تقارير ...العرب والحداثة والحاكم الواحد المتعدد....إسلاميو الإخوان المعتدلون يواجهون المضايقات رغم نجاحاتهم..عنـدما يصبـح الجبـل الدرزي... في مـربّع الخطـر

«سلاح» الاقتصاد.. بديل أخير عن التدخل العسكري في سوريا؟..لماذا توتّرت العلاقات بين القاهرة وواشنطن؟...الفرق بين صلح «الرملة» و«السلام» مع العدو الصهيوني

تاريخ الإضافة الخميس 23 شباط 2012 - 6:39 ص    عدد الزيارات 2385    التعليقات 0    القسم عربية

        


 

بيــن مؤشــرات الركــود و«المناعــة» الاقتصاديــة
«سلاح» الاقتصاد.. بديل أخير عن التدخل العسكري في سوريا؟
جريدة السفير..هيفاء زعيتر
... ربما لأن السلاح الاقتصادي هو أقصى ما يمكن أن يشهره المجتمع الدولي ضدّ سوريا بعد أن أقرّ باستبعاده الخيار العسكري كـ«مغامرة محكومة بالفشل»، فيما بدا وكأنه استنفد كل جهوده وضغوطه الدبلوماسية لحلّ الأزمة.. ولأن أصوات غربية علت مؤخراً لطرح «خطط اقتصادية ضاغطة» تشكّل «السلاح الأنجع ضدّ دمشق»، كما وصفها السير مالكوم ريفكند الذي كان وزيراً سابقاً للدفاع ثم للخارجية في بريطانيا في مقاله في «الدايلي تلغراف» الأسبوع الماضي.. ولأن الحديث تجدّد عن فرض عقوبات إضافية أو تشديد عقوبات مفروضة بعيداً عن أي نقاش جدي حول فعالية هكذا إجراءات يؤكد سجلها بأنها «تضرّ الشعب أكثر مما تنفعه».. باتت مناقشة الفرضية التالية أكثر إلحاحاً: هل أصبح السلاح الاقتصادي البديل الوحيد عن التدخل العسكري لتغيير النظام في سوريا؟
ليست الإجابة عن سؤال بحجم الأزمة السورية مهمة سهلة، فالأخيرة مفتوحة على جميع الاحتمالات ولا يمكن لأحد ادعاء «فخر» التكهن بخواتيمها ولا بتداعياتها. في الجانب الاقتصادي قد يفترض البعض أن الأرقام والمعادلات قد تسعفه في الحكم أكثر من السياسة فيقول إن تدهور الاقتصاد السوري بفعل الضغوط الخارجية والداخلية وتراجع سعر صرف العملة والشلل المصرفي والاستثماري والسياحي نتيجته واحدة: نعم النظام لن يصمد أمام انهيار اقتصاده. ولكن في المقابل يسارع كثيرون للتأكيد بأن الاقتصاد السوري ما زال في دائرة الأمان وإن كانوا يقرون بصعوبة التحقق من الأمر لعدم شفافية المؤسسات الرسمية السورية فيبقى جوابهم على فعالية الاقتصاد كبديل عن العسكر: كلا، ولكن ربما قد.. أما جواب الجهات الرسمية فما زال حاسماً: الاقتصاد يتعرّض لضغوط صحيح، ولكنه سيتخطى الأزمة بفضل مقومات تميّزه كعدم الانكشاف والقيود التي يفرضها على الاستثمارات الأجنبية...كما بفضل الدعم الروسي الإيراني له حتى النهاية.
وعلى اختلاف تكهنات المستقبل، لا ينكر أحد أن الاقتصاد السوري في أزمة، المتضرّر الأكبر منها هو الشعب السوري الذي يرزح حالياً تحت وطأة ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة ونقص السلع الأساسية، بما في ذلك الأدوية، ناهيك عن تسريح العمال بأعداد كبيرة وانقطاع التيار الكهربائي بين 4 و 10 ساعات يومياً في شتاء سوري قارس...
وتشكو إحدى السيدات في سوريا لـ«السفير» تضاعف أسعار السلع، وتركز شكواها على احتكار التجار، حليب الأطفال مثلاًَ، مشيرة في السياق إلى أن المواد المستوردة من الخارج قد تضاعف سعرها مرتين، أما الرواتب كما أشارت السيدة فلم تعد تقبض بالعملة الصعبة، وحتى التحويلات من الخارج. في وقت تشير تقارير إلى توقف مئات الورشات وإغلاق عشرات المصانع، وإلى ارتفاع معدلات البطالة، التي كانت تقدر بـ 15 في المئة، إلى 25 أو 30 في المائة خلال الأزمة، وإلى تراجع القدرة الشرائية بنحو 25 -30 في المئة، قابلها ظهور حركة نشيطة لتبديل المدخرات بالذهب أو بالعملات الصعبة مما تسبب كثيرا في ارتفاع أسعار هذه الأخيرة. وعلى خط مواز نمت ظاهرة التهرب الضريبي، والفساد والامتناع عن تسديد قيمة فواتير الكهرباء.
ما سبق يؤكده المراقب الاقتصادي جهاد يازجي لـ«السفير» متحدثاً عن «وضع اقتصادي سيء من كل النواحي، انخفاض في الاستثمارات، نقص في الغاز والمازوت، تدهور سعر صرف العملة (70 في السوق الحرّ و58 في السوق الرسمي)، والأسوأ ما سببته العقوبات التي دخلت حيز التنفيذ في شهر تشرين الثاني حيث توقف شراء النفط السوري بنسبة 90 في المئة، ما أثر على دخل الدولة بالعملة الأجنــبية بشكل مباشــر، علماً أنه في العام 2010 شكلت صادرات النفـط نصف مجــمل الصــادرات بالقيمة السورية.
هذا الوضع لا يمنع يازجي من أن يجزم بعدم إمكانية الحديث عن انهيار حقيقي للاقتصاد، فـ«عندما نقول انهيارا، نقصد حصول هبوط هائل في سعر العملة حتى حدود 100 في المئة أو 150 في المئة». ويضيف «يبقى أنه لا يمكن تحديد مدى تأثير الضغط الاقتصادي على النظام، بسبب شحّ الأرقام الرسمية حيث لا نعرف مثلا حجم احتياط العملات الأجنبية لدى الدولة لتقدير الوضع الحقيقي».
استبعاد فرضية الانهيار يؤكده مراقب اقتصادي آخر، رفض الكشف عن اسمه، مشيراً إلى أن «الاقتصاد يتآكل». يشرح المصدر في حديثه لـ«السفير» عن تخبط واضح في سياسة الحكومة النقدية والمالية نتيجة الضغوط التي تمارس عليها.. هناك شحّ بالسيولة لدى المصارف وضعف في التحصيل من قبل المنشآت، وتراجع في عمليات الاستيراد والتصدير.
ويركز المراقب الاقتصادي على الجانب المصرفي والنقدي كونه «يشكل عنصراً حاسماً في مستقبل الاقتصاد»، موضحاً إلى أي حدّ تضرر الشارع السوري نتيجة توقف العجلة الاقتصادية وتوقف عمليات التسليف في المصارف بشكل شبه كامل (الأغلبية أوقفت 100 في المئة في حين أن البعض وضع قيودا بحدود 80 في المئة وبقيت التسليفات محصورة بفئة محدودة جدا).
ويضيف «العملة السورية في وضع حرج، لقد تدهور سعر صرف الليرة بمعدل النصف مقابل الدولار من 47 في بداية الأزمة إلى 73 في هذه المرحلة، مع الإشارة إلى أن موضوع العملة، كما الاقتصاد ككل، مرتبط بعوامل نفسية أيضاً»، مشيرا إلى أنه ليس بالإمكان تكوين صورة واضحة عن وضع المصارف الحكومية كونها لا تخضع لآليات التدقيق العالمية، فهي كالصندوق الأسود. وفيما اعتبر أن وضعاً اقتصادياً مماثلا يمكن أن يشكل ورقة ضغط قوية، استبعد كلياً أن تكون ورقة كافية لتغيير النظام.
الخبير الاقتصادي والمالي منذر خدام يؤكد من جهته لـ«السفير» أن «التجربة تثبت أن الحصار الاقتصادي لم يسقط نظاماً، فصدام حسين استمر في السلطة لسنوات رغم الحصار الاقتصادي الخانق عليه». سلاح العقوبات يتسبب بمعاناة الشعب السوري ليس أكثر، إنه «ذر رماد في الأعين لمداراة عجز المجتمع الدولي الذي يلعب بالنار»، على حدّ قول يازجي الذي شرح أن «الغرب يحسب انه إذا أوقف الصادرات النفطية سيؤثر بشكل مباشر على الدولة كون مداخيل النفط تدخل مباشرة الى خزينة الدولة، ولكنه ينسى أو يتناسى أن البنية التحتية للدولة والمستشفيات ومعاشات الموظفين وغيرها تمولها خزينة الدولة».
يطمئن خدام إلى أن «الاقتصاد السوري لا يزال بعيدا عن الانهيار، فلا تزال الحكومة تملك احتياطات كبيرة نسبيا من العملات الصعبة تقارب 17 مليار دولار، ولدى الدولة احتياطات كبيرة من المواد الغذائية، إضافة إلى أن الحصار الاقتصادي على سوريا ليس كاملاً. فهناك خط مفتوح مع إيران عبر العراق، إضافة إلى التعاون الروسي والصيني». ورغم ذلك يقول خدام إن الاقتصاد «لم يكن، من حيث الأساس، في وضع جيد قبل اندلاع انتفاضة الشعب السوري ضد النظام، فالرهانات التي كانت تعقدها الحكومة على الخطة الخماسية العاشرة لم تكن في محلها، وتبخرت بالتالي جميع الآمال التي كانت معقودة على ما سمي بالإصلاح الاقتصادي والإداري. فحصيلة النمو الاقتصادي في نهاية سنوات الخطة لم تصل إلى أكثر من 3.5 في المئة بدلا من 7 في المئة التي كانت تطمح للوصول إليها. لقد أكل الفساد والهدر نسبة كبيرة من الأموال الكبيرة التي رصدت للخطة والبالغة نحو 1800 مليار ليرة سورية، وهذا ما أشار إليه الرئيس في خطابه الثاني الذي ألقاه أمام الحكومة».
في الوقت الراهن، والكلام لخدام، يعاني الاقتصاد من مشاكل كبيرة، فتوقف الاستثمار بصورة تكاد تكون تامة، وهربت كثير من رؤوس الأموال إلى الخارج خصوصا تلك العائدة للمسؤولين وحاشية السلطة. تأثر كثيرا قطاع النفط نتيجة للعقوبات المفروضة على سورية فتراجع إنتاج النفط بمقدار الثلث بحسب وزير النفط، وبالتالي تراجعت العائدات من العملة الصعبة. توقف قطاع السياحة تماما، وتأثرت بالتالي جميع النشاطات الاقتصادية المرتبطة به. تأثر بالأزمة كثيرا قطاع التجارة فتراجع التبادل التجاري الخارجي بنحو 40 في المئة. وفي المقابل «ثمة تخبط وحيرة في كيفية إعادة سيطرة الدولة على النشاط الاقتصادي، انعكست على قرارات الحكومة الاقتصادية. وبسبب النزاعات المسلحة وقطع الطرق صارت كثير من المدن السورية عبارة عن جزر معزولة».
الأزمة من منظار لبناني - عربي
يحتفظ الباحث الاقتصادي اللبناني كمال حمدان عند حديثه لـ«السفير» برؤية إيجابيّة نسبيا للأزمة الاقتصادية السورية سببها أن درجة انكشاف الاقتصاد السوري على المبادرات الخارجية وحركة رؤوس الأموال محدودة، على الرغم من ازدياد رؤوس الأموال الخليجية وارتفاع حجم الاستيراد مع سياسة الانفتاح التي اعتمدها نظام الأسد بعد العام 2003».
قد تكون فرملة الاستيراد من الخارج، برأي حمدان، فرصة لتنمية الصناعات المحلية التي ضُربت بعد الاتفاق الصناعي مع تركيا، فـ«مع فرملة المبادلات مع تركيا، سنشهد تطورا للصناعة في ريف دمشق وحلب اللتين تشكلان 60 في المئة من إجمالي المؤسسات الصناعية في سوريا».
نقطة إيجابية أخرى يراها حمدان «بعد 3 سنوات من الجفاف في سوريا، فإن الموسم الزراعي جيد حيث تحققت السنة مواسم زراعية عظيمة، ما يعني حماية من الابتزاز الغذائي والتجويع»، كما أن فكرة «التركيع» بموضوع النفط تمّ استبعادها بعد الترتيبات مع روسيا وإيران وأميركا اللاتينية.
لا ينفي الباحث الاقتصادي عمق الأزمة وتبعاتها، ويؤكد على أن الناتج المحلي سوف ينخفض «في حين كان من المتوقع أن ينمى إلى 5 في المئة حسب أهداف الخطة الخمسية الحادية عشرة»، لكن ذلك لا يعني أن الاقتصاد قد يصبح حاسما في الأزمة السورية فـ«عندما نتحدث عن بديل اقتصادي فإننا نتحدث عن عملية تجويع، وعدا ذلك أستبعد هذا الخيار ففي لبنان وصل النمو الى ( - 1 ) في المئة في العام 2005 لكننا لم نصل الى الجوع».
ولكن أين يلعب الاقتصاد دور المحدّد؟، يجيب حمدان «عندما تصل أزمة التراجع الى درجة تجعل فئات من الطبقة الوسطى ورجال الأعمال أكبر فأكبر تقتنع أن النظام لم يعد يوفّر مصالحها، فتقلب تحالفاتها وتنضمّ إلى المعارضة.
وماذا عن لبنان؟ كيف يؤثر في هذه الأزمة وكيف يتأثر؟ برأي حمدان «إن علاقات لبنان مع سوريا تاريخياً كانت تحتكم إلى اللامنطق الاقتصادي، التجارة غير النظامية تكاد تكون بحجم المبادلات النظامية». ومع ذلك لم يشكل لبنان في أي فترة حلقة أساسية في الاقتصاد السوري على عكس العراق الذي يشكل دور الرافعة في الأزمة (عشائر واحدة، حدود طويلة، وجميل سوري سابق يودّ العراق ردّه في هذه الأزمة).
بدوره، يؤكد الخبير الاقتصادي لويس حبيقة أن لبنان متأثر بالأزمة من دون شك، النمو في العام 2011 كان 1 في المئة خلال السنة كلها علما أننا بدأنا السنة بنمو 5 أو 6 في المئة.
وعن وضع المصارف اللبنانية الخاصة في سوريا، والتي يبلغ عددها ستة هي «فرنسبنك» و«بلوم» و«اللبناني الفرنسي» و«بيمو» و«عودة» و«بيبلوس»، يقول حبيقة لـ«السفير» «إنه ضعيف يتجه للخسارة»، مستدركاً بأن الخسارة ستكون «نوعية وليست كمية»، فـ«حتى لو أفلست المصارف لن تؤثر كثــيرا على لبنان فهي تشكل 5 في المئة من أصول المصارف اللبنانية، وكذلك على سوريا حيث المصارف الكبيرة تابعة للدولة، إذ يمنع قانون المصــارف السوري البنوك من التوســع عشــوائياً». والجدير بالذكر أنه قد تمّ تكبيل المصــارف الخاصة عبر القانون المصـــــرفي الذي قضى بزيادة 250 مليــون دولار لرأسمال المصرف المستثمر بعد أن كان 50 مليون دولار.
هيفاء زعيتر
 
 
المشايخ لجنبلاط: دروز جبل العرب أدرى بمصلحتهم
عنـدما يصبـح الجبـل الدرزي... في مـربّع الخطـر
جريدة السفير...كلير شكر
في مطلع القرن الثامن عشر، شهد الجبل «مذبحة» بين القيسيين واليمنيين، انتهت إلى تهجير الفريق الثاني إلى جبل الدروز في سوريا، وخسارة أبناء الطائفة الكثير من امتيازاتهم ونفوذهم.
بالأمس، ذكّر رئيس «حزب التوحيد العربي» وئام وهاب، زعيم المختارة وليد جنبلاط بتلك الواقعة، ليس من باب تحذيره، كما يقول، وإنما خوفاً من أن يعيد التاريخ نفسه، ويدفع الموحّدون الدروز المزيد من الأثمان الباهظة. باختصار، لا يريد وليد جنبلاط أن «يصلّي على النبي»، وفق أحد منتقديه في «البيت الدرزي». نأى بنفسه عن كلّ معارك الداخل اللبناني. أهمل الخصوم كما الحلفاء. لم يعد يؤرقه سلاح «حزب الله»، ولو مؤقتاً. تعالى فوق الانقسامات الحكومية وعقدها المستعصية. جمّد «القنص» على «خطوط التماس» مع شركائه «البرتقاليين»... وفرّغ أجندة اهتماماته للشأن السوري. قضيته المركزية في هذه الأيام الى الدرجة التي اعتقد فيها أنه بمقدوره أن يغير موقف دولة القياصرة، حيث لم ينجح الآخرون.. ولا هو طبعا.
«بلاغه الأسبوعي» عبر «الأنباء» صار مخصصاً للحراك الشاميّ. عينه على الدروز السوريين وموقعهم في الموزاييك السوري المستجد. تارة يحرّض الجنود على رفض الأوامر العسكرية. وطوراً يحضّهم على الوقوف على الحياد... وعملياً يريدهم جزءاً من نسيج «الثورة»، كما كان هو جزءاً من «ثورة الأرز» اللبنانية.
لم تعد المختارة مجرّد زعامة محلية لواحدة من مكونات لبنان الطائفية، بل يريد لها جنبلاط، أن تكون جزءاً من «حرب كونية» على رقعة الشطرنج السورية. بهذا المعنى، على الصوت الجنبلاطي أن «يودي»، فيُسمع في جبل الدروز، وفي ضاحيته الدمشقية.
ثمة من يفترض أن «البيك» لا يضع حساباً للرجعة. فقد وضع كل «بيضاته» في «سلّة» المعارضة السورية. الانتصار معها صار حتميّاً. أما الخسارة فغير واردة في الكتاب الجنبلاطيّ، بدليل الخطاب التصاعدي الذي يعتمده «سيد القصر» في مقاربته السورية، غير مكترث لتداعياته المحلية والإقليمية، أو حتى لأضراره على البيئة الدرزية... مثله مثل أمير قطر والملك عبد الله، فإذا خسر الكبار ومعهم ساركوزي وأردوغان وأوباما، فلن تكون خسارة جنبلاط نهاية العالم.
إذاً، «أبو تيمور» الذي كان يضع دوماً مصلحة الدروز ومقتصيات وحدتهم، فوق كل اعتبار، يريدهم اليوم في قلب العاصفة. يدفع بهم باتجاه الفرز بين المعسكرين المتناحرين: مع النظام السوري أو ضده، مع «الثورة السورية» أو ضدها.
بالأساس دروز جبل لبنان غير موحّدين. الزعامة الجنبلاطية الأقوى بين نظيراتها. الزعامة الارسلانية «المتواضعة». الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يحافظ على حيثية متواضعة في هذه البقعة. وحالة وئام وهاب المتنامية بجرعات دعم سورية وايرانية فاضحة. يعني، أن الضرب الجنبلاطي على وتر الانقسام السياسي لن يكشف عورة مرئية من أصحابها، وإنما سيؤجّج حالة توتر مكتومة، وسيزيل الرماد من فوق جمر الخلافات الدرزية المضمرة.
لهذا لا يتوانى خصوم «البيك» عن «القول» صراحة إن خطاب الأخير تحريضيّ، وكأنه يدعو أبناء طائفته إلى حروب داخل بيوتهم. الكلام عن فرز سياسي ليس اكتشافاً «أينشتاينياً». هو قائم أصلا. فهل يقصد نقل الفزر من الورق إلى الأرض؟
بتقدير هؤلاء فإن زعيم المختارة «مصاب بالتوتر والإحباط في آن معا». يشيرون إلى أن جنبلاط سمع من الروس كلاماً واضحاً عن دعمهم لنظام بشار الأسد، قال له سيرغيه لافروف وزير خارجية روسيا «ما دام فلاديمير بوتين سيكون رئيس روسيا في آذار المقبل، فإن بشار الأسد سيكون رئيس سوريا حتى إشعار آخر».
لمس جنبلاط لمس اليد تراجع الأميركيين والأوروبيين في اندفاعتهم السورية، فيما هو قطع شوطاً بعيداً في «حربه» ضد النظام السوري. من الطبيعي إذاً بنظر هؤلاء أن «يعلو سقف المختارة إلى حدود التلويح بانشقاق داخل الصف الدرزي، وأن يمارس سيدها لعبة الهروب إلى الأمام، وكأنه يريد إلباس دروز سوريا «تهمة» لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
يعتبر هؤلاء أن جنبلاط «يعجز عن التطاول على حلفاء سوريا اللبنانيين، فيتوجه إلى «الحلقة الأضعف»، لا سيما أنه وجّه أكثر من نداء إلى دروز سوريا، ولكنهم لم يكترثوا لصراخه، فلجأ إلى خطاب التوتر علّه ينجح حيث فشل سابقاً».
وفي هذا السياق، يكشف الوزير السابق وئام وهاب لـ«السفير» أن عدداً من فاعليات دروز سوريا أبلغه انزعاجه من أداء جنبلاط، لا سيما في ما يخص التهمة التي ألصقها بهؤلاء، مشيراً إلى أن كلامه هذا فتّح العيون على موقع الدروز في المعادلة السورية المستجدة ووضعهم في دائرة الشبهات بدل حمايتهم.
وفي بيان أصدره وهاب بالأمس، أكد إصراره على وحدة الطائفة الدرزية، مشيراً إلى «أننا سنبقى نعتقد أن هذا الكلام المكتوب حول الفرز الدرزي زلة لسان ننتظر أن يتراجع عنها الاستاذ وليد جنبلاط».
واعتبر أن الكلام عن فرز داخلي في لبنان وسوريا على مستوى الطائفة يعني الدعوة الى مشكلة درزية درزية لا يعرف أحد نتائجها وبالتالي سنكون جميعاً متضررين منها، لافتاً الانتباه إلى أنه إذا كان جنبلاط يعتبر أن هذا الكلام سيفتح أمامه أبواب السعودية، فما نعرفه عن الملك عبد الله بن عبد العزيز هو حرصه على جميع أبناء الطائفة دون تمييز «وبالتالي ربما قد يعتبر أن من يتحدث عن أبناء طائفته بهذه الطريقة لا يؤمن جانبه وهذا يصب في غير ما أراده معالي وليد بيك».
وشدد وهاب على أن يكون مشايخنا الأجلاء: أبو محمد جواد ولي الدين، أبو يوسف أمين الصايغ، أبو سليمان حسيب الصايغ، أبو علي سليمان بودياب، وشيخا العقل ومشايخ عاليه وحاصبيا وبيصور «هم الحكم في هذا الأمر ولا نعتقد أنهم يقبلون بمنطق الفرز».
وفي هذا السياق، يقول وهاب إن وراء «الهبّة الجنبلاطية» محاولة لاسترضاء الرياض، وإعادة وصل ما انقطع مع المملكة، ولكن القيادة السعودية لا تقبل برأيه بأن يكون الوصل على حساب تقديم ضحايا دروز، مشيراً إلى أنه يقوم بالتنسيق مع كل القوى الدرزية وتحديداً مشايخ الطائفة، داعياً إياهم لرسم خريطة طريق توضّح مصلحة الدروز، وعلى الجميع السير وراءها، مؤكداً أن هؤلاء أبلغوا المعنيين وفي طليعتهم جنبلاط، بأن دروز جبل العرب أدرى بمصلحتهم!
أما بالنسبة للاشتراكيين، فإن ما قدمه جنبلاط حتى الآن، لا يخرج عن سياق دعمه الصريح للثورة السورية، ولا يفترض بالتالي أن يجرّ «الويلات» إلى الجبل الدرزي إذا احترم كل فريق آراء الفريق الآخر ومواقفه، حيث يعتمد كل طرف أسلوبه بالتعبير الذي يناسبه. ولهذا لا يرى هؤلاء أي مبرر للتوتر «إلا إذا كان هناك من يريد استثمار هذا «الخلاف» حول المسألة السورية، ليحقن شرايين الجبل الدرزي بحقن التشنّج».
 
العرب والحداثة والحاكم الواحد المتعدد
جريدة المستقبل..مراجعة: د. ريتا فرج
تنهض أطروحة خليل أحمد خليل "لماذا يخاف العرب الحداثة؟ بحث في البدوقراطية" (دار الطليعة، 2012) على فرضيتين: مؤثرات البداوة المتجذرة في البنى الاجتماعية والسياسية والثقافية، وإمكانية التقوم العربي رغم المقاومة الشرسة للقبلي/ المحلي.
الكتاب يمكن إدراجه تحت تصنيف "فلسفة الآتي" ويحتوي على كم نوعي وسجالي من الموضوعات والإشكاليات، ويعالج أفكاراً جديدة، لا سيما ما يتعلق بتوحد المجال العربي على شاكلة الاتحاد الاوروبي. والى جانب الاطار الجديد من حيث اختيار البحث ودراسته عبر المناهج السوسيولوجية، يجترح صاحب "العرب والقيادة" مصطلحات جديدة دخلت الى المعجم اللغوي العربي، كـ البدوقراطية، والبدولوجيا، والجملكية، ويعمل برصانة على تفكيك هذه الشبكة الاصطلاحية بإزاء عالم عربي تسيطر عليه الأنماط العشائرية والقبلية والطائفية والنزوع نحو التتريث.
يستهل الكاتب مقارعته للبدوقراطية في معاينة مشهد "الربيع العربي"، ويخلص الى أن ما يجري "فورات يتبعها ثورات"، فالتحديث عنده يقتضي الثورة على البنى التقليدية/ البدوية، والأهم من ذلك قوله "ان العالم العربي" سيدخل في "دورة تفكيكية كاملة قد تمتد حتى العام 2050" وهذه الدورة "مشروطة بمآلات الرأسمالية الغربية".
لا يتوانى صاحب "التوريث السياسي في الأنظمة الجمهورية المعاصرة" عن تقديم تعريفات للمفاهيم التي أشكلت على القارئ ومن بينها البدوقراطية فهي عنده " الحكم التراثي/ التوريثي بعقلية بدوية، بدائية، تقوم على مزاج تعاركي وثقافة غَزوية" ولهذه البداوة انعكاسات على المجتمعي والسياسي والثقافي.
"كيف يحكم الواحد المتعدد؟" تشكل هذه الإشكالية العمود الفقري للكتاب، إذ يدرس خليل طبيعة الأنظمة السياسية في العالم العربي، الجمهورية منها والملكية، التي أنتجت أنماطاً سلطوية. وهنا يوظف صاحب "العقل في الإسلام" مصطلح "الجملكية" للدلالة على التوريث السياسي المقنع داخل الجمهوريات، حيث يتداخل العسكري مع القبلي، والطائفي مع السياسي، وبين هذا وذاك سيطرت على مفاصل المجال العربي معادلة واحدة تتمثل بحكم الواحد المتعدد.
البدوقراطية لا تتجذر فقط في تركيبة الحكم، فقد قضمت بشكل تدريجي وعنفي التجارب الاصلاحية التي قادتها في الغالب الأحزاب التقدمية، القومية منها والاشتراكية. وحتى التجربة الحزبية في "مجتمعات اللادولة"، كما يلحظ الكاتب، تماهت الى حد كبير مع أنساق البداوة المستحدثة، والمؤشر الدال على الأزمة فشل هذه الأحزاب، وصعود التيارات الإسلامية، التي حملت شعار "الإسلام هو الحل".
لا تتخذ البدوقراطية طابعاً سياسياً فحسب، فهي تعمل في اتجاهات متعددة: ثقافية واجتماعية ودينية. فلماذا فشل العرب في كسب معركة الحداثة؟ وهل ثمة استعصاء بنيوي يمنع الانتقال من دولة القبائل والطوائف الى الدولة العالِمة؟ الجواب يجده الكاتب في مؤشرات متداخلة، جزء منها، سياسي/ اجتماعي، وجزء ثقافي/ ديني.
لا يغلب صاحب "سوسيولوجيا الجمهور الديني السياسي في الشرق الأوسط" معطى على آخر، الأجزاء كلها تنحو باتجاه تغليب البدوي على المدني، أي ثقافة البداوة، على ثقافة التمدين. ثمة مفصل أساسي يتطرق اليه الكاتب في أكثر من موضع، جاذبية البداوة وانعكاسها على ما يسميه "التناكر" السياسي بين الدول العربية، مقابل التقوم العربي (أي توحد العرب في اتحاد ديمقراطي فدرالي لا مركزي). في هذا السياق يحدد الكاتب أبرز مقومات التقارب والتباعد في المدار الحضاري العربي/ الإسلامي، ويتساءل من جديد، لماذا لم ينجح العالم العربي في تكوين "المدار الحضاري القومي"؟ على غرار ما تمناه محمود درويش "سجل أنا عربي" يسلط صاحب "الاغتيال حرب الظلال والعنف المقدس" الضوء على مآزق الهوية القومية العربية وعلى مآلات العروبة ويفند المعضلات التي تمنع التقارب العربي على مستوى البنيوي.
عبر المنهجية الماكروسوسيولوجية، يعمد الكاتب الى تحليل محرِّكات التفكيك في العالم العربي، الواقع بين البدوقراطية والرأسمالية. ومن بين أهم النتائج التي توصل اليها خلال إجراء المقارنة بين هذه الثنائية: تراجع العروبة لصالح البدوقراطية الرأسمالية ومحركاتها الغربية، تطور الديمقراطة الحديثة في العالم العربي رهين المجتمعات الخاضعة للتركيبة الثيوقراطية، المتعدد العربي يرضخ لحكم الواحد وفقاً لمعتقد جبرية المنزلة، نمط الحكم العربي أنتج التتريث (أي وهم النقل والتكرار ورفض تطوير العالم العربي بالعلم المعاصر) والتوريث السياسي. والحال، لماذا لا يقوم مركز استقطاب تحديثي للعالم العربي؟ تغليب التتريث على التحديث كما يلحظ الكاتب يستمد قوته من ثلاثة مجالات تأسيسية: تراجع العروبة، كمحرك توحيدي، أفضى الى إفساح الطريق أمام الإسلامية المتمذهبة والمسلحة؛ انحسار الثقافة العلمية أتاح المجال أمام الثقافات البدائية/ الأسطورية؛ فشل السياسة التحديثية أتاح المجال أمام "إسلام الفرق" المذهبي والتكفيري والاقصائي.
لماذا يتعملق الغرب بعلم ويتقزم العرب بوهم؟ الاشكالية التاريخية التي صاغها صاحب "تصادم الخلافات والوصايات على أرض الإسلام الغابر والحاضر" تقوم على ثلاثة معطيات تاريخية: التوجه المفرط نحو التوهيم الديني والسياسي، معالجة الأزمات السياسية الدورية بتغليب حكم الواحد للمتعدد، سيطرة الجماعات الحاكمة على الثروات الوطنية وإفقار الدولة ومجتمعاته. الوهم الذي يفككه الكاتب لا يطاول المحرك السياسي والاقتصادي فقط، ثمة محركات أخرى أشد ضراوة، تتمثل بالديني والثقافي.
على مستوى سيكولوجيا الجماهير العربية تبدو معركة الاصلاح أصعب، وهنا يطالب الكاتب بتطوير "سيكولوجيا التأثر والتأثير" ويبرز أهم الاتجاهات المحرِّكة لهذا الجمهور المستلب والشعبوي، منها: تضليل الجماهير بقوة العنف السلطوي والمقدس، وإبطاء درجة نمو الذكاء الجماعي، وإنتاج زعماء استزلاميين بدل رجال علم ودولة، وتمكين الحاكمين من مزاولة حكمهم مدى الحياة على محكومين مضغوطين سياسياً، وتخويف الجماهير من الحاكمين الذين حولوا مجتمعاتهم الى سجون.
تضعنا أطروحة خليل أحمد خليل أمام السؤال التالي: هل الربيع العربي قادر على تجاوز البدوقراطية؟ من المبكر الحسم بالتحولات الأولية في الأنظمة الجمهورية على وجه التحديد، والى أن يتم بناء الديمقراطيات الحديثة التي تحتاج الى أجيال، يبدو أن ربيع العرب أمام المعادلة التالية: سيطرة الاسلاميين على الجمهوريات وتماسك الملكيات المتواطئة مع الرأسمالية العالمية.
[ الكتاب: لماذا يخاف العرب الحداثة؟ بحث في البدوقراطية
[ الكاتب: خليل أحمد خليل
[ الناشر: دار الطليعة، بيروت 2012
 

 

الفرق بين صلح «الرملة» و«السلام» مع العدو الصهيوني
جريدة اللواء..د. إبراهيم علوش*
ما برح بعض “المعتدلين” اليوم يسعون لتبرير الانخراط في “عملية السلام” مع العدو الصهيوني بوسائل شتى وبذرائع شبه “تاريخية”، منها مثلاً “صلح الرملة” الذي أبرمه الناصر صلاح الدين مع ريكاردوس قلب الأسد ملك بريطانيا في بداية شهر أيلول عام 1192، أي بعد تحرير القدس ومعظم أراضي بلاد الشام بخمس سنوات تقريباً.
وكان صلح الرملة يقضي ببقاء الساحل الشامي بين صور ويافا بيد الفرنجة، على أن يبقى بقية ما تم تحريره من الأراضي المحتلة، ومنها القدس، بيد المسلمين، وأن يعيد الصليبيون عسقلان للمسلمين، وأن يُسمح للفرنجة بالحج إلى القدس مسالمين، على أن تكون بين الفرنجة والمسلمين هدنة عسكرية مدتها خمس سنوات. 
ونظراً لما لصلاح الدين محرر القدس من مكانة وسمعة في عقول وقلوب العرب والمسلمين، فإن دعاة التفاهم والتعايش والصلح والاعتراف بالعدو الصهيوني يحاولون التستر بسيرته متظاهرين عبثاً بأنهم لم يفعلوا شيئاً لم يقم به صلاح الدين من قبلهم، وشتان ما بينه وبينهم.  ولذلك لا بد من العودة لتوضيح الفرق ما بين صلح الرملة، من جهة، و”عملية السلام” مع العدو الصهيوني، من جهة أخرى.  فالفرق بين المقاومين والمفرطين كالفرق بين أكثر نقطة انخفاضاً في غور الأردن وقمم الجبال. 
في البداية لا بد من القول أن القياس الآلي على الوقائع التاريخية دون أخذ السياق السياسي وميزان القوى، والكثير من العوامل الأخرى المحيطة بالحدث، بعين الاعتبار يقود إلى الضلال والتخبط في الاستنتاجات. 
 والمعاهدة التي تكون ضرورية لمصلحة الأمة في لحظة ما قد تعبر عن الخيانة أو التهاون والتفريط في لحظة أخرى.  لكن صلح الرملة لم يكن خيانة ولا تفريطاً ولا تهاوناً، على النقيض من “عملية السلام” مع العدو الصهيوني اليوم.
وخلاصة قصة صلح الرملة أن الأوروبيين تداعوا بعد معركة حطين، وتحرير القدس، وسقوط الكثير من الإمارات الصليبية في بلاد الشام بيد قوات صلاح الدين في خريف عام 1187، إلى حملة صليبية ثالثة جمعوا لها قوى ضخمة تعد بمئات الآلاف بقيادة ملوك ألمانيا وفرنسا وبريطانيا من أجل “تغيير النظام” في بلاد الشام.  وقد انطلقت تلك الحملة، عبر طرق مختلفة، باتجاه بلاد الشام، بعد عامين من تحرير القدس.
وكان صلاح الدين قد ارتكب خطأً إستراتيجياً، حسب إجماع المؤرخين الأصدقاء والمعادين، بترك مدينة صور على ساحل جنوب لبنان بيد الفرنجة، لا بل بالسماح، بتسامحه المعروف، لكثيرٍ من المحاربين الفرنجة الهاربين من فلسطين وشرق الأردن وصيدا وبيروت واللاذقية وطرطوس باللجوء آمنين إلى صور مع أموالهم وممتلكاتهم.  وكانت صور محصنة جيداً من البر والبحر، وبالتالي وقف أمامها صلاح الدين أكثر من مرة وقرر أن يتجاوزها، خاصة أن جيشه كان مرهقاً من الحروب، وخزينة الدولة الأيوبية مفلسة، فقرر صلاح الدين تسريح قسم كبير من الجيش في الشتاء، مركناً لانتصاراته المزلزلة ومراهناً على ما يبدو أن راس اللسان الصغير المحاصر في صور لن يكون له من الأمر شيء، خاصة أن المسيحيين العرب كانوا مع صلاح الدين، وسبق أن أسهموا معه بفتح أسوار القدس.  ولو غنم جزءاً مما نقله المحاربون الصليبيون لصور، وهو منهوب من بلادنا أصلاً، وحلالٌ عليه، لحل مشكلة موازنة الجيش.
لكن غلطة الشاطر بألف، ودمشق التي انطلقت منها الجيوش لتحرير القدس مستهدفة، ولبنان، خاصرة بلاد الشام، مفتوح بحرياً على أوروبا.
وكان صلاح الدين قد أرسل عشرة سفن من مصر لمحاصرة صور بحرياً، لكن الصليبيين دمروا خمسة منها، وهرب بقيتها إلى بيروت.  ولم يتابع صلاح الدين الأمر.  لا بل أنه أطلق في تموز 1188 سراح “غي” ملك القدس الصليبي المخلوع مستحلفاً إياه أمام الملأ ألا يرفع سلاحاً يوماً بوجه المسلمين، فحلف.. ونكث بعدها. 
أبان ذلك، كان الفرنجة المحاصرون في صور قد بادروا إلى استدعاء العون بحرياً من أوروبا، وفي آب 1189 تقدمت حملة بحرية انطلاقاً من صور باتجاه عكا، بالاشتراك مع قوات فرنجة طازجة من أوروبا، وعلى رأسها الملك الصليبي الناكث بعهوده “غي”، وانشأ الصليبيون طوقاً برياً وبحرياً حول حامية عكا المقاومة ظل يتجدد بإمدادات لا تنضب من البحر.  وظلت عكا تقاتل عامين، حتى انهارت في تموز عام 1191.
وقبلها كان فريدريك برباروسا، ملك الألمان، قد راح يتقدم على رأس مئتي ألف مقاتل (أو مئة ألف أو أقل،  حسب المراجع الغربية) باتجاه بلاد الشام، عن طريق هضبة الأناضول، في تشرين الأول 1189، وقد أعتبر صلاح الدين تقدم الألمان الخطر الأكبر الذي طفق يحشد القوى لمواجهته، لكن فريدريك برباروسا الذي اجتاح الإمارات التركية بسهولة أصيب بسكتة قلبية قبيل وصوله لإنطاكية، وهو يستحم بمجرى ماء (لا يصل لوسط الرجل، حسب ابن الأثير) عند جبال طوروس في 10/6/1190، وكان في الثامنة والستين من العمر، فتشتت جيشه، وتخلصت بلادنا من لعنته، ونزل ما تبقى من جيشه، وهو خمسة آلاف، في عكا. 
لكن لم يكد خطر الألمان يضمحل حتى تعاظم كالعادة خطر الفرنسيين والبريطانيين وحلفائهم، وفي نيسان 1191 نزل ملك فرنسا فيليب أغسطس مع جيوشه إلى جوار عكا، وفي حزيران من نفس العام تبعه ملك بريطانيا ريكاردوس قلب الأسد، وما لبثت عكا أن سقطت بعد تعذر وصول الإمدادات إليها، فذبح ريكاردوس ثلاثة آلاف من الأسرى على أسوارها، منهم 2700 جندي، و300 من عائلاتهم، على النقيض من تسامح المسلمين مع أسرى الفرنجة.    
وتمكن الصليبيون خلال هذه الحملة الصليبية الثالثة من التمدد من عكا إلى حيفا ويافا إلى عسقلان، وكان العرب المتطوعة وجيش صلاح الدين يمارسان حرب العصابات ضد جيش الفرنجة يومياً لإنهاكه واستنزافه ومنعه من الاستقرار، وكانت خطة جيش المسلمين المركزية هي الحفاظ على الداخل، واحتواء الصليبيين في شريط ساحلي ضيق، ومنعهم من تحقيق هدفهم الإستراتيجي، وهو استعادة القدس التي حررها صلاح الدين بعد 88 عاماً من الاحتلال.
وكانت الصراعات بين ملك فرنسا فيليب وملك بريطانيا ريكاردوس قد لعبت دورها في عودة الملك الفرنسي إلى بلاده في صيف عام 1191، بعد مئة يوم فقط من مجيئه لعكا، تاركاً قيادة الحملة الصليبية الثالثة لريكاردوس.  ولعبت الصراعات على الملك في بريطانيا دورهاً أيضاً في تخويف ريكاردوس من ترك مملكته طويلاً.  فراح ريكاردوس يفاوض صلاح الدين عبر أخيه العادل، لأن صلاح الدين رفض أن يقابله وجهاً لوجه، ومن ثم ألم المرض الشديد بريكاردوس، فعالجه الأطباء العرب، ومن هنا جاء صلح الرملة. 
إذن، فلنلاحظ أن: 1) صلاح الدين رفض أن يقابل ريكاردوس، وفاوضه عبر أخيه العادل، 2) صلح الرملة كان هدنة محدودة الأجل، ولم يكن اعترافاً “تاريخياً” بحق العدو بالوجود، 3) المسلمون تمكنوا من منع جيش الفرنجة من تحقيق هدفه الأساسي وهو احتلال القدس، 4) صلح الرملة نص على بند يعترف بسيادة المسلمين على القدس، وكل داخل فلسطين، للمرة الأولى منذ بدأت الحروب الصليبية، 5) الصلح أنتج عودة ريكاردوس قلب الأسد إلى بلاده فتخلص الناس من شره، ولم يؤدي إلى استيطان ريكاردوس في فلسطين، وهو ما يشكل نصراً معنوياً كبيراً، 6) “التنازل” الذي قدمه صلاح الدين بالسماح للفرنجة الأجانب بالحج إلى القدس مسالمين لم يخرج قيد أنملة عن مبدأ السيادة العربية -الإسلامية على القدس، وينسجم مع العهدة العمرية، 7) صلاح الدين بقي متحصنا بالقدس، وكانت مقاومته العسكرية الباسلة للغزو الصليبي، وموقفه السياسي الصلب، هو الذي أجبر الفرنجة على التخلي عن استكمال حملتهم الثالثة على بلاد الشام بعد انكفائهم في شريط ساحلي ضيق.
إذن لم يكن صلح الرملة معاهدة استسلام تكرس هزيمة عسكرية، بل كان مناورة دبلوماسية لحماية نصر عسكري ضخم كان قد تم تحقيقه قبلها بخمس سنوات، بتكسير معظم الإمارات الصليبية في بلاد الشام، خاصةً في فلسطين وشرق الأردن.  وكان صلح الرملة يمثل نهاية الحملة الصليبية الثالثة، ولم يتم توقيعه من قبل أطراف خائرة القوى ومتهالكة على كسب ود الغرب، ولم ينتج عن هزائم عسكرية للعرب، ولا عن استعداد للتفريط بالسيادة، ولا عن تساهل مع مشروع التدخل الخارجي ب”تغيير النظام” “حقناً للدماء”، بل نتج عن قوة انتصرت من قبل، ونجحت بمحاصرة الحملة الصليبية الثالثة في الساحل، وتستطيع بالتالي أن تراهن على نفسها لاقتلاع ما تبقى منها. 
أما الداعون للسلام مع “إسرائيل” اليوم فلا يهادنون مؤقتاً ليحاربوا، بل يستسلمون، ويعترفون، وهذا فرق كبير، وهم لم يحرروا شيئاً، ولم يبنوا قوى، ولا يتمسكون بموقفٍ مبدئي صلب، ولا يفاوضون حتى من موقع ضعف، بل من موقع يأس، وتقوم كل إستراتيجيتهم على جعل العدو يحبهم!
وللأسف أن صلاح الدين أصيب بمرض شديد بعد صلح الرملة بقليل، وتوفي بعده ستة أشهر بالضبط، عن ستةً وخمسين عاماً، ولم يكن الأيوبيون بعده للأسف على ما كان عليه صلاح الدين، فأفلتت الأمور من أيديهم.
وفي النهاية، رحل ريكاردوس دون أن يرى القدس، ودون أن يأخذ الأرض الواقعة غربي نهر الأردن، أما ما أخذه الصليبيون، فصلاح الدين يقول له أنها أرضٌ محتلة لن يُسمح للمحتلين أن يتمتعوا بها، وهذا رفض مبدئي لحق الاحتلال بالوجود، وليس “عملية سلام” مع المحتل، أو اعتراف ب”قرارات الشرعية الدولية” ولا سعي لنيل رضا الغرب للتمتع بالحكم أو من أجل الوصول إليه، على طريقة بعض “الثوار” العرب مؤخراً. 
أخيراً، لا ننسى أن نذكّر، من وحي تجربة صلاح الدين وغيرها، أن سقوط القدس يعني سقوط الشام والموصل ومصر، مملكة صلاح الدين، وأن ثبات الشام ومصر يعني تحرير القدس.
 باحث أردني.
 
لماذا توتّرت العلاقات بين القاهرة وواشنطن؟
جريدة اللواء..بقلم جوزيف ملكون       
هل انتهى شهر العسل بين الولايات المتحدة ومصر بعدما قررت القاهرة محاكمة 18 أميركياً ضمن مجموعة تضم 43 شخصاً احيلوا إلى محكمة جنايات القاهرة ينتمون إلى منظمات حقوقية غير حكومية وغير مسجلة رسمياً وشركات خاصة تموّل اميركا تعمل مع عشرات من تنظيمات للمجتمع المدني وتلعب دوراً في التأثير على الرأي العام المصري، وهي متهمة بممارسة عمل سياسي غير مشروع وتلقي أموالاً من الخارج.
مصر رفضت طلباً أميركياً باطلاق سراح مواطنيها           فهي، أي اميركا، لم تعتد أن يحاكم اميركي في أي مكان في العالم إلا أمام قضاء الولايات المتحدة، مصر قالت ان قضاءها   النزيه لا يخضع لأي املاءات خارجية أو داخلية. وقد رأينا كيف ان العراق رفض منح حصانة قضائية للمدربين العسكريين الأميركيين الذين تحتاجهم بغداد في تدريب قوتها العسكرية، إذا ارتكبوا جرماً. كانت النتيجة الإستغناء عنهم.
وإذا كانت واشنطن تنظر إلى مصر كدولة محورية وان استقرارها وتحالفها السياسي يعد حيوياً للتنمية الإقليمية وللعلاقات بين الدول الكبرى على حد قول مجلة «فورن افيرز» الأميركية الفصلية، فان هذه النظرة ليست عرضية بل مبنية على دراسة معمقة من قبل خبراء السياسة الأميركية حول أهمية الدول المحورية للولايات المتحدة في مختلف انحاء العالم.
هذه الدراسة وضعت أواسط تسعينات القرن الماضي في عهد إدارة بيل كلينتون بعد انهيار الإتحاد السوفياتي وتتعلق في كيفية تنظيم العلاقات الدقيقة مع أوروبا واليابان وروسيا والصين وغيرها من اللاعبين الرئيسيين في الساحة الدولية.
الدراسة التي ما زالت واشنطن تسير على هداها صنفت الدول إلى محورية وغير محورية. المقصود بالأولى بأنها دولة تقع في بقعة ساخنة يمكنها فقط ان تقرر مصير منطقتها والتأثير على الاستقرار الدولي أيضاً. ليست مصر وحدها دولة محورية وإنما هناك المكسيك والبرازيل والجزائر وجنوبي افريقيا وتركيا والهند وباكستان واندونيسيا.. دول تحاول واشنطن إبقاء علاقات صداقة معها.
وترى «فورن افيرز» ان قائمة الدول المذكورة ليست ثابتة مثل نظرية الدومينو وقد تتغير بمرور الزمن، لكن المفهوم نفسه يمكن أن يكون ضروريا ومفيداً لاطار وضع استراتيجية اميركية حيال العالم النامي.
ثلاثة من أعضاء الكونغرس الأميركي طالبوا مؤخراً بوقف المساعدات الأميركية بشقيها العسكري والاقتصادي لمصر في وقت كان وفد عسكري مصري يزور واشنطن يجري مباحثات مع مسؤولين ويتفقد مختلف المنشآت العسكرية، وقد استدعي الوفد من قبل القاهرة فعاد فوراً واعتبر الاستدعاء بمثابة رد على المطالبة بقطع المساعدات التي بلغت عام 1995 زهاء 2.4 مليار دولار ما جعل مصر ثاني أكبر دولة تتلقى مساعدات أميركية بعد إسرائيل.
لا بد من التنويه ان المساعدات الأميركية لمصر كانت ثمن توقيعها على معاهدة «كامپ دايڤيد» مع إسرائيل عام 1978 حيث تقرر منحها ملياري دولار سنوياً مقابل حصول تل أبيب على 3 مليار. إلا انها أصبحت حالياً 1.3 مليار دولار على شكل مساعدات عسكرية.
وكان من الطبيعي ان تنتهج مصر سياسة تميل إلى الولايات المتحدة ولا تقدم على خطوة تغيضها أو تتناقض مع سياستها. ولا نتجاوز الحقيقة ان أشرنا إلى ان اميركا أبدت استعدادها لإرسال مراقبين عنها يشرفون على الإنتخابات البرلمانية عام 2010 إلا أن الرئيس حسني مبارك رفض الطالب وأصر على اجرائها دون أي مراقب اجنبي في الوقت الذي طعنت المعارضة بالعملية قائلة انها ستكون مزيفة لأن العديد من المرشحين المعارضين اعتقلوا للحيلولة دون فوزهم خصوصاً من الأخوان المسلمين. كانت نتيجة الانتخابات فوز الحزب الوطني الحاكم الذي يرأسه مبارك بالأغلبية الساحقة وسط مقاطعة المعارضة. كما عارضت واشنطن تمديد حالة الطوارئ، لمدة عامين أوائل صيف 2010.
بكلمة أخرى، «انتخب» برلمان لا يعكس إرادة الشعب ومطالبه ما مهد السبيل أمام الثورة الشعبية في 25 كانون الثاني أدت إلى تنحي مبارك عن الحكم ومحاكمته هو وزمرته بتهمة الفساد ومقتل اكثر من 800 متظاهر.
بعض الأميركيين المتهمين تمكنوا من اللجوء إلى سفارة بلدهم في القاهرة، وبين المتهمين سام لحود (من أصل لبناني) نجل وزير النقل الأميركي بينما البعض الآخر معتقل.
وما أثار الشكوك حول الجمعيات غير المرخصة التي ينتمي إليها اميركيون ضبط قوى الأمن مجموعة من الخرائط تشير إلى مواقع ومراكز حيوية في مصر.
وزيرة التخطيط والتعاون الدولي، فايزة أبو النجا، ذكرت في اجتماع لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الجديد ان هناك 23 ألف جمعية ومنظمة وان العام الماضي شهد تسجيل 4500 منظمة منها 80 اجنبية بينها 23 أميركية كلها وضعها قانوني. وانتقدت أبو النجا مخالفة واشنطن ما اتفق عليه في برنامج المساعدات الأميركية قائلة: «لاحظنا تمويل منظمات غير مسجلة وشركات خاصة. ليست هناك دولة في العالم تسمح لدولة أخرى بتمويل منظمات على أرضها تحت عناوين براقة مثل الحكم الرشيد وحقوق الإنسان والديمقراطية من وراء ظهرها».
السؤال الذي يتردد، لماذا لم تسع اميركا للحصول على ترخيص لمنظماتها في مصر بينما انفقت عليها 175 مليون دولار خلال 4 اشهر من العام الماضي (آذار إلى حزيران) بالمقارنة إلى أكثر من 90 مليون عام 2010؟
رئيس الوزراء المصري، كمال الجنزوري، رد على تلويح بعض أعضاء الكونغرس بقطع المساعدات قائلاً ان قطعها لن يغيّر من موقف الحكومة. يأتي تأزم العلاقات المصرية - الأميركية في وقت تشهد مصر تعقد المواقف الداخلية حيث طالب الثوار الشباب ممن ينتمون إلى تنظيمات مختلفة برحيل المجلس العسكري الأعلى وتسليم السلطة إلى المدنيين في تظاهرات واعتصامات واضرابات مؤخراً. إلا ان القوى السياسية الأساسية (الأخوان المسلمون والسلفيون والوفد وغيرهم) قاطعتها ما يعني ان هناك انشقاقاَ خطيراً بين القوى السياسية المصرية حيال قضايا الساعة والتي كانت متوحدة حيال التخلص من نظام حسني مبارك.
المجلس العسكري رد على التظاهرات والاعتصامات بنشر الجيش في مختلف أنحاء مصر تحسباً لأي طارئ، وأصدر بياناً قال فيه انه «لن يرضخ للتهديدات ولن يخضع للضغوط».
الجدير بالذكر ان المجلس قرر تقديم موعد فتح باب الترشيح لإنتخابات الرئاسة وحدده العاشرة من آذار المقبل بدلاً من الخامس عشر من نيسان حيث تكون الدولة قد انتهت من آخر جولة في انتخابات مجلس الشورى يوم 22 شباط. والمتوقع اجراء انتخابات الرئاسة في النصف الأول من أيار المقبل.
مراقبون لاحظوا ان نواب الأخوان المسلمين وقفوا ضد التظاهرات والأضراب العام بل هاجموه.
وصفوا المتظاهرين بأنهم «مجموعة من الخارجين على القانون وانهم يسعون إلى اسقاط الدولة». وصرح رئيس كتلة نواب الاخوان، انه يؤيد حق التظاهرة السلمي لكنه ضد التخريب.
وفي رأي مراقبين ان الإستجابة «المحدودة» للإضراب العام تعد انتكاسة للقوى غير الأساسية علماً ان تلك الدعوة جاءت في الذكرى الأولى لتنحي مبارك عن الحكم.
ويميل مراقبون إلى الاعتقاد ان المعتقلين الأميركيين ربما يمثلون أمام القضاء المصري ويتوقعون ان يكون الحكم مخففاً عليهم.
رئيس أركان القوات الأميركية المشتركة زار القاهرة والتقى كبار المسؤولين المصريين في مقدمهم رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي الذي سبق ان التقاه في واشنطن خلال زيارة رسمية كان يقوم بها في كانون الثاني من العام الماضي فعاد مسرعاً إلى القاهرة قاطعاً زيارته عندما اندلعت الثورة.
يقول محللون ان العديد من الضباط الأميركيين تربطهم روابط صداقة مع ضباط مصريين بحكم الزيارات والتدريبات المشتركة. عليه لن يصل التوتر بين القاهرة وواشنطن إلى مستوى التدهور ويعتبرها البعض غمامة صيف وخصوصاً ان الأخيرة يصعب عليها التخلي عن دولة محورية تربطها روابط صداقة وتحالف منذ أكثر من ثلاثة عقود وأكدت التزامها بالمواثيق والاتفاقات الدولية التي وقّعها نظام مبارك.
أما مطالبة بعض القوى السياسية المصرية المجلس العسكري الإسراع بتسليم السلطة إلى المدنيين فلا يعد مطلباً ملحاً في رأي مراقبين لأن المجلس سبق ان أعلن انه سيسلم الحكم حالما تنتهي إنتخابات الرئاسة ويكمل وضع الدستور.. موعد قد لا يتعدى الصيف المقبل.
جوزف ملكون

 

 

إختبارات متواصلة منذ اندلاع الثورات العربيّة الأخيرة

إسلاميو الإخوان المعتدلون يواجهون المضايقات رغم نجاحاتهم
موقع إيلاف..أشرف أبو جلالة من القاهرة
جاءت موجة الثورات العربية التي عرفت إعلامياً بـ "الربيع العربي" لتعود بالقدر الأكبر من النفع على الحركات الإسلامية، إلا ان الإستفادة من الظروف السياسية تفاوتت، إذ ذهبت الجائزة الكبرى للجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين الوسطيين، الملتزمين بالتغيير التطوري وليس الثوري.
القاهرة: أشارت اليوم مجلة "ذا ايكونوميست" البريطانية، ضمن تقرير مطول لها إلى أن الأحزاب المرتبطة بالإخوان هي التي تتحكم الآن في تطورات الأوضاع السياسية بكل من مصر وتونس، بعد تمكنها من حصد ما يقرب من نصف المقاعد البرلمانية في انتخابات ما بعد الثورة هنا وهناك.
وفي مسعى من جانبه لتجنب المصير الذي آل إليه مبارك وزين العابدين بن علي، عين العاهل المغربي الملك محمد السادس رئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامي في منصب رئيس الوزراء.كما كانت الميليشيات الإسلامية من بين أبرز العناصر الفاعلة في حرب ليبيا الثورية.وتحاول الآن جماعات مسلحة تحمل نفس الفكر أن تقوم بدور مماثل في سوريا، في الوقت الذي تسير في البلاد نحو حرب أهلية.
ثم مضت المجلة تشير إلى ماضي الإخوان السابق في عالم السياسة، ونوهت إلى أذرع الجماعة في الأردن والعراق والجزائر والبحرين والكويت واليمن والسودان وفلسطين، وأضافت أن بعضاً من المسؤولين الغربيين حرصوا في أعقاب موجة الربيع العربي أن يتحدثوا إلى الإخوان.ولفتت المجلة إلى الوفود التي أتت للقاهرة على مدار الأسابيع الماضية لمقابلة المرشد العام للإخوان محمد بديع، بالإضافة لمقابلته الأخيرة مع السفيرة الأميركية بالقاهرة، آن باترسون.
وهو ما جعل المجلة تتساءل: هل يعني ذلك أن المجتمع السري، الذي تأسس في مصر عام 1928، على وشك أن يحقق حلمه الذي لطالما تم إحباطه ؟
ثم رأت المجلة إن الإخوان مازالوا بعيدين عن الشعور بالارتياح بشكل متعجرف، في أعقاب الفوز الكبير الذي حققوه في الانتخابات البرلمانية مؤخراً، وحتى بعد مرور عقود من الاضطهاد المتفرق والشديد في بعض الأحيان.
وهو ما تجلى بوضوح من خلال الهتافات التي رددها البعض أثناء التظاهرات التي شهدها ميدان التحرير للاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لثورة يناير، والتي كان أبرزها "بيع بيع يا بديع".
وتابعت المجلة بقولها إنه ورغم الشرعية التي اكتسبها الإخوان خاصة بعد النجاحات التي حققوها في صناديق الاقتراع، إلا أن الإخوان مازالوا في موقف دفاعي. حيث يشتبه منتقدون علمانيون في هذا الصدد أنهم أبرموا صفقة مع جنرالات الجيش الذين تصدروا المشهد في أعقاب سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك.
وفي غضون ذلك، يشجب الإسلاميون الليبراليون في مصر عقم الجماعة الأيديولوجي وهيكل قيادتها الصلب وميلها لممارسة السياسة من الغرف الخلفية.
كما يوجه الإسلاميون المتزمتون، مثل السلفيون الذين حل حزبهم ( النور ) على نحو مفاجئ في المركز الثاني خلف حزب الإخوان ( الحرية والعدالة ) في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، اتهاماتهم للإخوان بتمييع جدول الأعمال الإسلامي لتهدئة مخاوف الغرب.
كما يشكو السلفيون من تعرضهم للعزلة من جانب أبناء عمومتهم الإسلاميين المزعومين، لصالح شركاء علمانيين محتملين في الائتلاف. وبمعنى آخر، اكتشف الإخوان المصريون أن للاقتراب من السلطة ضريبة ثقيلة، خاصة وأنهم ليسوا بمفردهم.
وأعقبت المجلة بقولها إن القلق بشأن إمبراطورية عربية يديرها الإخوان يجب أن يُخَفَّف عن طريق فهم أفضل للطريقة التي تعمل من خلالها جماعة الإخوان. فبينما يوجد للجماعة تنظيم عالمي، إلا أنه يحظى بقدر ضئيل من السلطة الحقيقية.
وسبق لأفرع جماعة الإخوان أن تصادمت مع بعضها البعض بصورة حادة في الماضي، ولعل حالة الصدام الأبرز هي تلك التي وقعت في أعقاب غزو العراق للكويت عام 1990، حيث انقسم التنظيم العالمي لفصائل مؤيدة وأخرى معارضة للعراق على مدار عقد من الزمان.كما يحتقر إخوان سوريا حركة المقاومة الإسلامية حماس منذ فترة طويلة لاحتفاظها بمقرها الخارجي في العاصمة السورية دمشق.كما تسبب تحضر الإخوان لتولي السلطة في تعميق الانقسامات الجغرافية.
ولحث العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على دعوتهم بغية الانضمام لحكومته، أعلن إخوان الأردن مؤخراً أنهم انفصلوا بصورة رسمية عن نظرائهم الفلسطينيين، في دليل واضح على أنهم يضعون المصالح الأردنية، وليس الفلسطينية، في المقام الأول.
ورغم تبدل الأوضاع الآن، إلا أن الإخوان وحين يسعون للترويج لوجه معتدل للجماعة، فإنهم يبدون محرجين أو غير مرتاحين بشأن تقاسم السلطة.
ومع هذا، فإن الإخوان يبدون باعتبارهم حركة مؤسسات، وليست غطاء لجنون العظمة. وفي كافة أنحاء العالم العربي، أعلنوا التزامهم بمنهاج الديمقراطية على الطريقة التركية، والحريات المدنية، والأسواق الحرة. وللتصديق على إيمانهم بالتعددية، حضر قادة الإخوان مؤخراً احتفالات أعياد الكريسماس في الكاتدرائية القبطية بالقاهرة. كما بدؤوا يفسرون وجهات نظرهم المتعلقة بمشاركة السيدات في عالم السياسة.وبالإضافة لذلك، فإنه ورغم كل نواقص الإخوان، من الممكن أن تشهد المنطقة العديد من الحكومات السيئة.
ثم تحدثت المجلة عن الأجواء الجدلية التي مازالت تحيط بفكرة تطبيق شرع الله في مصر، خاصة بعدما صرح مؤخراً الشيخ يوسف القرضاوي بأن تطبيق شرع الله في مصر لابد وأن يؤجل 5 أعوام.
وتابعت المجلة بلفتها الانتباه إلى الجهود المضنية التي بذلها الإخوان في كافة أنحاء المنطقة من أجل دخول أروقة السلطة، عبر سنوات من العمل الاجتماعي والمعارك السياسية الصعبة.
وختمت المجلة بقولها إن صعود الإخوان من خلال صناديق الاقتراع والأعمال المدنية يشكل أملاً باحتمالية أن يهيمن تيار الإسلاميين إصلاحي الفكر على الاندفاع المتهور والفاشل على نحو متزايد نحو السلاح الذي ميز الجماعات الإسلامية الثورية، منذ اغتيال الرئيس محمد أنور السادات عام 1981 وحتى تنظيم القاعدة اليوم.
 
أعمال شغب وحوادت سرقة وقتل بالرصاص الحي: مصر تفقد بريقها الأمني ويعمّها العنف والجريمة
موقع إيلاف..لميس فرحات
بالكاد يستطيع المصري التعرّف إلى بلاده اليوم، التي تسودها الفوضى والجريمة، فالإنفلات الأمني يعكس قسوة لم تكن معهودة في مصر الآمنة سابقاً، الأمر الذي يجعل الكثير من المصريين يصبّون جام غضبهم على المجلس العسكري، الذي ترك الشوارع للمجرمين، كعقاب للمصريين على ثورتهم.
تعكس التقارير الواردة من القاهرة قسوة وعنف غير مسبوقين، فامرأة قتلت بالرصاص في حي راقٍ في القاهرة، وسلسلة حوادث لسرقة السيارات، وأعمال شغب مميتة في مباراة لكرة القدم، إلى جانب انتشار الأسلحة في أيدي العصابات بسهولة... كل هذه الأحداث برزت خلال العام الماضي منذ اندلاع الثورة.
في هذا السياق، اعتبرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" أنه على الرغم من تواجد بعض رجال الشرطة في الشوارع، إلا أن الناس لا يشعرون بالأمان، وقد عاد رجال الشرطة إلى عملهم بعد شهور من العرقلة، غير أن وجودهم غير مقنع، فهم يظهرون ويختفون بسرعة، الأمر الذي دفع الكثير من الناس إلى التساؤل عما إذا كانت الشرطة راضية أو متواطئة في الفوضى التي تعمّ البلاد.
ونقلت الصحيفة عن طارق فؤاد، مدير مبيعات في شركة دولية قوله: "هذه هي مصر التي لا أعرفها"، مشيراً إلى أن الكثيرين من أقاربه يشاطرونه الرأي خلال جنازة لأحد أصدقائه، الذي توفى بعيار ناري خلال سرقة سيارته في إحدى ضواحي القاهرة الراقية".
وأضاف: "السيارة التي كان يقودها ليست فخمة، لكنهم قتلوه ليحصلوا عليها. ظللنا نسمع عن مثل هذه الجرائم في الأخبار، لكن الآن الهمّ مشترك.. تجري عمليات سطو على البنوك، وهو أمر رأيناه فقط في أفلام هوليوود، ولم نتصور أنه يمكن أن يحدث في مصر".
وتشير بعض الإحصاءات الموثقة إلى ارتفاع الجريمة على الصعيد الوطني في مصر. وذكرت صحيفة "الأهرام" التابعة للدولة أن هناك قفزة غير مسبوقة في جرائم العنف في عام 2011، معظمها بسبب الفارّين من السجن وعدم وجود الشرطة. وقالت الصحيفة، التي لم تقدم أي أرقام للمقارنة، إنه كانت هناك 2774 عملية قتل، و2229 عملية خطف في العام الماضي. وقالت وزارة الداخلية أخيرًا إن معدلات الجريمة قد بدأت في الانخفاض.
وأوضحت الصحيفة، أن مصر كانت أكثر أمناً من العديد من الدول الغربية، لكن الصور الأخيرة حوّلت نشرات الأخبار المسائية إلى فهرس للجنايات والجنازات، وغذّت الأسلحة المهرّبة من ليبيا والسودان هذه الجرائم، الأمر الذي أدى إلى خلافات قبلية في جنوب مصر، امتدت إلى العاصمة، حيث أصيبت نرمين جمعة خليل، مستشارة في منظمة الأمم المتحدة، بطلقات نارية من سيارة متحركة، أدت إلى وفاتها.
وكان الانقلات الأمني السبب وراء عمليات خطف وجيزة خلال هذا الشهر لسيّاح أميركيين ومن كوريا الجنوبية في شبه جزيرة سيناء على أيدي رجال قبائل البدو.
وبدت الشرطة المصرية وكأنها مذهولة بسبب هذا النوع من أعمال الخروج عن القانون، لا سيما وأن ارتفاع حدّة العنف في أحياء المدينة أدى إلى تراجع سلطة رجال الشرطة وهيبتهم.
وقال محمد رضوان، صاحب محل لبيع الهدايا في القاهرة إنه "بعد سنوات عديدة من الإحباط المالي في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، هناك فئة معينة من الناس على استعداد لفعل أي شيء من أجل الحصول على مزيد من المال، حتى لو كان ذلك يعني قتل الناس وسرقتها". وقال إن عدم الاستقرار السياسي وأشهر من الاشتباكات الدامية بين المتظاهرين وقوات الأمن المدعومة من الجيش "أعطت البلطجية شعوراً بأن السلطات مشغولة في الأمور السياسية، ولن تلاحق اللصوص أو تعمل على توفير الأمن".
وفي الوقت الذي يخضع فيه مبارك للمحاكمة بتهمة القتل، يرفض المجلس العسكري الحاكم التنحّي قبل أن يتم انتخاب الرئيس فى أيار/مايو أو حزيران/يونيو، الأمر الذي يترك البرلمان المنتخب حديثاً، والذي يهيمن عليه الإسلاميون، مع سلطة ضئيلة للغاية.
وتلاشت حماسة الأيام الأولى للثورة في ظل وعود لم تتحقق، وباتت مصر دولة تتحول من كرنفال حزين إلى ساحة معركة، سواء في مدن دلتا النيل أوالقرى في عمق الصحراء في الجنوب. وجلبت الجريمة والاضطرابات نوعاً غريباً من المساواة بين المصريين. فالفقير يتشارك المخاوف نفسها مع الغني، الذي يملك حسابات مصرفية كبيرة ومنازل أكبر وأجمل.
"لقد اعتدنا على السطو والهجمات والاعتداءات في أحيائنا الفقيرة"، قالت سعاد محمود، وهي بائعة متجولة في القاهرة، مضيفة: "لكن الآن بتنا نرى ذلك في كل مكان، سرقة سيارات وقتل الناس من أجل المال، وكل هذا يحدث في الأماكن التي كانت تعتبر الأكثر أماناً في مصر".
وفي مقال في صحيفة "الأهرام" المصرية، كتب المحلل والكاتب عبد المنعم سعيد متسائلاً عن اضطرابات العام الماضي: "عند وصولك إلى مطار القاهرة الدولي، واحدة من أول الأشياء التي تراها هي نصيحة باراك أوباما إلى الشباب الأميركي للتعلّم من الشباب المصري، الذي خاض الثورة الأكثر نجاحًا في العالم. هل هذه الكلمات ما زالت سارية؟".
وأضاف: "من المؤكد أنها تفقد بريقها عندما ترى الغوغاء في مهاجمة وقتل الناس، وعندما تتم عرقلة الطرق والسكك الحديدية، وعندما يتم قطع الأذان وإحراق الكنائس، وسرقة البنوك ومحال الصرافة، وحتى اقتحام المحطات النووية، وعندما ينهار الأمن وتتسرب احتياطيات العملة الوطنية من بين أصابعنا، عندما نشهد مجزرة كلما تحين اللحظة لاقتصادنا الوطني للانتعاش". وختم الكاتب المصري بالقول: "الثورة المصرية نجحت، لكن الأمّة فشلت".
 
نصب أجهزة تنصت على أبراج بارتفاع 15 مترًا قرب مخيم الحرية
بغداد لطهران: سنحوِّل مجاهدي خلق إلى أموات سياسيين
إيلاف من باريس
كشفت وثيقة داخلية تابعة لقوات الحرس الثوري الإيراني، عن نية رئاسة الوزراء العراقية شل حركة أعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، المنقولين إلى مخيم الحرية الجديد، سياسياً والتنصت عليهم وعائلاتهم من خلال أبراج تنصت ساعدت إيران بنصبها.
أظهرت وثيقة من داخل قوات الحرس الثوري الإيراني، تأكيدات من رئاسة الوزراء العراقية تطمئن فيها قوة القدس وسفير إيران في بغداد إلى أن أعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة في مخيم الحرية الجديد "ليبرتي" بالقرب من مطار بغداد دولي، الذي ينقل إليه حاليًا سكان مخيم "أشرف"، سيصبحون مشلولي الحركة وميتين سياسياً .. فيما تم نصب أجهزة تنصت متطورة على أبراج بارتفاع 15 مترًا في محيط المخيم للتنصت على مكالمات السكان، بحيث تغطي كل الكرافانات التي يقيمون فيها.
وتشير هذه الوثيقة، التي أطلع "مجلس المقاومة الإيرانية" "أيلاف" على نصها، والتي أرسلت نسخة منها إلى مكتب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، إلى "أن نقل عناصر مجاهدي خلق إلى (ليبرتي) وتحت سيطرة مباشرة للقوات العراقية سيجعل هذه المنظمة مشلولة الحركة (... ) ليس من المهم بالنسبة إلى الحكومة العراقية كم سيبقون في ليبرتي، وإنما من المهم أن لا يتمكنوا من فعل شيء (...) وفي ليبرتي سيكونون في عداد الموتى".
وتضيف "إننا خططنا أن نفصل خلال إحدى المراحل، قياديي المنظمة عن الأعضاء، وهذه أصعب مرحلة من عملية النقل، وقد يخلق أعضاء ومسؤولون في المنظمة مشاكل، وهذه المرحلة لن تمضي سهلة وهادئة".
وتؤكد رئاسة الوزراء العراقية في الوثيقة "إننا قلنا للأمم المتحدة والمجتمع الدولي إن الحكومة العراقية لا تعترف بعناصر منظمة مجاهدي خلق كلاجئين سياسيين أو لاجئين إنسانيين، وأن وجودهم في ليبرتي سيكون فقط لتسهيل إخراجهم".
وتشير إلى أنه "لو اعترفنا بحقهم في اللجوء، الأمر الذي سعت إليه أميركا والاتحاد الأوروبي عبر محاولات حثيثة، لكان ذلك يفرض علينا التزامات قانونية عديدة، ومنها لكان علينا أن نمنحهم الجنسية العراقية أو حق الإقامة القانونية في العراق".
وتضيف الوثيقة: "نضع شروطنا، ونطلب أن يخضع لها أعضاء المنظمة في نهاية المطاف (...) وفي كثير من الأحيان، فإن الأمم المتحدة تبرر شروط العراق، وتطلب من أعضاء منظمة مجاهدي خلق أن يقبلوها، لأن ليبرتي ليس إلا محطة عبور لا تستغرق الإقامة فيها إلا مدة قصيرة".
وبحسب هذه الوثيقة فإن الحكومة العراقية تشكو من أن "جميع أعضاء بعثة الأمم المتحدة في العراق ليسوا في اتفاق كامل مع الحكومة العراقية"، وتتابع "إلا أن الممثل الخاص للأمين العام السيد كوبلر يؤيد مطالب الحكومة العراقية، إننا نعتقد أنه لا يريد أن يتقاطع مع الحكومة العراقية ويوتر علاقاته معها من أجل منظمة مجاهدي خلق".
وتقول إن منظمة مجاهدي "خلق" الإيرانية قد طرحت مطالب و"إننا نبدي رد فعل إيجابيًا عليها حتى نتماشى مع الأمم المتحدة، ولكن هذه المطالب لا تنفذ أبدًا (...) إن الحكومة العراقية ومفاوضها قد وافقا على التفاوض حول القضايا غير المهمة والقضايا الجزئية فقط، وهي القضايا التي ليس لها تأثير كبير في الموقف، ومنها الزيارات الميدانية للأطباء أو الوفود وهذه أمور غير فاعلة (... ) إن الحكومة العراقية تبدي رد فعل قويًا على المطالب الأخرى، التي تطرح أحيانًا من قبل سكان مخيم أشرف".
الغرف الداخلية
وتتابع: "إن المقر الجديد يجب أن يكون متطابقًا مع حاجات الحكومة العراقية، وليس مع حاجات أعضاء المنظمة (...) إن الحكومة العراقية لن تتنازل عن القضايا الرئيسة".
ويوضح مكتب رئاسة الوزراء العراقية "أن سكان مخيم أشرف يريدون أن لا يتواجد أفراد الشرطة العراقية والجيش العراقي في داخل مخيم ليبرتي، وأن يتم نقلهم إلى مقرهم الرئيس، ولكن إذا خرجت قوة الشرطة وقوات الأمن من مخيم ليبرتي، فسوف نقوم بوضع مراكز أمنية عدة في داخل المخيم، إضافة إلى النقاط الموجودة، لنسيطر بها على الموقف في داخل المخيم".
ويشرح المكتب: "إن السفارة الأميركية تطالب بأن يراقب جزء من القوات الدولية الموقف في ليبرتي.. نحن وافقنا على ذلك، ولكن لم ندخل في التفاصيل، إن السفارة الأميركية جادة، وهي قامت بمكاتبتنا، ولكن لغرض تقليص تأثير الدور الرقابي لأميركا، فإن الحكومة العراقية ترغب في أن يتم دمج أعضاء السفارة الأميركية في بعثة الأمم المتحدة، لكي لا يتم نقل تقارير عديدة عن ليبرتي، ولا تكون وجهات النظر والأجهزة المراقبة كثيرة".
وتطمئن الوثيقة في جانب آخر منها السلطات الإيرانية معلنة "يجب على أعضاء المنظمة أن يغادروا أشرف مع نهاية الشهر المقبل (...) إننا كنا قررنا في وقت سابق بأنه إذا وصلت المفاوضات إلى الطريق المسدود، فإن الحكومة ستلجأ إلى استخدام القوة لنقلهم إلى مخيم ليبرتي أو إلى موقع آخر، ولا يمكن لأحد أن يحاسب الحكومة العراقية بعد انتهاء المهلة المحددة، ولكن هناك مشاكل، مثل بعثة الأمم المتحدة التي تطلب من الحكومة العراقية الكفّ عن نقل الوجبات الأخرى، لتتأكد من سلامة هذه العملية، وهي تستدل بأن الزيادة السريعة لعدد الأشخاص قد تخلق الفوضى".
ووصف مسؤول في مجلس المقاومة الإيرانية الوثيقة بالمروّعة، ورأى أنها لا تبقي أي غموض بأن مشروع نقل سكان أشرف إلى الحرية "ليبرتي" يصبّ بالكامل في خدمة نوايا النظام الحاكم في إيران، وأن غايته هي تدمير المعارضة الديمقراطية والمشروعة لهذا النظام. وأعرب عن الأسف لتعاون بعض الجهات في بعثة الأمم المتحدة ومساعدة العراق "يونامي" من خلال "هذا المخطط القمعي وغير القانوني المتمثل في نقل سكان مخيم أشرف إلى مخيم ليبرتي".
وطالب الأمين العام للأمم المتحدة والإدارة الأميركية بأن لا يسمحا للحكومة العراقية بتنفيذ "مخططها الإجرامي هذا"، داعياً إياهما إلى توفير الحدود الدنيا للضمانات لسكان مخيم أشرف، ومنها الانسحاب التام للقوات المسلحة العراقية من مخيم ليبرتي، والسماح لسكان مخيم أشرف بنقل سياراتهم وممتلكاتهم المنقولة إلى مخيم ليبرتي، ووصولهم المباشر والحر إلى الخدمات الطبية، والتنقل والتردد بحرية إلى خارج المخيم، أو في الأقل تخصيص مساحة أكثر للسكان لتسهيل الظروف في "سجن ليبرتي".
وحذر المسؤول في مجلس المقاومة من أنه في حال عدم توافر هذه الحدود الدنيا، فلن ينتقل مستقبلاً أي أحد من سكان مخيم أشرف إلى مخيم "ليبرتي".
 نصب أجهزة تنصت على أبراج بارتفاع 15 مترًا قرب مخيم الحرية
على الصعيد نفسه، كشف المسؤول في مجلس المقاومة أن عناصر من قوة القدس ووزارة المخابرات الإيرانيتين قامت، بمساعدة من الحكومة العراقية، بتركيب أجهزة تنصت متطوره على ابراج بارتفاع 15 مترا في محيط مخيم الحرية "ليبرتي" للتنصت على مكالمات السكان، بحيث تغطي الكرافانات التي يقيمون فيها.
وأشار إلى أنه قد تم أيضًا نصب كاميرات تجسس قوية في مختلف نقاط المعسكر لرصد ومتابعة كل التحركات داخل المعسكر، حيث إن تسجيلات أجهزة التنصت وكاميرات التجسس ستوضع تحت تصرف النظام الإيراني، وهو أمر ينطوي على مخاطر أمنية جسيمة بالنسبة إلى السكان وعائلاتهم.
وأكد أنه قد تم نصب كاميرات التجسس وأجهزة التنصت، بينما أقامت القوات العراقية المسلحة مقر قيادة وثلاثة فروع للقوات المسلحة داخل المخيم، وتقوم سيارات الشرطة أيضًا بدوريات في داخله، إضافة إلى قيام القوات العراقية بالسيطرة على مركزين آخرين داخل المخيم تحت مسمّى المركز الصحي ومركز حقوق الإنسان "وهو الأمر الذي لا يتعدى كونه ممارسة ضغط وسيطرة على السكان" على حد قول المسؤول.
وشدد المسؤول على أن هذا الوضع لا يدع مجالاً للشك بأن مخيم ليبرتي هو سجن بكل معنى الكلمة، خاضع لسيطرة أمنية مشددة، وكل أدواته وتشكيلاته "هي بيد الفاشية الدينية الحاكمة في إيران، التي تريد بهذه الوسيلة تدمير المعارضة الرئيسة لها".
يذكر أن مجموعة تضم 397 معارضًا إيرانيًا من بين 3400 لاجئ نقلوا من معسكر أشرف على بعد حوالى 80 كلم شمال بغداد قد وصلت السبت الماضي إلى مخيم الحرية قرب مطار بغداد، على أن ينقل الباقون إلى المخيم الجديد تباعًا.
وكانت منظمة مجاهدي خلق أعلنت الخميس الماضي موافقتها على بدء إخلاء معسكر أشرف، لكنها أشارت السبت إلى أن أجواء المخيم الجديد بوليسية، واحتجت على عدم السماح لعناصرها من قبل القوات العراقية بنقل بعض أمتعتهم إلى معسكر ليبرتي. كما اعتبرت أن المعاملة التي يلقاها عناصرها في المخيم الجديد تشبه "تعامل الجنود مع أسرى حرب".
وكان نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين سمح للمنظمة عام 1986 بالإقامة في الموقع لمساندته ضد النظام الإيراني خلال الحرب بين البلدين، التي استمرت من عام 1980 إلى 1988.
وجرّد معسكر أشرف من أسلحته بعد دخول الولايات المتحدة وحلفائها إلى العراق عام 2003، وتولى الأميركيون آنذاك أمن المعسكر، قبل أن يسلموا العراقيين هذه المهمة في عام 2010.
وفي نيسان/إبريل الماضي شنّ الجيش العراقي هجومًا على المعسكر، أسفر عن مقتل 34 شخصًا، وإصابة أكثر من 300 جريح من سكانه.
 
 

المصدر: مصادر مختلفة

الدور الاستراتيجي الذي يؤديه إقليم كردستان في عمليات تنظيم "الدولة الإسلامية" - مفترق طرق في الصراع..

 الإثنين 2 أيلول 2024 - 6:02 ص

الدور الاستراتيجي الذي يؤديه إقليم كردستان في عمليات تنظيم "الدولة الإسلامية" - مفترق طرق في الصراع.… تتمة »

عدد الزيارات: 169,666,011

عدد الزوار: 7,587,436

المتواجدون الآن: 0