فرنسا الأوروبية وتحديات اليمين المتطرف

تاريخ الإضافة الثلاثاء 12 تشرين الثاني 2013 - 7:48 ص    عدد الزيارات 366    التعليقات 0

        

فرنسا الأوروبية وتحديات اليمين المتطرف

 

أمضى فرانسوا هولاند العام الأول من رئاسة فرنسا في اشتباكات عسكرية مع كل من يتهدد أو تسول له نفسه تهديد طريق اليورانيوم من النيجر والتشاد ومالي الى فرنسا، أكان هؤلاء من الطوارق أم من الحركات الإسلامية الجهادية المقاتلة.
وهذه هي واحدة من أخطر نتائج انهيار وظائف النظام الليبي السابق الأوروبية أكانت لجهة ربط قوات كبيرة من الطوارق في خدمة أمنه مباشرة أم لجهة تنظيم المطاردة الدامية للتشكيلات الإسلامية الجهادية المتنوعة على أرضه وحدودها..
وأثارت أخيراً ضجة اجتماعية سياسية أوروبية الحملة الداخلية الشرسة للبوليس الفرنسي لإزالة مضارب الغجر القادمين من داخل حدود الاتحاد الأوروبي (رومانيا على وجه الخصوص) ليحطوا في جوار مدن الاستهلاك الجاذبة والمتقدمة... إنهم يطردون أوروبيين ويدوسون على حق إنساني يضمنه القانون الأوروبي بعامة والفرنسي بخاصة وهو حق التنقل والحركة على الأراضي الخاضعة للسيادة الأوروبية.. ولا يبرر هذا السلوك الرغبة في تجريد "الجبهة الوطنية" اليمينية المتطرفة من سلاح ترويع الطبقات الوسطى ناهيك عن العاطلين عن العمل من أخطار الفقر الزاحف وفقدان الأمن على أيدي أولئك الأوروبيين الرحّل"...
أوساط واسعة من الديموقراطيين واليسار الفرنسي كما الأوروبي عبرت عن سخطها على هذه الوجهة للسياسة الفرنسية وحذرت من التمادي فيها في حين كانت وما زالت آمالها تنصب على توجه نحو سياسة اجتماعية تحشد لها قوى أوروبية عريضة متضررة من الحلول التي فرضتها السياسة الألمانية المتفردة في قيادة الاتحاد الأوروبي منذ انفجار أزمة اليورو وعلى أشلاء تراث عميق لما كان يسمى بالمحور الألماني الفرنسي في بناء وقيادة الاتحاد الأوروبي. وكل المؤشرات تدل بوضوح لتراجع دور وفاعلية هذا المحور وسيادة الريبة والتنافس في العلاقة بين برلين وباريس.
في زمن مضى كان للقرار الأوروبي مرجعية فرنسية مثّلها قادة من أمثال "جان مونيه" (Jean Monet) و"روبرت شومان" (Robert Schumann) و"فاليري جيسكار ديستان" (Valéry Giscards Déstaing). وفي حين توافق كل من "فرانسوا ميتران" (Francois Miteran) و"هيلموت كول" (Helmut Kohl) المستشار الألماني مع قيام الوحدة الألمانية عام 1990/1991 على بناء "ألمانيا الأوروبية"... فإن لفرنسا في قيادتها وتحديد مسارها، بل موقع رمزي، في صفوف ومقامات الشرف ليس إلاّ... وهذا ما أفاق عليه الرأي العام الأوروبي بعامة والفرنسي بخاصة وبنتيجة ما خلص إليه مؤتمر القمة الأوروبية في حزيران/ يونيو عام 2012 وهو الأول الذي مثل فيه هولاند فرنسا غداة انتخابه رئيساً للجمهورية الفرنسية، فقد أغلق في هذا المؤتمر الباب أمام محاولة إعادة التفاوض للبحث في إمكانية تعديل قانون "الائتلاف الضريبي" الذي فرضته على عموم الاتحاد الأوروبي حكومة الدكتورة ميركل (الألمانية) إنطلاقاً من خلاصة التجربة الألمانية لمواجهة الأزمة الاقتصادية الاجتماعية أي ما اشتهر بإسم "أزمة اليورو"...
وهكذا حيل دون وفاء الرئيس هولاند بوعده الانتخابي الأول للجماهير الفرنسية كما الأوروبية، ولم يبق أمامه بالنتيجة سوى القبول بتجميع ما فاض عن أرصدة لمشاريع وبرامج متنوعة أوروبية مصدراً لتمويل برنامج للتنمية الموعودة لمكافحة البطالة عموماً وبين الشباب الفرنسي خصوصاً. وبهذا أنهت حكومة د. ميركل الألمانية الدور الخاص والمميز للشريك الفرنسي في قيادة أوروبا وبات بدوره ملزماً كما الشريك الأصغر اليوناني أو الإسباني بتنفيذ سياسة التقشف والإدخار كما فرضتها حكومة ميركل انطلاقاً من التجربة في ألمانيا، والتي أطلق عليها تسمية "روزنامة 2010" (من صياغة حكومة شرويدر/ فيشر وتطبيق هذه الحكومة حتى 2005 كما حكومة الائتلاف الكبير بقيادة د. ميركل منذ 2005 وحتى الآن...). لقد استباحت هذه "الروزنامة..." الضمانات الاجتماعية التي أنتجتها نضالات مديدة للقوى الاجتماعية في أوروبا فعملت على خفض، وأحياناً إلغاء مستوى مفاعليها على صعيد نهاية الخدمة والضمان الصحي والتعليم وإلخ.. كما استباحت القوانين الناظمة لأسواق العمل فعملت على تحطيم وخفض أسقفها ومدى مفاعليها.
وتشهد اليوم أوروبا الموحدة وبفعل ذلك بدء بروز تمايزات بين أعضائها باتجاه تصنيفات لدول من الدرجة الأولى عن دول من الدرجة الثانية في مستوى المعيشة والرفاه الاجتماعي، الأمر الذي يهدد بتحويل التنافس الى تصادم مدمّر.
لذلك ارتفعت أصوات عديدة في أوروبا عموماً وألمانيا خصوصاً تطالب وتأمل من القيادة الفرنسية الإئتلافية أن تتوجه نحو نسج تحالف جديد في وجه السياسة الألمانية الأوروبية وذلك من القوى كافة صاحبة المصلحة، خصوصاً في الجنوب الأوروبي (اليونان، إسبانيا، البرتغال وإيطاليا). ولتعوّض بذلك عما تلاشى من مقومات دور فرنسي مميز في قيادة وتوجيه التطور في أوروبا: من تراجع الزراعة والصناعة الفرنسيتين ومعهما حصة فرنسا في التبادل العالمي من 6 في المئة الى 3 على مدى الثلاثين عاماً الماضية، وارتفاع مستوى مديونية الدولة الى 86 في المئة من الناتج القومي العام واستقرار البطالة العامة (وبعناد) في مستوى 12 في المئة وفي إطار الشباب في مستوى 23 في المئة وهو المستوى الراهن للبطالة بين شبيبة إسبانيا، ولذلك يصبح ضرباً من العبث في مثل هذا الوضع المتراجع أن يستمر سعي القيادة الفرنسية للحفاظ على التناغم الألماني الفرنسي، الذي سوف يتحوّل الى غطاء للتبعية والإلحاق وما يترتب عليه وبنتيجة من إفقار واختلال في توزيع الثروة المنتجة فرنسياً كما أوروبياً تحت غطاء الإدخار والتقشف للخلاص من وزر الديون المتراكمة...
إن استنهاض وقيادة تضامن أوروبي حقيقي ضد إملاءات الهيمنة الألمانية داخل الأسرة الأوروبية هو الطريق لتصحيح العلاقات وإعادة التوازن فيها الى سابق عهده. فهل تتقدم القيادة الفرنسية على هذا الطريق بكل ما يوفره من سياسة ناجعة في وجه اليمين المتطرف ممثلاً بـ"الجبهة الوطنية" وتوفر الإمكانات لسياسة تنموية ناجعة في مكافحة البطالة على الصعيد الأوروبي ما يسحب البساط من تحت أقدام هؤلاء اليمينيين المتطرفين؟! هذا هو التحدي الحقيقي.
() كاتب لبناني مقيم في برلين

د. عصام حداد()

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,343,260

عدد الزوار: 7,629,076

المتواجدون الآن: 0