فضل الله بعد عام على وفاته.. علامة فارقة

تاريخ الإضافة الثلاثاء 5 تموز 2011 - 7:45 ص    عدد الزيارات 536    التعليقات 0

        

عمر حرقوص

هو شخصية استراتيجية بالتأكيد، لكنه بالتأكيد أيضاً مجدد فكري وديني في عالمنا العربي والإسلامي الذي يتخبط في صراعاته. هو رجل حوار لن نشهد من يشبهه بالانفتاح والعقل المتحرك القادر على البناء وفتح القنوات مع الآخرين، والاحتفاظ في الوقت نفسه باحترام المختلف معهم كما احترام الأصدقاء. قبل عام خسر لبنان والعالم العربي والإسلامي العلامة السيد محمد حسين فضل الله، الإنسان والشاعر الذي يحبّ الجمال، وصاحب مقولة "حبّ أخصامك لتهديهم وتتعاون معهم في الحوار من أجل فهم الحقيقة، وحب المتوافقين معك لتتعاون معهم". هكذا هو علامة فارقة في تاريخنا المعاصر، قد نحتاج الى الكثير لنجد شخصاً وحدوياً مثله، شخصاً يضع التسويات مكان التشدد، ويمنح الناس من حوله فرصة للقاء بعيداً من التشنج والمتشنجين.
قصة حياة السيد فضل الله يعرفها الكثيرون، فهو اللبناني من بلدة عيناتا الجنوبية والمولود في النجف في العراق، درس العلوم الدينية في عمر صغير، وانتقل إلى لبنان لاحقاً ليؤسس عدداً من المؤسسات الإسلامية إلى جانب عمله الحركي الإسلامي الذي طغى في مرحلة على الحضور الديني، فأعاد للحوار والانفتاح مكانتهما وعمل على تجديد الفكر الديني الإسلامي من منظور مختلف عن الصراعات المذهبية. في لبنان تنقل بين منطقة النبعة وبئر العبد وحارة حريك، التقى الناس وطالبهم بالنضال لرفض الظلم، وبنى المؤسسات الاجتماعية من منظور تقديم الأفضل لهؤلاء وليس من منطلق خدماتي بحت. ازدحمت حياته بالعمل والنقاش، ولم يكن فيها إلا قليل من الساعات للنوم بعد نهارات العمل الشاقة من صلاة الفجر في المسجد وإعطاء الدرس الديني الأول وما يتبعه من لقاءات تمتد طوال النهار، وصولاً إلى الليل والسهر للعبادة والتفكير بأفضل السبل لتنظيم عمل المؤسسات وكتابة آرائه في الكثير من اليوميات.
أب.. محاور
بالنسبة إلى الحوار، كان يطبّق في المنزل ما يقوله في المسجد، من جهة يدعو أولاده إلى طرح تساؤلاتهم، ويشجعهم على القراءة ومن ثم على نقد ما قرأوه، ورؤية ما فيه من أخطاء وعيوب وحسنات. كان يدعوهم إلى بناء ثقافتهم العلمية، والاطلاع على مروحة كبيرة من نتاج الآخرين ليكونوا قادرين على عيش الحياة بكل تفاصيلها.في الدراسة ترك لهم حرية اختيار الاختصاص الجامعي أو اختيار المهنة التي يحبون، وفي كل مراحل حياته كان يصرّ عليهم أن ينهوا دراساتهم الجامعية إلى جانب أي أمر آخر يريدون العمل عليه، ولذلك ليس غريباً أن يحملوا كلهم شهادات جامعية باختصاص واحد أو اختصاصين، عدا وصول ابنه جعفر إلى درجة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية. كلمته كانت دوماً لهم كما سمعوها منه يقولها للناس في المسجد "مؤهلاتك تبني شخصيتك". كان يؤكد عليهم ضرورة احترام القوانين، وخصوصاً حين التنقل على الطرقات، وكذلك احترام أنظمة المدارس وقوانينها، ويدعوهم إلى بناء شخصيتهم من ضمن رؤية الاحترام للآخرين ممن ينتمون إلى أفكارهم أو غير المنتمين لها من مذاهب وأديان أخرى، فالمهم بالنسبة اليه هو التركيز على الجانب الإنساني في العلاقة مع الناس. يروي ابنه العلامة السيد علي فضل الله إن سماحة السيد "لم يرض أن يخوض غمار الحياة كما يخوضها طالبو الراحة.. أو أن يهدأ حيث يهدأ الناس ويرتاح حيث يرتاحون.. فضّل أن يكون تياراً معاكساً قوياً، عندما كان يرى التيارات المتنوعة لا تنطق بالحقيقة، بل تعاديها. فضّل أن يكون ماء تياره مما يمكث في الأرض وما ينفع الناس، لا زبداً رغواً جفاءً لا يعكس شيئاً من الحقيقة. كان يعرف أن ذلك سيتعبه، وأن السير مع التيار أكثر راحة وربحاً، ولكنه كان يؤمن بأن الإنسان ينبغي أن يكون هو نفسه لا أن يكون ظلاً وصدى لإنسان آخر"..
الحياة التي أنتجها السيد فضل الله والتي كانت تمتد لساعات طويلة من أيام حيواته، لم تكن لتؤثر في علاقته مع عائلته وأولاده، ولم تكن لتبعده عنهم في اللحظات التي يحتاجون فيها اليه. استطاع أن يبقي على نموذج الأب الذي يهتم بشؤون عائلته في الوقت الذي يتابع فيه حياة الناس الذين تحول إلى مسؤول عنهم، لتكبر عائلته وتصير مئات الآلاف من المحبين والمقلّدين الذين يعتبرونه رمزاً لحياتهم بالإضافة إلى عائلته الصغيرة التي كانت أولاداً وصار فيها أحفاد حملوا الفرح إلى قلبه.
مع أولاده كان يبادر إلى الحديث دائماً، يبتسم لهم كعادته في الابتسام لكل الناس، يستطلع عيونهم إن كان هناك ما يقلقهم، ويبدأ بسؤالهم عن آخر الأشياء التي قاموا بها ليدخل من هناك إلى السؤال حول ما يزعجهم. يبدأ معهم بالتفاصيل واليوميات، ليكون إلى جانبهم في الوقت القليل جداً الذي يتبقى له بين مشاغله. يروي ابنه عباس أنه كان يخصص الأوقات لمناقشة أيامهم وحياتهم، من المدرسة صغاراً إلى الجامعة كباراً، كان مصراً على خلق فرصة للنقاش معهم من أجل أن يفهم منهم الظروف المحيطة بهم خلال ساعات غيابه عنهم.
كانت ساعات اللقاء بهم قليلة، لكن أهمها كان ساعات الطعام التي كان يصرّ على حضور جميع أولاده إليها. كان يشعر بالراحة بينهم، يسمع منهم مباشرة ما يعيشونه، وفي هذه الجلسات يضحك لقصص طفولتهم. التشجيع المتواصل من سماحة السيد فضل الله على خوض التجارب وعيشها أمر لا ينساه عباس، فالتجربة بالنسبة إلى السيّد هي التي ترسخ العلم، وتفتح المجال لبناء خبرة ومنها يمكن العيش بين الناس وإفادتهم.
فكرـ. ومؤسسات
في حياته أنشأ السيّد فضل الله عشرات المؤسسات الثقافية والتعليمية والتربوية والخدماتية والصحية والدينية التي تعددت وتنوعت باهتماماتها وساهمت في إيصال الرسالة الدينية المنفتحة له. كان يحرص على تحويل الأفكار التي كان يناقشها إلى مؤسسات، من العناية بالأيتام والحالات الإجتماعية وصولاً إلى طرحه تحويل المرجعية الدينية إلى مؤسسة، فهو وخلال حياته اختبر فاعلية تطور الأفكار ونجاحها داخل المؤسسات التي أسّسها أو ساهم في تطويرها. يروي مدير مؤسسة الفكر الإسلامي الدكتور نجيب نور الدين، أن "سماحته كان يعمل لبناء المؤسسات. كان يعتبر أنه لا يمكن لأي فكرة أن تنجح وتصبح فاعلة ومؤثرة من دون المأسسة". ويلفت إلى "أن الراحل كان يرى أن العمل الفردي ينتهي بانتهاء صاحبه وزواله، لذلك رأى أن بناء المؤسسات هو ما يجعل العمل جزءاً من سيرورة تتطور ولا تتوقف رسالتها التي أنشئت من أجلها".
أولى المؤسسات التي أنشأها العلامة فضل الله كانت جمعية المبرات الخيرية في مركز واحد في بداية الثمانينات في منطقة صفير، ومع مرور الوقت وزيادة الحالات الاجتماعية، وفقدان الأمان الاجتماعي لدى العديد من أولاد شهداء الحرب اللبنانية وتزايد الحاجة إلى بناء مؤسسات أكبر وأوسع، فكّر بتوسيع المؤسسات من حيث الكمية وتغير نوع العمل، لاستيعاب المشكلات الاجتماعية المتفاقمة. لهذا الهدف قام بتوظيف علاقاته الشخصية والدينية مع عدد كبير من أصحاب رؤوس المال لتأمين الدعم لإنشاء مؤسسات قادرة على تقديم الحماية المتكاملة لمن يحتاجها.نجح السيد في صناعة معادلة إيجابية بين أصحاب الخير وشريحة كبيرة من الناس، عبر بنى إيجابية هي المؤسسات التي تضع أهدافها بشكل واضح ولا يضيع هدفها خلال أي تبدل قد يحدث. وقد جذب هذا العمل المؤسساتي "ممولين" من أصحاب الخير وجدوا في المأسسة طريقاً واضحاً لنجاح فكرة حماية المجتمع.
ويتابع نور الدين أن "السيد حرص على أن تكون المؤسسات مراكزللانطلاق في الحياة بالعلم والخبرة وخصوصاً في دور الأيتام التي رفض أن تكون مجرد مأوى من دون أن تصنع من الحالة قوة قادرة على العطاء في المجتمع. كان طموحه أن تكون المؤسسات التي أنشأها رائدة في مجالها ومبنية على أسس علمية وتسعى إلى التطوير وتقديم الخدمة لمستحقيها بشكل يمكنهم من إعادة إنتاج قدراتهم".
بالنسبة إلى المبرات حرص على أن يكون لها إدارة متخصصة مع هيئة تربوية تعليمية من الكفاءات المتخصّصة في مجالها، وكذلك العمل على تأمين المستلزمات الحياتية الجيدة لتكون نموذجاً رائداً في العمل بين الأيتام. "نحن لا نريد النجاح في عملنا، بل نريد التفوق وكذلك الإبداع" هذا واحد من شعاراته وفيه أرادة لتحقيق مستويات عالية من النجاح عبر تأمين حياة جيدة لمن تستهدفهم المؤسسات التي أنشأها، فالتفوق والابداع ظهرا في المؤسسات التربوية ودور الأيتام وفي المؤسسات الاجتماعية التي ما زالت تواصل عملها كما رسم لها طريقها . ويؤكد نور الدين " أن سماحته كان يحرص على متابعة عمل المؤسسات والاهتمام بمتابعة التفاصيل الكبيرة والصغيرة. كان يحاسب من ينتدبهم للعمل فيها بدقة، لكي يبدعوا في عملهم، فالعاملون مثل أبنائه مؤتمنون على الناس وأرواحهم وخصوصاً في مؤسسات الأيتام. عرف عنه أنه كان ينظم أوقاته بدقة طوال اليوم، وكان يتحكم بهذا التنظيم عقل رجل المؤسسات والعالم الديني، فيقوم بتوزيع اهتماماته لتنفيذ العمل في النهار واللقاء مع الناس والاجتماع مع المشرفين على المؤسسات، وفي الليل للتفكير والتعبد ودراسة الأمور العالقة. كان متنبها إلى ضرورة إبقاء درس الفقه اليومي بعد صلاة الصبح في كل الظروف، حتى في أوقات مرضه وتعبه، فشعاره مع الوقت كان اعتصروا الزمن فإننا في سباق مع الوقت ونحن نصنع حضارتنا ومجد أمتنا".

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب..مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين..

 السبت 19 تشرين الأول 2024 - 4:13 ص

جوزف عون..قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب.. مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع ال… تتمة »

عدد الزيارات: 174,725,797

عدد الزوار: 7,766,097

المتواجدون الآن: 0