادت هذه الحادثة تتكرر في برلين، لولا حرص الشرطة الالمانية على تطويق مؤسسة "فريدريش ايبرت"، حيث ألقى الكاتب المعارض، صنع الله ابرهيم، كلمة تتعلق بالتمثيلية التي كتبها عن ثورة مصر.
ويبدو أن هذه العمليات الخارجية أصبحت جزءاً من عمليات داخلية أكثر إستفزازاً وأوسع إنتشاراً. ففي يوم المحاكمة، مطلع هذا الاسبوع، أصدرت جماعة "الاخوان المسلمين"، المنحلة، بياناً دعت فيه أنصارها الى الزحف في اتجاه مقر المحاكمة معتبرة أن مرسي صار رمزاً وطنياً لمبادىء وقيم سامية.
وتجاوباً مع دعوة البيان، إحتشد المئات من "الاخوان" وأنصارهم حول مقر أكاديمية الشرطة، رافعين صور الرئيس المعزول وشعار "الأصابع الأربعة" الذي يرمز الى إعتصام المستنكرين في منطقة رابعة العدوية. ورفض مرسي الاعتراف بهذه المحكمة، التي منعت نقل وقائع الجلسة في بث مباشر للشعب.
وعقب الامتناع عن التقيد بأصول المحاكمات وتعيين حقوقي للدفاع عنه، قررت المحكمة تأجيل النظر في القضية الى الثامن من كانون الثاني من السنة المقبلة 2014.
ويُعتبر مرسي أول رئيس منتَخَب في تاريخ مصر، أطاحه الجيش في الثالث من تموز الماضي بعدما تظاهر الملايين في الشوارع للمطالبة باسقاطه بتهمة إفشال الثورة التي جاءت به الى الحكم.
السؤال الذي يطرحه المراقبون خلال هذه المرحلة يتعلق بالدور الاميركي المريب الذي ساند محمد مرسي، ظناً بأن الجيش المصري سيخضع في النهاية للأمر الواقع ويعترف بشرعية رئيس "اخواني".
والمؤكد أن الجيش لم يأخذ في الاعتبار وجهة نظر واشنطن، وسارع الى تنفيذ إنقلابه بعدما ثبت له أن مرسي يحاول نقل النموذج الايراني الى مصر. أي إقامة نظام ديني يعتمد في حكمه وأحكامه على تطبيق الشريعة ورفض كل الدساتير المدنية. كما ثبت له أيضاً بأن مرسي كلف عصام العريان باعادة تنظيم كوادر الحزب بحيث يتحول تدريجياً الى "حرس جمهوري" يحل مستقبلاً محل الجيش النظامي.
وكان الأقباط أول مَنْ دفع ثمن هذا التحول بدليل أن الاخوان أحرقوا 42 كنيسة في الأرياف، ونهبوا مكاتب القساوسة والمحلات المملوكة من مسيحيين في القاهرة والاسكندرية. وحجتهم، إن وجود الأقباط ولو بنسبة عشرة في المئة من عدد سكان مصر (82 مليونا) سيعوّق تحقيق الانسجام المطلوب بين مواطنين ينتمون الى مذهب واحد وشريحة دينية واحدة.
والمؤسف أن الدول الغربية، وفي مقدمها الولايات المتحدة وكندا، شجعت الأقباط على الهجرة من مصر (82 مليوناً) كأنها بذلك تؤسس لوطن خالٍ من أقدم سلالات الفراعنة!
تجمع الصحف على القول إن الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير خارجية اميركا، جون كيري، الى القاهرة كانت بمثابة المؤشر على تراجع واشنطن عن تأييدها للاخوان. وصادف وصوله عشية بدء محاكمة رئيس الدولة المعزول. ولقد إفتتح صفحة جديدة من العلاقات بمؤتمر صحافي أجراه بالاتفاق مع نظيره المصري نبيل فهمي. وأعلن الوزير كيري إلتزام بلاده وحرصها على مواصلة التعاون مع الحكومة الموقتة، داعياً الى إنتخابات حرة وعادلة تشمل الجميع.
ولما سئل عن التجميد الجزئي للمساعدات الاميركية العسكرية، إعتبر أن العلاقات المصرية-الاميركية لا يجوز إختصارها بالمساعدات فقط. ولم يشر في حديثه الى محاكمة مرسي، وإكتفى بالتذكير أن بلاده تعاونت خلال العقود الثلاثة الماضية مع مصر التي ترى فيها حليفاً قوياً للمحافظة على الاستقرار في المنطقة المضطربة.
وتجاهل كيري السؤال عن مرحلة الرئيس حسني مبارك الذي ساعدت تصاريح الرئيس الاميركي باراك اوباما في تعجيل سقوطه. وقد أحدث سلوك الادارة الاميركية ثغرة في العلاقات بدليل أن كل الفصائل المصرية رفضت لقاء وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، حين جاءت الى مصر.
وفي هذا السياق، يرى بعض الاعلاميين أن إنفتاح قيادة الجيش المصري على موسكو، كان سبباً إضافياً لتشجيع واشنطن على فك عزلتها عن مصر. خصوصاً بعد الزيارة التي قام بها وفد روسي برئاسة مدير المخابرات الحربية الجنرال فياكيسلاف كوندراسكاو، الذي أعرب عن إستعداده لتقديم مساعدات عسكرية للقوات المسلحة المصرية.
وكانت العلاقات المصرية-الروسية قد شهدت فترة إزدهار في عهد الرئيس جمال عبدالناصر. إلا أنها تراجعت أثناء حكم الرئيس أنور السادات، الذي أمر بطرد نحو من عشرين ألف مستشار وخبير عسكري سوفياتي مع أفراد عائلاتهم.
ومع تحسن العلاقات بين الدولتين، يتوقع المصريون زيارة الرئيس فلاديمير بوتين خلال هذا الشهر، خصوصاً أن بلاده تتفق مع الحكومة المصرية على منع مختلف نشاطات الجماعات الاسلامية المتطرفة. واللافت أن الطريق الى موسكو ظلت مزدحمة على الخطين منذ أعلنت الادارة الاميركية عن تجميد مساعدات عسكرية بحجم 250 مليون دولار، وتأجيل نقل طائرات ودبابات كانت مصر قد إشترتها السنة الماضية.
أثناء تلك المرحلة زار موسكو رئيس إتحاد الكتاب المصريين محمد السلماوي على رأس وفد شبه رسمي. وبما أن السلماوي يُعتَبر الناطق الرسمي باسم "لجنة الخمسين"، المسؤولة عن صوغ الدستور المصري الجديد، فقد إستقبل باهتمام بالغ. وكان من نتائج تلك الزيارة أن عقدت القاهرة صفقة سلاح مع موسكو بمبلغ 15 مليار دولار. وتردد في الصحف أن السعودية والامارات قد تساهمان في تمويلها.
المهم أن وزير الدفاع الاميركي هيغل إتصل بالفريق أول عبد الفتاح السيسي، ليسأله عن التقدم الذي أحرزته الدولة في تطبيق خريطة الطريق... وعن المتاعب التي يواجهها الجيش في سيناء. وأنهى الوزير الاميركي مكالمته مع السيسي بالسؤال عن مدى صحة الأخبار التي تتحدث عن صفقة السلاح مع روسيا. وأجابه من دون تردد بأن تجميد المساعدات العسكرية الاميركية لم يترك لنا خياراً آخر.
وتقول مصادر البيت الأبيض بأن هيغل خشي أن تتكرر حكاية عبدالناصر وفوستر دالاس، الأمر الذي أقنع اوباما بضرورة إرسال وزير خارجيته الى القاهرة. خصوصاً أن العلاقات مع المملكة العربية السعودية كانت تمر بأزمة ثقة، لم تنفع زيارة كيري في معالجتها.
أنصار الرئيس حسني مبارك وظفوا الخلاف مع واشنطن، وراحوا يتهمون اوباما بالانحياز لـ "الاخوان المسلمين"، كونه أصر على حضورهم الاحتفال الذي أقيم في جامعة القاهرة. وأدى الاسناد الذي منحته واشنطن لنظام "الاخوان" برئاسة مرسي الى زيادة الشكوك حول الدور المريب الذي تلعبه واشنطن. وهو دور رحبت به اسرائيل لأنه يثبت التمسك باتفاقية السلام معها... مقابل زيادة الضغط الاميركي على السيسي لمنعه من إستكمال خطته.
ويبدو أن هذا الضغط لم ينجح في إحراج القيادة المصرية التي أعلنت عن إلتزامها خريطة الطريق، مع كل ما تقتضيه خطواتها الشائكة. أي إجراء إنتخابات تشريعية في ضوء الدستور الجديد... تليها إنتخابات رئاسية بحلول منتصف 2014. وقد باشر المصريون في طرح إسم السيسي كمرشح جدي خلفاً لمرسي الذي وضع مستقبله السياسي في يد أنصاره.
ولكن الأنصار يعانون من إزدواجية الآراء، ومن خلافات عميقة حول الأساليب الواجب إتباعها: البعض يدعو الى ممارسة عمليات الاغتيال إنتقاماً من المسؤولين عن زجهم في السجون وحرمانهم من الامتيازات الحزبية. بينما البعض الآخر يطالب بالتخلي عن أساليب العنف، والاكتفاء بالحصول على الشرعية، سواء بوجود الرئيس المعزول مرسي أم بدونه.
بقي أن نذكر أن الرئيس اوباما قرر زيارة المنطقة في توقيت غريب خلال شهر آذار المقبل. علماً أن شمعون بيريس دعاه للاحتفال بعيد ميلاده التسعين في شهر حزيران. ويقول نتنياهو إن هذه الزيارة المتوقعة تؤكد إصرار اوباما على نقل استراتيجية اميركا من الشرق الأوسط الى آسيا... والى الصين تحديداً. ويبدو أنه رسم هذه الاستراتيجية قبل ثلاثة أشهر، الأمر الذي مهد لفتح صفحة جديدة مع ايران. وهذا معناه أن هذه المنطقة لم تعد تشكل بؤرة التهديد للأمن الاميركي. وقد عزز الرئيس هذه السياسة باجراء تعيينات في أجهزة الأمن والادارة العامة تتناسب والخطوة الجديدة. كذلك أسعفته تقارير خبراء النفط التي أكدت إستغناء بلاده عن نفط الخليج خلال مدة لا تزيد على الثلاث سنوات. ويستند هذا التقرير الى الاعتماد على النفط الصخري.
نقطة التحول في هذا السياق ستكون قرب نهاية السنة المقبلة 2014، أي عقب إنسحاب الجيش الاميركي من أفغانستان. لذلك جاء الوزير كيري الى الشرق الأوسط ليغلق الملفات المفتوحة مع ايران وسوريا ومصر والسلطة الفلسطينية. وقد إكتشف خلال زيارته الأخيرة أن إمتناع نتنياهو عن تنفيذ مبادرة دولتين لشعبين، سيفرض على الفلسطينيين تفجير إنتفاضة ثالثة ربما تنسف كل معطيات الحل. ومن بعدها تعود القضية المركزية، التي شغلت الولايات المتحدة مدة ستين سنة، الى واجهة الأحداث بحيث تضطر الولايات المتحدة الى إعادة ترتيب أولوياتها الأمنية من جديد.

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,337,573

عدد الزوار: 7,628,740

المتواجدون الآن: 0