تقارير ...الأسس الفكرية والنظرية للسلفية...الشورى في الإسلام ليست الديموقراطية

بانوراما من الواقع الكويتي: البلاد في عين العاصفة!..العراق سنيّاً أو شيعياً: بين الدين والدولة والوحدة والتعدد...داود أوغلو «يدرّس» نظراءه: سوريا ليست ملكاً للأسد

تاريخ الإضافة الثلاثاء 28 شباط 2012 - 7:03 ص    عدد الزيارات 2820    التعليقات 0    القسم عربية

        


 

«الاتحاد الكونفدرالي» و«التناقض المتفجر» بين الأنظمة الخليجية
بانوراما من الواقع الكويتي: البلاد في عين العاصفة!
كامل قاسم حازر
بحلول الثامن والعشرين من الشهر الحالي غدا، تدخل الكويت مرحلة سياسية جديدة تختلف جذرياً عن مرحلة الأزمات التي عاشتها في السنوات الأخيرة والتي شهدت تشكيل أكثر من حكومة وحل متكرر لمجالس الأمة والعودة إلى صناديق الاقتراع. ابتداءً من هذا التاريخ ومع عقد مجلس الأمة (50 نائباً) المنتخب حديثاً أولى جلساته التشريعية إيذاناً ببدء ولايته للسنوات الأربع المقبلة، ستكون الكويت أمام جملة من الخيارات الداخلية والإقليمية الصعبة والضاغطة على واقعها السياسي المثخن بالأزمات المتلاحقة .
لا أحد ينكر على الغالبية البرلمانية الجديدة (المعارضة سابقاً) ببعديها الإسلامي والقبلي إحكامها لقبضتها (35 نائباً) على مقدرات التشريع والقرار في البرلمان ، وأن بإمكانها رفع قبضة التحدي بوجه الحكومة، ساعة تشاء ومتى شاءت، وطرح خيارات تعرف قبل غيرها أي انقسام شعبي وسياسي حاد قد تتسبب به. يقابل ذلك أن لا أحد ينكر أيضاً أن التركيبة التي استقر عليها تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الشيخ جابر المبارك ، توحي بمؤشراتها بأنها حكومة تمتلك زمام القدرة على المواجهة وصدّ جنوح الغالبية البرلمانية نحو خيارات التأزيم والانقسام .
رسائل «مشفرة»
ورغم سعي الجميع إلى إشاعة مناخ التهدئة واستخدام مصطلحات: الإصلاح محاربة الفساد، التنمية، الإيداعات المليونية ... وهي طروحات يجمع عليها الكويتيون بمختلف توجهاتهم السياسية ، رغم ذلك تعمد البعض إرسال جملة من الرسائل ، المشفرة ، والمثيرة للهواجس والقلق مما تنتظره الساحة السياسية . أولى الرسائل الخلافية المقلقة ، إصرار نائب رئيس مجلس الأمة خالد السلطان - الكتلة السلفية على تبني دعوة العاهل السعودي الملك عبد الله إلى نقل منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية من حال «التعاون» إلى مرتبة «الاتحاد الكونفدرالي» ، بكل ما يحمله هذا الفعل في مضمونه من تداعيات وأثقال على الكويت وتفردها عن باقي دول «التعاون» بدستورها وتجربتها الديموقراطية التي تشكل مصدراً لهواجس انظمة هذه الدول ومبعثاً لـ«غيرة وحسد» لشعوبها ، رغم ما يعتريها من سلبيات الممارسة أحيانا.
وحسب وجهات نظر قوى سياسية قلقة ، فإن الكويت نجحت في ما مضى ، في الإفلات من «براثن» الاتفاقية الأمنية الموحدة التي تبنتها إحدى قمم مجلس التعاون بـ«سيف رفض» مجلس الأمة إقرار مثل هذه الاتفاقية لتعارضها في بعض بنودها مع سيادة القانون الكويتي، وتذكّر وجهات النظر تلك بالمصير الذي انتهت إليه حتى الآن كل جهود مجلس التعاون حيال العملة الخليجية الموحدة بالإضافة إلى الخلافات الحدودية بين دول «التعاون» والتي تطفو حرارة جمرها بين حين وآخر وإن بدا هذا الجمر خامداً حالياً بفعل الأحداث والتطورات التي تعصف بمجمل المنطقة العربية والخليجية.
مصدر قلق هذه القوى والتيارات الكويتية أن تعمد السلطات التطرق لموضوع «الاتحاد الكونفدرالي» لم يضف جديداً على علاقة التيارات الإسلامية والسلفية منها بشكل خاص مع توجهات السياسة السعودية بل كان مؤشراً للمعارضة (الغالبية البرلمانية) ببعديها الإسلامي والقبلي والقابضة على توجهات الرياح في مجلس الأمة لبدء التحرك وحشد تأييد المجلس لدعوة «الاتحاد الكونفدرالي» الخليجي . وترجم النائب وليد الطبطبائي (إسلامي) هذا التوجه بتأكيده على أنه تم البدء بحملة تواقيع النواب على توصية برلمانية تحض الحكومة على الإسراع والتطابق مع المساعي الرامية إلى الإسراع في إعلان الاتحاد الكونفدرالي الخليجي ، مشيراً إلى أن عدد النواب المؤيدين سيتجاوز الأربعين نائباً .
«عين العاصفة»
ويبدو جلياً أن حالة الهواجس والقلق لا تقتصر على الخيارات المطلوبة لملاقاة الرياح الخارجية، والحيلولة دون دفع الكويت إلى «عين عاصفة» الأحداث الملتهبة التي تهب رياحها هذه الأيام على مجمل منطقة الشرق الأوسط . فالشأن المحلي له حصته من حالة الهواجس والقلق ، فالإسلاميون الفائزون بالانتخابات ، تناسوا كل قضايا الداخل المعيشية والإصلاحية ومحاربة الفساد والتي دغدغوا بها الناخبين، تناسوا كل هذا لتتصدر طروحاتهم مطالبتهم القديمة الجديدة والمتمثلة بتعديل المادة الثانية من الدستور أو ما بات يعرف إصطلاحاً بـ«أسلمة القوانين»، ولتترافق هذه المطالبة بإعلان النائب أسامة مناور ، من نواب الغالبية الإسلامية ، عزمه تقديم اقتراحات بقوانين لإزالة الكنائس المقامة في الكويت وعدم السماح ببناء الجديد منها ومنع تداول الربا (الفوائد البنكية) ومراقبة الخمس . وتوج رئيس مركز «وذكّر» الشيخ سيد فؤاد الرفاعي هذه التوجه بـ«تحريم» الاحتفالات بالأعياد الوطنية (عيدا الوطني والتحرير 25 و26 شباط من كل عام).
لقد فات هؤلاء أنه ومنذ سنوات تم الإعتراف رسمياً بالكويتي (المسيحي) عمانويل الغريب قساً (بالغترة والعقال والصليب المتدلي من رقبته) لكنيسة تضم حوالي 200 مواطن كويتي غالبيتهم متحدرون من عائلات مسيحية تعود جذورها إلى دول مختلفة . وتعود أول كنيسة في الكويت في تاريخها الحديث إلى العام 1931 على يد الأميركيين الذين قدموا إلى الكويت بداية القرن الماضي ، في حين تحتفظ آثار جزيرة فيلكا ببقايا كنيسة بيزنطية من التاريخ القديم .
«الله يستر» .. وموقف القيادة
قيادي وسياسي كويتي مخضرم وصاحب باع طويل في النضال الوطني والقومي ، اختصر حالة القلق والهواجس كردة فعل على إصرار السلطان ومبادرة الطبطبائي بتعليق من كلمتين: «الله يستر» مدللاً بذلك على التداعيات التي سيخلفها هذا التحرك على الواقع السياسي وحالة الانقسام الأفقي والعمودي التي ستصيب هذا الواقع المنقسم أصلاً حيال ما تشهده كل من مملكة البحرين وسوريا من أحداث .
لقد نجح رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون (خلافاً لنائبه خالد السلطان) ، وهو العائد إلى كرسي الرئاسة بعد غياب 12 عاماً ، قاد في السنوات الأخيرة منها الحراك الشعبي المعارض لسياسات حكومات رئيس الوزراء السابق ناصر المحمد ، في تهدئة خواطر القلقين بإطلاق معادلة ، وصفت بأنها إختصار لحقيقة موقف القيادة الكويتية، من الاتحاد الكونفدرالي الخليجي ، الذي أصر السلطان على المجاهرة بتبنيه .
فالسعدون لم يتردد في كشف مفاصل الموقف الكويتي بأنه: «لا يمكن أن يكون هناك اتحاد بين دول طبيعة الأنظمة السياسية فيها مختلفة» فهو أفصح وتكلم ليس بصفته رئيسا للتكتل الشعبي رأس حربة المعارضة السابقة بل بصفته رئيساً للسلطة التشريعية (الرجل الثاني في الهرم القيادي للدولة) ، فهو يقول: «أنا اتكلم بشكل صريح وواضح . لا يمكن أن أتكلم عن اتحاد بين دول ودولة مثل الكويت نعتقد انها تتمتع بقدر من التمثيل الشعبي وبحق الناس في إدارة شؤونهم، مع دول مع كل تقديرنا لها لكن سجونها تكتظ بالعديد بل بالآلاف من المواطنين لا لشيء إلا لأنهم سجناء رأي».
تبلغوا الرسالة
«الكويت في عين العاصفة» وكل القضايا سواء الداخلي منها أم الخارجي التي يلوح مجلس الأمة بغالبيته «الإسلاموقبلي» تحمل في ثناياها صواعق الإنفجار إن لم يُحسن التعامل معها، وإذا كان للغالبية صقورها ففي الأقلية البرلمانية صقور لا تخلو طروحاتهم من صواعق التفجير . وتجدر الإشارة هنا إلى قيام التيارات الإسلامية وعدد من السوريين المعارضين للرئيس بشار الأسد وبعد أقل من 24 ساعة من إعلان نتائج الانتخابات وفوز الإسلاميين بغالبية المقاعد ، باقتحام السفارة السورية ، في حين حالت القوى الأمنية قبل أسبوعين دون تنظيم تجمع للتنديد بما يواجهه الحراك الشعبي في البحرين وذلك تجنباً لصدام كاد يقع بعد تلويح المعارضين للتجمع بالنزول إلى ساحة الإرادة أيضاً .
غدا تبدأ الحياة السياسية مرحلة جديدة في الكويت ، والكل تبلغ رسالة واضحة بأن مرحلة حكومات رئيس الوزراء السابق ناصر المحمد لن تتكرر ، ولن يكون هناك تكرار للهروب من الأزمات بإقالة الحكومات وحل مجالس الأمة وانتخابات جديدة .. المرحلة الراهنة لا مجال فيها لخيارات الحلول الوسط ومجلس الأمة الجديد يعرف قبل غيره أن أي قراءة تأزيمية خاطئة قد تكلفه تقصير عمره بسيف «الحل غير الدستوري» حل لن تليه انتخابات جديدة في غضون ستين يوماً كــما جرت العادة في عهد رئيــس الــوزراء السابق ناصر المحمد .!!
داود أوغلو «يدرّس» نظراءه: سوريا ليست ملكاً للأسد
جريدة السفير...محمد نور الدين
كشف وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو جانبا من كواليس المرحلة الحالية بعد مؤتمر «أصدقاء سوريا» في تونس الجمعة الماضي، معتبرا أن الرئيس السوري بشار الأسد وصل إلى النهاية، وان سوريا ليست ملكه الشخصي.
وقد تحدث داود اوغلو في الطائرة التي أعادته إلى اسطنبول إلى الصحافيين المرافقين قائلا إنه «من دون مبالغة فإن سوريا هي أهم بلد من الزاوية الجيوبولوتيكية للسلام في الشرق الأوسط. فهي جار لإسرائيل والعراق ولبنان». وأضاف «إن من أهم ما تقرر في تونس اعتبار المجلس الوطني السوري ممثلا شرعيا للسوريين. ونحن نريد أن يتمثل في المجلس الوطني السوري الأكراد والتركمان والدروز والعلويون. ونحن على اتصال متواصل مع المعارضة السورية، كما نحن على اتصال مماثل مع كل ممثلي المجتمع في العراق».
وأضاف داود اوغلو ان «جهود تركيا انصبّت على وقف إراقة الدماء في سوريا، ولما لم تسفر عن نتيجة كانت الدعوة إلى عقد مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس». وتابع «لم يبق فرصة ولا شرعية للبقاء على قدميه لنظام يعلن الحرب على شعبه. سوريا ليست ملكا شخصيا لأحد، وليست تحت حاكمية مطلقة لأي مجموعة وحزب وإيديولوجيا. سوريا للسوريين وليست عائدة لأي قوة خارجية. هذا ما نريده وما ننتظره».
ولم يستبعد داود اوغلو إغلاق السفارة التركية في دمشق، قائلا «في الأيام المقبلة سندرس هذا الاحتمال. نحن في المبدأ مع استمرار ممثلياتنا مفتوحة للتواصل مع الشعب كما فعلنا في ليبيا وفي العراق. ولكن اذا تطلب الأمر مثل هذا القرار فسنفعل ذلك». وأضاف «نحن لا نريد ان تكون سوريا ليبيا ثانية. لا نريد رؤية حرب أهلية. لكنّ هناك أخطاراً. اذا كان من مخطط للتقسيم فسوف نعمل على منعه. واذا كان في ذهن أحد مثل هذا المخطط فسوف نعمل على مواجهته. وإذا لم نجد حلا سلميا فإننا سوف نبدأ طريقا جديدا من حيث انتهينا».
وكشف داود اوغلو عن اجتماعات متعددة ستشهدها اسطنبول في الأيام المقبلة، لا سيما ان مؤتمر تونس اتفق على ان يكون الاجتماع المقبل في اسطنبول. لكنه كشف عن انه قبل الاجتماع الثاني هذا سوف ينعقد في اسطنبول اجتماع لممثلي المجتمعات المسيحية في الدول التي تشهد الربيع العربي، وسيكون هذا في إطار حوار ديني في اسطنبول تشارك فيه رئاسة الشؤون الدينية في تركيا. وقال انه سوف يدعى إلى الاجتماع زعماء الأقليات المسيحية في سوريا، معتبرا ان الشرق الأوسط هو مكان يجب ان يعيش فيه كل الأديان. وتابع «رغم كل الجهود لم نفلح في تضييق هوة الخلاف مع روسيا والصين، ولكن هذا لا يعني وضع المبادرات على الرف، بل سنواصل اللقاء مع الجميع».
ورأى داود اوغلو ان «قلبه يحترق» عندما يفكر بماضي الدبلوماسية التركية وكيف أنها كانت غائبة عن قضايا تهمها مباشرة مثل مؤتمر «دايتون» الذي أنهى الحرب في البوسنة وعن لجنة «مينسك» التي تتابع الوضع في اقليم ناغورني قره باغ، معتبرا ان تركيا يجب ان تكون موجودة على طاولة كل الاجتماعات.
في هذا الوقت قدّم داود اوغلو «درسا»، كما وصفته الصحف التركية، لنظرائه من بعض وزراء الخارجية والممثلين الأجانب من 26 دولة في مؤتمر في اسطنبول حول «الوساطات». وعدد بعض العناصر الضرورية لنجاح أي وساطة ومنها:
- إن 50 في المئة من أي أزمة هي نفسية. من دون ثقة متبادلة وخلق مناخ نفسي سليم فلا نجاح لأي وساطة.
- من الضروري استخدام لغة محببة. «عندما رفض السنّة في العراق المشاركة في انتخابات 2005 أقنعناهم بالعودة عن قرار المقاطعة من خلال استخدام لغة مثل أي بغدادي. إذا كنت تريد التوسط فيجب أن تتحدث في العراق مثل البغدادي، وفي سوريا مثل الدمشقي، وفي البلقان مثل مواطن من سراييفو».
- يجب عدم تسريب شيء إلى الصحافة. «عندما درسنا الوساطات بين سوريا وإسرائيل في التسعينيات وجدنا ان فشلها كان من أسبابه الرئيسية تسريب وقائع من المحادثات إلى الصحافة».
- «يجب أن يكون عندك رؤية لمرحلة ما بعد التوصل الى حل وتقاسم الآخرين هذه الرؤية».
من جهة أخرى، اعتبر الباحث المعروف سادات لاتشينير أن الوضع في الشرق الأوسط مرتبط بمستقبل النظام في سوريا. ويقول إن من أبرز التحولات مؤخرا هو وقوف حركة حماس بوضوح ضد النظام في سوريا وفي إيران من خلال تصريح رئيس حكومة غزة إسماعيل هنية في القاهرة وتحيته «كل الشعب السوري الذي يريد الحرية والديموقراطية والاصلاح».
ويقول لاتشينير ان مواقف هنية تنزع الشرعية عن محور ايران - سوريا - «حزب الله» الذي يأخذها من القضية الفلسطينية، وتجعل هذا المحور أكثر عزلة. وحذّر من تصاعد النزاع المذهبي في سوريا لأن هذا سوف ينعكس على كل المنطقة ومنها تركيا، لذا فإن مصير الشرق الأوسط مرتبط بما يجري في سوريا.
 
العراق سنيّاً أو شيعياً: بين الدين والدولة والوحدة والتعدد
جريدة السفير...هاني فحص
هناك سؤال مصيري يطرحه واقع العراق الآن بوضوح، وهو في الواقع سؤالان، أولهما السؤال عن قدرة أو إرادة حركات الإسلام السياسي العربي، السني والشيعي، في إقامة دولة جامعة تعددية حديثة أصيلة وديموقراطية مستقلة، تعتمد المركزية في حدود ضرورة الحفاظ على فكرة الدولة ودورها ومعناها، الذي لا يلغيه نهائيا تقلصه أو تقليصه المتعمد، والذي يؤكد ضرورة الارتفاع بالمجتمع الأهلي إلى مجتمع مدني مواز ومكمل لدور الدولة. وباعتبارها، أي مركزية الدولة، ضرورة وضامناً وأساساً للامركزية التي تفترض المركزية ضمنا وقهرا، وإلا تحولت إلى تعدد انفصالي في الكيانات التي لا بد أن تتقابل وتتناحر بمقتضى أنظمة المصالح المتعارضة. في النهاية، سؤالنا للإسلام السياسي عن قدرته وإرادته في إقامة دولة واحدة مضطرة في زمن العولمة، إلى إقامة علاقات متوازنة إقليميا ودولياً، طمعاً بالسلامة وإحرازاً للشروط التي تتيح لها المشاركة، وتمنع عنها الرغبات المتعددة والمتضادة في الاستحواذ عليها وتجديد المراهنة على مقدرات إقليمها واستخدامها في تعميم الاستحواذ والاستلحاق في محيطها ومداها الإقليمي، من المحيط إلى الخليج ومن طنجة إلى جاكرتا؟
إن الجواب شديد الصعوبة، سواء لجهة الإرادة أو لجهة القدرة النظرية والعملية، وهذا بحث آخر. والأصعب منه هو الجواب عن السؤال الثاني، وهو سؤال عن قدرة الشيعة (خارج إيران) على إقامة أي دولة، وتجربة العراق حتى الآن لا تشجع على الجواب بالإيجاب، وهذا لا يعني أننا أمام استحالة، بل نحن أمام صعوبة شديدة، تقتضي التفكير الجدي بأن الدولة القائمة في إيران، وهي دولة حقيقية، أعجبتنا وأعجبناها أم لم تعجبنا أو نعجبها، فهي دولة إيرانية أولاً، وإسلامية شيعية ثانياً، والشيعية هي خصوصية داخل الإسلام لا خارجه، أو هي حساسية إسلامية فرعية لا تنفصل عن أصلها ولا تنقصها فرعيتها من قيمتها. وهي (الدولة الإيرانية) شيعية بالمعنى الموروث الثقافي والعقدي أو العلائقي (الجماعة) أو العصبية الجامعة والمميزة لأقوام عدة، من دون أن تمنع التعدد السياسي وتداول السلطة، ما يفسّر ظهور ونمو ووصول ثم بقاء التيار الإصلاحي في إيران.
إننا في حاجة إلى قراءة سنية للانقسام السني في العراق، وما ظهر من إفقاد السنة أو فقدانهم لأهليتهم في بناء الدولة، منطلقين من ضرورة تفنيد الادعاء بأن دولة صدام حسين أو ما يشبه الدولة شكلا، قد كانت دولة سنية، بل الذي كان هناك هو شكل دولة استبدادي، أهم مضامينه هو إلغاء الدولة بالسلطة. هذه القراءة من المفترض ان تكون هادفة إلى تظهير ان الإشكالية ليست مذهبية، شيعية أو سنية، بل هي إشكالية إسلامية، تعود إلى إشكالية الدين أو الإسلام والدولة، وتتموضع في إشكاليات فرعية لا تلغي ملامحها العمومية، ويزيدها الإسلام الحركي أو الحزبي، الشيعي أو السني تعقيداً، باعتبار أن الإسلام كدين، عندما يتشكل سياسيا أو حزبيا، فإنه يذهب إلى إطار تموضعه الحصري المذهبي، أي يذهب إلى المذهب فلا يقوم إلا على التعصب الذي هو نفي حتمي ونهائي للآخر الديني والمذهبي، حتى ولو كان خطاب الوحدة هو الرائج والمعلن، فإن المضمر والحقيقي هو المذهبي، والذي من أجل أن يبرر نفسه سياسيا، يوغل بعيدا في تسليح عمارته بالايديولوجيا الفصالية المتحقق منها أو المصطنع.
وإذا كان هناك مسار وحدوي معقد ولا سياسي فإن الوحدة الشيعية أو السنية التي يمكن أن تتحقق هي أقرب إلى الحالة التضامنية، وهذا لا يلغي احتمالات الانقسام والصراع لاحقا، خصوصا أن المتحقق من النصاب الوحدوي المذهبي السني أو الشيعي في العراق حاشد بالألغام القابلة للتفجير أو الانفجار في أي لحظة.
 
الشورى في الإسلام ليست الديموقراطية
جريدة السفير... كرم الحلو
توهم الانتصارات الكاسحة للاسلاميين في ما اصطلح على تسميته بـ«الربيع العربي» بالتلازم بين صعود الحركات الاسلامية في العالم العربي وبين التحول الى الديموقراطية. إلا ان ما يبدو من تلازم في الظاهر لا يعبر عن حقيقة العلاقة المأزومة بين الاسلام والديموقراطية تاريخياً واجتماعياً وايديولوجياً، كونهما بنيتين مختلفتين وتعذر المقارنة بينهما من الناحية المنهجية. الاسلام دين ورسالة تتضمن مبادئ تنظيم عبادات الناس وأخلاقهم ومعاملاتهم، والديموقراطية نظام للحكم وآلية للمشاركة وعنوان كبير تثوي وراءه رؤية فلسفية للانسان والمجتمع، لا تتلاءم مع الرؤية الدينية التراثية. للاسلام مشروعه الحضاري الخاص، والديموقراطية مشروع حضاري طارئ على العالم العربي من حيث هو فكرة ومن حيث هو ممارسة، ولم يكن الافق الفلسفي للحضارة العربية الاسلامية ليسمح بانبثاق سؤال الحرية بمعناه الحداثي المحمَّل بدلالات ليبرالية مستجدة وغير مسبوقة. لقد عجزت الحركات الاسلامية حتى الآن عن ان تتمثل الديموقراطية من دون ان تفقد هويتها، ولم يكن ممكناً تحقق المشروع الاسلامي من دون إقصاء غير المتفقين معه والمخالفين لشمولية نظرته الى العالم.
وفي حين يكاد يجمع الاسلاميون على تناقض المضامين الليبرالية للديموقراطية مع تعاليم الاسلام وفلسفته، جهد البعض لتجسيد العلاقة بين الاسلام والديموقراطية بالعودة الى مقولة الشورى الاسلامية، بينما رأى آخرون ان الصلة مفقودة بين المصطلحين. فكيف تمكن المقارنة بين مفهوم سياسي يفيد مجمله تقرير سلطة الانسان في نظام اجتماعي معين، وبين مفهوم ميتافيزيقي يفيد مجمله تقرير خضوع الانسان الى سلطة الله؟
من هنا رأى بعض الاسلاميين انه من المتعذر أو المستحيل التوفيق بين المفهومين، ففي رأي يوسف القرضاوي على سبيل المثال، لا يستحق شرف الانتساب الى الاسلام ما لم يكن مصدره الاسلام الخالص، وليس أي مذهب آخر أو أية فلسفة اخرى، ذلك ان الحل الاسلامي هو الذي يطوّع كل الانظمة لأحكام الاسلام وليس العكس.
ولم يؤد التسليم بمبدأ الشورى الى حل الاشكال الايديولوجي بين الديموقراطية والاسلام، نظراً لالتباس مفهوم الشورى وماهيتها وعناصرها ومقوماتها وتجلياتها الواقعية. هل هي ملزمة للحاكم ام انها لا تتعدى النصح؟ وما هو مجال عملها؟ ومن هم أهل الشورى وكيف يحدّد هؤلاء ومن يختارهم؟ هل هم أهل الحل والعقد أو أهل الاختيار أو أصل الاجتهاد وأولي الامر؟ هل تجوز المقابلة بين هؤلاء ونواب الامة في المجالس التمثيلية الحديثة؟ وهل تستوعب الشورى مبدأ فصل السلطات الذي هو اساس الحكم الديموقراطي الحديث؟
اسئلة تبقى معلقة ومؤجلة لأن اعتبار الامة مصدر السلطات في الديموقراطية يفترض تحررها من اية وصاية خارجة عنها، بينما هي في الاسلام مقيدة بالشريعة. وان أقر بعض الاسلاميين بحق الناس في اختيار حكامهم، الا انهم لم يحددوا ما يقصدونه بـ«الناس» وما اذا كان هذا المصطلح يشمل كل البشرمن دون استثناء، او اذا كان من حق هؤلاء اختيار القوانين ايضاً ـ لا الحكام فقط ـ ومحاسبة حكامهم على أساسها؟ الامر الذي يقود حكماً الى اشكالية حقوق الانسان بين الاسلام والديموقراطية، وفي ما اذا كان الانسان هو المرجعية الاولى والاخيرة في ما يخص وجوده السياسي والاجتماعي.
إزاء هذه النقطة بالذات لا بد للديموقراطية من التصادم مع بعض عناصر العقيدة الاسلامية، اذ من الخطأ الحديث عن حقوق الانسان بالمعنى الحديث في الفكر الاسلامي. فالقانون المدعو بالاسلامي، في رأي محمد أركون، أبقى المرأة داخل مكانة قانونية أدنى من الرجال، وهو لا يعطي المكانة الكاملة للشخص إلا للمسلم، الذكر، الحر (اي المضاد للعبد) المؤهل قانونياً لأن يحترم حقوق الله وحقوق الانسان. اما الطفل والعبد وغير المسلم، فهم مؤهلون احتمالاً للتوصل الى هذه المكانة، شرط ان يصبح الطفل بالغاً والعبد حراً وغير المسلم مسلماً.
واذا كانت المساواة، الشرط الاساسي للديموقراطية، مرفوضة من المنظور الاسلامي، فالتعددية الايديولوجية والحزبية مرفوضة كذلك، بل هي موضع اتهام وادانة، اذ في حرية العقل، في رأي بعض الاسلاميين، ما يتعارض مع الايمان والنصوص القطعية، كما ان الديموقراطية تفتح الباب على مصراعيه للردة والزندقة والاباحية تحت شعار حماية الحرية الشخصية. من هنا قول احدهم: «لا ديموقراطية في الاسلام، كما لا حريات في الاسلام، بل نظام كامل من لدن عزيز حكيم». ولا يعوَّل كذلك على مبدأ الاكثرية، لأن السيادة للشرع لا للشعب الذي مناط الحكم الديموقراطي الحديث في الاحتكام الى اكثريته. فالفكر الاسلامي كان دائماً معنياً بوحدة الامة وتماسكها وتجنّب الفتنة وحفظ الشريعة، ولو أدى ذلك الى التضحية بحرية الفرد. اذ للاسلام رؤية لوضعية الفرد مختلفة تماماً عما هي عليه في الديموقراطية الحداثية، حيث الفرد هو الوحدة المرجعية الاساسية سواء بالنسبة الى الذات او بالنسبة الى المجتمع. ان الاصل في النظام الاسلامي تأكيد العدالة التي لا تعني الحرية او الديموقراطية، وإلا لما ذهب بعض اسلاميي عصر النهضة الى القول بالمستبد العادل.
تجنباً لهذا الاشكال الايديولوجي التاريخي عرف الفكر الاسلامي منذ القرن التاسع عشر الى الآن محاولات تأصيلية توفيقية متكررة لم يقيض لها النجاح، ولا أعتقد ان اسلاميي اليوم سيوفقون في ما لم يوفق فيه اسلافهم. فمن العسف المماهاة بين التنظيمات والمؤسسات المستقلة عن الدولة في التاريخ العربي الاسلامي وبين المجتمع المدني الديموقراطي، او اعتبار دستور المدينة عقداً اجتماعياً بالمعنى الحديث. ومن العسف كذلك الحديث عن تقدم مفهوم حقوق الانسان في النظام الاسلامي على النظام الديموقراطي، اذ ان المنطلقات مختلفة بين منظومة حقوقية اساسها الشرع، وتعتبر هذه الحقوق منحة من الله، واخرى منطلقها الحق الطبيعي المرتبط بذاتية الانسان من الناحية الطبيعية.
ثمة اشكال كبير اذاً بين الاسلاميين والديموقراطية لا يمكن حله من دون الفصل بين المجالين الديني والسياسي، فهل الحركات الاسلامية الظافرة في وارد القبول بهذا الحل؟ ان تسميتها لنفسها بالاسلامية لا يؤهلها للسير في هذا الاتجاه، وقد اتخذت خيارها مسبقاً. ما يؤكد ان ثمة مخاضات عسيرة وطويلة في الطريق العربي الى الديموقراطية.
([) كاتب وأكاديمي ـ لبنان
 
مراجعات فقهية وسياسية لمواكبة المتغيرات
الأسس الفكرية والنظرية للسلفية: حاكمية الله والعودة للماضي وتكفير الآخر
جريدة السفير..قاسم قصير
بدأت «السفير» اعتبارا من الحادي والعشرين من الجاري نشر سلسلة تحقيقات حول تنظيم «القاعدة»، وما أثير مؤخرا بشأنه لبنانيا، كان أولها حول سيرة التنظيم العالمي، والبقية تناولت أرشيف هذا التنظيم في القضاء والأمن في لبنان، وعرض تجارب تنظيمات اسلامية مثل «مجموعة الـ13» و«فتح الاسلام».
اعتباراً من هذه الحلقة ، تبدأ «السفير» تسليط الضوء على ملف الحركات السلفية في لبنان، وتتضمن التحقيقات المقبلة، عرضاً لواقع مجموعات ومظاهر سلفية في البقاع والشمال والجنوب وبعض المخيمات الفلسطينية.
السلفية لغة: نسبة الى السلف، وعند ابن منظور في لسان العرب: مادة سلف، السالف: المتقدم، والسلفية الجماعة المتقدمون. والسلف عند الرازي في مختار الصحاح: الماضي والمتقدم.
وأما على الصعيد الاسلامي، فقد برزت عدة تفاسير لمصطلح «السلفية» و«السلفيين». وإن كان التفسير الاكثر انتشارا هو ما اصطلح على تعريف السلفية، «بأنه الاتجاه الذي يدعو الى الاقتداء بالسلف الصالح واتخاذهم قدوة ونموذجاً في الحاضر» حسب تعريف الدكتور انور ابو طه.
اما الشيخ زهير الشاويش، فيعرّف السلفية قائلاً: «السلفية طريق في المعتقد والفقه، مفادهما: الرجوع الى ما كان عليه الجيل الأول – السلف الصالح - من العقيدة والعبادة والاخلاق والسلوك».
ويتفق معظم الباحثين على ان بدايات السلفية تعود الى الامام أحمد بن محمد بن حنبل (توفي سنة 241هـ)، ثم اعاد تجديد السلفية شيخ الاسلام احمد بن تيمية (توفي 1328م)، وقد ألّف كتاباً صار مرجعاً لكل السلفيين، «هدفه تنقية الرسالة المحمدية من كل شائبة»ـ حسب توصيفه ـ وحمل عنوان «السياسة الشرعية في اصلاح الراعي والرعيّة».
واما في العصور الحديثة، فكان أبرز أئمة السلفية الامام محمد عبد الوهاب (1702-1792م)، وهو مؤسس التيار الوهابي السلفي الذي انطلق من عمق الجزيرة العربية في مسقط رأسه نجد، والذي تعاون مع آل سعود ما أدى الى نشوء المملكة العربية السعودية.
والى جانب هؤلاء المؤسسين، برز العديد من العلماء والفقهاء الذين تبنّوا السلفية منهجاً عقائدياً وفقهياً، وساهموا في نشر أفكارها ومعتقداتها في معظم بقاع الأرض.
ويمكن تلخيص أهم المبادئ والاسس التي تستند اليها المدارس السلفية بحسب ما اوردها انور ابو طه في بحثه عن السلفية بما يلي:
1- التنزيه في التوحيد ونفي التشبيه وتأكيد كافة اشكال التوحيد من الربوبية والالوهية والاسماء والصفات.
2- رد الخلق والافعال الى تقدير الله وعمله ومشيئته وقضائه وقدره، والقول بالاصطفاء للجنة والنار فضلاً وعدا.
3- اثبات حصول الامور بشكل عيني وتجسدي كالاسراء والمعراج، الحوض، الشفاعة، الميثاق، القدر، اللوح، القلم، العرش، الكرسي، عذاب القبر والصراط والميزان واشراط الساعة.
4- اثبات الايمان والاسلام لاصل القبلة، فلا يكفّر احد منهم بذنب ما لم يستحله.
5- تقديم الشرع على العقل، والتسليم بنصوص الكتاب والسنة وتفسيرها بلا تأويل او هوى، ورفض التأويل الكلامي وذم علم الكلام.
6- البراءة من اصحاب الاهواء والمذاهب المخالفة مثل: المشبّهة والمعتزلة والجهمية والجبرية والقدرية وغيرهم ممن «خالفوا السنة والجماعة وحالفوا الضلالة، اذ هم ضلال اردياء».
7- في مسائل الطاعة والخروج على السلطان والجماعة، يقولون: لا نرى الخروج على ائمتنا وولاة امورنا وان جاروا، ولا ندعو عليهم ولا ننزع يدا من طاعة، ونرى طاعة الله عزّ وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة، فنتبع السنة والجماعة ونتجنب الشذوذ والخلاف والفرقة.
8- حسب السلف، الايمان بعدالة جميع اصحاب الرسول وعدم التبرؤ من احد منهم والخلافة للخلفاء الأربعة على الترتيب.
وقد عمد دعاة السلفية الى مواجهة العديد من الظواهر الاسلامية ووصفها بأنها «بدع» و«خارجة عن الدين الاسلامي»، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، من خلال ما أورده الدكتور الشيخ عبد الله الحلاق في بحث له عن السلفية، الآتي:
1- مسألة التوسل بالنبي محمد: يرى السلفيون أنه يجوز التوسل بالنبي في حياته ولا يجوز ذلك بعد مماته. ويرى من يخالفون السلفية ان التوسل بالنبي جائز في حياته وبعد مماته.
2- مسألة السنة الحسنة والبدعة:
يرى السلفيون ان البدعة هي «الحدث في الدين بعد الاكمال، او ما استحدث بعد النبي من الاهواء والاعمال، او ما حدث على خلاف الحق المتلقى عن رسول الله».
لكن علماء المسلمين يقسمون البدع الى قسمين: بدعة حسنة وبدعة سيئة.
3- مسألة تكفير الاشاعرة:
يطلق بعض السلفيين الكفر على الاشاعرة بالجملة التي يسمونها الفرقة الضالة التي سوّل لهم شياطينهم انهم اهل سنة وجماعة حتى يوقع المساكين في شباكهم، مع ان بعض علماء السلفية يرفضون تكفير الاشاعرة.
4- مسألة تكفير الصوفيين:
يهاجم بعض الدعاة السلفيين الصوفية ويكفرون اتباعها ويصفونها بصفات سلبية ومنها:
أ- ان الصوفية قائمة على القبور وفي القبور وحول القبر.
ب- ان كل من اخذ حقا من حقوق الله وجعله على نفسه فهو طاغوت، ويشمل المشرعين والحكام وشيوخ الطرق والكهان والعرافين، وكل من تابعهم على ذلك فهو عابد للطواغيت.
ت- اما شيوخ الصوفية، فقد هبوا للدفاع عن معتقداتهم ومكاسبهم التي كانت تدر عليهم النذور وغيرها من الاشارات التي يرفضونها على العوام.
5- مسألة تكفير الشيعة الامامية:
وقد برز ذلك في العديد من الكتب والاقوال المنسوبة لعلماء السلفية، وان كان بعض علماء السلفية المتأخرين قد نفوا تكفير الشيعة.
وقد جرى تقسيم المدارس السلفية الى عدة مدارس، كما برز العديد من التيارات السلفية الجديدة، ومن مدارس السلفية: السلفية التاريخية – السلفية المدرسية- السلفية النهضوية - السلفية الوطنية - السلفية الحركية - السلفية الجهادية - السلفية التحريرية - السلفية العلمية - السلفية المحدثة - السلفية المدخلية - السلفية السرورية.
وفي حين ان التيارات السلفية المدرسية والعلمية والتاريخية تركز على الجوانب العقائدية والفقهية والعلمية، فإن التيار السلفي الجهادي كان الابرز خلال العقود الاخيرة من القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، وقد اسس لهذا التيار بعض القيادات الاسلامية ومنهم: ابو الاعلى المودودي في باكستان في كتابه الشهير «حاكمية الله»، وفي مصر سيد قطب في كتابه الشهير «معالم في الطريق»، ليستكمل بعد ذلك من خلال العديد من قادة السلفية الجهادية في مصر وافغانستان والمملكة العربية السعودية والجزائر الذين ثبتوا الدعوة للجهاد ومواجهة الحكام ومواجهة الحكام الجائرين، وان كان بعض هؤلاء قد عمد لاحقاً لاجراء مراجعات فكرية وفقهية لما طرحه.
وابرز ما تطرحه السلفية الجهادية من افكار كما لخصها الدكتور انور ابو طه، هي الأتية:
1- الحاكمية الالهية: اي ان الحكم لله عز وجل وعلى المسلمين الالتزام بحكم ما انزل الله والجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والبراءة من المشركين.
وهذا المفهوم يركز على مفهوم التوحيد (توحيد الربوبية الالهية وتوحيد الاسماء والصفات).
2- جاهلية المجتمعات: وهو توصيف للواقع الاجتماعي والسياسي المعاش، فعصرنا هو عصر الجاهلية والمجتمع الحالي قائم على الجاهلية، ولذا يجب الابتعاد عنه ومواجهته تمهيدًا لاقامة المجتمع الاسلامي، وعلى هذا الاساس يتم ايضاً تقسيم العالم الى دار الاسلام ودار الكفر.
3- الجهاد المسلح وسيلة تغيير: لقد اعتمدت السلفية الجهادية خيار الجهاد المسلح وسيلة من اجل مواجهة الحاكم الكافر او المجتمع الجاهل، وبعكس المنهج الاصلاحي للاخوان المسلمين اعتبرت الحركات السلفية الجهادية ان عملية التغيير لا تتم الا بالعمل المسلح والقتال، سواء ضد الحكام او ضد القوى المحتلة، وهذا ما برز في العديد من الحركات السلفية الجهادية في مصر والجزائر وليبيا وافغانستان والجزيرة العربية ولبنان والعراق.
4- الفرقة الناجية: ترتكز العديد من الحركات السلفية على منطق «الفرقة الناجية» والتي تستند الى الحديث الشريف: «فقد روى الترمذي عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَيَأْتِيَنّ عَلَى أُمّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النّعْلِ بِالنّعْلِ حَتّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمّهُ عَلاَنِيَةً لَكَانَ فِي أُمّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرّقَتْ عَلَى اثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلّةً كُلّهُمْ فِي النّارِ إِلاّ مِلّةً وَاحِدَةً، قَالَ ومَنْ هِيَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي».
وعلى ضوء هذا الحديث، تعتبر كل فرقة او كل مجموعة انها هي الصحيحة وغيرها ليس صحيحا، بغض النظر عن صحة الحديث ونسبه وكيفية تفسيره.
من خلال هذا الاستعراض، يمكن القول ان التيارات السلفية بمختلف اتجاهاتها تقوم على عدة اسس تضعها غالباً في مواجهة الآخرين (الا اذا حصلت مراجعات او اعادة نظر في النصوص او على صعيد الأداء الميداني كما بدأنا نشهد مؤخرًا).
ومن هذه الاسس:
1- العودة الى الماضي او التاريخ واعتباره الاساس في الحكم على المسائل.
2- الاولوية للنص على العقل ورفض التأويل.
3- تكفير الآخر او مواجهته فكرياً وعملياً وجهادياً.
4- احتكار الحقيقة، وعدم الاستعداد للحوار مع الآخرين لاعتبارهم «كفّار او مشركين».
5- وصف كل مظهر حديث بالبدع كونه لم يكن مستعملاً في عهد الرسول والصحابة.
6- صفاء العقيدة والدفاع عن التوحيد، ووصف اي مظهر من مظاهر الارتباط بالأئمة والاولياء والصالحين وزيارة القبور بالشرك.
7- عدم القبول بأية حاكمية الا حاكمية الله عز وجل، وعلى ضوء ذلك رفض المشاركة في الانتخابات وعدم القبول بالديموقراطية والتأكيد على العودة لشرع الله (طبعا حصلت تغييرات لدى بعض الجماعات السلفية مؤخرا من خلال قبولها بالانتخابات، وان كان علماء السلفية يؤكدون على ضرورة الالتزام بالشرع من قبل النواب المنتخبين من المؤمنين).
لا بد من القول ان بعض التيارات السلفية بدأت تشهد مراجعات فكرية وفقهية وعملية، واعادة الاعتبار لفقه الاولويات او الاعترف بضرورة مواكبة المتغيرات، مما دفع بعض التيارات السلفية للمشاركة في الانتخابات او الاستعداد للحوار مع التيارات الاخرى، سواء كانت تنتمي لمذاهب اهل السنة او الشيعة، مما يعني انقلاب السلفيين على مبادئهم وافكارهم الاساسية. كما ان بعض المشايخ السلفيين والوهابيين عمدوا لاصدار فتاوى تسمح للحكام بتجاوز بعض الفتاوى والاحكام الفقهية كالاستعانة بالجيوش الاجنبية.
ونحن نشهد يوما بعد يوم مراجعات وتغييرات فكرية وفقهية وسياسية لدى الجماعات السلفية، ولعل مشاركة بعض الجماعات السلفية في الحكم والانتخابات البرلمانية ستساهم في تغيير افكارهم وارائهم، وهذا ما برز مؤخرا في لبنان ومصر وليبيا ودول الخليج.
مراجع ومصادر
1- الحركات الاسلامية في لبنان للدكتور عبد الغني عماد الصادر عن دار الطليعة 2006.
2- الحالة السلفية في مصر للاستاذ احمد زغلول شلاطة عن مكتبة مدبولي 2011
3- السلفية: النشأة، المرتكزات، الهوية. وهو مجموعة الابحاث والدراسات التي قدمت في مؤتمر خاص عقده معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية عام 2004 واصدره في كتاب خاص وممن ساهم في اعداده الدكتور انور ابو طه والشيخ زهير الشاويش والدكتور عبد الغني عماد والدكتور رضوان السيد والدكتور محمد جمال باروت والشيخ الدكتور عبد الله الحلاق والدكتور احمد مللي والدكتور عبد الصم بلكبير ويعتبر هذا الكتاب من الكتب المهمة لفهم السلفية.
4- دراسة جامعية اعدها الباحث الدكتور محمد مصطفى علوش عن السلفية لكنها لم تنشر حتى الان.

المصدر: جريدة السفير

الدور الاستراتيجي الذي يؤديه إقليم كردستان في عمليات تنظيم "الدولة الإسلامية" - مفترق طرق في الصراع..

 الإثنين 2 أيلول 2024 - 6:02 ص

الدور الاستراتيجي الذي يؤديه إقليم كردستان في عمليات تنظيم "الدولة الإسلامية" - مفترق طرق في الصراع.… تتمة »

عدد الزيارات: 169,666,081

عدد الزوار: 7,587,439

المتواجدون الآن: 0