في انتظار غودو... عراقياً!

تاريخ الإضافة الخميس 23 حزيران 2011 - 8:06 ص    عدد الزيارات 582    التعليقات 0

        

 
ماجد السامرائي
لا علاقة لهذا المقال بالمسرح والمسرحية الشهيرة التي كتبها صوموئيل بيكت إلا من حيث العنوان الذي نستعيره هنا للإشارة، رمزاً ودلالة، الى ما يجري على أرض الواقع السياسي العراقي، وفي مستوى العلاقة بين السلطة والشعب تحديداً. فالمسرحية، كما بات معروفاً عنها من خلال ترجماتها وعروضها المتعددة، ومن كثرة الاستشهاد بها في المواقف السياسية والثقافية على السواء، تتألف من حوار دائري لا ينتهي، أو يفضي الى نتيجة، وهو، في الأصل المسرحي، حوار لا يتوانى المتحاوران فيه عن استخدام توافه الكلمات، فضلاً عما يقومان به من حماقات لا تأبه بالجمهور المشاهد، أو القارئ ولا تقيم وزناً لشيء.. فهما، كما نُدرك من مسار المسرحية، صعلوكان هزيلان ينتظران شخصاً (وهمياً) اسمه «غودو».. تنتهي المسرحية ولا يأتي، أو يظهر. وقد وجد بعض من تناولوا هذا العمل بالنقد والتحليل أنه تعبير عن «الانتظار الذي لا يعرف نهاية»، والذي قد «يأسر الانسان» بعد أن «يُضفي» عليه صفة «المهرج الأبله»، وقد حدّه عن كل حركة، إلا ما كان منها ضمن حدود معلومة!
لو عُرضتْ هذه المسرحية اليوم في بغداد (التي كان لها النصيب الأكبر من عروضها العربية)، وبنصها الذي قُدّمتْ به في ستينيات القرن الماضي، لوجد فيها من يشاهدها حالة طبق الأصل للواقع العراقي الراهن، في ما يخص العلاقة بين السلطة والشعب. فالحكومة في ما تقطع من وعود، وانتظار الشعب لتحقق تلك الوعود على أرض الواقع هو الوجه الآخر لانتظار «غودو»، لنجد «العملية السياسية» ليست أكثر من «عملية مسرحية» الضحية فيها هو من ينتظر وعوداً لا تَصْدُق، حتى ليجد المرء، إذا ما بحث عن التماثل بين الحالتين، أن الساسة العراقيين وجدوا في هذه المسرحية «طريق عمل» محدد البرنامج مساراً، والنتائج أيضاً. فمذ حلت قوات الاحتلال في أرض هذا البلد علّمت «ساسته...» الكذب على الشعب.. ويبدو أنهم وجدوا في الكذب مخرجاً من حالتين: حالة إرضاء المحتل الذي اعتمد إشاعة «ثقافة الكذب»، وحالة الخروج بأنفسهم من المأزق الذي أصبح الشعب يواجههم فيه بمطالبه، والتي هي «مطالب عامة» تتعلق بضمان الحياة له ضمن شروط مقبولة إنسانياً!
فيوم وضعوا الوعد بالإنجاز على أجندة الأيام كان أن قدموا لهذا الشعب في خلال «الأيام ـ الوعد» ما يضحك المحزون.. ومن ذلك ما قام به نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات بافتتاح «دولاب هوا» في مدينة الألعاب بحديقة الزوراء وسط بغداد، مهيئاً بذلك للطفولة ما قد تكون حرمت منه في أعقاب الاحتلال، وما جرّ من تخريب شمل حتى «لعب الأطفال» التي أعادها السيد النائب الى الوجود ثانية.
هذا مشهد... والمشهد الآخر هو ظهور الوزراء على الشاشة التي أُعدّت لهم وحدهم، ليعرض كل منهم ما سيقدّم أكثر من عرض ما كان «قُدِّم»، لأن كل ما يندرج في إطار الماضي (حتى لو كان نهباً للمال العام، أو مواد غذائية منتهية الصلاحية كانت معدّة للتوزيع على الشعب!) يندرج، بدوره، في إطار «عفا الله عما سلف»... وظهر الشعب على شاشات الفضائيات، وفي تظاهرات الجمعة، ليقول إن شيئاً ملموساً في نطاق حياته، أو ما حولها (باستثناء المنطقة الخضراء التي لا يعرف من أسرارها شيئاً) لم يحصل. أما الحكومة، فمن بعد تلك الجلسات، التي وصفت من قبل بعض وسائل الاعلام بالاستعراضية، فلملمت أوراقها، وأوصت بالعمل، معلنة ذلك على سعة الشاشات، وليس على رؤوس الأشهاد وحدها وحدها!
وقبل هذا وذاك حصلت بعض التحركات المرتبطة، من طرف أو آخر، بما يجري: فهذا «النائب الحكومي» يستقيل من منصبه في صورة يجري «إخراجها» على أنها احتجاج على ما يجري.. وحقيقة ما جرى هو أن «النائب المستقيل» وجد نفسه يشغل «منصباً رمزياً» لا يوفّر ليده حلاً ولا عقداً... وذاك «النائب البرلماني» ينشق على قائمته بدعوى أنها ليست حازمة، أو حاسمة، أمام مطالب كل الشعب، بينما القائمة تسرب الخبر عن أنه كان موعوداً بوزارة ولم يستوزر. وذاك السياسي يرفع الكلمات الغليظة بوجه خصومه، ليجدها خصومه أغلظ من الهراوات والعصي والسكاكين التي زودوا بها «متظاهريهم» ليخترقوا ساحة التحرير مسقطين أعداداً من الجرحى من متظاهري الشعب، إصابات بعضهم كانت بليغة.. وقد مرّت المسألة دون قتلى، أو شهداء!
وتبدأ التهديدات، والتهديدات المضادة بين أطراف المسرحية (عفواً العملية) السياسية: هذا يتوعد بفتح ملفات تزيل الكراسي من تحت مالكيها، وذاك يفتح «سجل الغيابات» الخاصة بالنواب متوعداً بإنهاء أكثر من «سلطة برلمانية».. وهذه الكتلة، على ثقل وزنها، تعلن تعليق جلوسها على هذا الكرسي وذاك المقعد.. ولا تنفّذ.. خشية إشغاله من قبل الواقفين على «لائحة الانتظار» ممن لا تفوتهم مثل هذه الفرص. ويتم الإعلان عن «تعليق المفاوضات»، ومعه يتأصل «خطاب الرجاء» الى كل من «كاكه مسعود» و«مام جلال» لتدارك الموقف بمبادرة جديدة، أو بتفعيل المبادرة القديمة، أو بالاثنتين معاً ـ إن أسعفت الظروف بالنسبة للمستنجد بهما وهما يعانيان من مشكلات إقليمهما.. ومعارضتهما فيه... فكل أمر جائز ومبرر ما دام يقود الى النتيجة المطلوبة وهي: جعل الشعب ينتظر غودو (عفواً الوعد بتحسين ظروفه الى الحد المقبول إنسانياً). هذا كله والشعب ينتظر، بينما الأميركي المحتل يتفرج ظاهراً، في حين يقال، والعهدة على الرواة من السياسيين، انه يحرك العملية من الداخل.. فهو كما يعلن، وتعلن الحكومة بكامل هيبتها، أن الاتفاقيات الأمنية المعقودة معه يجب أن تكون موضع تطبيق و... احترام من الطرفين بعدم التدخل بالشأن الداخلي... ولذلك فهو «يجلس على التل» منتظراً انقضاء المدة المتفق عليها لانسحابه بكامل عدته وعدده وأفراده، بحيث لا تبقى منه إلا آلاف قليلة (بين الخمسة عشر والعشرين) لحراسة السفارة الأميركية في بغداد، وحدها!...
ولكن.. يبدو أن الكاتب الفرنسي، مؤلف المسرحية، كان أرحم بمنتظري «غودو» من الساسة العراقيين الذين بأيديهم مقاليد السلطة والقرار.. فهو لم يتركهما ينتظران طويلاً، وإن قضيا فترة الانتظار بالثرثرة الفارغة التي دونها أحاديث الساسة (عفواً معاركهم الكلامية) التي أفقدت السلطة وقارها!.. فاختصر، وإن أعادهما خائبين من عودة من انتظرا.
أما في الواقع العراقي اليوم فالمشهد يتجدد، ويتوالد، وكذبة اليوم تنتج تسويف الغد، والوعد بامتلاء الغد، كما امتلأ الأمس ويمتلئ اليوم، بالوعود الكاذبة، ولا «دور» ايجابياً لـ«ممثلي» الشعب، لا لشيء إلا لأن سلسلة المصالح معقودة بين الجميع، والعهد قائم على التسويف على الضحية: الشعب.

[ كاتب عراقي

 

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,706,061

عدد الزوار: 7,765,703

المتواجدون الآن: 0